بريكس بلسمقالات المركز

أهمية وجود سوريا في مجموعة بريكس


  • 25 سبتمبر 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: kas

بعد سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024، وتشكيل حكومة انتقالية جديدة في دمشق، بدأت سوريا تبحث عن دور فاعل لها في النظام العالمي الناشئ. ومن أبرز هذه التوجهات اهتمام سوريا المتزايد بالانضمام إلى مجموعة دول بريكس” (BRICS) الدولية، التي تضم مجموعة من القوى الاقتصادية الصاعدة خارج نطاق التحالفات التقليدية التي تقودها الدول الغربية. في هذا المقال سنستعرض أهمية وجود سوريا في بريكس، وكيف يمكن أن يسهم ذلك في تعزيز علاقاتها الدولية، وجذب الاستثمارات، ودفع عجلة إعادة الإعمار والتنمية في المرحلة الجديدة.

ما مجموعة بريكس؟

مجموعة بريكس هي منظمة دولية تجمع بعض أبرز الاقتصادات الناشئة في العالم. تأسست عام 2006 وضمت في البداية البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، ثم انضمت جنوب إفريقيا عام 2010 لتصبح خمس دول. تتميز دول بريكس بثقلها الديموغرافي والاقتصادي؛ إذ يشكل تجمعها ما يقارب 40% من سكان العالم، و41% من مساحة العالم، وتساهم بنحو 24% من حجم الاقتصاد العالمي، و16% من التجارة الدولية.

في السنوات الأخيرة توسعت بريكس لتشمل أعضاء جددًا؛ ففي قمة أغسطس (آب) 2023 وُجّهت دعوات لانضمام ست دول جديدة، من بينها السعودية، والإمارات، ومصر، وإيران، وإثيوبيا، مما رفع عدد أعضائها، وسعَّر تأثيرها الجيوسياسي. ينظر إلى بريكس على أنها تجمع بديل عن التحالفات الغربية التقليدية، مثل مجموعة الدول السبع الصناعية (G7)، وتشكل أحد أوجه التوجه نحو عالم متعدد الأقطاب.

تطلعات سوريا للانضمام إلى بريكس

ضمن هذا السياق الدولي المتغير، برزت رغبة سوريا في الانضمام إلى بريكس خيارًا إستراتيجيًّا. وقد أعلنت دمشق رسميًّا تقدمها بطلب عضوية في بريكس خلال النصف الثاني من عام 2024، فقد أكّد بشار الجعفري، سفير سوريا لدى روسيا آنذاك، أن بلاده أرسلت طلبات خطية للانضمام إلى المنظمة، في إشارة إلى جدية المساعي السورية. وجاء هذا التحرك السوري تزامنًا مع التطورات الداخلية الكبرى، حيث انتهى عهد النظام السابق في ديسمبر (كانون الأول) 2024، وسُلِّمت السلطة إلى حكومة انتقالية جديدة.

ومع تغير القيادة في دمشق، أصبح القرار بشأن طلب انضمام سوريا إلى بريكس مرهونًا بالسلطات الجديدة  ومدى تبنّيها لهذا التوجه. وقد صرّح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن بريكس “لن تمانع” ضم سوريا إذا رغبت القيادة السورية الجديدة في ذلك، مؤكدًا أن الطلبات المقدمة من أي دولة تُدرس بجدية واحترام.

القيادات السورية المعارضة المشاركة في العملية السياسية أبدت اهتمامًا بهذا الموضوع أيضًا؛ ففي تصريح لمحمد علوش، رئيس وفد المعارضة السابق في مفاوضات جنيف، دعا دول بريكس للمساعدة على إعادة إعمار سوريا، مؤكدًا أن سوريا “دولة مدمَّرة… وندعو دول بريكس إلى مساعدة الشعب السوري في إعادة الإعمار”. وأشار علوش إلى عدم وجود اعتراضات من دول بريكس على مبدأ انضمام سوريا، لكنه تساءل عن مدى جدوى عضوية سوريا في هذه المرحلة المبكرة من إعادة البناء. وبالفعل شدد محللون سوريون على أن الأولوية يجب أن تكون تركيز الجهود على التعافي الداخلي، وإعادة الاستقرار قبل أي شيء آخر. ومع ذلك، فإن مجرد الانخراط في حوارات جدية عن عضوية بريكس يمنح سوريا زخمًا دبلوماسيًّا، ورسالة بأنها تتطلع إلى شراكات جديدة تتجاوز عزلتها السابقة.

تعزيز العلاقات الدولية خارج الأطر التقليدية

إن أحد أهم مكاسب انضمام سوريا إلى بريكس يتمثل في توسيع علاقاتها الدولية وتنويعها بعيدًا عن التحالفات التقليدية التي لطالما بقيت مستبعدة عنها. فعلى مدى سنوات الصراع والعقوبات، عانت سوريا عزلة دبلوماسية واقتصادية فرضها عليها الغرب وحلفاؤه. أمّا مجموعة بريكس فتضم دولًا من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية خارج النفوذ الغربي المباشر؛ ما يفتح أمام سوريا أبواب التعاون مع بلدان لم تكن شريكة تقليدية لها.

العلاقات مع دول مثل الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا -بل مع الأعضاء الجدد كبعض دول الخليج ومصر وإثيوبيا- توفر لسوريا شبكة واسعة من الشركاء في مجالات السياسة والتجارة والتنمية. بالإضافة إلى ذلك، التموضع ضمن تكتل عالمي كبريكس يمنح سوريا ثقلًا سياسيًّا ومعنويًّا على الساحة الدولية، فوجودها ضمن هذا المحفل يتيح لها إيصال صوتها في القضايا العالمية إلى جانب قوى كبرى من العالم النامي.

كما أن بريكس تُعد تجسيدًا للتوجه نحو عالم متعدد الأقطاب، مما يتوافق مع تطلع سوريا إلى الابتعاد عن الهيمنة الأحادية للغرب، فالدول الأعضاء في بريكس تدعو إلى نظام عالمي أكثر توازنًا، ويمكن لسوريا من خلال عضويتها أن تسهم في هذه الرؤية، وتستفيد منها في آن واحد من خلال بناء صورة جديدة لها بوصفها دولة منخرطة بإيجابية في الشؤون الدولية.

دفع عجلة الاستثمار وإعادة الإعمار

لا يخفى أن سوريا اليوم في أمسّ الحاجة إلى الاستثمارات الخارجية لدفع عملية إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية بعد حرب مدمرة استمرت أكثر من عقد. تُقدر كلفة إعادة إعمار سوريا بما يتراوح بين 250 و400 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق بكثير قدرات البلاد الذاتية؛ لذلك يتطلب النهوض بالاقتصاد السوري تعبئة رؤوس أموال، واستثمارات ضخمة من الخارج، سواء عن طريق الحكومات أو القطاع الخاص. إن انضمام سوريا إلى بريكس قد يكون مفتاحًا لجذب قسم من هذه الاستثمارات من دول المجموعة.

دول بريكس الحالية والمحتملة تضم بعضًا من أكبر الاقتصادات وأكثرها سيولة مالية في العالم النامي؛ فالصين تملك قدرات استثمارية وتمويلية ضخمة، ولها تجارب في تمويل مشروعات البنية التحتية في الدول النامية (ضمن مبادرة الحزام والطريق وغيرها). الهند اقتصاد صاعد، ويمكن أن تكون سوقًا ومصدرًا للتكنولوجيا والاستثمارات. روسيا -رغم ما تعانيه اقتصاديًّا- قد تساهم من خلال استثمارات حكومية أو من خلال شركاتها في مجالات الطاقة والنقل. يضاف إلى ذلك الدول الجديدة المنضمة إلى بريكس، مثل الإمارات والسعودية ومصر، وهي دول عربية وإقليمية ذات فوائض مالية واستثمارات كبيرة في الخارج، قد تجد في استقرار سوريا فرصة استثمار مربحة وإستراتيجية في آن واحد.

لقد بدأت بوادر الانفتاح الاستثماري تظهر مع تغير الوضع في سوريا؛ فمع تراجع حدة العقوبات، وافق البنك الدولي على منحة بقيمة 146 مليون دولار لاستعادة قطاع الكهرباء السوري. كما وقّعت سوريا صفقات كبرى، مثل اتفاق بقيمة 7 مليارات دولار مع شركة قابضة قطرية لإعادة بناء قطاع الكهرباء، مما يشير إلى انطلاق عجلة إعادة الإعمار. في هذا الإطار، يمكن لبريكس أن تضيف زخمًا إضافيًّا من خلال تمويل بنوك التنمية المتعددة الأطراف التابعة لها.

على سبيل المثال، لدى دول بريكس بنك التنمية الجديد (NDB) الذي أُسس لتمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية في الدول الأعضاء. وإذا ما انضمت سوريا إلى المجموعة، ستصبح مؤهلة لعضوية هذا البنك والحصول على قروض ميسّرة لتمويل مشروعات حيوية. مؤسسات كهذه لديها قدرة أكبر على الاستثمار في الدول العالية المخاطر، مثل سوريا الخارجة من نزاع، كما أنها توفر خبرات فنية واستشارية تساعد على بناء القدرات المحلية؛ ومن ثم  فوجود سوريا في بريكس يفتح المجال لشراكات تنموية طويلة الأمد تسهم في إعادة بناء المدارس والمستشفيات والطرقات وشبكات الاتصالات، وغيرها من مرافق البنية التحتية الأساسية.

حلول لأزمة الطاقة والخدمات العامة

من أبرز التحديات الآنية التي تواجه سوريا بعد الحرب أزمة الطاقة والكهرباء وتدهور الخدمات الأساسية. هنا أيضًا، يمكن أن يؤدي انخراط سوريا في إطار بريكس دورًا داعمًا في تخفيف حدة هذه الأزمات، فدول بريكس تضم منتجي طاقة كبارًا على المستوى العالمي والإقليمي؛ فروسيا وكذلك السعودية (العضو الجديد في بريكس) تعدان من أكبر مصدري النفط والغاز، وإيران أيضًا (المنضمة حديثًا) تمتلك موارد طاقة كبيرة.

التواصل مع هذه الدول من خلال منصة بريكس قد يسهل اتفاقيات لتأمين إمدادات الوقود لسوريا بشروط ميسرة، مما يساعد على تشغيل محطات توليد الكهرباء، وتخفيف نقص المحروقات. كما أن الصين تعد رائدة في مشروعات الطاقة المتجددة، ويمكن أن تساعد على إدخال تقنيات الطاقة الشمسية، أو تحسين كفاءة الشبكة الكهربائية السورية.

من جهة أخرى، قطعت دول إقليمية خطوات فعلية في دعم قطاع الطاقة السوري، فقد أرسلت تركيا وقطر سفن توليد كهرباء عائمة لتوفير التيار الكهربائي للمناطق السورية، كما تعهدت تركيا بإعادة تأهيل بعض محطات الكهرباء. هذه الجهود تظهر أن هناك اهتمامًا إقليميًّا بالإسهام في حل أزمة الكهرباء السورية، وهو ما يمكن تعزيزه ضمن إطار أوسع عبر بريكس.

دور إستراتيجي في عالم متعدد الأقطاب

إلى جانب المنافع الاقتصادية والتنموية المباشرة، فإن وجود سوريا في بريكس يمنحها دورًا إستراتيجيًّا في رسم ملامح العالم المتعدد الأقطاب الذي يتشكل اليوم، فالمجموعة أصبحت منصة مهمة للتنسيق السياسي والاقتصادي بين دول الجنوب العالمي، ووجود سوريا فيها يعني جلوسها إلى طاولة حوار واحدة مع عمالقة مثل الصين والهند وروسيا؛ ما يكسبها وزنًا دبلوماسيًّا جديدًا.

كما أن انضمام سوريا سيشكل رمزية مهمة لهذا التكتل الدولي؛ فبريكس لطالما قدمت نفسها بوصفها مدافعًا عن مصالح الدول النامية في وجه هيمنة القوى التقليدية. وعندما تصبح دولة كسوريا، عانت حربًا طويلة، وتدخلات خارجية وعقوبات، عضوًا في بريكس، فإن ذلك يبعث برسالة مفادها أن بريكس منصة لانتصار إرادة الشعوب النامية، واستعادة سيادتها.

ولا يخفى كذلك أن انضمام سوريا إلى بريكس له بُعد إقليمي؛ فسوريا تقع في قلب الشرق الأوسط، ومشاركتها في تكتل اقتصادي ضخم كبريكس قد يدفع دولًا أخرى في المنطقة إلى التفكير في خيارات مماثلة، وهناك بالفعل دول إقليمية أبدت اهتمامًا ببريكس في السنوات الأخيرة، مثل تركيا، والسعودية ومصر اللتين انضمّتا رسميًّا. وجود سوريا إلى جانب هذه الدول في المجموعة قد يعزز التعاون الإقليمي، ويوحد الجهود نحو تحقيق ازدهار مشترك خارج الهيمنة الغربية التقليدية.

الخاتمة

في الختام، تمثل مساعي سوريا للانضمام إلى مجموعة بريكس خطوة ذات أهمية إستراتيجية واقتصادية بالغة في حقبة ما بعد الحرب. فبعد سقوط نظام الأسد عام 2024، وظهور قيادة جديدة في دمشق، باتت سوريا أمام فرصة نادرة لإعادة تموضعها على الساحة الدولية، والتحرر من قيود العزلة والعقوبات التي كبلتها طويلًا.

إن أهمية وجود سوريا في بريكس تكمن فيما يمكن أن يتيحه لها هذا التكتل من علاقات دولية واسعة مع آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومن تدفقات استثمارية وتمويلية تسرّع إعادة الإعمار، ومن مساعدات تقنية وخبرات تنموية لتحسين الخدمات والبنية التحتية، فضلًا عن مكانة سياسية تعزز سيادتها وقدرتها على التأثير في القضايا التي تهمها.

بطبيعة الحال، انضمام سوريا إلى بريكس لن يكون حلًا سحريًّا لكل تحدياتها، فلا بد للقيادة السورية وصنّاع القرار الجدد من العمل على ترتيب البيت الداخلي، وتحقيق الاستقرار السياسي والمصالحة الوطنية، وجذب الكفاءات السورية في المهجر؛ كي تتمكن البلاد من الاستفادة القصوى من أي شراكات خارجية، ومنها بريكس.

مع ذلك، تبقى أفكار الانضمام إلى بريكس -وغيرها من التكتلات الشرقية- رؤى اقتصادية جريئة لسوريا الجديدة تستحق المتابعة؛ ففي عالم يشهد تحولات عميقة وتغيرًا في موازين القوى، لن تكون سوريا بمنأى عن هذه التحولات. وإذا كانت بريكس هي أحد عناوين العالم المتعدد الأقطاب الوليد، فإن مشاركة سوريا فيها قد تكون بوابة عبورها نحو مستقبل أكثر إشراقًا، تتضافر فيه جهود الداخل مع دعم الأصدقاء في الشرق والجنوب لوضع سوريا على طريق النمو والاستقرار بعد سنوات المحنة الطويلة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع