مقالات المركز

يهود الولايات المتحدة بين بايدن وترمب


  • 29 أبريل 2024

شارك الموضوع

تتميز الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، بتأثيرها في الحياة السياسية بهذا البلد، مع أنها لا تشكل أكثر من 2.4 % من سكانه. ويعتقد الخبيران الإسرائيليان، ماثيو سيلفيرا من جامعة حيفا، وهاتويل رادوسيتسكي من معهد دراسات الأمن القومي، أن هذا يرجع إلى “العدد الكبير من اليهود في الحزب الديمقراطي الأمريكي، والإعانات الكبيرة التي يمكن أن يقدمها المانحون اليهود للمرشحين الرئاسيين، والنفوذ اليهودي في الإعلام”. في الكونغرس، يشغل النواب اليهود 33 مقعدًا، أي 6 % من إجمالي عدد أعضاء هذه المؤسسة التشريعية. ووفقًا لاستطلاعات الرأي، فإن الناخبين اليهود يصوتون أيضًا بمعدل ضعف ما يصوت به المواطن الأمريكي العادي.

يُنظر إلى اليهود الأمريكيين تقليديًّا على أنهم جمهور الحزب الديمقراطي ومؤيدو وجهات النظر الليبرالية، وتؤكد البيانات المستمدة من الدراسات الاستقصائية الاجتماعية الأخيرة هذا الاتجاه. وفقًا لمعلومات من معهد الناخبين اليهود (JEI) منشورة في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2023:

  • 77 % من الناخبين اليهود لديهم وجهة نظر سلبية تجاه دونالد ترمب.
  • 74 % من الناخبين اليهود يوافقون على موقف الرئيس بايدن من الحرب بين إسرائيل وحماس.
  • 60 % من اليهود يثقون ببايدن أكثر من ترمب، و40 % يثقون بالديمقراطيين أكثر من الجمهوريين في القضايا المتعلقة بالحرب.
  • 43 % من الناخبين اليهود مقابل 24 % يثقون بالديمقراطيين أكثر من الجمهوريين في مكافحة معاداة السامية.
  • 77 % من اليهود الأمريكيين يؤيدون حزم المساعدات لإسرائيل وأوكرانيا[1].

قد لا تكون هذه الأرقام واضحة لأولئك الذين يرون دعمًا لا هوادة فيه لإسرائيل من الجمهوريين ودونالد ترمب شخصيًّا. ومع ذلك، يشعر اليهود الأمريكيون أنهم أمريكيون ويصوتون كمواطنين في بلادهم، وليس كإسرائيليين يعيشون في الولايات المتحدة.

يعود الدعم اليهودي للديمقراطيين إلى أكثر من مئة عام. في ثلاثينيات القرن العشرين، كان الأمريكيون يمزحون قائلين إن “اليهود يؤمنون بـ die velt (“هذا العالم” باللغة اليديشية)، وyene velt (“الآخرة”)، وروزفلت”. بادئ ذي بدء، بفضل سياسات الديمقراطيين، حصل اليهود على المساواة الكاملة، والمناصب البارزة في الثقافة والأعمال والسياسة الأمريكية. لقد تغيرت الحضارة الأمريكية من “المسيحية” إلى “اليهودية-المسيحية”؛ لذلك، بالنسبة لـ7% فقط من اليهود الأمريكيين، فإن موقف المرشح الرئاسي فيما يتعلق بإسرائيل سيكون حاسمًا لاختيارهم في يوم الانتخابات “يميل الإسرائيليون واليهود الأمريكيون إلى أن تكون لديهم نظرة محدودة”. إن الولايات المتحدة دولة كبيرة جدًّا، والملايين من الأمريكيين لا يهتمون بما يحدث في أماكن أخرى. وقالت نادين بونر، ممثلة الديمقراطيين الأمريكيين في إسرائيل “إن الاقتصاد عادة ما يكون القضية الأكثر أهمية لهم”[2]. معظم الناخبين اليهود يرون هجمات دونالد ترمب على النظام السياسي الحالي، ومشكلة معاداة السامية أكثر أهمية بكثير.

يبدو أن الولايات المتحدة هي أكثر الدول ودية تجاه اليهود، ولكن في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي: إن مستوى معاداة السامية في الولايات المتحدة “قد حطم أرقامًا قياسية جديدة”. وتقول رابطة مكافحة التشهير “إن الهجمات المعادية للسامية في الولايات المتحدة، زادت بنسبة 400 % في الأشهر الأخيرة. أكثر من 60 % من الضحايا بدافع الكراهية الدينية هم من اليهود”[3].

في العام الماضي، التقى دونالد ترمب بمغني الراب الشهير كاني ويست، الذي يمارس خطابًا معاديًا للسامية، والقومي الأبيض الشهير ومنكر الهولوكوست نيك فوينتيس. أشد مؤيدي دونالد ترمب هم المسيحيون الإنجيليون الذين يدعمون إسرائيل، ويرون أن هجرة اليهود إلى أرض الموعد هي اقتراب للمجيء الثاني ليسوع. وأشار ترمب إلى أن “الإنجيليين يقدرون [إسرائيل] أكثر بكثير من أتباع الديانة اليهودية، وخاصة أولئك الذين يعيشون في الولايات المتحدة”[4]، لكن اليهود الأمريكيين يعتبرون الولايات المتحدة وطنهم، وإسرائيل- رغم كونها صديقة- دولة أجنبية.

من الصعب القول إلى أي مدى يستطيع دونالد ترمب استمالة اليهود الأمريكيين إلى جانبه، على عكس التقليد التاريخي، وصورته السلبية في عيونهم. عشية رأس السنة اليهودية (روش هاشاناه) في 18 سبتمبر (أيلول) 2023، خاطب المرشح الجمهوري اليهود الليبراليين الأمريكيين بعبارة: “استيقظوا أيها الأغنام، أتمنى أن تتعلموا من خطئكم وتتخذوا خيارات أفضل في المستقبل”. بالإضافة إلى ذلك، قال ترمب إنه “لم يقدم أي زعيم أمريكي آخر مساهمة كبيرة في تعزيز العلاقات مع إسرائيل مثله”[5]. ووصفت الصحافة اليهودية لهجة الرسالة بأنها مسيئة ومملوءة بالصور النمطية، ووصفت صحيفة هآرتس الليبرالية الإسرائيلية “تهنئة” ترمب بأنها “تحذير مشؤوم لليهود الأمريكيين”، وخلصت المنظمة الإسرائيلية غير الربحية لمكافحة معاداة السامية في جامعة تل أبيب إلى أن خطابات ترمب “تزيد المشاعر المعادية للسامية في الولايات المتحدة”.

حدثت فضيحة جديدة بالفعل في أوائل أبريل (نيسان) من هذا العام، عندما قال في مقابلة على قناة (Real America’s Voice) التليفزيونية التابعة لدونالد ترمب إن “أي يهودي يصوت لبايدن لا يحب إسرائيل، وبصراحة، أنت بحاجة إلى التحدث إليه. إنها مجرد عادة، في الغالب يصوّت اليهود والسود للديمقراطيين فقط”[6]. وانتقدت الجماعات اليهودية- على الفور- تصريحات ترمب، وقالت هالي سويفر، الرئيس التنفيذي للمجلس الديمقراطي اليهودي الأمريكي، إن “اليهود الأمريكيين لا يصوتون لبايدن بحكم العادة، وفي كل مرة يتحدث فيها ترمب إلينا أو عنا، يستخدم لغة معادية للسامية”[7].

ومع أن غالبية اليهود الأمريكيين يدعمون الديمقراطيين، فإن هذا لا يعني أن المجتمع اليهودي بكامله في البلاد كتلة تصويتية واحدة. يصوت بعض اليهود الأمريكيين تقليديًّا للجمهوريين، تحديدًا مجتمعات اليهود الأرثوذكس، الذين يعيشون وفق مبادئ الشريعة اليهودية في جميع شؤون الحياة اليومية، وينفذون قرارات حاخاماتهم بدقة؛ لأن الجمهوريين المحافظين الذين يلجؤون إلى الإيمان والتقاليد هم أقرب بكثير إليهم من الديمقراطيين الذين يدعون إلى تقنين الإجهاض، والتسامح مع المثليين. في عام 2019، أسهم اليهود الأرثوذكس- كثيرًا- في نجاح حاكم فلوريدا الجمهوري رون دي سانتيس. وجد استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث (PEW) لعام 2020 “أن 75 % من اليهود الأرثوذكس يصوتون للحزب الجمهوري”. على مدى السنوات الثلاث الماضية، تكثف التعاطف الجمهوري مع الأرثوذكس بسبب وباء فيروس كورونا الأخير، الذي توفي خلاله كثير من اليهود الذين كانوا يعيشون أسلوب حياة تقليديًّا. ولم يكتف زعماء المجتمع بإلقاء اللوم فيما حدث على إدارة بايدن، التي اتخذت- في نظرهم- القرارات الخاطئة، بل اعتبروه أيضًا عقابًا من الله لسياسات التسامح مع “الإباحية” التي ينتهجها الديمقراطيون[8].

يمكن لدونالد ترمب أيضًا الاعتماد على اليهود الذين هاجروا مؤخرًا إلى الولايات المتحدة من فرنسا وإسرائيل، وبلدان الاتحاد السوفيتي السابق. الجاليات اليهودية القادمة من هذه البلدان معروفة بآرائها اليمينية المتطرفة، وتتقبل جيدًا دعاية الجمهوريين بشأن وجود “شيوعيين” في الكونغرس الأمريكي. وفقًا لأحد هؤلاء الأشخاص، قال في مقابلة مع موقع (Jewish.ru): “كان الحزب الديمقراطي محافظًا، لكنه أصبح الآن اشتراكيًّا. إذا خُيّرتُ بين مزيد من الضمان الاجتماعي أو مزيد من الحرية، فسوف أختار مزيدًا من الحرية الشخصية وريادة الأعمال؛ ولهذا السبب أنا مع ترمب”[9].

أخيرًا، في الولايات المتحدة، يشكل المال العنصر الأكثر أهمية في الحملة الانتخابية، وهنا تصبح قدرات الجمهوريين منقطعة النظير. وهكذا، ضاعف المجلس الديمقراطي اليهودي الأمريكي (JDCA) ميزانيته إلى 4 ملايين دولار منذ تأسيسه عام 2018، وترؤسه سوزان ستيرن، وهي فاعلة خير يهودية بارزة في نيويورك. في المقابل، أنفق الائتلاف اليهودي الجمهوري 10 ملايين دولار على حملة عام 2020، و6.6 مليون دولار على انتخابات 2022، ويستعد الآن للالتزام بمبالغ أكبر بكثير لأجل ضمان فوز دونالد ترمب[10].

هناك مجموعة صغيرة من الناخبين الذين فقد جو بايدن دعمهم، لكن دونالد ترمب لم يكسبهم. هؤلاء هم الشباب اليهود المتطرفون، الذين أصيبوا بخيبة أمل بسبب السياسات القاسية التي ينتهجها شاغل البيت الأبيض الحالي في الشرق الأوسط. 53 % فقط من الشباب اليهود الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا يوافقون على موقف جو بايدن بشأن هذه القضية. انتخابيًّا، هذه ليست المجموعة الأكثر نشاطًا، لكنها ملحوظة في المجال الإعلامي. بالإضافة إلى ذلك، فإن هؤلاء الشباب مفيدون في أثناء الحملة الانتخابية في الشوارع. وكما أشار تشاك فريليتش، وهو زميل بارز في معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، فإنه “في بعض الأحيان تنشأ قضايا السياسة الخارجية، التي يتردد صداها على نطاق عريض بين الجمهور، وهذه هي الحال”. وبحسب الخبير، فإن “رفض هذه الفئة من الشباب اليهودي المشاركة في الانتخابات يمكن أن يؤدي دورًا معينًا في الولايات المتأرجحة”[11].

سوف يتبين هذا العام ما إذا كان تأثير اليهود الأمريكيين سيكون كافيًا للرئيس العجوز الفاقد للتركيز والوعي، الديمقراطي جو بايدن، للفوز بالانتخابات الرئاسية في الخريف. ففي نهاية المطاف، قد تقع أحداث كثيرة في الأشهر المقبلة، سواء في الشرق الأوسط، أو في الولايات المتحدة. وفقًا لصحيفة جويش جورنال: “الرئيس السادس والأربعون [جو بايدن] يتمتع بمعدل موافقة منخفض على نحو صادم، حيث انخفض إلى 30 %. ويقترب دعمه بين السود واللاتينيين، وهم جوهر جمهوره الداعم انتخابيًّا له قبل عامين فقط، من أرقام منخفضة إلى حد خطير. الشباب الذين احتشدوا إلى جانبه، وساعدوه على دخول البيت الأبيض يتركونه… لكنّ اليهود الأمريكيين يقفون إلى جانب الرئيس”[12].

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع