مقالات المركز

نتنياهو يغتال الصحفيين في غزة بدعم من واشنطن


  • 16 أغسطس 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: cpj.org

في العاشر من أغسطس (آب)، استهدفت إسرائيل -عمدًا- خيمة قرب مجمع الشفاء الطبي في غزة؛ مما أسفر عن مقتل صحفيين من قناة الجزيرة، هما أنس الشريف، ومحمد قريقع، وقُتل معهما المصوران الصحفيان إبراهيم زاهر، ومؤمن علايوا، ومساعد التصوير محمد نوفل.

وقد توفي صحفي سادس متأثرًا بجراحه في صباح اليوم التالي.

وقع الهجوم في منطقة مكتظة بفرق الصحافة التي تغطي الصراع المستمر.

وأكد المكتب أن عدد الصحفيين الذين قُتلوا منذ بداية الحرب على غزة بلغ حتى الآن 238 صحفيًّا.

لا تريد إسرائيل لمواطنيها أو للعالم أن يشاهدوا الواقع الحقيقي داخل غزة. فمنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم تسمح إسرائيل بدخول الصحفيين الأجانب إلى غزة إلا تحت مرافقة عسكرية إسرائيلية. كما تخضع وسائل الإعلام الإسرائيلية لرقابة صارمة من الحكومة.

عادة ما يوجد الصحفيون الأجانب في ساحات المعارك بالعالم، يدخلون الأماكن دخولًا قانونيًّا، وأحيانا يتسللون إلى مناطق محظورة لكشف الحقيقة. فلماذا لا يوجد صحفيون أجانب متسللون إلى غزة؟ كان بإمكانهم الدخول سرًّا من مصر أو إسرائيل.

السبب في غياب الصحفيين الأجانب عن غزة هو أن إسرائيل محمية ومدعومة من الولايات المتحدة، والتهديد بالعقوبات الأمريكية يثير الخوف في قلوب الصحفيين الغربيين الذين قد يُحظر عليهم العمل إذا خرقوا الصمت المفروض على غزة.

بدأت الحرب الأهلية السورية في مارس (آذار) 2011، وسرعان ما انتشر الصحفيون الأجانب في أنحاء سوريا لتغطية الانتفاضة ضد حكومة الرئيس بشار الأسد. ومع أن دمشق توقفت عن إصدار التأشيرات للصحفيين الأجانب، فإن ذلك لم يمنعهم، فقد تسللوا من الحدود المجاورة، مثل تركيا والعراق ولبنان.

مارست حكومة الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، ضغوطًا كبيرة على الإعلام الأمريكي، وتبعتها وسائل الإعلام الأوروبية، لتسليط الضوء على الفظائع التي ارتكبتها قوات الأسد، دون الإشارة إلى الجرائم التي ارتكبها المتمردون المدعومون من الولايات المتحدة.

 كانت ماري كولفين صحفية أمريكية تعمل لصالح صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية منذ عام 1985 حتى وفاتها عام 2012، وقد دخلت سوريا على نحو غير قانوني لتوثيق ما كان يفعله النظام السوري بالشعب.

توفيت في 22 فبراير (شباط) 2012 في مدينة حمص في أثناء تغطيتها للأحداث.

ويُذكر أنها حصلت على كثير من الجوائز، منها جائزة الشجاعة في الصحافة، وجائزة الصحافة البريطانية، وجائزة صحفي العام من الصحافة الأجنبية الدولية. وقد وصفها كثيرون بأنها “أعظم مراسلة حربية في جيلها”.

زعمت وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية أن النظام السوري استهدف كولفين وقتلها، دون أي تحقيق؛ لأن الأسد كان العدو الذي أرادت الولايات المتحدة وبريطانيا التخلص منه، حتى إن هناك فيلمًا عنها بعنوان “حرب خاصة”.

ومن الصحفيين الأمريكيين المعروفين الذين قُتلوا في أثناء أداء واجبهم، شيرين أبو عاقلة، التي عملت مراسلة لقناة الجزيرة 25 عامًا. قُتلت على يد القوات الإسرائيلية في أثناء ارتدائها سترة الصحافة الزرقاء، خلال تغطيتها اقتحام مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة في 11 مايو (أيار) 2022. وكشف فيلم وثائقي عن وفاتها، اسم الجندي الإسرائيلي الذي اغتالها.

الموقف الرسمي للحكومة الأمريكية كان أن المواطنة الأمريكية توفيت عن طريق الخطأ،

لكن التحقيق الجنائي الميداني الذي أجرته جهات أمريكية كشف أن قتل أبو عاقلة كان متعمدًا، وأن الجندي الإسرائيلي كان يعلم أنه يطلق النار على صحفية. ومع ذلك، تجاهل الرئيس بايدن نتائج التحقيق؛ دعمًا لحليفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واعتبر أن القتل لم يكن متعمدًا.

في حالة كولفين، اعتُبرت بطلة في الولايات المتحدة، أما أبو عاقلة فقد تم التعتيم على قضيتها.

قاتل كولفين كان عدوًا للولايات المتحدة، أما قاتل أبو عاقلة فهو أقرب حليف لها.

جاء اغتيال أنس الشريف بعد ساعات فقط من إعلان نتنياهو السماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة، في خطوة اعتبرها كثيرون محاولة لتحسين الصورة العامة وسط تصاعد الانتقادات الدولية.

وقد تلقى الشريف تهديدات مباشرة من الجيش الإسرائيلي بسبب تغطيته للأزمة الإنسانية، والجرائم المروّعة في غزة.

وثّق مشاهد الجوع والدمار من الخطوط الأمامية. وفي مقابلات سابقة، كشف الشريف أنه تعرض للتهديد مرارًا، وأن عائلته كانت مستهدفة، حيث قُتل والده في غارة سابقة، ونجا من عدة هجمات في أثناء عمله مع زملائه إسماعيل الغول، وفادي الوحيدي، وحسام شبات.

ورغم المخاطر، ظل الشريف ملتزمًا بمهمته قائلًا: “لا يريدون للعالم أن يرى ما أوثقه، لكنني سأواصل عملي المهني. الله هو الحامي”، وفقًا لتصريح سابق له لموقع “عرب 21”.

بعد الغارة، زعمت القوات الإسرائيلية أن الشريف كان قائدًا في خلية تابعة لحماس مسؤولة عن إطلاق صواريخ على المدنيين والقوات الإسرائيلية. وقد رفضت قناة الجزيرة والمراقبون الدوليون هذا الاتهام بشدة.

وكانت إيرين خان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية التعبير، قد حذرت سابقًا من أن حياة الشريف في خطر، ووصفت الاتهامات الإسرائيلية بأنها لا أساس لها.

أدان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان مقتل الصحفيين الستة، ومنهم الشريف وقريقع، واعتبره “انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي”.

وفي المقابل، امتنعت وزارة الخارجية الأمريكية عن إدانة عمليات القتل، وأحالت الاستفسارات إلى الحكومة الإسرائيلية، مكتفية بالتعبير عن “القلق العام إزاء فقدان الأرواح البريئة”.

ويُعد الهجوم الأخير جزءًا من نمط أوسع من العنف ضد الصحفيين في غزة، فمنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، اتُهمت إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، أسفرت عن أكثر من 61,430 قتيلًا، و153,213 جريحًا، وآلاف المفقودين. وقد تسببت الحرب في تهجير مئات الآلاف، وأدت إلى مجاعة واسعة النطاق، خاصة بين الأطفال.

وقد قُتل كثير من الصحفيين في أثناء ارتدائهم سترات الصحافة ومعدات السلامة. ومن بين الضحايا في الأيام الأخيرة: 

– إبراهيم لافي (وكالة السلطة الرابعة) 

– محمد جرجون (عين ميديا) 

– محمد الصالحي (وكالة السلطة الرابعة) 

– أسعد شملخ 

– سعيد الطويل (مدير وكالة الخامسة) 

– هشام النواجحة (محرر في وكالة خبر) 

– محمد صبح (مصور في وكالة خبر) 

قُتل هؤلاء الصحفيون في أثناء تغطيتهم عمليات الإجلاء، وتوثيق الغارات الجوية الإسرائيلية. كما استهدفت القوات الإسرائيلية مكاتب إعلامية، منها وكالة الصحافة الفرنسية، وتليفزيون فلسطين، وصحيفة الأيام.

وتؤكد منظمات مراقبة الإعلام وحقوق الإنسان أن استهداف الصحفيين على نحو منهجي يهدف إلى قمع التغطية الإعلامية للفظائع، ومنع المجتمع الدولي من رؤية الواقع على الأرض.

ومع استمرار غزة في معاناة ظروف غير مسبوقة، فإن فقدان هؤلاء الصحفيين لا يمثل مأساة إنسانية فحسب؛ بل هو اعتداء مباشر على حرية الصحافة، وحق الوصول إلى الحقيقة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع