في ستة مجلدات، صدرت يوميات ليف تولستوي، في ترجمتها العربية، لتضم ما سجله هذا المبدع الروسي الكبير عن نفسه، وزمانه، وأماكنه على مدى فترة زمنية طويلة، بدأت منذ عام 1847، وانتهت في عام 1910.
وُلِد ليف تولستوي في عام 1828، وبدأ بتدوين يومياته في عام 1847؛ في التاسعة عشرة من عمره. استمر في تدوين يومياته، بانتظام في بعض الأعوام، وفي بعض الأعوام دون انتظام، حتى قبل وفاته بأربعة أيام تقريبًا، وأملى بعض الكلمات الأخيرة لتُدوّن في دفتر يومياته في محطة أستابوفو؛ المكان الذي شهد موته!
لدينا إذن سجل شخصي طويل وحافل بدرجة لا تُصدق، لشاب في مقتبل العمر، بدأ يومياته بحادث مخزٍ (تبدأ اليوميات بوجوده في مستوصف يُعالج من مرض السيلان بسبب إحدى الممارسات الجنسية)، وتنتهي يومياته، هاربًا من أسرته وزوجته على وجه الخصوص، في محطة أستابوفو، مؤمنًا بالحكمة الإلهية، مُسلِّمًا أمره لله، ليموت فقيرًا شريدًا ليس لديه منزل يؤويه.
تختلف كتابة اليوميات عن المذكرات، وتُمثِّل عمومًا أهمية استثنائية لمؤرخي الأدب والنقاد، فضلًا عن القراء بطبيعة الحال، فثمة عدة اختلافات بين اليوميات والمذكرات أو كتابة السيرة الذاتية. في اليوميات يلتقي القارئ -وجهًا لوجه- بشخصية الكاتب عبر كتابة يومية ولحظية، دون تنقيح يُذكر، حيث إن فعل الكتابة اليومي لا يترك مساحة كبيرة للكاتب للتعديل، كما أن قِصر الفاصل الزمني بين الحدث وتدوينه يجعل الكاتب لا يمعن في التفكير فيه، أو ينسى تفاصيله، بعكس كتابة السير الذاتية والمذكرات التي تخضع لعوامل النسيان والخجل، وغيرها مما يحول دون حرية البوح. في اليوميات تتسم عملية الكتابة بتلقائية شديدة، بل إنها تُعد السمة الرئيسة لكتابة اليوميات. فضلًا عن كل ذلك، تتسم يوميات تولستوي بأهمية استثنائية بدرجة تفوق أغلب كتب اليوميات الأخرى.
ضمّت اليوميات إذن بين صفحاتها الطويلة هذه الدراما الطويلة التي حرص مصمم أغلفة المجلدات الستة على نقلها من خلال صور ليف تولستوي في مراحل عمرية مختلفة، بداية من الشباب، وصولًا إلى مرحلة الشيخوخة.
تضم يوميات تولستوي فترة طويلة (نحو 63 عامًا)، وإذا حظينا بيوميات ترصد التطور الشخصي والنفسي لأي شخصية طوال هذه الفترة، فلا بد أنها ستحمل لنا مادة ثرية، فما بالنا بشخصية من طراز ليف تولستوي!
فضلًا عن ذلك، تتسم مجلدات اليوميات الستة بالتنوع الشديد، فهي تضم أفكارًا عميقة، وأحداثًا ومذكرات، ولا يمارس فيها تولستوي تنقيحًا، أو يفرض على نفسه رقابة إلا بأدنى قدر ممكن، وتتسم فيها كتابته بقدر كبير من الصراحة، فتكشف يومياته عن أدق عيوبه، وسقطاته، وخطاياه بدرجة تثير الدهشة.
يمكننا أن نعتبر المجلدات الستة -باختصار- مجهرًا على ما يعتمل في نفس ليف تولستوي، خاصة أنه في البداية انخرط في الكتابة دون تفكير في نشر هذه اليوميات، لكنه غيَّر رأيه بخصوص عملية نشرها لاحقًا، واندلعت معركة عنيفة بخصوص نشرها مع زوجته التي حرصت على أن تعلم ماذا يكتب عنها، ثم قرَّرت أن تكتب يومياتها لتدافع عن نفسها تجاه التُهم التي اعتبرت أن زوجها اتهمها بها، مُزوِّرة الأحداث والتواريخ في بعض الأحيان لتدفع عنها هذه التُهم.
يضم هذا الجزء من اليوميات الأعوام (من 1847 إلى 1857)؛ إحدى عشرة سنة صاخبة، تبدأ بوجود صاحبها في مستوصف يُعالج من السيلان، ويتأمل في فوائد العزلة، ويُقدِّم لنا ملاحظاته النقدية عن بيان إمبراطورة روسيا كاترين الذي قدّمته في عام 1767 تفصيلًا، وهو ما يعطينا لمحة عن ثقافته الموسوعية، وعقليته النقدية في عمر مبكر، ثم يرسم لنفسه القواعد الأخلاقية والسلوكية التي سيحاول الالتزام بها. في هذا الجزء نعرف تولستوي الشاب، ونزواته النسوية، وحياته العابثة، كما يُقدِّم لنا لمحة عن التحاقه بالجيش، وسعيه للحصول على وظيفة رسمية في الدولة، والتقارير التي يُقدِّمها عن الحياة العسكرية. يكشف لنا أيضًا هذا الجزء عن ولعه بالقمار، وسفره إلى القوقاز، وبداية تفكيره في كتابة أعماله الأدبية الأولى: الطفولة والصبا والشباب- صباح صاحب الضيعة.
يُقدِّم لنا هذا الجزء أيضًا آراء تولستوي الشاب فيما يقرؤه من كتب لبوشكين، وليرمنتوف، وتورغينيف، وأستروفسكي، وروسو، وبلزاك، وغوته، وشيلر، وجورج صاند، وغيرهم.
في هذا الجزء نرى اقتران أفكاره الروحانية الأولى بحياته العابثة الشابة، وكأنهما خطان يسيران بالتوازي، وتلوح بوادر فكرة الإيمان التي ستشغل لاحقًا أجزاء ضخمة من اليوميات.
يصل تولستوي في هذا الجزء أيضًا إلى ضيعته ياسنايا بوليانا، ويعترف أن أمورها تمضي على أسوأ حال، لكنه لا يستقر فيها طوال الوقت.
يغطي الجزء الثاني فترة طويلة نسبيًّا: (1858- 1889)، وهي الفترة الأطول بين المجلدات الستة. ما سبب طول هذه الفترة؟ يشير ذلك بالطبع إلى عدم انتظام كتابة اليوميات في هذه الفترة، والسبب مفهوم. هذه الفترة هي التي أبدع فيها تولستوي رائعتيه العملاقتين: الحرب والسلام، وآنا كارينينا، وهو ما استنفد مجهودًا خارقًا منه، وشغله في كثير من الأحيان عن كتابة اليوميات.
في هذا الجزء يتطور مفهوم تولستوي بأهمية وطريقة كتابة اليوميات، فيبدأ بتسجيل أحداث يومه بمزيد من التفصيل، فنعايش معه أحداث بعض الأيام بكاميرا تسجيلية منذ الاستيقاظ صباحًا، وممارسة التمرينات، واهتمامه بشؤون المنزل والمزرعة، واستقباله للضيوف والزوار، وتسلم الرسائل، وانطباعاته عن الزائرين الذين يفدون عليه، فضلًا عن رصده لحالته الصحية، وخطته اليومية.
ترصد يوميات هذا الجزء بحثه عن زوجة، وقصة حبه مع صوفيا، وزواجه بها، وولهه بها، وعيشهما في ياسنايا بوليانا، كما ترصد يوميات هذه الفترة كتابته لبعض أعماله المهمة، مثل “سوناتا كرويتزر”، و”ما الفن؟”، وغيرهما… فضلًا عن ذلك، تتوثق علاقته في هذا الجزء من اليوميات بواحدة من الشخصيات التي ستؤدي لاحقًا دورًا مهمًا في حياته: تشيرتكوف. سيصبح الأخير بمنزلة وكيله الأدبي، وسيزيح تدريجيًّا صوفيا عن هذا الدور، كما أنه سيكون سببًا في تأجيج الصراع بين تولستوي وصوفيا لاحقًا.
لا تنقطع تأملات تولستوي الروحية والفلسفية في هذا الجزء، بل نلاحظ أنها تزداد تدريجيًّا عن الجزء الأول، كما يواصل تولستوي مجاهدته لذاته، ومحاولة الالتزام بالقواعد التي يضعها لنفسه. ينجح في بعض الأحيان، ويفشل في أحيان أخرى.
يضم الجزء الثالث الفترة الممتدة من عام 1890 إلى عام 1895. نلاحظ هنا تكثيفًا شديدًا، وانتظامًا في كتابة اليوميات. في هذا الجزء يكتب تولستوي عمله الشهير “ملكوت الله في داخلكم”، الذي يُشكِّل فيه أفكاره عن عقيدة اللا عنف، وبعضًا من أهم مقالاته: لماذا يخدر البشر أنفسهم؟ – الدرجة الأولى.
تتعقد علاقته بصوفيا، ويزداد تدخل تشيرتكوف في شؤونهما، وهو ما يؤجج الصراع.
يتجاوز تولستوي الستين عامًا في هذا الجزء، وتتفتح بذور تحولاته الروحية لتثمر صراعًا عنيفًا. يشكو معظم أيامه من سوء النوم، أو ضعف الطاقة، أو اضطراب الصحة، أو الكسل، ولا يجد لنفسه راحة إلا في الصلاة، والقراءة، والعمل البدني برفقة الفلاحين. يواصل التفكير في ملامح مسيحيته الأخلاقية التي يبدأ النداء بها، ورويدًا رويدًا ينعزل عن أغلب أفراد أسرته.
يضم هذا الجزء تأملات عميقة، ويكشف عن روح تمر بصراعات عنيفة وسوداوية، تصل -في بعض المراحل- أحيانًا إلى التفكير في الانتحار. تزداد حدة محاسبته لنفسه، ويبتعد قليلًا عن العمل الأدبي، ويكتب أعمالًا غير أدبية كثيرة.
يضم الجزء الرابع من اليوميات الفترة الممتدة من عام 1896 إلى عام 1903. نعرف في هذا الجزء الجهود التي بذلها تولستوي في دعم طائفة الدوخوبوريين، وهي مجموعة دينية مسيحية روحية من أصل روسي، عاش أفرادها حياة مشتركة، ونبذوا العنف، وواجهت الجماعة مشكلات مع الدولة الروسية؛ لرفضها الانضمام إلى الخدمة العسكرية، والمشاركة في أعمال العنف التي تتعارض مع قناعاتها الدينية المسيحية؛ وهو ما عرَّضها لاضطهاد شديد، ورُحِّل أفرادها إلى كندا.
في هذه الفترة أيضًا كتب تولستوي أعمالًا مهمة، مثل روايته الضخمة والشهيرة “البعث”، ورواية “الأب سيرغيه”. تناولت يوميات هذه الفترة زيادة حدة الصرع بين تولستوي وصوفيا لأسباب كثيرة، منها غيرة تولستوي على صوفيا بسبب علاقتها بأحد الموسيقيين. وشمل هذا الجزء من اليوميات أيضًا الجهود التي بذلها تولستوي من أجل إنقاذ الفلاحين الذين عانوا الجوع في مقاطعة تولا.
يتواصل صراع تولستوي النفسي، وتزداد حدة الصراع الأسري، ويتساءل عن معنى الحياة، كما يعاني بعض الأمراض الجسدية.
تزداد تأملاته عمقًا عن الله، والزمن، والإيمان، والحضارة. يؤلمه بشدة الانتقال لفترة إلى موسكو بسبب ظروف الأسرة، وهو ما يجبره على الاختلاط بكل ما يكرهه، حيث المدينة ومجتمعاتها المداهنة، والبعد عن الطبيعة، ويزداد تقززًا من وضعه المادي، والتناقض بين ما يبشر به وحياته بوصفه سيدًا ثريًّا وسط فقراء معدمين. يزداد تولستوي تدريجيًّا انعزالًا عن أسرته، وتزداد تأملاته عن ذاته عمقًا وكثافة. يعايش زمنه الداخلي بعمق وحكمة. على الرغم من ذلك يتابع تعقد الأزمات في بلده، ويقرِّر إرسال رسالة إلى القيصر ومعاونيه يشرح فيها رؤيته لحل بعض الأزمات، ويخاطبه فيها بشجاعة منقطعة النظير.
يضم الجزء الخامس من اليوميات الفترة الممتدة من عام 1904 إلى عام 1907. يتزامن هذا الجزء مع حدث مهم في التاريخ الروسي؛ أشير إلى الثورة الروسية التي اندلعت في عام 1905 ضد الحكم القيصري، وقُمِعت بعنف شديد. تابع تولستوي مجرياتها عن كثب، وعرف المجازر التي ارتكبتها القوات القيصرية في الثوار. تناولت يومياته هذه الموضوعات، كما تناولت مقالته الشهيرة عن شكسبير، وضمت مراسلاته مع المهاتما غاندي وبرنارد شو. تناول هذا الجزء مرض ابنته ماشا وموتها، وتأملاته عن هذا الحادث الجلل الذي أثَّر فيه تأثيرًا كبيرًا. في هذه الفترة يمر تولستوي بحادث أليم آخر، يتمثل في وفاة أخيه. تزداد علاقته بصوفيا اضطرابًا في هذه الفترة، وتُصر صوفيا على قراءة يومياته، ويكتب تولستوي عن ذلك. تضم يوميات هذه الفترة أيضًا الخلافات بينهما بسبب حوادث سرقات الفلاحين للأخشاب من أراضي العائلة، ووقوف تولستوي في صف الفلاحين، وانسحابه تمامًا من الحياة العملية للعائلة، الأمر الذي ألقى بعبء المسؤولية المادية على صوفيا وفاقم الخلافات بينهما. زادت التعقيدات عندما قدمت صوفيا بلاغات رسمية ضد الفلاحين بسبب السرقات وقُبض على بعضهم، وحاول تولستوي التوسط لدى صوفيا لتسحب بلاغها، وعيَّنت صوفيا حارسًا لحراسة الغابة من سرقات الفلاحين، وهو ما أصاب تولستوي بكآبة شديدة.
طوال هذه الأحداث لا يكف تولستوي عن تكثيف التأمل في عالمه الباطني، ومع اقترابه من الموت، يزداد استعداده للحظة الحاسمة، ويفرد مساحة ضخمة من اليوميات للتفكير في وهم الزمان والمكان، ومحاولة التساؤل عن جوهر الروح والأنا.
يتناول الجزء السادس الفترة الأخيرة من حياة تولستوي، الممتدة من عام 1908 إلى عام 1910. يُمثِّل هذا الجزء نهاية الجدارية الضخمة، وهو من أضخم الأجزاء، ويضم تأملات عميقة لتولستوي عن الوعي والشيخوخة، والعلاقة بالخالق، ومعنى الحياة والزمن، والسعي إلى الكمال، والخير، والشر، والحب، والأحلام، والإيمان.
يحاول تولستوي في هذه الفترة إنهاء كتابه “دورة قراءات”، الذي يضم تأملات وقصصًا وأقوالًا له ولحكماء من مختلف الحضارات، والأزمنة، والبقاع. يواصل تأملاته عن اللاعنف والمقاومة. تزداد حالته الصحية ضعفًا. تصل الخلافات مع صوفيا إلى درجة غير محتملة، كما تصل حالة صوفيا العصبية والمرضية إلى درجة خطيرة.
يبدأ تولستوي تدوين بعض اليوميات في دفتر سري حتى يخفيه عن عيني صوفيا ويكتب فيه ما يريد، ويواصل كتابة الخطابات، فبوصفه شخصية من أشهر شخصيات عصره، جرت العادة أن تصله يوميًّا كمية كبيرة من الخطابات، وحاول بقدر الإمكان أن يجيب عنها.
في نهاية الجزء السادس تنهار قدرة تولستوي على تَحمُّل الحياة داخل ضيعته مع صوفيا وأسرته. لا يعود قادرًا على الاستمرار وسط هذه المتناقضات بين الحياة التي ينادي بها والحياة التي يحياها حقًا، فيُقرِّر، على غرار عادة بعض الشيوخ الروس، الرحيل والهيام خلال الأراضي الروسية. يُبلغ ابنته الصغيرة والمُقرَّبة بخطة هروبه، ونتابع عبر صفحات اليومية استيقاظه ليلًا، وذهابه إلى الإسطبل في ضوء المصباح، وذهابه بصحبة الحوذي إلى محطة القطار، ثم ركوب قطار الدرجة الثالثة. يمر على دير أوبتينا ليزور شقيقته هناك، وتصل إليه هناك الأخبار المتوقعة عن الحالة الهيستيرية التي أصابت زوجته عندما علمت بهروبه. يشعر بالكآبة، لكنه يكمل خطته، ولا يتضح من اليوميات إلى أين هو ذاهب تحديدًا، وعلى مدار الصفحات لا تستغرق الأحداث الخارجية الجزء الأكبر، بل في خضم أشد الأحداث سخونة وأهمية يواصل تولستوي تأملاته واستغراقه في عالمه الداخلي، شاعرًا أنه لم يعد يحيا في هذا العالم، وأن ثمة عالمًا أهم ينتمي إليه.
تسوء حالته في الطريق، فيضطر إلى الهبوط في محطة أستابوفو، ويواصل تدوين يومياته على نحو قصير وعاجل حتى قبل وفاته بأربعة أيام تقريبًا.
صوَّر لنا بعض كُتّاب السيرة أن ثمة انقلابًا حادًا أصاب شخصية تولستوي، فمن شاب ماجن يلعب القمار، ويغازل النساء، إلى شيخ حكيم، يرفض العنف، ويقف في وجه القيصر، وينادي بالمحبة المسيحية، ويرفض الثروة… إلخ. تكشف اليوميات عن سطحية هذه النظرة وضيق أفقها، فمنذ بداية الجزء الأول تكشف لنا اليوميات عن الطبقات المختلفة والعميقة في هذه الشخصية المُركَّبة، حيث تمضي فيها خطوط كثيرة متوازية، قد تبدو متناقضة. حمل الشاب الصغير في داخله بذور المجون والقداسة، العنف والوداعة، ولم تُصبه تحولات مفاجئة، بل ربما أهم ما تكشف لنا عنه اليوميات هي رصد تطور الشخصية التدريجي. لتولستوي الشاب والشيخ جوهر واحد، أثَّر فيه الزمن، والتجارب بطبيعة الحال، لكن ثمة ما بقى فيه أصيلًا.
وفي الختام، يمكن القول إن أمتع ما في هذه اليوميات أنها تكشف لنا المصنع الفكري الذي ينتج أفكار تولستوي. لا نجد فيها الأفكار جاهزة في صورتها النهائية، بل نتابع فيها كيف تتشكل الفكرة؛ بغموض في البداية، ثم تتفتح رويدًا رويدًا حتى تكتسب حضورًا طاغيًا.
كما تكشف اليوميات عن تركيبات معقدة يصعب تَصوُّر العثور عليها في شخص واحد؛ رقة مرهقة، وشعور قاتل بتأنيب الضمير، مع حدة في إطلاق الأحكام، وصلابة نفسية تجاه بعض أصعب المواقف وأعقدها. كل هذا يُدوِّنه تولستوي بصراحة منقطعة النظير، وهو ما يضفي قيمة كبيرة على هذه الجدارية الضخمة.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.