مقالات المركز

هل ينسحب ترمب من حلف “الناتو”؟


  • 10 يوليو 2024

شارك الموضوع

يعيش حلف شمال الأطلسي (الناتو) حالة من الضعف والترقب و”عدم اليقين” خلال اجتماعاته الحالية في واشنطن؛ لأسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها تراجع أوكرانيا عسكريًّا على الجبهة مع روسيا، وخسارتها مدنًا وبلدات على نحو متسارع، وفشل كل الخيارات العسكرية طوال أكثر من عامين في إلحاق “هزيمة إستراتيجية” بالاتحاد الروسي، لكن التخوف لدى دول حلف شمال الأطلسي يأتي من احتمالية عودة المرشح الجمهوري دونالد ترمب مرة أخرى إلى البيت الأبيض. ومنذ ليلة الخميس 27 يونيو (حزيران) الماضي، عندما هزم الرئيس السابق دونالد ترمب منافسه الديمقراطي الرئيس جو بايدن، ساد الذعر أوساط حكومات دول حلف “الناتو”، ومنذ ذلك الحين يعقد سفراء 31 دولة (أعضاء الحلف) اجتماعات دورية في واشنطن بغرض اكتشاف “مساحة من الوضوح” للوصول إلى تفكير ترمب المستقبلي بشأن حلف الناتو.

ليس هذا فقط؛ بل أرسلت الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو كبار المسؤولين لمعرفة خطط ترمب ونيّته تجاه الحلف، ومن هؤلاء وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، التي ذهبت إلى ولاية تكساس للقاء غريغ أبوت، حاكم الولاية وصديق دونالد ترمب. والسيناريو نفسه انتهجته دول أخرى في الناتو، وأرسلت مبعوثين للقاء شخصيات من حملة ترمب في ولايات نبراسكا، وفلوريدا، وبنسلفانيا، ونورث كارولين،ا وساوث كارولينا، وفرجينيا، بالإضافة إلى واشنطن ونيويورك، وتحاول دول الناتو تصدير صورة ومشهد يقول إن تعامل دول الناتو مع ترمب إذا فاز في الانتخابات المقبلة سوف يكون من منطلق ثقة أكبر من تعاملها معه في ولايته الأولى التي امتدت من يناير (كانون الثاني) 2017 إلى يناير (كانون الثاني) 2021.

ومع أن التخطيط لهذه القمة- التي تتزامن مع مرور 75 عامًا على تأسيس حلف الناتو في 4 أبريل (نيسان) 1949– كان يهدف إلى إظهار قوة الحلف في الدفاع الجماعي عن أعضائه، فإن ما حدث من انتكاسة لبايدن في “المناظرة الأولى”، والخوف من عودة “شبح ترمب” دفع قادة دول “الأطلسي” إلى إعادة التفكير في الخيارات والمسارات التي تنتظر الناتو حال فوز ترمب في الانتخابات المقبلة في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، وبات هناك سؤال كبير يطرح في “الغرف المغلقة”: هل يمكن أن “ينسحب” دونالد ترمب من “حلف الناتو”؟ بعد أن رفض- في مناظرته مع بايدن– الإجابة عن سؤال “هل تنوي الانسحاب من حلف الأطلسي”؟ وما “المقاربة” التي يطرحها ترمب لوقف الحرب الروسية الأوكرانية؟ وما خيارات الأوروبيين الأعضاء في الناتو إذا أحجم دونالد ترمب عن إرسال الأموال والسلاح والذخيرة إلى أوكرانيا؟ وهل سيكون لدى الأوروبيين حينئذٍ القدرة على تعويض غياب الدعم المالي والعسكري الأمريكي أم سيقبلون “بخطة ترمب” لوقف الحرب؟

كراهية الناتو

لم يتردد الرئيس السابق دونالد ترمب في تأكيد “كراهيته للناتو”- أكثر من مرة- وتقوم نظرته على أن دول الحلف، وخاصة الغنية منها، تستغل الولايات المتحدة؛ ولهذا قال إنه لن يدافع عن أي دولة من دول الحلف إذا تعرضت لعدوان خارجي، ويخشى الأوروبيون الأعضاء في حلف الناتو من وصول ترمب إلى البيت الأبيض؛ لأنه سيثير سلسلة من القضايا، أبرزها:

أولًا: الإنفاق الدفاعي

أكثر القضايا التي يركز عليها ترمب، وتسبب خلافات مع الأوروبيين هي ملف الإنفاق الدفاعي، ونقلت الصحافة الأمريكية عن ترمب- أكثر من مرة- بأن بلاده تدفع أكثر من ألمانيا، وهولندا، وإيطاليا، وإسبانيا، والنرويج، وغيرها من الدول الشديدة الغنى في أوروبا، وتقوم حجة ترمب على أن الولايات المتحدة تنفق نحو 3.7 % من الناتج القومي الأمريكي الذي يبلغ 27 تريليون دولار على الشؤون الدفاعية، في حين أن هناك أكثر من 14 دولة في حلف الناتو لم تصل بعد إلى إنفاق 2 % من ناتجها القومي على الدفاع، ويعتقد القادة الأوروبيون أنهم في وضع أفضل الآن من الولاية الأولى لترمب، حيث وصل إنفاق 18 دولة من إجمال 32 % أعضاء في الحلف إلى نسبة 2 % من الناتج القومي، بعد أن كانت 6 دول فقط في الولاية الأولى لترمب، لكن الخوف من طلب ترمب أن تدفع الدول الأوروبية نسبة الإنفاق نفسها التي تدفعها الولايات المتحدة، وهي 3.7 %، هو ما يقلق دول الحلف؛ لأنه وفق مقربين من ترمب، فإنه يقول في الفترة الأخيرة إن هدف إنفاق 2 % من الناتج القومي للدول الأوروبية كان “هدفًا قديمًا” جدًّا، وأُقِرَّ في قمة ويلز عام 2014، أي منذ 10 سنوات كاملة، ويجب على الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف أن تدفع أكثر إذا أرادت مظلة الحماية الأمريكية.

ثانيًا: وقف إرسال السلاح إلى أوكرانيا

تخشى دول الناتو من توقف ترمب عن إرسال السلاح والذخيرة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد أن وصف ترمب الرئيس زيلينسكي بأنه “أمهر رجل تسويق في العالم”؛ لأنه يأتي إلى واشنطن ويعود بعشرات المليارات من الدولارات. وقدمت الولايات المتحدة لأوكرانيا نحو 81 مليار دولار، منها 51 مليار دولار مساعدات عسكرية، كما قدمت لها جميع أنواع الأسلحة والذخيرة، منها صواريخ جافلين، وستنجر، وأتاكامز، وهيمارس، بالإضافة إلى طائرات “إف 16″، ووصل الأمر إلى أن سحبت واشنطن من مخزونات الذخيرة، سواء على الأراضي الأمريكية أو في الخارج، لتقدمها إلى أوكرانيا. ومع أن جزءًا كبيرًا من الجمهوريين دعموا حزمة المساعدات العسكرية الأخيرة لأوكرانيا في أبريل (نيسان) الماضي، التي تصل إلى نحو 61 مليار دولار، فإن هناك شكوكًا بأن ترمب لن يكون بالسخاء نفسه في إرسال الأسلحة والذخيرة إلى أوكرانيا، وهذا سيترتب عليه مزيد من الأعباء المالية والعسكرية على أوروبا إذا اختارت أوكرانيا مواصلة القتال مع روسيا. وبدأت دول الناتو بالفعل بدراسة مجموعة من البدائل بعد تفعيل قرار استخدام عائدات الأصول الروسية لتمويل الجيش الأوكراني، وتهدف الدول الأوروبية إلى إنتاج نحو 2.5 مليون قذيفة سنويًّا، مع أنها أخفقت بالفعل في تحقيق هدف إنتاج مليون قذيفة عام 2023، كما يتم التفكير في “مبادرة إستونيا”، التي تدعو إلى إلزام جميع أعضاء حلف شمال الأطلسي بمنح أوكرانيا سنويًّا نحو 0.25 % من الناتج القومي، بما يوفر نحو 120 مليار دولار، لكن هذه المبادرة ليس عليها إجماع بين أعضاء الحلف.

ثالثًا: صداقة بوتين

يعتقد كثير من الأوروبيين الأعضاء في حلف الناتو أن ترمب سوف يكون أكثر تحررًا في الولاية الثانية في العلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الولاية الأولى؛ لأن ترمب في ولايته الأولى كان تحت سيف اتهامات الديمقراطيين له بأنه فاز بسبب “التدخل الروسي” في انتخابات 2016، لكن بعد براءة ترمب الكاملة من هذه التهمة، وإدراك الكثيرين أن العلاقات الإيجابية التي جمعت ترمب مع الزعيم الروسي حافظت على السلام والاستقرار العالمي، ولم تكن هناك حروب في عهد ترمب، فإن كل هذا قد يسهم في موافقة ترمب على بقاء سيطرة روسيا على المناطق الخمس التي حصلت عليها موسكو منذ عام 2014، وهي شبه جزيرة القرم، ولوغانسك، ودونيتسك، وزاباروجيا، وخيرسون، وهي رؤية تعارضها دول “الناتو” في الوقت الحالي.

رابعًا: عدم ضم أوكرانيا

هناك اتفاق ضمني بين دول الناتو أنه حال وصول ترمب إلى البيت الأبيض، في 20 يناير (كانون الثاني) 2025، لن يكون هناك أي تقدم في مجال دعوة أوكرانيا رسميًّا للانضمام إلى حلف الناتو، وتعد دعوة أوكرانيا رسميًّا لدخول الناتو في قمة واشنطن تحسبًا لفوز ترمب أمرًا مستبعدًا أيضًا؛ لأنه في قمة الحلف العام الماضي لم تتفق الدول الأعضاء على دعوة أوكرانيا رسميًّا، وحاولت تعويض أوكرانيا ببرامج ومساعدات عسكرية ومالية أخرى. وبعد عدم اليقين في فوز بايدن في الانتخابات المقبلة، فإنه من المستبعد جدًّا أن يُتَّخَذ قرار بدعوة أوكرانيا للانضمام رسميًّا إلى حلف الناتو في قمة واشنطن.

خامسًا: سحب القوات

أكثر المخاوف التي تسيطر على دول حلف الناتو من قرارات ترمب إذا فاز في الانتخابات المقبلة، هو سحب جزء من القوات الأمريكية من أوروبا، خاصة من دول غرب أوروبا، مثل ألمانيا، وإيطاليا، وهولندا، فالرئيس ترمب سبق له أن قرر سحب 9500 جندي أمريكي من ألمانيا، واليوم يوجد للولايات المتحدة نحو 100 ألف جندي في أوروبا، وفي حالة عدم تجاوب الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا، التي يقول الرئيس ترمب إن سياراتها في كاليفورنيا أكثر من السيارات الأمريكية، فإن ترمب يمكنه أن يعيد هيكلة القوات الأمريكية في أوروبا بسحب جزء من هذه القوات بهدف تقليل النفقات، وإجبار الدول الأوروبية على دفع مزيد من الأموال لاستضافة القوات الأمريكية، أو لشراء مزيد من السلاح والذخيرة الأمريكية.

سادسًا: تقسيم “الناتو”

معروف عن الرئيس ترمب أنه ينحاز إلى دول الجناح الشرقي في حلف الناتو أكثر من دول غرب أوروبا، وسبق له أن أشاد بسياسات دول مجموعة بودابست التسع، وهي المجر، والتشيك، وسلوفاكيا، وبلغاريا، ورومانيا، وبولندا، وليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا، وعندما قرر نقل 9500 جندي أمريكي من ألمانيا كان يريد نقلهم إلى بولندا، ويزيد هذا الاحتمال أن الدول الثماني عشرة التي وصلت إلى نسبة إنفاق عسكري 2 % من ناتجها القومي تقع في شرق أوروبا، وأن بعض هذه الدول- مثل بولندا- زاد إنفاقها على 2.5 %؛ مما يجعلها أكثر قربًا إلى الرئيس ترمب من دول الناتو غرب أوروبا.

سابعًا: الانسحاب من الناتو

لا تخلو جلسة لممثلي دول الناتو في الولايات المتحدة مع حملة ترمب أو المقربين منه، من السؤال: هل يفكر ترمب في الانسحاب من الناتو؟ وسبب التخوف أن ترمب سبق له الانسحاب من منظمات الصحة العالمية، واليونسكو، كما انسحب من “اتفاقية باريس للمناخ”. ومع أن قرار الانسحاب من الناتو مستبعد في تقديرات الكثيرين، خاصة في ظل زيادة الإنفاق العسكري لـ18 دولة، بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، لكن لا يمكن استبعاد أي خيار من المرشح الجمهوري دونالد ترمب الذي سبق له الهجوم على حلف الناتو أكثر من مرة.

المؤكد أن حسابات “الناتو” سوف تتغير كثيرًا إذا فاز ترمب في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وحتى إذا لم تنسحب واشنطن من الحلف، فإن كثيرًا من المعادلات سوف يطولها التعديل والتغيير، وهو ما يصيب قادة الحلف وحكوماته بالرعب والهلع من الآن، مع أن هناك نحو 5 أشهر كاملة على إجراء الانتخابات الأمريكية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع