روّجت مجموعة من وسائل الإعلام الغربية، مثل شبكة إن بي سي نيوز الأمريكية، وصحيفة ديلي ميل البريطانية، وصحيفة ذا جلوب آند ميل الكندية، لتقرير صادر عن شركة الاستخبارات المفتوحة المصدر، سترايدر تكنولوجيز، في فبراير (شباط) عن تزايد التعاون الاقتصادي بين الصين وروسيا في القطب الشمالي. وتُصوَّر الاستثمارات في مجال الطاقة والخدمات اللوجستية خطأً على أنها مدفوعة بنيّات عسكرية سرية، لكن النيّات السرية الحقيقية هي تلك التي تروج لها وسائل الإعلام الغربية؛ مما يستحضر تصورات عن نيات الصين في القطب الشمالي.
قبل شرح الدافع وراء رواية حرب المعلومات الأخيرة هذه، من المهم تذكير القارئ ببعض الحقائق. يحظر قانون روسي صدر عام 2017 شحن النفط والغاز الطبيعي والفحم على طول طريق بحر الشمال (NSR) تحت علم أجنبي، في حين ينص قانون عام 2018 على أنه يجب أيضًا بناء هذه السفن في روسيا. ما يعنيه هذا هو أن السفن الروسية الصنع، التي ترفع العلم الروسي، هي السفن الوحيدة المسموح لها بتصدير هذه الموارد عبر هذا الممر البحري الجديد. وينص قانون 2022 على أن جميع السفن الأجنبية يجب أن تحتاج إلى إذن مسبق، ولا يجوز إلا لواحدة فقط العبور في الوقت نفسه.
ومع وضع هذه الحقائق القانونية في الحسبان، فإن تلميحات وسائل الإعلام الغربية بأن الصين قد تسيطر قريبًا على القطب الشمالي بحكم الأمر الواقع تتبدد. ستُنفّذ التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي عبر طريق البحر الشمالي بسبب توصل المشترين والبائعين إلى اتفاق سابق وفقًا لمعايير التجارة الدولية؛ لذلك ليس هناك ما يدعو الغرب إلى القلق، وينبغي لهم- في الواقع- أن يكونوا سعداء؛ لأنه لن تكون هناك قيود على هؤلاء.
وتستطيع السفن التجارية الصينية المرور عبر طريق بحر الشمال (NSR) بالقدر نفسه من الحرية التي تستطيع السفن الأوروبية والهندية وجميع السفن الأخرى القيام بها، ولكن هناك تركيز مهووس على السفن الصينية، كما أن استثمارات الصين في منطقة القطب الشمالي الروسية ترتبط بدوافع خفية من جانب الغرب. ومثل الصين، تخطط الهند أيضًا لزيادة الاستثمار في مشروعات النفط والغاز والفحم والخدمات اللوجستية هناك، لكن دلهي لم تقترب بعد من مستوى بكين في هذا الصدد؛ بسبب الندرة النسبية في الفوائض الرأسمالية المطلوبة، على الرغم من وجود النية السياسية للالتزام.
ومع ذلك، فإن وسائل الإعلام الغربية لا تثير المخاوف بشأن مؤامرة الهند المفترضة للسيطرة الفعلية على القطب الشمالي، ولا تدعي أن روسيا أصبحت تعتمد عليها كما يقولون عن الصين، على الرغم من زيادة الهند مشترياتها من النفط الخام الروسي بنسبة ضخمة منذ عام 2022. ومع ذلك، على عكس الصين، لم يصنف صناع السياسة الغربيون الهند على أنها “منافس”؛ ولهذا السبب لا يخترعون نظريات المؤامرة بشأن نياتها مع روسيا، أو في منطقة القطب الشمالي.
وتؤدي هذه الرؤية إلى تفسير الأسباب التي تجعل الغرب يكذب بشأن نيات الصين في القطب الشمالي. فالسياق الأوسع الذي نُشر من خلاله تقرير شركة سترايدر تكنولوجيز، وضخمته وسائل الإعلام الغربية، هو أن أحدث ديناميكيات الصراع في أوكرانيا قد انقلبت مرة أخرى ضد كييف وحلفائها. ودفع فشل الهجوم المضاد في الصيف، القائد العام المعين حديثًا ألكسندر سيرسكي إلى الاعتراف بأننا “انتقلنا من العمليات الهجومية إلى إجراء عملية دفاعية”.
وأثار الجمود الذي وصل إليه الكونغرس بشأن تقديم مزيد من المساعدات لأوكرانيا حالة من الذعر، وجعل الغرب يتساءل عما إذا كان من الممكن هزيمة روسيا إستراتيجيًّا كما أرادوا. ومع ذلك، هذا مجرد خيال سياسي، والصراع سينتهي حتمًا بتسوية سياسية كلما أمكن ذلك. وبما أن هذه هي الحال، ولكن عندما نتذكر أن الولايات المتحدة تريد تأجيج التوترات بين روسيا وأوروبا إلى أجل غير مسمى من أجل سياسة “فَرِّقْ تَسُد” لصالحها، نجد منطقًا متأصلًا في إثارة الخوف بشأن التعاون بين الصين وروسيا في القطب الشمالي. والمقصود من هذا هو فتح جبهة “حرب باردة جديدة” أخرى بعد انتهاء الجبهة الساخنة في أوكرانيا، وهو ما من شأنه أن يبرر أيضًا ضم فنلندا والسويد إلى عضوية حلف شمال الأطلسي، وكلتاهما جزء من مجلس القطب الشمالي.
ومن المتوقع أن تحاول الولايات المتحدة عرقلة عملها وتسييسها كوسيلة أخرى لاحتواء روسيا. ويبدو أن الذريعة للقيام بذلك هي سرد حرب المعلومات بشأن استثمارات الصين المتنامية في المنطقة، التي حُرِّفت لتوحي كذبًا بالنيات العدوانية والهيمنة. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن هذه الأكاذيب عن نياتها هي التي تُطلَق للأسباب نفسها بالضبط.
وأولئك الذين سيقعون في فخها سيكونون أكثر تقبلًا للجهود الأمريكية الرامية إلى إدامة التوترات بين روسيا وأوروبا بعد انتهاء المرحلة الساخنة من الصراع الأوكراني بناء على الذريعة المصطنعة التي وُصفَت أعلاه. والغرض من ذلك هو استغلال انضمام فنلندا والسويد إلى عضوية حلف شمال الأطلسي وسيلةً إلى احتواء روسيا في القطب الشمالي، سواء من خلال مجلس القطب الشمالي، أو من خلال نشر مزيد من الأسلحة والقواعد والقوات الأمريكية هناك.
ويمكن التصدي لهذه المؤامرة جزئيًّا من خلال زيادة الوعي على نطاق أوسع بين الجمهور الغربي بالتشريعات الروسية التي تنظم النشاط البحري غير التجاري في القطب الشمالي، فضلًا عن الطرق التي سيستفيد بها الاتحاد الأوروبي من التجارة مع الصين عبر منطقة بحر الشمال الأسرع والفعالة من حيث التكلفة. وقد لا تكون هذه الإجراءات قادرة على منع صناع السياسة من المضي قدمًا في أجندتهم العدوانية والهيمنة، لكنها قد تجعل هذه التحركات غير شعبية لدى الجماهير، التي ستدرك بعد ذلك الدوافع الخفية وراءها.
المصدر: صحيفة غلوبال تايمز الصينية