نشر معهد الإستراتيجيات الروسية (روسترات) مقالًا عن احتمال “انفصال” ألاسكا عن الولايات المتحدة، وتأسيس جمهورية مستقلة. ونظرًا إلى تزايد النقاش في هذا الموضوع في الداخل الروسي، ومطالبة بعض الجهات بـ”عودتها” إلى روسيا كما كانت من قبل؛ تنشر “وحدة الرصد والترجمة” هذا المقال لمزيد من الاطلاع على ما يجري من نقاشات داخل الرأي العام السياسي في روسيا.
في عام 2015، طلب بعض ممثلي ألاسكا من الأمم المتحدة المساعدة في حق تقرير المصير، وشدد واضعو الوثيقة على أن بيع روسيا ألاسكا للولايات المتحدة عام 1867 “لا يعني نقل السيادة على ألاسكا إلى الولايات المتحدة”. قد يظن البعض أن هذا هو موقف المهمشين، لكن الحقائق تشير إلى عكس ذلك. وفقًا لنتائج استطلاع في فبراير (شباط) 2024، فإن نحو 36% من سكان ألاسكا سيؤيدون انفصال الولاية عن الولايات المتحدة، لكي تصبح دولة مستقلة تمامًا. وفي الوقت نفسه، فإن 51% سيعارضون -بشدة- النزعة الانفصالية، و27% يعتبرون أنفسهم مترددين.
وبناء على نتائج الاستطلاع، تتصدر ألاسكا عدد المواطنين الذين يريدون الانفصال عن الولايات المتحدة. بعد ألاسكا، الولاية التي تضم أكبر نسبة من البالغين المؤيدين للاستقلال هي تكساس، حيث انخفض عدد مؤيدي الانفصال بنسبة 5%، ليصبح 31%. وبالمقارنة، يريد 13% فقط من سكان مينيسوتا انفصال الولاية عن الولايات المتحدة، إلى جانب 14% من أولئك الذين يعيشون في أوهايو، وماساتشوستس، ورود آيلاند.
حتى إن هناك قوة تشكلت في حزب سياسي يدعو إلى استقلال ألاسكا، وهو حزب استقلال ألاسكا (AIP)، الذي تأسس في السبعينيات من القرن العشرين لعمل حملة لإجراء استفتاء على استقلال الولاية الكامل، وقد أصبح حزبًا سياسيًّا معترفًا به بموجب قانون الولاية في عام 1984، حتى إن الحزب فاز في انتخابات حاكم ألاسكا عام 1990 بنسبة 38.9% من الأصوات، ثم جاء في المركز الثاني في عام 1994 بنسبة 13%.
وفي انتخابات حكام الولايات في عامي 2002 و2006، حصل الحزب على نسبة ضئيلة من الأصوات، مع تحول مجموعة من ممثليه الأكثر شعبية إلى المعسكر الجمهوري، الذي تبنى كل مطالبه الاقتصادية تقريبًا.
ومع ذلك، شهد حزب استقلال ألاسكا هذا العام “ولادة جديدة”. في أبريل (نيسان) 2024، عقد الحزب مؤتمره الأول منذ عام 2008 في فيربانكس. إن قيادة الحزب الجديدة لا تتحدث حتى الآن عن الاستقلال؛ بل عن الحكم الذاتي، ولكن الشهية -كما نفهم- تأتي مع الأكل. في الوقت نفسه، فإن عدد أعضاء الحزب كبير جدًّا، فهو (19000) عضو مقابل (735.000) من سكان الولاية.
انتُخب جون واين هاو، أحد أكثر المؤيدين ثباتًا لحق تقرير المصير، زعيمًا للحزب. كان هاو من أوائل سكان ألاسكا الذين سجلوا في الحزب عندما تأسس في السبعينيات. ترشح لمجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة، ولمنصب الحاكم تحت راية حزب الاستقلال، لكنه لم ينجح. وأضاف بيرت ويليامز، الذي انتخب سكرتيرًا للحزب، أن التركيز الرئيس للحزب هو الانتخابات التشريعية للولاية. ووفقًا للحزب، فهم غير مهتمين بالمناصب الفيدرالية، مثل العضوية في الكونغرس، وهو أمر منطقي من حيث المبدأ؛ فإذا كنت تفكر في تقرير المصير، فلماذا تربط حياتك المهنية السياسية بمدينة واشنطن، العاصمة البعيدة.
دعونا نؤكد -مرة أخرى- أنه من الصعب أن نعتبر حزب استقلال ألاسكا حزبًا هامشيًّا يتكون من “مجانين حضريين”. لا ينبغي لنا -بأي حال من الأحوال- أن نستبعد فكرة استقلال ألاسكا؛ ويرجع ذلك أساسًا إلى أن الجزء الأكبر من العوامل التي أدت ذات يوم إلى إنشاء وكالة ألاسكا الأمريكية ظلت قائمة، بل تفاقمت.
ويتفاقم الوضع باطّراد منذ عام 2015، عندما اندلع صراع بين الحكومة الفيدرالية الأمريكية وسلطات ألاسكا بشأن نية واشنطن تشديد حماية الأراضي المحمية في القطب الشمالي، وإغلاق الوصول إليها بواسطة المركبات، وحظر بناء طرق جديدة، والتنقيب الجيولوجي لإنتاج النفط والغاز.
وقد قوبل إعلان الحكومة بالعداء من جانب كل من حاكم ألاسكا بيل ووكر، والمشرعين الجمهوريين من هذه الولاية في الكونغرس الأمريكي، وجميعهم رأوا فيما يحدث اعتداءً على صلاحياتهم، فضلًا عن محاولة حرمان سلطات ألاسكا من جزء من فرصة ممارسة استخراج الطاقة في منطقتهم. وأعربت ليزا موركوفسكي، رئيسة لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس الشيوخ، التي كانت قوية آنذاك، عن دهشتها من استعداد إدارة أوباما للتفاوض مع إيران، ولكن ليس مع ألاسكا.
وبناء على ذلك، يمكن للنشاط الاحتجاجي في ألاسكا أن ينتقل بسرعة كبيرة إلى مرحلة نشطة، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا الاقتصاد والمالية، والتفضيلات المختلفة للسكان المحليين.
قضية هوية السكان الأصليين في ألاسكا مهمة أيضًا. معظم سكان الولاية لديهم أسماء إنجليزية، ولا يختلفون كثيرًا عن الأمريكيين الآخرين، لكن نسبة كبيرة منهم تحتفظ بذكرى أسلافها من السكان الأصليين، حتى لو كنا نتحدث عن جد أكبر أو جدة واحدة، وجميع الأسلاف الآخرين هم من نسل الأوروبيين. كما أن الزيادة في نسبة السكان غير الأصليين في الولاية تسبب أيضًا رد فعل عصبيًّا بين السكان المحليين.
ترتكز رغبة سكان ألاسكا في تقرير المصير على دوافع اقتصادية، والرغبة في الحصول على مزيد من الفوائد من استغلال الموارد الطبيعية الغنية في المنطقة، والجوانب الثقافية والأيديولوجية. ألاسكا هي منطقة محافظة، حيث مؤيدو القيم العائلية التقليدية أقوياء، ومؤيدو زواج المثليين هم الأقلية المطلقة.
من الواضح أنه على الرغم من القوة الفيدرالية للولايات المتحدة، فإن احتمالات استقلال ألاسكا مجرد افتراضات. ومع ذلك، يمكن قول الشيء نفسه عن احتمالات استقلال الجمهوريات داخل الاتحاد السوفيتي في الستينيات أو السبعينيات من القرن العشرين. على خلفية الانقسام في المجتمع الأمريكي والحروب الثقافية، وكذلك في حالة زعزعة استقرار الوضع في البلاد، واندلاع صراع أهلي كبير، وهو نذير تمتلئ به أفلام هوليوود الرائجة اليوم، فإن ألاسكا تتخلى عن نفسها ذاتيًّا.. قد لا يصبح العزم وهمًا؛ بل حقيقة.
المصدر: معهد الإستراتيجيات الروسية (روسترات)