في ظل التطورات المُتنامية للعلاقات الدولية، يظهر التعاون بين الولايات المتحدة والصين في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وخاصة مع التركيز على المخاوف الأمنية بوصفها عاملًا حاسمًا يمكن أن يؤثر تأثيرًا كبيرًا في استقرار العلاقات الصينية الأمريكية. وقد اكتسبت هذه القضية أهمية كبيرة في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، عندما أعلن الرئيس شي جين بينج والرئيس جو بايدن، خلال اجتماع تاريخي في كاليفورنيا، بدء قناة ثنائية جديدة للتشاور بشأن الذكاء الاصطناعي.
وقد سُلط الضوء على هذه المبادرة بشكل أكبر في تصريحات أراتي برابهاكار، مدير مكتب البيت الأبيض لسياسة العلوم والتكنولوجيا، وكبير المستشارين العلميين، الذي كشف عن خطط قادمة للولايات المتحدة للتعامل مع الصين بشأن أمن نظام الذكاء الاصطناعي، كما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز.
ويتمثل التحدي الرئيس في هذه الجهود في النهج الثنائي الذي تتبناه الولايات المتحدة، والذي ينظر إلى تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الصينية باعتباره تهديدًا كبيرًا من خصمها الأول. وتحاول الولايات المتحدة تقييد وصول التكنولوجيا الفائقة إلى الصين في هذا المجال، ففرضت قيودًا على تصدير الرقائق المتطورة إلى الصين من أجل التحكم في نقل التكنولوجيا، ومنع استخدام شركات التكنولوجيا الصينية لوحدات المعالجة المتقدمة الأمريكية، في حين تعمل أيضًا على إنشاء آلية للتشاور الثنائي.
بالإضافة إلى ذلك، حشدت الولايات المتحدة حلفاءها، ولا سيما أولئك الذين ينتمون إلى تحالف العيون الخمس، لإنشاء “دائرة صغيرة” لأغراض أمنية، وممارسة الضغوط على دول مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، لتجنب نشر تقنيات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي التي تنتجها شركة هواوي. لقد تجاوزت هذه الإجراءات، التي اتخذت ظاهريًّا تحت راية الأمن القومي، غرضها المعلن؛ مما أدى إلى تعطيل مشهد التنمية الاقتصادية والتكنولوجية العالمية. وإذا أردنا الاعتراف بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بوصفها محركًا حاسمًا للاقتصاد العالمي المستقبلي، فإن تصرفات الولايات المتحدة تتجاوز مجرد حماية التكنولوجيا، وتتجه نحو السيطرة على سوق التطبيقات بالكامل. وباستخدام قوتها التكنولوجية والمالية، وموقعها المهيمن، تقدم الولايات المتحدة المخاوف الأمنية كذريعة مريحة لتعظيم الربحية في الأسواق العالمية، وهذه لعبة محصلتها صفرية.
إن القيود المفروضة على تصدير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والرقائق إلى الصين، ظاهريًّا لمنع نشرها في المعدات العسكرية، التي يُزعم أنها تزيد القدرات الهجومية للجيش الصيني، تتناقض تناقضًا صارخًا مع الاستخدام المكثف لهذه التكنولوجيا من جانب الولايات المتحدة في جيشها. كما تُستخدَم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتأكيد التفوق العسكري، ومحاكاة الصراعات العسكرية في مضيق تايوان، وهي التصرفات التي تعمل على تصعيد التوترات في محيط الصين.
لذا يُطرح سؤال جوهري عن أمن الذكاء الاصطناعي: أمن مَن الذي أصبح على المحك حقًا؟ أمن الإنسانية أم أمن الولايات المتحدة؟ إن التحديد الواضح لهذه القضية أمر بالغ الأهمية لتعزيز المناقشات الصينية الأمريكية بشأن أمن الذكاء الاصطناعي، وستكون الخطوة الأولية التي تضمن التقدم هي توصل البلدين إلى توافق في الآراء بشأن معالجة المخاطر التي تفرضها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مما قد يمهد الطريق للمفاوضات المتعلقة باستخدامها في الهجمات على شبكات القيادة والسيطرة النووية.
وبالنظر إلى الضرورة العالمية لإدارة أمن الذكاء الاصطناعي، وبوصفها لاعبًا مهمًّا في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وواحدًا من أسرع اللاعبين نموًا في مشهد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي العالمي، فإن مشاركة الصين في المشاورات مع الولايات المتحدة تعكس موقفًا مسؤولًا. ومع ذلك، فإن الصين ليست مجرد تابع في السباق التكنولوجي للذكاء الاصطناعي؛ لذا فهي تُمثل تحديًا كبيرًا؛ وعليه، فالطريقة التي تستجيب بها الولايات المتحدة لاحتمال التفوق عليها في مجالات معينة سوف تشكل أهمية بالغة في التعامل مع هذه المشاورات بالعقلية المناسبة. وإذا تفاوضت الولايات المتحدة مع الصين على أساس أكثر ملاءمة للحفاظ على موقفها المهيمن، فإن هذه المفاوضات لن تكون ناجحة.
إن إنشاء إطار تعاوني وحواري بين الصين والولايات المتحدة بشأن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، أمر لا غنى عنه، ليس فقط للعلاقات الثنائية؛ ولكن أيضًا للمجتمع العالمي ككل. ويتوقف نجاح هذا التعاون على الاحترام المتبادل، والتفاهم، والالتزام الجماعي بضمان سلامة تطبيقات الذكاء الاصطناعي وأمنها، وهذا سيسهم في تحقيق الاستقرار والرخاء العالميين؛ مما يبشر بفصل جديد من التعاون الدولي على أمن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
المصدر: صحيفة غلوبال تايمز الصينية