أبحاث ودراسات

آسيا الوسطى على خريطة شنغهاي


  • 18 يوليو 2024

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: eec.eaeunion.org

مقدمة

جذبت القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي للتعاون، التي انعقدت على مدار يومين، في الثالث والرابع من يوليو (تموز) الجاري، واستضافتها العاصمة الكازاخية- أستانا- قدرًا كبيرًا من الاهتمام الدولي، حيث يراقب الباحثون- باهتمام- الخطوات التي تتخذها منظمة شنغهاي؛ في محاولة للوقوف على إستراتيجية واضحة للمنظمة في ظل المخاوف المطروحة بشأن فرضية استخدام روسيا والصين منظمة شنغهاي للتعاون لبناء تحالف عسكري، مثل منظمة حلف شمال الأطلسي؛ ما يفرض اختبارًا معقدًا جدًّا بشأن جدلية بناء نظام عالمي جديد مناهض للديمقراطية.

وفي هذا السياق، جاءت قمة منظمة شنغهاي للتعاون هذا العام، محملة بتساؤلات شائكة، منها: ماذا تعني استضافة أوزبكستان القمة الـ24 لمنظمة شنغهاي للتعاون لدول آسيا الوسطى؟ وما مستقبل المنظمة في سلسلة التوسعات التي تنتهجها المنظمة في السنوات الأخيرة، والتي كان أحدثها ضم بيلاروس خلال القمة الأخيرة؟ وإلى مدى ستنجح منظمة شنغهاي للتعاون في الحفاظ على هدفها الرئيس المتمثل في توسيع نفوذها، ومعالجة القضايا الإقليمية والعالمية الملحة؟

قراءة في مخرجات قمة منظمة شنغهاي 2024

جاءت بداية تأسيس المنظمة في عام 2001، بكونها تحالفًا سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا أوراسيًّا ضم الصين، وروسيا، وكازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان في عضويته، ثم شهدت أول توسع كبير لها في عام 2017، عندما أصبحت الهند وباكستان عضوين كاملين. وفي العام الماضي، أصبحت إيران العضو التاسع في الكتلة الإقليمية، ومع انضمام بيلاروس عضوًا عاشرًا في منظمة شنغهاي للتعاون في قمة المنظمة لهذا العام، حظيت شنغهاي بدليل جديد على نيتها في تنويع التركيبة الجيوسياسية للمنظمة، وتعزيز عمقها الإستراتيجي في العالم، ويدعم هذا تمتع أربع عشرة دولة أخرى بوضع شريك الحوار؛ وهي: قطر وتركيا وأذربيجان وأرمينيا والسعودية ومصر والإمارات والبحرين والكويت والمالديف وميانمار ونيبال وكمبوديا وسريلانكا.

فضلا عن هذا، تكتسب منظمة شنغهاي أهميتها الإستراتيجية من كون الدول الأعضاء في المنظمة تمثل نصف سكان العالم، ونحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومن خلال دمج القوى الإقليمية الكبرى، مثل الهند وباكستان وإيران، تجمع منظمة شنغهاي للتعاون مجموعة كبيرة من المصالح المتباينة، ويساعد هذا التنوع على موازنة نفوذ أي دولة منفردة، ويدعم توزيعًا أكثر عدالة للقوة على الساحة العالمية.

برهن على هذا التوجه توقيع المنظمة، خلال القمة الـ24 في العاصمة الكازاخستانية- أستانا– على بيان ختامي يتضمن تحديد التوجهات الرئيسة لتطوير المنظمة والتعاون بين أعضائها؛ إذ اعتمدت القمة ما أسمتها مبادرة “الوحدة العالمية من أجل السلام العادل والوئام والتنمية”، التي تحدد نية المنظمة في تهيئة الظروف لتعزيز الأمن والنظام الدولي، كما دعت دول العالم إلى الانضمام إليها، وأكدت الدول الأعضاء في بيانها الختامي أنها لا تشارك في اتخاذ أي قرارات تهدف إلى التدخل في الشؤون الداخلية، أو تتعارض مع القانون الدولي، وأنها ستتخذ إجراءات لمنع أي نشاط يتعارض مع مبادئ سيادة الدولة، وسلامة أراضيها؛ ومن ثم شدد البيان الختامي على ضرورة زيادة نفوذ منظمة شانغهاي للتعاون بوصفها واحدة من الجمعيات الرئيسة في عالم متعدد الأقطاب، واتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على الظروف المؤدية إلى الإرهاب والتطرف، وزيادة الجهود المشتركة لمنع انتشار الأيديولوجيات المتطرفة، وأي تعصب ديني، وكراهية الأجانب، والقومية العدوانية، والتمييز العرقي والعنصري، ودعت المنظمة إلى ضرورة القيام بإصلاح شامل للأمم المتحدة لضمان تمثيل البلدان النامية، وكذلك الوقوف ضد العقوبات الأحادية، والقيود التجارية التي تقوض النظام التجاري المتعدد الأطراف. كما تطرق البيان إلى التحذير من تعزيز بعض الدول نظام الدفاع الصاروخي العالمي من جانب واحد؛ ما ينعكس سلبيًّا على الأمن الدولي، وهو ما يحتم ضرورة إبرام صك دولي ملزم قانونًا، يضمن منع حدوث سباق تسلح في الفضاء الخارجي.

غير أن أبرز ما طرحته القمة الأخيرة للمنظمة- فيما يتعلق بالقضايا المطروحة على الساحة الدولية- العدوان على قطاع غزة؛ حيث أكد البيان الختامي للقمة قلق الدول الأعضاء من تفاقم هذا النزاع، وأدان- بشدة- الأعمال التي أدت إلى سقوط كثير من الضحايا المدنيين، وإلى الوضع الإنساني الكارثي في ​​قطاع غزة. وفضلًا عن هذا، أعرب البيان عن استعداد منظمة شنغهاي لدعم الجهود الدولية لضمان السلام والتنمية في أفغانستان، وأهمية تنفيذ خطة العمل بشأن البرنامج النووي الإيراني، والعمل المشترك لمنع أخطار استخدام الذكاء الاصطناعي؛ من أجل التحسين المستمر لسلامة هذه التقنيات وموثوقيتها وعدالتها. كما تعهدت المنظمة بإنشاء مجموعة عمل خاصة من الدول الأعضاء في المنظمة بشأن قضايا تغير المناخ، وأعلنت عام 2025 عامًا للتنمية المستدامة.

كازخستان.. حلقة الوصل بين منظمة شنغهاي وآسيا الوسطي

في عصر تتطلب فيه التوترات الجيوسياسية والتحديات العالمية تعاونًا قويًّا، تقف منظمة شنغهاي للتعاون كشهادة على الأهمية الدائمة للمؤسسية الليبرالية في العلاقات الدولية، حيث تجد المؤسسية الليبرالية، وهي نظرية تؤكد الدور المحوري للمؤسسات الدولية في تعزيز التعاون والاستقرار، تطبيقًا واقعيًّا في منظمة شنغهاي للتعاون، ومن خلال مبادراتها في الأمن والتنمية الاقتصادية والتبادل الثقافي، لا تقف منظمة شنغهاي للتعاون في وجه التحديات الإقليمية فحسب؛ بل تؤكد أيضًا ضرورة المؤسسات المتعددة الأطراف في تعزيز السلام والاستقرار العالميين.

وانطلاقًا من هذا، تسلط استضافة كازاخستان قمة منظمة شنغهاي للتعاون، الضوء على التزام البلاد بالتعاون الإقليمي، ودورها الإستراتيجي في منطقة آسيا الوسطى، فقد أسفر دور كازاخستان، بوصفها رئيسًا لمنظمة شنغهاي للتعاون، عن نتائج مهمة على مدار العام، يمكن أن يشهد على ذلك اجتماع مجلس وزراء خارجية منظمة شنغهاي للتعاون، الذي اختتم مؤخرًا في أستانا، في 21 مايو (آذار) 2024، والذي تبادل فيه الدول الأعضاء وجهات النظر بشأن الوضع الدولي والإقليمي، والأمن، وتعزيز التعاون داخل منظمة شنغهاي للتعاون من خلال المجالات السياسية، والتجارية، والاقتصادية، والإنسانية، وأسفر عن توقيع 22  قرارًا، ركز على التعاون المتعدد الأطراف في القطاعات السياسية، والدبلوماسية، والتجارية، والاقتصادية، والثقافية.

اضطلعت القيادة الاستباقية لكازاخستان- طيلة فترة وجودها في المنظمة- بدور فعال في الحفاظ على السلام والأمن الإقليميين، فضلًا عن تعزيز التعاون الثقافي، ومن خلال الالتزام بمبادئ السياسة الخارجية المتعددة الاتجاهات، عملت كازاخستان- باستمرار- كحليف حاسم في جمع القوى الكبرى على منصة واحدة، كما كانت من أشد الدول المؤيدة للتعاون الإقليمي والتعددية، وقد أدى موقع البلاد الإستراتيجي وسياستها الخارجية المتعددة الاتجاهات إلى وضعها كلاعب محوري في الخطاب السياسي الإقليمي.

وفي هذا السياق، بذلت قيادة كازاخستان خلال رئاستها للمنظمة جهودًا حثيثة لحل الحواجز المنهجية القائمة في منظمة شنغهاي للتعاون، مثل نقص الأموال، والتأخير في تنفيذ المشروعات الاقتصادية الكبرى، وعدم جدوى أنظمة الدعم المالي والمصرفي المباشرة داخل منطقة منظمة شنغهاي للتعاون. ولمعالجة هذه القضية، طُرِحَت فكرة استخدام مركز أستانا المالي الدولي مركزًا لتعزيز الاستثمارات المالية والاستثمارات في المبادرات الإقليمية الممولة من منظمة شنغهاي للتعاون، وهذا التعاون الفريد يفتح الباب أمام فرص جديدة للتعاون الاقتصادي والنمو داخل منطقة منظمة شنغهاي في السنوات القليلة المقبلة.

ومن الناحية الاقتصادية، توفر استضافة كازاخستان القمة فرصة لتعزيز التجارة والاستثمار الإقليميين، انطلاقًا من السياسة الاقتصادية الداخلية الطموحة للبلاد، التي تحرص على تطوير البنية الأساسية، وتعزيز التبادل التجاري، وتنفيذ خطوات جادة في مبادرة الحزام والطريق الصينية؛ إذ كانت كازاخستان من بين أولى دول آسيا الوسطى التي انضمت إلى مشروع البنية الأساسية بعد إطلاقه عام 2013؛ لذا تمثل البلاد أهمية كبرى لدى الدول الأعضاء في المنظمة، وعلى رأسها الصين، التي قرر زعيمها الانطلاق في رحلة رسمية إلى كازاخستان وطاجيكستان بالتزامن مع انعقاد القمة الـ24 لمنظمة شنغهاي، ومن خلال مواءمة تلك الجهود، يمكن لمنظمة شنغهاي تسهيل التكامل الاقتصادي على نحو أكبر، وخلق فرص جديدة للنمو والتنمية في كازاخستان، وفي منطقة آسيا الوسطى بأسرها.

وعلى الصعيد الأمني، اضطلعت كازخستان بدور فعال في تعزيز التعاون ضد الإرهاب والتطرف والانفصالية منذ تأسيس المنظمة، حيث تتمتع أستانا بخبرتها في تعزيز الأمن الإقليمي، وبمكانة رفيعة لقيادة المناقشات بشأن تعزيز قدرات منظمة شنغهاي للتعاون في هذا المجال؛ لذا أعادت القمة الـ24 للمنظمة تأكيد الالتزام بالأمن الجماعي، وتطوير إستراتيجيات جديدة لمعالجة التهديدات الناشئة.

ولعل الدور الأبرز الذي تضطلع به كازاخستان بوصفها زعيمة ناشئة في منظمة شنغهاي للتعاون يتمثل في إيصال صوت شعوب آسيا الوسطى ومنطقة أوراسيا بكاملها إلى الغرب، وقد قدمت البلاد مقترحات لتعزيز التعاون الثقافي والإنساني بين بلدان منظمة شنغهاي للتعاون، وهذا يتماشى مع إسهامات كازاخستان المحورية في التبادل الثقافي، كما يعزز التراث الثقافي المتنوع للبلاد، ومبادئ التفاهم والتسامح التي من شأنها أن تساعد على تعزيز مستقبل مشترك لأعضاء منظمة شنغهاي للتعاون.

واستنادًا إلى ما سبق يتضح أن استضافة كازاخستان لقمة منظمة شنغهاي للتعاون 2024 يمثل إنجازًا مهمًا في التعاون الإقليمي، خاصةً في ظل تأثير القمم السابقة لمنظمة شنغهاي للتعاون على الاستراتيجيات الجيوسياسية للدول الأعضاء، ما يسهل من مهمة التوصل إلى اتفاقيات عادلة ووضع سياسات بشأن قضايا السلامة الملحة مثل الأمن المائي والأمن الغذائي ومكافحة التطرف في المنطقة، وقد مهد هذا الانخراط النشط الطريق أمام صياغة أجندة شاملة للقمة المنعقدة مؤخرًا التي حظيت باهتمام عالمي.

أي مستقبل ينتظر منظمة شنغهاي للتعاون؟

لقد نشأت منظمة شنغهاي للتعاون من مجموعة شنغهاي الخماسية عام 1996 (الصين، وكازاخستان، وقرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان)؛ نتيجة للمحادثات الحدودية بين الصين والجمهوريات السوفيتية السابقة، التي أصبحت ضرورية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي. وفي السنوات التالية، توسع نطاق قممها المنتظمة لتشمل مجموعة أوسع من القضايا التي تتجاوز الحدود والأمن. وفي عام 2001، انطلقت منظمة شنغهاي للتعاون رسميًّا مع ضم أوزبكستان، وتحول التركيز إلى الأمن الإقليمي، مع التركيز على أفغانستان، ومكافحة الإرهاب.

ثم انضمت الهند وباكستان إلى المجموعة عام 2017، وهو ما يمثل أول توسع كبير للمجموعة أسفر عن ضم ملفات جديدة على أجندة الدول الأعضاء، وفي عام 2023 أصبحت إيران عضوًا في المنظمة، لتجلب تحديات داخلية أكبر للدول الأعضاء. والآن في القمة الـ24 من تاريخ المنظمة، أُضيفت بيلاروس ليصبح عدد الدول الأعضاء في المنظمة 10 دول، وهو ما قد يلزم منظمة شنغهاي للتعاون بدورها بوصفها ممثلًا متعدد الأطراف للنظام الدولي الجديد الذي تدعمه الصين وروسيا، فقد أدت تلك السلسلة من التوسعات إلى رفع مكانة منظمة شنغهاي من جهة، ولكن في المقابل وضعتها في مأزق فقدان الأهمية الإقليمية للمنظمة.

فعندما أُنشئت المنظمة باسم مجوعة شنغهاي الخماسية عام 1996، كانت هناك آمال في أن تصبح منصة لتعزيز التعاون بين روسيا والصين في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي، لكن موسكو وبكين لم تتمكنا من التوصل إلى الاتفاقيات اللازمة؛ ففي البداية، حاولت بكين تحويل منظمة شنغهاي للتعاون إلى أداة تستطيع من خلالها تحقيق طموحاتها الاقتصادية والأمنية في آسيا الوسطى، وقد أجرت منظمة شنغهاي للتعاون مناورات عسكرية منتظمة، فضلًا عن المساعدة على إقامة اتصالات بين مؤسسات الدفاع والأمن التابعة للدول الأعضاء، وشملت الإنجازات الأخرى التي حققتها منظمة شنغهاي للتعاون إخراج قواعد حلف شمال الأطلسي من آسيا الوسطى. ومع أن السبب الرئيس لرحيل واشنطن عن المنطقة كان القضايا الداخلية في أوزبكستان وقرغيزستان، فإن التنسيق بين بكين وموسكو أدّى دورًا أيضًا في ذلك.

غير أن النجاحات التي حققتها منظمة شنغهاي للتعاون منذ توسيعها عام 2001 كانت قليلة ومتباعدة، وكانت تقتصر في الأساس على اجتذاب أعضاء جدد، في حين تسعى كل دولة عضو جديدة إلى استخدام منظمة شنغهاي لتعزيز أولويات سياستها الخارجية؛ فوفقًا لميثاق منظمة شنغهاي للتعاون، شملت أهداف المنظمة توثيق العلاقات بين الدول الأعضاء، وتطوير التعاون في مجموعة متنوعة من المجالات المختلفة، ومعارضة “الشرور الثلاثة” (الإرهاب، والانفصالية، والتطرف)، وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية استنادًا إلى ميثاق منظمة شنغهاي، والقوانين الوطنية القائمة، لكن هذا الميثاق لم يخلُ من الغموض فيما يخص الأهداف الإستراتيجية للمنظمة، وهذا ما ساعد الدول الأعضاء في محاولتها استخدام منظمة شنغهاي لتحقيق أجنداتها الخاصة على مدى العقود الماضية.

فروسيا- على سبيل المثال- كانت- وما زالت- تحاول إقناع منظمة شنغهاي بالتعبير عن تضامنها مع قراراتها في مجال السياسة الخارجية؛ ففي عام 2008، بعد الغزو الروسي لجورجيا، أثار الرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف مسألة استقلال أوسيتيا الجنوبية، وفي عام 2014، سعت روسيا إلى اعتراف المنظمة بضم روسيا شبه جزيرة القرم، وفي عام 2022، بعد الغزو الشامل لأوكرانيا، حاولت موسكو إقناع أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون بالتصويت ككتلة في الأمم المتحدة. وعلى نحو مماثل، تستخدم الصين منظمة شنغهاي للتعاون للترويج لمصطلحاتها المفضلة- مثل مجتمع المصير المشترك- التي تظهر في الوثائق الرسمية لمنظمة شنغهاي للتعاون.

وعلى الجانب الآخر، في مؤتمرات القمة السنوية التي تعقدها منظمة شنغهاي للتعاون، يصدر الزعماء عددًا كبيرًا من التصريحات الحماسية التي تنقلها وكالات الأنباء الإقليمية والدولية، ولكنها نادرًا ما تصبح واقعًا. ومع أن قائمة مجالس منظمة شنغهاي للتعاون تبدو فعالة على الصعيد السياسي والاقتصادي، فإنها في واقع الأمر مجرد هياكل مؤسسية دون قرارات حقيقية، فعلى سبيل المثال، نظم مجلس الأعمال التابع لمنظمة شنغهاي للتعاون كثيرًا من المؤتمرات، ولكنه لم ينجح- ولو مرة واحدة- خلال أكثر من عشرين عامًا في تسهيل صفقة تجارية كبيرة بين الدول الأعضاء، وحتى الهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب المنتظر دوره بشدة في ظل تنامي خطر الإرهاب الإقليمي والدولي، لا يفعل أكثر من مجرد مساعدة الدول الأعضاء على تنظيم التدريبات العسكرية، وعندما يقع هجوم إرهابي كبير في إحدى الدول الأعضاء، فإن كل ما يتخذه هو تصريحات صحفية تعرب عن التعازي للضحايا، والإدانة والشجب للعمل الإرهابي.

يضاف إلى ما سبق، أنه على مدى السنوات الماضية، ثبت أن تحقيق التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء مهمة صعبة، فحين اعترضت روسيا على فكرتين رئيستين طرحتهما الصين بشأن إنشاء بنك للتنمية، ومنطقة تجارة حرة، بدأت بكين تتصرف على نحو مستقل عن منظمة شنغهاي للتعاون. وحتى يومنا هذا، تندرج الروابط الاقتصادية بين الصين وآسيا الوسطى في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية، أو الاتفاقيات الثنائية، أو صيغة الصين زائد آسيا الوسطى، التي تستثني روسيا.

كل هذا يعني أنه عندما بدأت روسيا بالضغط من أجل توسيع منظمة شنغهاي للتعاون، كانت الصين غير مهتمة بالقدر الكافي بأثر ذلك في إضعاف فعالية المنظمة، وأن هذا التنوع الكبير في العضوية يحيد المنظمة عن تحقيق الأمن الإقليمي، ويجعل من الصعب تحقيق أي إنجاز على أرض الواقع، خاصة أن الانضمام إلى المنظمة لا يلزم الدول الأعضاء بأي أعباء أو مسؤوليات إضافية؛ ما يجعل المنظمة في المستقبل القريب هيكلًا كبيرًا من القوى العظمى، لكن بلا أي تأثير يذكر في العالم الإقليمي والدولي المضطرب.

الخاتمة

يشكل تراجع منظمة شنغهاي للتعاون مثالًا آخر على افتقار العالم لوجود نهج دقيق للتعددية القطبية، وخريطة واضحة لموازين القوى الحالية للدول الكبرى، ونجد أن أقرب مثال على ذلك ما يحدث في منطقة آسيا الوسطى؛ حيث تخسر روسيا نفوذها التقليدي على نحو ملحوظ في تلك المنطقة التي كان حضورها فيها شبه احتكاري بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وخوفًا من المنافسة مع الصين، عرقلت روسيا المبادرات التي كان من الممكن أن تحول منظمة شنغهاي للتعاون إلى منظمة إقليمية فعالة، للحفاظ على موطئ قدم أخير في الجمهوريات الخمس التي تعزز نفوذها بعيدًا عن حليفها التقليدي، وتتجه نحو نسج علاقات مع الصين، وإيران، وتركيا، في ظل المستجدات التي تفرضها الساحة الإقليمية والدولية، والتي تتعامل معها دول آسيا الوسطى بإستراتيجية أكثر حرية.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع