تقارير

أوضاع حقوق الإنسان في روسيا اليوم


  • 28 ديسمبر 2023

شارك الموضوع

تعد روسيا إحدى الدول الكبيرة التي تشهد تحولات كبيرة في مختلف الميادين، لكن الانتباه لأوضاع حقوق الإنسان يظل أمرًا حيويًّا في تقييم وضع الديمقراطية والحريات الأساسية في هذا البلد. وفي ظل احتفالنا بالذكرى الـ75 لإعلان حقوق الإنسان، يتعين علينا إلقاء نظرة عميقة على حال حقوق الإنسان في روسيا اليوم.

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صدر عام 1948، يمثل مرجعًا دوليًّا مهمًّا ينبغي أخذه في الحسبان عند تقييم واقع حقوق الإنسان في أي بلد. ومع ذلك، تظل هناك تحديات كبيرة تواجه حقوق الإنسان في روسيا، تشمل حرية التعبير، وحقوق النساء والأقليات، وضمان المحاكمات العادلة، وغيرها من القضايا الحيوية.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1991، اعتُمِدَ إعلان حقوق الإنسان والحريات المدنية في الاتحاد الروسي؛ ومن ثم أصبح جزءًا من دستور الاتحاد الروسي عام 1993، ومنذ تلك اللحظة تعهد الاتحاد الروسي بالاعتراف بحقوق الإنسان والحقوق المدنية، واحترامها وحمايتها. وفي 4 مارس (آذار) 1997 صدر القانون الدستوري الاتحادي بشأن مفوض حقوق الإنسان في الاتحاد الروسي.

وفقًا لدستور الاتحاد الروسي، فإن “الشخص وحقوقه وحرياته هو أعلى قيمة، وإن الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات المدنية، ومراعاتها وحمايتها، هو واجب على الدولة. إن حقوق الإنسان والحريات المدنية معترف بها ومضمونة في الاتحاد الروسي وفقًا لمبادئ القانون الدولي وقواعده المعترف بها عمومًا، ووفقًا لهذا الدستور. حقوق الإنسان والحريات الأساسية غير قابلة للتصرف، وهي ملك للجميع منذ الولادة، ويجب ألا تنتهك ممارسة الحقوق والحريات الإنسانية والمدنية حقوق الآخرين وحرياتهم. تضمن الدولة المساواة في حقوق الإنسان والحريات المدنية، بغض النظر عن الجنس، أو العِرق، أو الجنسية، أو اللغة، أو الأصل، أو الملكية، أو الموقف الرسمي، أو مكان الإقامة، أو الموقف من الدين، أو المعتقدات، أو العضوية في الجمعيات العامة، فضلًا عن الظروف الأخرى. كما أن أي شكل من أشكال تقييد حقوق المواطنين على أساس الانتماء الاجتماعي، أو العرقي، أو القومي، أو اللغوي، أو الديني… إلخ، محظور.

إذا نظرنا إلى الدستور في مجمله، فسوف نتوصل إلى استنتاج مفاده أن دستور الاتحاد الروسي يكرس المبادئ الأساسية للوضع القانوني للفرد، وهي كالتالي:

 1) الحقوق والحريات الأساسية غير القابلة للتصرف التي تخص المواطن منذ ولادته: يجب على الدولة، ممثلة في هياكلها الحكومية ومسؤوليها، أن تتصرف في إطار التصاريح القانونية، وألا تتدخل في مجال حقوق المواطنين وحرياتهم.

 2) المساواة في الحقوق والحريات الإنسانية والمدنية.

 3) وحدة حقوق المواطنين وواجباتهم.

 4) الحقوق والحريات الإنسانية والمدنية معترف بها ومضمونة وفقًا لمبادئ القانون الدولي وقواعده المعترف بها عمومًا.

 5) المساواة في المسؤوليات.

 6) احترام حقوق الآخرين وحرياتهم.

أوضاع حقوق الإنسان في روسيا وخلفيتها التاريخية

الحريات الأساسية في البلاد بدأت قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، في حقبة ميخائيل غورباتشوف، حيث بدأ ميخائيل جورباتشوف بإصلاحات على أمل تقليص الفجوة الاقتصادية والتكنولوجية المتزايدة بين الاتحاد السوفيتي والغرب. من أجل تحفيز النشاط الاقتصادي للسكان، كان لا بد من منح هؤلاء السكان بعض الحريات، واتضح أن هذه الخطوات أدت إلى التخلص من الدولة الشمولية، ومع ذلك، لم يُقضَ على جذورها في الاتحاد السوفيتي في ذاك الزمان.

في أغسطس 1975، تم التوقيع على الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا. عندما وقع الاتحاد السوفيتي في زمن الركود، في عهد بريجنيف، على تلك الوثيقة، افترض كثيرًا من الالتزامات بخصوص حقوق الإنسان الواردة في هذا القانون، وفي الاتفاقيات الدولية الأخرى، وقد أجبر هذا التوقيع القيادة السوفيتية على تغيير الوضع القائم في البلاد المتعلق بحقوق المواطنين الروس.

في حقبة فلاديمير بوتين، تغير كثير من الأمور، وتطور مفهوم حقوق الإنسان والحريات في روسيا، ومع ذلك كانت منظمات حقوق الإنسان الغربية تنتقد روسيا في كثير من الأمور المتعلقة بالحرب في الشيشان، وانتهاك حقوق النشطاء السياسيين، والضغط على وسائل الإعلام المستقلة، وإغلاق الصحف والقنوات الإعلامية المستقلة التي تنقد سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بدأت العملية الخاصة في أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) من عام 2022. خلال هذه العملية، سيطرت القوات الروسية على مناطق واسعة من البلاد، وأعلنت ضم أربع مناطق أوكرانية في سبتمبر (أيلول). في سياق الأحداث، تعرضت المناطق المستهدفة في أوكرانيا لخسائر كبيرة بين المدنيين بسبب المعارك بين القوات الروسية ولأوكرانية.

في المقابل، أُشيرَ إلى أن القوات الأوكرانية نفذت هجمات على البنية التحتية العسكرية، والاتصالات، ومستودعات الوقود في الأراضي الروسية؛ مما أسفر عن وفاة مدنيين، وإصابة آخرين وفقًا لتقارير وسائل الإعلام الروسية.

في الفترة التي تلت العملية العسكرية، شهدت روسيا عزلة دولية متزايدة؛ ما أثر في منظمات حقوق الإنسان الدولية، وفرضت كثير من الدول والمنظمات الدولية عقوبات اقتصادية على روسيا ردًا على تلك الأحداث، كما شهدت نزوحًا كبيرًا للشركات الدولية، وزيادة في نسبة الفقر في بعض المناطق المتأثرة.

في سياق ذلك، قررت روسيا، في مارس (آذار) عام 2022، الانسحاب من مجلس أوروبا، وصدرت قوانين في يونيو (حزيران) تسمح للسلطات الروسية بتجاهل بعض الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. في أبريل (نيسان)، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، وعُيّنَ مقرر خاص جديد في أكتوبر (تشرين الأول) لمتابعة حالة حقوق الإنسان في الاتحاد الروسي.

فرضت السلطات مزيدًا من القيود الصارمة على حرية التعبير، والتجمع السلمي، في حملة مستمرة على المعارضة الرافضة للعملية العسكرية في أوكرانيا، وفرقت الشرطة الاحتجاجات السلمية ضد الحرب والتجنيد العسكري، وغالبًا باستخدام القوة المفرطة، وقبضت على أكثر من 19400 شخص، من بينهم صحفيون يغطون الاحتجاجات، وواجه معظمهم غرامات باهظة، أو احتجازًا إداريًّا.

في مارس (آذار) عام 2022، اعتُمِدَ تشريع جديد يعاقب على تشويه السمعة ونشر معلومات كاذبة عمدًا عن القوات المسلحة الروسية في أوكرانيا. بدءًا من ديسمبر (كانون الأول) عام 2022، كان هناك أكثر من 118 قضية جنائية بموجب هذه التهم، وما لا يقل عن 5518 دعوى قضائية إدارية بتهمة “تشويه السمعة”، ورُفعت أكثر من 200 قضية جنائية أخرى بسبب ممارسة أنشطة مناهضة للعملية العسكرية.

الوضع المتعلق بحقوق الإنسان في روسيا بدأ يتحول نحو الحد من حرية التعبير عن الأمور المتعلقة بسياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والملف الأوكراني، ومع ذلك، فإن هناك حرية للانتقاد، والحديث عن الوضع الداخلي السياسي والاقتصادي.

الاستنتاجات

  • تشهد روسيا حاليًا تحولات مهمة على الصعيدين الداخلي والدولي. وفي ظل هذه التحولات، يظل الانتباه لقضايا حقوق الإنسان أمرًا حيويًّا. يعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرجعًا أساسيًّا، ومع ذلك، تظهر بعض التحديات في سياق الحريات الأساسية.
  • تاريخيًّا، شهدت روسيا تطورات في ميدان حقوق الإنسان بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، مع تأكيد الدستور الروسي حقوق المواطنين، والتزام البلاد بالمعايير الدولية. ومع ذلك، تعد التحديات الحالية في مجال حقوق الإنسان، وخاصة في سياق الأحداث الحالية، مصدر قلق.
  • تزايد القلق حيال قضايا مثل حرية التعبير، وحقوق النساء والأقليات، وسجلت حالات تقييد للتجمعات السلمية، والتعبير عن الرأي. يظهر ذلك في السياق الداخلي والدولي، حيث تعرضت روسيا لعزل متزايد، وفرض عقوبات اقتصادية.
  • من الناحية القانونية، يؤكد الدستور الروسي حقوق الإنسان، والمساواة، ولكن التشديد الأخير في التشريعات يطرح تساؤلات عن حرية التعبير والرأي. هناك حاجة إلى التوازن بين الأمان الوطني وحقوق الإنسان.

[1] [2]

ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع