في حدث يعكس عمق العلاقات الثقافية والدبلوماسية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا، شهدت العاصمة الروسية موسكو افتتاح “أيام الثقافة الإماراتية”، حيث استقطب هذا الحدث الثقافي الفريد أكثر من 40 ألف زائر في يومه الأول. تستمر فعاليات المهرجان حتى 2 يوليو (تموز)، وتقدم فرصة فريدة للسكان المحليين والسياح لاستكشاف الثقافة الإماراتية الغنية والمتنوعة.
بدأت “أيام الثقافة الإماراتية في موسكو” في 28 يونيو (حزيران) في ساحة المانيج، إحدى الساحات المركزية لمشروع “صيف في موسكو”. في مساء اليوم الأول، زار المهرجان أكثر من 40 ألف شخص، مما يعكس الاهتمام الكبير بهذا الحدث. تتيح الفعالية للزوار فرصة استكشاف المعالم السياحية، والأزياء التقليدية، والمطبخ الإماراتي، بالإضافة إلى تعلم تقنيات الرسم بالحناء، وزيارة معرض الصور واللوحات.
أُعد البرنامج بالتعاون بين سفارة الإمارات في موسكو وحكومة موسكو، ليكون جزءًا من سلسلة من الفعاليات المتبادلة التي تعزز التعاون الثنائي بين البلدين. يُشير سفير الإمارات في روسيا، محمد أحمد سلطان إيسا الجابر، إلى أن العلاقات بين البلدين قوية وراسخة، خاصة في مجال التفاعل الثقافي.
افتتحت فعاليات أيام الثقافة الإماراتية ببرنامج موسيقي في ساحة المانيج، وأكدت وزيرة الثقافة الروسية، أولغا ليوبيموفا، أن تنظيم هذه الفعالية في قلب العاصمة الروسية هو خطوة مهمة في تعزيز التفاعل الثقافي الروسي الإماراتي وتطويره، وأوضحت أن هذا الحدث يوفر للسكان والزوار فرصة فريدة للغوص في أجواء الشرق العربي الساحرة، ومعرفة الثقافة الإماراتية الزاهية، والتقاليد، والأزياء، والمأكولات.
الفعاليات والعروض
شهدت الفعاليات الثقافية عروضًا مميزة من فرق موسيقية إماراتية، مثل “العتايبة” و”المازيود”، بالإضافة إلى عرض أزياء تقليدية. كما تضمنت الأنشطة عروضًا للرقصات الإماراتية التقليدية مثل “اليولة”، التي تُعد جزءًا من التراث الإماراتي العريق.
من الجدير بالذكر أن الإمارات العربية المتحدة أصبحت واحدة من الوجهات السياحية المفضلة ليس لسكان موسكو فقط؛ بل لكثير من السياح في العالم. يجذب جمال البحر والمناطق السياحية الحديثة والمعمار الفريد في دبي وأبو ظبي كثيرًا من الزوار. لكن حتى لو لم يكن السفر ممكنًا، فإن أيام الثقافة الإماراتية في موسكو تُقدم فرصة رائعة للجميع لاستكشاف سحر الشرق.
التعاون الثقافي المستمر
تُعد هذه الفعالية جزءًا من دورة من الفعاليات التي تُعقد على أساس تبادلي في إطار التعاون الثنائي. يُشير نائب عمدة موسكو، ناتاليا سيرغونينا، إلى أن العلاقات الشراكية بين البلدين تتطور في كثير من المجالات، ومنها السياحة. في عام 2023، زار موسكو أكثر من 42 ألف مسافر من الإمارات، وهو رقم يزيد بثماني مرات عن العام السابق. وتواصل هذه الزيادة في عام 2024؛ مما يعكس الاهتمام المتزايد بالعلاقات الثقافية والسياحية بين البلدين.
تحسين العلاقات الروسية الإماراتية
شهدت العلاقات الروسية الإماراتية تحسنًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث وصلت إلى مستويات عالية من التعاون. الأسباب التي أسهمت في هذا التحسن تشمل:
التعاون الاقتصادي
شهد التبادل التجاري بين البلدين نموًّا كبيرًا. في عام 2022، بلغ حجم التجارة بين روسيا والإمارات 9 مليارات دولار، وزاد بنسبة 63 % خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر (أيلول) 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق . في عام 2024، توقع رئيس مجلس الأعمال الروسي الإماراتي، سيرغي غوركوف، أن تتجاوز التجارة البينية مستوى العام الماضي لتصل إلى 10 مليارات دولار .
التعاون السياسي
عززت الزيارات المتبادلة بين القادة مستوى الشراكة الإستراتيجية. مثال ذلك زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإمارات في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، التي كانت خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الثنائية.
الاستثمارات المشتركة
أُطلقت كثير من المبادرات الاستثمارية المشتركة بين البلدين، مثل صندوق الاستثمار الروسي الإماراتي، الذي يهدف إلى استثمار مليارات الدولارات في مشروعات البنية التحتية والطاقة. حاليًا، هناك آلاف الشركات الروسية التي تعمل في الإمارات؛ مما يعكس الثقة المتبادلة بين الدولتين .
التكنولوجيا والابتكار
الإمارات تبرز بوصفها مركزًا للابتكار في المنطقة، مما يجذب الشركات الروسية للتعاون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة. تشمل المجالات الواعدة تكنولوجيا المعلومات، والصيدلة، والطب، والمواقع الإنتاجية، والمنتجات الزراعية .
التعليم والثقافة
ازداد التعاون الأكاديمي والثقافي بين البلدين، مع تبادل الطلاب والبرامج الأكاديمية المشتركة. يسهم هذا التعاون في تعزيز التفاهم الثقافي والتواصل بين الشعبين.
السياحة
ارتفعت حركة السياحة بين البلدين ارتفاعًا كبيرًا، حيث زار الإمارات أكثر من 1.5 مليون سائح روسي في عام 2022، مما يعزز الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلدين .
زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة
في زيارة مهمة إلى أبو ظبي في ديسمبر (كانون الأول) 2023، أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن العلاقات بين روسيا والإمارات وصلت إلى مستوى غير مسبوق. تناولت المحادثات مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قضايا التعاون في قطاع النفط والغاز، بالإضافة إلى مناقشة الأوضاع في أوكرانيا، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني .
خلال هذه الزيارة، شدد بوتين على أهمية العلاقات الثنائية، وأكد التعاون الوثيق في إطار تحالف “أوبك بلس”، والمشروعات الكبرى في قطاع الطاقة. كما تناولت المحادثات الجوانب الصناعية المهمة، مثل تطوير مشروعات في صناعة السيارات، وتصنيع الطائرات المدنية، والطاقة المتجددة، والأدوية، والتقنيات، الرقمية .
أشار بوتين إلى أن الإمارات تعد الشريك الاقتصادي الأجنبي الرئيس لروسيا في العالم العربي. في عام 2023، حقق حجم التجارة المتبادلة رقمًا قياسيًّا بفضل العمل النشط للجنة الحكومية المشتركة للبلدين .
تعد الإمارات العربية المتحدة دولة رائدة في المنطقة العربية لأسباب كثيرة تتعلق بتنوع مجالات تأثيرها ونفوذها الواسع. أظهرت الإمارات قدرة استثنائية على تحويل نفسها إلى مركز عالمي للتجارة والسياحة والثقافة والتكنولوجيا. ومن بين العوامل الرئيسة التي تبرز أهمية الإمارات في المنطقة ما يلي:
التكنولوجيا والابتكار
تسعى الإمارات إلى أن تكون مركزًا عالميًّا للابتكار والتكنولوجيا. تشمل جهودها في هذا المجال استثمارات كبيرة في البنية التحتية التكنولوجية، وتطوير المدن الذكية، والتوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي، وقد أصبحت وجهة جذابة للشركات التقنية العالمية، حيث تستضيف فعاليات تقنية كبرى، مثل معرض “جيتكس”، الذي يجذب رواد التكنولوجيا من جميع أنحاء العالم.
الاقتصاد المتنوع والقوي
يعتمد الاقتصاد الإماراتي على مزيج من القطاعات الاقتصادية، منها النفط والغاز، والسياحة، والعقارات، والخدمات المالية. تتميز الإمارات بسياسات اقتصادية مرنة تشجع على الاستثمار الأجنبي، وتسهيل الأعمال، مما جعل اقتصادها من أكثر الاقتصادات استقرارًا وتنوعًا في المنطقة.
الثقافة والفنون
تشجع الإمارات على تعزيز الثقافة والفنون من خلال كثير من الفعاليات والمهرجانات الثقافية، إذ تستضيف كثيرًا من المهرجانات الدولية، مثل مهرجان دبي السينمائي الدولي، ومعرض “آرت دبي”، بالإضافة إلى دعمها للفعاليات الأدبية والفنية، مثل معرض الشارقة الدولي للكتاب.
السياحة
تعد الإمارات وجهة سياحية عالمية بفضل معالمها السياحية المميزة، وفنادقها الفاخرة. وقد استقبلت أكثر من 16 مليون سائح في عام 2022؛ مما يعزز مكانتها بوصفها وجهة سياحية مفضلة على مستوى العالم، وتجذب معالمها، مثل برج خليفة، وبرج العرب، وجزر النخيل، السياح من جميع أنحاء العالم.
التعليم والأبحاث
تتبنى الإمارات إستراتيجية شاملة لتطوير التعليم والبحث العلمي. ويعكس تأسيس جامعات دولية، مثل جامعة خليفة، وجامعة نيويورك- أبو ظبي، التزام الإمارات بتوفير تعليم عالي الجودة. كما تدعم الإمارات الأبحاث العلمية والتكنولوجية من خلال مراكز بحثية متقدمة، وشراكات مع مؤسسات دولية.
الاستدامة والطاقة المتجددة
الإمارات ملتزمة بتطوير مصادر الطاقة المتجددة، وتحقيق الاستدامة البيئية، ويمثل مشروع “مدينة مصدر” في أبو ظبي نموذجًا للمدن المستدامة، وتعد الإمارات من أوائل الدول في المنطقة التي تبنت إستراتيجيات شاملة للطاقة النظيفة والمتجددة.
تعكس هذه المجالات المتنوعة قدرة الإمارات على قيادة التحولات الإيجابية في المنطقة العربية، وتعزز مكانتها بوصفها دولة محورية تسهم- بفاعلية- في تشكيل مستقبل المنطقة والعالم.
البيئة الحاضنة للشركات الناشئة الروسية في دبي.. شراكات تلوح في الأفق
شهدت السنوات الأخيرة توجه كثير من الشركات الناشئة الروسية إلى دبي؛ بحثًا عن بيئة حاضنة تدعم نموها وتوسعها في الأسواق العالمية. وتعود هذه الظاهرة إلى عدة عوامل أسهمت في جعل دبي وجهة مفضلة لرواد الأعمال الروس والمستثمرين على حد سواء.
التحفيزات الاقتصادية والتشريعية
تعد دبي واحدة من أكثر المدن جذبًا للاستثمارات بفضل بيئتها الاقتصادية المستقرة، وسياساتها الداعمة للأعمال. توفر دبي بنية تحتية متطورة، وحوافز ضريبية، وقوانين تشجع على تأسيس الشركات. هذه المزايا جذبت مئات الشركات الناشئة الروسية إلى الإمارة، حيث وجدت الدعم اللازم للتوسع والنمو.
تأثير الأزمات الجيوسياسية
ألقت الأزمات الجيوسياسية، مثل أزمة كوفيد- 19، والحرب الأوكرانية، بظلالها على الشركات الروسية. دفعت هذه الأزمات كثيرًا من رواد الأعمال إلى البحث عن بيئات أكثر استقرارًا وأمانًا لأعمالهم. وكانت دبي، بفضل سياساتها المتوازنة، وعلاقاتها الدبلوماسية المستقرة، الخيار المثالي لكثير من هؤلاء الرواد.
سوق العقارات المتنامية
أدى تزايد عدد الزوار والمقيمين الروس في دبي إلى نمو كبير في سوق العقارات المحلية. يستحوذ الروس على الحصة الأكبر من صفقات العقارات بين المشترين الدوليين؛ مما يعزز من النشاط الاقتصادي في الإمارة.
دعم التكنولوجيا والابتكار
تضطلع دبي بدور بارز بوصفها مركزًا للابتكار التكنولوجي في المنطقة. يوفر المركز الروسي للابتكار الرقمي وتكنولوجيا المعلومات في دبي منصة مهمة للشركات الروسية للوصول إلى أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعلى الرغم من التحديات التي واجهها المركز، فإنه نجح في تشجيع مئات الشركات الناشئة على الانتقال إلى دبي.
الفرص الاستثمارية والشراكات المحتملة
تسهم البيئة الاقتصادية المزدهرة في دبي في جذب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية. يشير كثير من المستثمرين إلى أن دبي توفر فرصًا فريدة لإطلاق الأعمال، والوصول إلى الأسواق العالمية. كما أن سهولة الحصول على تأشيرات الإقامة، وتوافر البنية التحتية الداعمة للأعمال، تزيدان جاذبية دبي كمركز للأعمال.
التحديات الثقافية والتشريعية
على الرغم من الفرص الكثيرة، تواجه الشركات الروسية تحديات في التكيف مع البيئة الثقافية والتشريعية في دبي. يتطلب التعاون الفعّال بين البيئتين الحاضنتين الروسية والإماراتية تفاهمًا مشتركًا وتواصلًا مفتوحًا، وهو ما يحتاج إلى وقت لتطويره.
مستقبل التعاون
يتوقع كثير من الخبراء أن يشهد المستقبل مزيدًا من التعاون بين الشركات الروسية والإماراتية. مع استمرار تدفق المواهب والاستثمارات الروسية إلى دبي، من المحتمل أن نرى شراكات جديدة ومشروعات مبتكرة تعزز مكانة دبي بوصفها مركزًا عالميًّا للأعمال والتكنولوجيا.
تلخص هذه العوامل البيئة الحاضنة للشركات الناشئة الروسية في دبي، وتبرز الفرص والتحديات التي تواجهها هذه الشركات في سعيها إلى النمو والتوسع في الأسواق الإقليمية والعالمية.
للفعالية الثقافية “أيام الثقافة الإماراتية في موسكو” تأثير كبير في تعزيز العلاقات بين الإمارات وروسيا. استقطبت الفعالية أكثر من 40 ألف زائر في يومها الأول، مما يعكس الاهتمام الكبير الذي يوليه الشعب الروسي للثقافة الإماراتية، ويسهم في التفاهم والاحترام المتبادل بين البلدين. من خلال تقديم عروض موسيقية، وأزياء تقليدية، وأنشطة متنوعة، مثل الرسم بالحناء، ومعارض الصور، نجحت الفعالية في الترويج للسياحة الثقافية في الإمارات، وتوفير منصة لتعريف الجمهور الروسي بالثقافة الإماراتية؛ مما يزيد جذب السياح والمستثمرين الروس إلى الإمارات.
على الجانب الاقتصادي، شهدت العلاقات بين الإمارات وروسيا نموًّا ملحوظًا، حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين مستويات قياسية، مع توقعات بزيادة التجارة الثنائية إلى 10 مليارات دولار في عام 2024. يعكس هذا التعاون الاقتصادي المزدهر استمرار النمو بين البلدين. وقد أصبحت الإمارات مركزًا عالميًّا للابتكار؛ مما جذب كثيرًا من الشركات الروسية الناشئة للاستفادة من البنية التحتية المتطورة، والدعم الحكومي القوي، مما يعزز التعاون التكنولوجي بين البلدين.
أسهمت الزيارات المتبادلة بين قادة البلدين، مثل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإمارات، في تعزيز الشراكات الإستراتيجية، وتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية؛ مما يسهم في استقرار المنطقة. هذه الفعاليات ليست مجرد أحداث مؤقتة؛ وإنما هي جزء من إستراتيجية طويلة الأمد لتعزيز التبادل الثقافي، وبناء جسور التواصل بين الشعوب، وتعزيز الصداقات الدولية.
مع استمرار تدفق المواهب والاستثمارات الروسية إلى دبي، من المحتمل أن نشهد شراكات جديدة ومشروعات مبتكرة تعزز مكانة دبي بوصفها مركزًا عالميًّا للأعمال والتكنولوجيا. تؤكد الإمارات من خلال هذه العلاقات دورها بوصفها دولة رائدة في المنطقة؛ مما يسهم في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي، ليس فقط للبلدين؛ ولكن أيضًا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عامةً. تعكس هذه التطورات أهمية الفعاليات الثقافية والاقتصادية في تعزيز العلاقات الثنائية بين الدول، حيث وضعت الإمارات وروسيا أساسًا قويًّا لشراكة مستدامة تعود بالنفع على شعبيهما، وتسهم في تحقيق السلام والازدهار على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.
