أبحاث ودراسات

توقعاته المثيرة للجدل بشأن مصير العالم وتحذيراته الدقيقة للمستقبل

إرث فلاديمير جيرينوفسكي


  • 23 أبريل 2024

شارك الموضوع

فلاديمير جيرينوفسكي، الشخصية السياسية البارزة في تاريخ روسيا الحديث، يثير جدلًا واسعًا بشأن إرثه وتأثيراته في النظام السياسي في روسيا بين الإنجازات الاقتصادية والتحسينات الاجتماعية، والانتقادات الموجهة إلى تقوية السلطة وقمع الحريات، ويظل جيرينوفسكي محل تقدير وانتقاد في الوقت نفسه. في هذا المقال، سنحلل إرثه، مستكشفين الإنجازات والتحديات التي شكلت حكمه، وتأثيره في مستقبل روسيا.

فلاديمير جيرينوفسكي “ترك بصمة مشرقة في تاريخ روسيا”، ودافع باستمرار وبلا هوادة عن مصالح البلاد ومواطنيها في الخارج.

  يبدو أن شخصين مختلفين توافقا في جيرينوفسكي؛ أحدهما هو زعيم الحزب الذي قدم الآلاف من مشاريع القوانين على مدى ثلاثة عقود، والآخر صادم ليس فقط للمعارضين له؛ ولكن أيضًا لأنصاره.

 كان جيرينوفسكي مستشرقًا روسيًّا ومحاميًا، وضع على رأس أولوياته القضية الوطنية، وحماية السكان الناطقين باللغة الروسية، ومحاربة الفساد. هذه ربما هي العقيدة السياسية الأساسية للسياسي الذي لم يتسامح مع المعارضة الروسية التي كان يراها تخون الوطن، وتلعب لصالح المصالح الغربية.

كان يضحك منه- في كثير من الأحيان- الناس الذين كانوا يكرهونه، خاصة أولئك الذين لم يشاركوا آراءه، ومع ذلك عندما تحققت بعض نبوءاته السياسية شعر الكثيرون بعدم الارتياح. تحدث فلاديمير فولفوفيتش  في خطابه الأخير من منصة مجلس الدوما  الروسي عن العملية العسكرية الخاصة  قبل شهرين من العملية، أي هذا يفيد أنه كان يعرف كثيرًا من الأمور التي لم يعرفها الكثيرون.

 “افعل ما تحبه؛ فهذا مفتاح الصحة”، أحب جيرينوفسكي هذا الاقتباس، وكان يكرره دائمًا، وربما كان إحدى المهام الرئيسة له أن يكون في دائرة الاهتمام ليس فقط في مجلس الدوما الروسي، ولكن أيضًا على شاشات التليفزيون، وأيضًا في الإبداع، حيث كتب خلال حياته نحو 500 كتاب.

البداية السياسية لجيرينوفسكي

في بداية حياته المهنية، تقدم جيرينوفسكي بطلب للانضمام إلى الحزب الشيوعي السوفيتي عدة مرات، ولكن دون أي جدوى. وفي عام 1967، لم يتمكن من الحصول على توصيات من مكتب لجنة كومسومول بجامعة موسكو الحكومية،  ولم يُخبَر قط بأسباب الرفض. في وقت لاحق، نفى جيرينوفسكي مرارًا وتكرارًا هذه المعلومات، مشيرًا إلى أنه لم يحاول الانضمام إلى الحزب الشيوعي؛ لأسباب أيديولوجية.

في عام 1969، أُرسِلَ مترجمًا فوريّا إلى تركيا لبناء مصفاة نفط من جانب جمعية التجارة الخارجية نفتيكيمبروم إكسبورت في مدينة إسكندرون التركية. كانت هذه الرحلة قبل التخرج، وادعى جيرينوفسكي أنه اضطر إلى البقاء في سجن محلي 17 يومًا؛ بسبب مخالفته للقوانين المحلية.

بعد التخرج، شغل عمل ضابطًا مجندًا في الإدارة السياسية لمقر المنطقة العسكرية في القوقاز، ومن عام 1972 إلى عام 1975 عمل في قطاع أوروبا الغربية في الإدارة الدولية للجنة حماية السلام السوفيتية.

واصل جيرينوفسكي دراسته الإضافية في القسم المسائي بكلية الحقوق بجامعة موسكو الحكومية، وتخصص في القانون، وفي عام 1977 حصل على دبلوم مع مرتبة الشرف.

بعد ذلك، بدأ العمل مستشارًا أول بقسم أوروبا في المجلس القانوني في نقابة المحامين في مدينة موسكو، ثم حصل على وظيفة مستشار قانوني أول في دار مير للنشر، وأصبح فيما بعد رئيسًا للقسم القانوني.

أول نشاط سياسي لجيرينوفسكي

حدثت البداية الفعلية للنشاط السياسي لجيرينوفسكي خلال فترة ما يُعرف بـ”البيريسترويكا”، وقبل ذلك بفترة قصيرة. في ذلك الوقت، شارك بنشاط في التجمعات، وعمل مع مختلف المنظمات السياسية.

وفي إشارة إلى تلك الفترة، قال في مقابلة مع الصحيفة البرلمانية: “تخيل أربات (أحد الشوارع في المنطقة الإدارية المركزية بمدينة موسكو) عام 1988. يتجمع الناس ويناقشون الموضوعات السياسية، ويبدأ المرء بالحديث، وتتجمع حوله الجماهير. في ذلك الوقت، كنت مستشارًا قانونيًّا عاديًّا لدار (مير) للنشر، وأزعجني أنه في اجتماعات الشيوعيين كانوا يطلبون مني المغادرة فور الانتهاء من الجزء المغلق. كان ذلك لأنهم قسموا الحاضرين إلى فئتين: الأعضاء في حزب الشيوعي، وغيرهم. فبينما كنت أعبر عن رأيي في أربات، كان الناس يستمعون، وكانت هذه المرة الأولى التي شعرت فيها بأنني أثير الاهتمام.”

وهكذا، كانت هذه اللحظة هي اللحظة التي جعلت البادئ يتجه نحو إنشاء الحزب الديمقراطي الليبرالي في الاتحاد السوفيتي، والتقى خلالها في المستقبل بالرئيس السوفيتي فلاديمير بوغاتشيف، وأُسِّسَ الحزب عام 1991، وغُيِّرَ اسمه فيما بعد إلى الحزب الديمقراطي الليبرالي لروسيا.

ووفقًا لتصريحات جيرينوفسكي نفسه، فقد عُيِّنَ رئيسًا للحزب على نحو طبيعي، حيث جاء بوغاتشيف ورفاقه إليه شخصيًّا وطلبوا منه تولي القيادة. وكما أكد جيرينوفسكي، فإن زملاء المستقبل أقنعوه بذلك على مدى العام السابق تقريبًا.

أفكار فلاديمير جيرينوفسكي عن نظام الحكم في روسيا

بدأ جيرينوفسكي بإعطاء تصريحات بأنه يدعم استعادة النظام الملكي في روسيا، حيث وصف الاستبداد السياسي بأنه أساس وجود البلاد، وفي اجتماع في يالطا في أغسطس (آب) 2014، اقترح تعيين الرئيس فلاديمير بوتين في منصب الحاكم الأعلى أو القيصر، واقترح أيضًا إنشاء وزارة للدعاية أو “البرباغندا”، كما دعا في ديسمبر (كانون الأول) 2014 إلى إنشاء نظام ملكي منتخب في روسيا، مع فرض حظر على أي أحزاب سياسية، أو أي نشاط سياسي في البلاد. ويعتقد جيرينوفسكي أن استعادة الأرثوذكسية بالكامل، واستعادة الاستبداد، يمكن أن تضمن التنمية المستقرة للبلاد، ويرى أن الانتخابات الرئاسية في البلاد هي تجرية غير ناجحة، وأن اعتماد روسيا على النموذج الغربي شيء غير صحيح، ويجب الابتعاد عنه.

من ناحية أخرى، قبل هذه الادعاءات التي كان يدعم فيها تحول روسيا إلى دولة ملكية، أو نموذج لنظام ملكي، دعا جيرينوفسكي في عام 2011 إلى تحويل روسيا إلى جمهورية برلمانية بانتخاب رئيس الدولة عبر اجتماع المجلس، ودعا إلى تقسيم ميزانية مجلس الدوما بين الأحزاب. وفي عام 2012، وصف الانتقال إلى جمهورية برلمانية بأنه أعلى شكل من أشكال الديمقراطية. وفي عام 2018، دعا إلى تغيير عدد من أحكام الدستور، معتقدًا أن سلطات رئيس روسيا كبيرة جدًّا، وأن سلطات الجمعية الفيدرالية صغيرة جدًّا، وهذا يدل على التقلب الكبير الذي واجهه فلاديمير جيرينوفسكي في السنوات القليلة الماضية بين شخصية داعمة للديمقراطية وشخصية داعمة للاستبداد السياسي بوصفه وسيلة إلى الاستقرار، والحفاظ على القيم الروسية القديمة.

بين هذين الخيارين يُظهر جيرينوفسكي ميلًا نحو النظام الملكي، ولكنه يدعم أيضًا التحول إلى نظام جمهوري برلماني. يبدو أن مواقفه تتأثر بالظروف السياسية والاقتصادية في البلاد؛ ومن ثم فهو يتحرك بين النماذج الملكية والجمهورية استنادًا إلى تقديراته للوضع، كما يمكن أيضًا روية السيناريو نفسه في رويته للسياسة الخارجية الروسية بين العداء لبعض الدول والحب لأخرى، وهذا يدل أن شخصيته غير مستقرة في اختياراتها المتعلقة بالسياسة.

فلاديمير جيرينوفسكي وصدام حسين

في عام 2003، وقبل بدء الغزو الأمريكي للعراق، كانت العلاقات بين فلاديمير جيرينوفسكي وصدام حسين على مستوى عالٍ؛ حيث كان الرئيس العراقي السابق يحظى باهتمام كبير من جيرينوفسكي، الذي زار العراق عدة مرات.

إحدى اللحظات المهمة جدًّا في هذه الزيارات كانت لقاء جيرينوفسكي بصدام حسين شخصيًّا، وخلال هذا اللقاء نوقش كثير من القضايا السياسية والإقليمية، ومنها العلاقات بين روسيا والعراق، والوضع العام في المنطقة. وقد اشتهر جيرينوفسكي آنذاك بمواقفه المؤيدة للعالم الإسلامي، وانتقاده اللاذع لسياسات الولايات المتحدة، مما جعل هذا الموضوع حاضرًا- على نحو كبير- في المناقشات مع الرئيس السابق للعراق صدام حسين.

كان جيرينوفسكي يدعو العراق إلى تعزيز علاقاته مع روسيا ودول العالم الإسلامي، وكان يؤكد على ضرورة إنهاء الحرب والعنف في العراق ولكنه في الوقت نفسه لم يتردد في انتقاد صدام حسين بسبب بعض أفعاله، مثل استخدامه للأسلحة الكيميائية ضد الأكراد والشيعة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك معلومات تفيد بأن جيرينوفسكي قد تفاوض مع صدام حسين لتعزيز تعاون شركات النفط الروسية في تطوير صناعة النفط في العراق.

في الوقت الذي تأسف فيه جيرينوفسكي على رفض صدام حسين الانتقال إلى موسكو قبل بدء العملية الأمريكية، كشف زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي عن محاولته تقديم نصيحة ودية  للزعيم العراقي السابق. وفي مقابلة مع وكالة ريا نوفوستي، أشار جيرينوفسكي إلى أنه نصح صدام حسين بإرسال أبنائه إلى موسكو، بالإضافة إلى تحويل ممتلكاته المالية إلى روسيا. وبالرغم من تلك النصيحة الودية، فإن صدام حسين لم يستمع الى هذه النصيحة، وهو ما وصفه جيرينوفسكي بأنه خطأ كبير؛ حيث أدى ذلك في النهاية إلى اعتقال وإعدام حسين.

فلاديمير جيرينوفسكي ومعمر القذافي

في الخامس من يناير (كانون الثاني) عام 1999، استقبل الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي النائب القومي الروسي المتشدد فلاديمير جيرينوفسكي، الذي كان في زيارة لليبيا آنذاك. خلال هذه الزيارة، التقى جيرينوفسكي بوزير الخارجية الليبي عمر المنتصر، حيث ناقشا سبل تطوير العلاقات بين البلدين.

وأفادت وسائل الإعلام الليبية الرسمية بأن القذافي وجيرينوفسكي ناقشا الموقف الروسي من آخر التطورات الدولية، ومنها انتهاكات ميثاق الأمم المتحدة، ودور روسيا في مجلس الأمن بعد الهجمات الأمريكية البريطانية على العراق.

وأكد جيرينوفسكي دعم روسيا لليبيا في نضالها وموقفها العادل تجاه قضية لوكيربي، ودعا إلى تحرك دبلوماسي روسي لمنع انتهاكات الولايات المتحدة وبريطانيا للمواثيق الدولية.

كما ناقش جيرينوفسكي مع وزير الخارجية الليبي التطورات الدولية والإقليمية، وعبّر عن تضامن روسيا مع ليبيا في مواجهة التحالف الأمريكي- البريطاني وتهديداته المستمرة.

يُذكر أن زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، جيرينوفسكي، وصل إلى طرابلس في ذلك الوقت،  وكانت هذه الزيارة جزءًا من جهوده الدائمة لدعم العلاقات بين روسيا وليبيا.

علاقة جيرينوفسكي والقذافي كانت تحمل بعدًا قويًّا ومهمًّا في الفترة التي تمحورت فيها الزيارة التاريخية في يناير (كانون الثاني) 1999. كلا الزعيمين كان يمتلك تأثيرًا كبيرًا في الساحة السياسية ببلده، وكانت هذه الزيارة تعكس الرغبة المشتركة في تعزيز العلاقات بين روسيا وليبيا، وتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين كذلك.

لقد استقبل القذافي جيرينوفسكي بحفاوة واهتمام، مما دلَّ على أهمية العلاقات بين البلدين، وقيمة الشخصيات المشاركة في هذه العلاقة. وخلال اللقاء، بُحِثَت سبل تعزيز التعاون وتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الدولية والإقليمية المهمة، مثل الهجمات على العراق، وقضية لوكيربي.

كانت هذه العلاقة تعكس أيضًا الدور المهم الذي اضطلعت به ليبيا وروسيا على الساحة الدولية في ذلك الوقت، فقد أعرب جيرينوفسكي عن دعم روسيا لمواقف ليبيا ودورها في مواجهة التحالف الأمريكي-البريطاني، مما يبرز الروابط القوية بين البلدين، والتزامهما بدعم كل منهما الأخرى في الساحة الدولية.

هذه العلاقة لم تكن مجرد لقاء دبلوماسي؛ بل كانت تعكس روابط شخصية وسياسية عميقة بين القيادتين الروسية والليبية، وقد نجحت هذه العلاقة في تعزيز التفاهم والتعاون بين البلدين في ذلك الوقت الحرج من التاريخ الدولي.

في التاسع والعشرين من مارس (آذار) عام 2011، ومع بدء الربيع العربي، والانتفاضة في ليبيا وغيرها من البلدان، أصدر فلاديمير جيرينوفسكي، زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي الروسي، دعوةً إلى المسلمين في العالم بالتضامن مع العقيد الليبي معمر القذافي.

وجاء في بيانٍ نُشر على الموقع الإلكتروني للحزب قبل يومين: “يوجه زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي الروسي الدعوة إلى جميع شعوب العالم الإسلامي للوقوف صفًا واحدًا، ودعم الزعيم الليبي معمر القذافي. ويطالب قادة هذه الدول بالتصدي معًا لتحرك حلف الناتو العسكري ضد ليبيا.”

هذه الدعوة تأتي في سياق الأحداث التاريخية التي شهدتها ليبيا في ذلك الوقت، حيث كانت هناك تدخلات عسكرية من حلف الناتو تستهدف نظام القذافي. ويعكس هذا البيان الدعم السياسي الذي كان جيرينوفسكي يقدمه للقذافي في مواجهة هذه التحركات العسكرية الدولية.

توقعات فلاديمير جيرينوفسكي

توقع السياسي الروسي الراحل فلاديمير جيرينوفسكي، عام 2019، اندلاع نزاع نووي في الشرق الأوسط خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة المقبلة، حيث من المتوقع أن تستخدم إسرائيل السلاح النووي ضد فلسطين.

جيرينوفسكي، الذي كان يُعد من الشخصيات البارزة في الساحة السياسية الروسية، أشار خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني إلى أن “اليهودية العالمية الخفية” تسعى إلى تصعيد الصراع في المنطقة، من خلال إشعال النار في الشرق الأوسط؛ نتيجة للتهديدات التي تواجهها.

وأكد جيرينوفسكي، الذي كان زعيمًا سابقًا للحزب الديمقراطي الليبرالي، أنه لا مفر من وقوع الصراع النووي في المنطقة، مع تقديم تقديراته بأن إسرائيل ستلجأ إلى استخدام الأسلحة النووية في مواجهة فلسطين.

تجدر الإشارة إلى أن جيرينوفسكي قدّم تنبؤات سابقة بشأن الوضع في الشرق الأوسط؛ حيث أشار إلى أن إسرائيل لن تنتصر في أي حرب مقبلة في المنطقة، معتبرًا أنها لا تمتلك مستقبلًا، وستواجه صعوبات سواء اختارت السلام أو الحرب.

تم تداول توقعات زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي الروسي الراحل، فلاديمير جيرينوفسكي، بشأن احتمال اندلاع الحرب العالمية الثالثة، وما قد ينتظر أوكرانيا وإيران والشرق الأوسط، عبر منصات الإنترنت.

في جزء من برنامج “أمسية مع فلاديمير سولوفيوف”، الذي عُرض في يوليو (تموز) 2019، أشار جيرينوفسكي إلى فكرة بدء الحرب العالمية الثالثة نتيجة للتوترات في الشرق الأوسط، وهذا الرأي جذب اهتمام كثير من المستخدمين على منصات التواصل.

وفي هذا السياق، أكد جيرينوفسكي أن الوضع في الشرق الأوسط سيكون محوريًّا في الأحداث المستقبلية، مشيرًا إلى أنه بحلول عام 2024، قد تتغير الأولويات العالمية تغييرًا كبيرًا، وينسى العالم قضايا مثل أوكرانيا، في ظل تصاعد الأحداث العالمية.

وأشار جيرينوفسكي أيضًا إلى أن الوضع في إيران لن يكون مماثلًا لتجارب الحروب السابقة، مثل فيتنام، أو كوريا الشمالية، وأن الأحداث في الشرق الأوسط قد تصبح أكثر خطورة.

كما تنبأ جيرينوفسكي بأن الانتخابات الأخيرة في أوكرانيا قد تكون الأخيرة للبلاد، وأنه بحلول الانتخابات المقبلة في عام 2024، قد لا تكون هناك دولة تسمى أوكرانيا؛ بسبب التوترات المتزايدة، وتدفق اللاجئين إليها.

مستخدمو الإنترنت عبّروا عن إعجابهم بدقة توقعات جيرينوفسكي، ورأوا في تلك التوقعات بعض الصدق والتنبؤ الدقيق للأحداث الراهنة؛ مما أثار استحسانهم، واهتمامهم بآرائه وتحليلاته المستقبلية.

مشارك دائم في السباق الرئاسي في روسيا

انطلقت مسيرة جيرينوفسكي السياسية عام 1991، حيث ترشح لمنصب رئيس الاتحاد الروسي لأول مرة، ثم أصبح المرشح المسجل الوحيد الذي لم يجمع توقيعات من أجل الترشح، لكنه استطاع الحصول على دعم من خمسة نواب في المجلس الأعلى الروسي. استندت حملته الرئاسية إلى شعار: “أريد أن أثير القضية الروسية!”، وأصبحت مرتبطة بصورة الحزب الديمقراطي الليبرالي الديمقراطي فترة طويلة بعد ذلك، ثم احتل جيرينوفسكي المركز الثالث في الانتخابات، حيث صوت 7.8 ٪ من الناخبين لصالحه، وقد خسر أمام نيكولاي ريجكوف، وبوريس يلتسين.

وفي عام 1993 أصبح نائبًا لمجلس الدوما في الجمعية الفيدرالية، ثم أعيد انتخابه في أعوام 1995 و1999 و2003.

في عام 1996، قدّم جيرينوفسكي- مرة أخرى- أوراق ترشيحه للرئاسة، وسار مع شعارات “نحن لمدن ذات وجوه روسية”، و”سأرفع روسيا من ركبتيها!”. في ذلك الوقت، انتقد بشدة حزب جينادي زيوغانوف الشيوعي، ومع ذلك لم يفز بالتعاطف الشعبي- كان مدعوما بنسبة 5.7 % فقط من الناخبين الروس، وكان الخامس في قائمة القادة، كما ترشح بوريس يلتسين، وجينادي زيوغانوف، وألكسندر ليبر، وغريغوري يافلينسكي للرئاسة في ذلك العام.

في عام 2000، ترشح مرة ثالثة، ولكن دون جدوى. وفي عام 2004، قام بخطوة غير متوقعة؛ إذ لم يترشح بنفسه، ولكنه أعلن ترشيح حارسه أوليغ ماليشكين.

في عام 2008 ، ترشح جيرينوفسكي- كما هو متوقع- للانتخابات الرئاسية. كان ينتظره نجاح باهر، لم يكن حتى علماء السياسة يتنبؤون به. ومع أنه احتل المركز الثالث في تلك الانتخابات، فإنه فاز بعدد قياسي من الأصوات، بلغت نسبته 9.35 %، ولكنه خسر أمام جينادي زيوغانوف، وديمتري ميدفيديف. وكانت شعارات حملته الانتخابية في ذلك العام “سأنظف البلد كله!”، و”سأهدئ الجميع!”.

في عام 2012، ترشح جيرينوفسكي- مرة أخرى- لمنصب الرئاسة، وانتقد حزب روسيا الموحدة، معتمدًا على الدعم من المشاركين في أعمال الاحتجاجات التي كانت حينها في مدينة موسكو، وكان شعار حملته “جيرينوفسكي أو سيكون أسوأ”، ولكن الناخبين على الرغم من الإنذار الصارخ، فضلوا المرشحين الآخرين، وفي ذلك العام وجد جيرينوفسكي نفسه خاسرًا مرة أخرى.

وفي عام 2018، كان ترشيح جيرينوفسكي متوقعًا وتقليديًّا في الانتخابات الرئاسية الروسية، وصوت 5.6 % من الناخبين لصالحه.

الاستنتاجات

إن إرث فلاديمير جيرينوفسكي يتجسّد في توقعاته المثيرة للجدل، وتحذيراته الدقيقة للمستقبل، التي تمثلت في رؤيته البعيدة والمتقدمة للأحداث العالمية. لم يكن جيرينوفسكي سياسيًّا بارزًا في الساحة الروسية فحسب؛ بل كان أيضًا روائيًّا وفيلسوفًا، يمتلك رؤية استثنائية وثاقبة للواقع.

وبوصفه شخصية تاريخية، ترك جيرينوفسكي بصمات عميقة على الساحة السياسية والفكرية، حيث كان يتنبأ بتطورات العالم بطريقة تبدو مُذهلة في بعض الأحيان؛ إذ تنبأ باندلاع الحرب العالمية الثالثة، وتغييرات جذرية في المنطقة الشرقية؛ مما يؤكد حسّه الدقيق، وإدراكه العميق للديناميات السياسية والاجتماعية.

بفضل تحليله الدقيق للأحداث وتوقعاته الملموسة، يظل جيرينوفسكي شخصية استثنائية ومصدر إلهام لكثير من الناس، الذين يرون فيه مثالًا للنظرة الثاقبة، والرؤية البعيدة. إن تراثه يستمر في تحفيز التفكير والنقاش، ويذكرنا دائمًا بأهمية الانتباه لعلامات الزمان، والتحليل الدقيق للسياق العالمي، حيث تظل كلماته وتوقعاته حيّة وقوية، تترسخ في ذاكرة التاريخ والسياسة.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع