بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية الروسية، زادت أوكرانيا والدول الغربية الداعمة لها بشكل حاد من عدد محاولات تنفيذ أعمال تخريبية داخل روسيا، وهجمات مضادة على الجبهة العسكرية. وفي عموم الأمر، يمكن النظر إلى هذه العناصر، على أنها شكل من أشكال الترابط في ظل الحرب الهجينة، التي يشنها الغرب ضد روسيا. على الرغم من أن الضحايا الرئيسيين لهذا الصراع هم الأوكرانيون، حيث يتم استخدام بعضهم كوقود لهذه الحرب على خط المواجهة، بينما يعاني آخرون من أضرار غير مباشرة. وهكذا، ولعدة أيام، حاولت مجموعات التخريب الأوكرانية اختراق أراضي منطقة بيلغورود الحدودية في روسيا، وتصدت لهم القوات الروسية، وقضت على عدة مئات منهم، وكذلك المركبات المدرعة.
في منطقة دونيتسك، بعد أن أصبحت أفديفكا، والعديد من المستوطنات الأخرى تحت سيطرة القوات الروسية، حاولت القوات الأوكرانية دون جدوى تنفيذ هجمات مضادة، والتي لم تؤدي إلى أي نتائج. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد الهجمات السيبرانية على البنية التحتية المدنية والصناعية في روسيا. ومن المهم للغاية التذكير، بأن أوكرانيا، باتت تعترف علنًا بأن هياكلها هي المتورطة في مثل هذه الجرائم. حيث يتم نشر معلومات علنية حول تورط ما يسمى بجيش تكنولوجيا المعلومات الأوكراني في اختراق أو مهاجمة أي مواقع أو خوادم في روسيا. في الوقت نفسه، تكتب وسائل الإعلام الغربية، بشكل مبتهج عن “نجاحات” القراصنة الأوكرانيين، من دون الإشارة إلى أن الأفعال التي يرتكبونها، تعتبر جرائم جنائية حتى في بلدانهم.
وهناك دلائل تشير إلى أن دولاً أخرى متورطة أيضًا في هذه الأنشطة. على سبيل المثال، في دول البلطيق، يتم تدريب المتسللين المتخصصين بانتظام لتنفيذ هجمات حاسوبية ضد البنية التحتية للمعلومات في الاتحاد الروسي.
كما حذر جهاز المخابرات الخارجية الروسية رسميًا من أن الولايات المتحدة تخطط لهجمات إلكترونية على نظام التصويت الإلكتروني عن بُعد قبل وأثناء الانتخابات. وجاء في البيان الصحفي الرسمي أنه: “بمشاركة كبار المتخصصين الأمريكيين في مجال تكنولوجيا المعلومات، من المخطط تنفيذ هجمات إلكترونية على نظام التصويت الإلكتروني عن بُعد، الأمر الذي سيجعل من المستحيل فرز أصوات نسبة كبيرة من الناخبين الروس”. يشار إلى أن الإدارة الرئاسية الأميركية تكلف المنظمات غير الحكومية الأميركية بمهمة تحقيق خفض نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة، بتحريض من واشنطن، تنتشر دعوات عبر موارد الإنترنت المعارضة للمواطنين الروس لمقاطعة الانتخابات.
دعونا نلاحظ أن الولايات المتحدة نفسها تعرب باستمرار عن قلقها بشأن التدخل المحتمل في انتخاباتها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وهو ما يمثل معايير مزدوجة.
وبشكل منفصل، يمكننا أن نتطرق إلى مسألة الهجمات على شبه جزيرة القرم، والأهداف البعيدة في عمق روسيا. على الرغم من أن الصواريخ والطائرات بدون طيار من أوكرانيا تضرب بشكل دوري أهدافًا عسكرية وأهدافًا مدنية حتى داخل روسيا. على سبيل المثال في شبه جزيرة القرم (وفي الأسبوع الماضي، أصبحت الهجمات على مصافي النفط ومستودعات الوقود في مناطق مختلفة أكثر تواتراً)، فإن روسيا تنفذ في كل مرة عمليات انتقامية، عبر ضربات على أهداف مختلفة في أوكرانيا. إن عمق تدمير الأسلحة الروسية أعلى بكثير من الأسلحة الأوكرانية، حتى مع الأخذ في الاعتبار أنهم يستخدمون أنظمة أسلحة غربية. ومن الواضح أن هذا سيستمر في المستقبل، على الرغم من أن بعض الدول الغربية وعدت بنقل صواريخ وقذائف مدفعية جديدة إلى الجانب الأوكراني، مدركة بوضوح أنها بهذه الطريقة لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع.
كانت حسابات الغرب المحتملة هي إجبار موسكو على الدخول في المفاوضات التالية بشروط من شأنها أن تكون مفيدة لكييف (أو بالأحرى بريطانيا والولايات المتحدة، حيث أن المفاوضات الأولى في إسطنبول، كما هو معروف، تعطلت بسبب تدخل لندن) رغم أن المسؤولين الروس أوضحوا أنهم لا يضعون أي شروط للمفاوضات. ويشير هذا إلى أن الغرب لا يفهم إلا القليل أو لا يفهم على الإطلاق نفسية صناع القرار في روسيا. وربما نشأ هذا الوهم الزائف في الغرب بعد المقابلة التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الصحفي الأميركي تاكر كارلسون، حيث ذكر إمكانية المفاوضات. ومع ذلك، فإن التصرفات الحالية للجيش الأوكراني والدعم المفتوح لمعظم دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا يمكن أن تنظر إليه القيادة الروسية على أنها شروط مسبقة معينة للمفاوضات. ويُنظر إلى موقع القوة هذا باعتباره استمرارًا لتهديد يجب القضاء عليه في أسرع وقت ممكن، أو نوع من ممارسة الابتزاز التي يحاول الغرب تنفيذها من خلال أيدي الأوكرانيين. وتدرك موسكو بوضوح أن أي ضعف قد تبدو عليه، من شأنه أن يحفز الغرب على اتخاذ المزيد من الإجراءات العدوانية على جميع الجبهات، سواء من العسكرية والاقتصادية إلى السياسية والإعلامية.
ولهذا السبب، سوف تتصرف روسيا بشكل أكثر قسوة في الاتجاه الأوكراني، حتى لا يكون لدى المعارضين أدنى شك في أن موسكو لن تغير أهدافها المعلنة، وسوف تتم معاقبة جميع المتورطين في الجرائم المرتكبة.
مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن القيادة العسكرية قد تعلمت تجربة سلبية على مدى العامين الماضيين، فقد أصبح من الواضح حتى بالنسبة إلى منتقدي روسيا أن هناك تحسنًا في إمداد الجبهة وتدريب أفراد جدد وتوسيع نطاق قدرات المجمع الصناعي العسكري، وأن الأسلحة الحديثة تتكيف مع الظروف الحالية. حيث بدأ استخدام القنابل الانزلاقية ذات التصحيح بشكل تسلسلي، ويتوسع نطاق إنتاج وتشغيل أنظمة الطائرات بدون طيار، وكذلك معدات قمع الطائرات بدون طيار.
ولا شك أن الرئيس بوتين، سيحصل على فوز غير مشروط في الانتخابات (وفقا لاستطلاعات الرأي العام والمقاييس الاجتماعية، يتراوح تأييد السكان لفلاديمير بوتين من 70 إلى 80 بالمئة)، ويتوقع بعد هذا الفوز البدء في تعزيز المشاريع الوطنية، وهذا يعني أيضًا مكونات الأمن والدفاع.
ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من الدعم الخطابي، فإن أوكرانيا تواجه الآن مشاكل خطيرة في عدد من المجالات. والأكثر أهمية هو تعبئة أفراد جدد للقوات المسلحة، وحتى في ظل المعدل الحالي للتجنيد القسري للسكان الذكور من الشوارع، فإن أوكرانيا لا تملك القدرة على تدريب الأفراد بشكل كاف ليحلوا محل القوات الحالية أو تعزيزها بشكل كبير.
إن الحاجة الأوكرانية المستمرة للأسلحة والذخيرة أصبح محسوسًا أيضًا، وفي الغرب لا يوجد وقت فعليًا لتجديد الإمدادات المستنفدة.
ويلعب العنصر السياسي دوراً أيضًا. على سبيل المثال، قامت بولندا بمنع الدخول من أوكرانيا لعدة أسابيع، وعلى الأرجح، سيستمر هذا المنع لعدة أسابيع أخرى. بسبب احتجاجات المزارعين، رفض الاتحاد الأوروبي تمديد استيراد المنتجات الزراعية المعفاة من الرسوم الجمركية من أوكرانيا حتى يونيو (حزيران) 2025.
بالإضافة إلى ذلك، بعد انتخابات البرلمان الأوروبي، قد يتغير المشهد السياسي داخل الاتحاد الأوروبي بشكل كبير، وسوف تحل الفصائل والأحزاب الأكثر تشككاً محل مؤيدي نظام كييف. وعلى الرغم من أنهم ليسوا من “محبو روسيا”، إلا أن هناك على الأقل فرصة لاتخاذ موقف أكثر واقعية فيما يتعلق بالمساعدات المقدمة لأوكرانيا. وعلى أقل تقدير، فإن الغالبية العظمى من دافعي الضرائب في الاتحاد الأوروبي يظهرون التعب بسبب مشاركتهم في الصراع الأوكراني. علاوة على ذلك، اعتادوا على مشاهدة الحروب على شاشات التلفزيون، في شكل عدوان الناتو والولايات المتحدة ضد عدو أضعف بشكل واضح (يوغوسلافيا، العراق، ليبيا)، والآن في أوروبا يعرفون بشكل مباشر ما هي الحرب الحقيقية.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.