
يدخل لبنان مرحلة سياسية وأمنية دقيقة، تتقاطع فيها المشاريع الداخلية لبناء الدولة مع ضغوط إقليمية ودولية غير مسبوقة، وسط استمرار العدوان الإسرائيلي في الجنوب، وتعمق الأزمة الاقتصادية، وتآكل ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة. وفي هذا السياق، تبرز قضايا محورية ستشكل ملامح المرحلة المقبلة.
أجرى الصحفي ستيفن صهيوني، من وكالة “MidEastDiscourse”، مقابلة مع العميد منير شحادة، منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى “اليونيفيل”؛ للحصول على تحليله الفريد بشأن وقوف لبنان على مفترق طرق.
ستيفن صهيوني: كيف تؤثر خطة لبنان الجديدة لوضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة -من خلال إستراتيجية يقودها الجيش- في نفوذ حزب الله، وديناميكيات الأمن الداخلي في البلاد؟
العميد/ منير شحادة:
* تهدف الخطة اللبنانية الجديدة إلى وضع جميع الأسلحة تحت سلطة الدولة -من خلال إستراتيجية يقودها الجيش اللبناني- إلى إعادة تعريف مفهوم السيادة والأمن القومي.
* عمليًا، لا يمكن فصل هذه الخطوة عن الدور العسكري والسياسي لحزب الله.
* ورغم تقديم الخطة كإطار تدريجي، فإنها تسعى إلى الحد من النفوذ العسكري غير الرسمي، واستعادة المؤسسة العسكرية بوصفها مرجعية وحيدة للقوة.
* ومع ذلك، يظل تأثير هذه الخطة في حزب الله محدودًا، حيث لا يزال الحزب يتمتع بقاعدة اجتماعية واسعة، ويربط سلاحه مباشرة بالصراع مع إسرائيل.
* لذلك سيعتمد أي تحول جوهري في ميزان القوى الداخلي على اتفاق سياسي محلي شامل بشأن إستراتيجية دفاعية -بعد انسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة، وإنهاء عدوانها، ووقف انتهاكاتها- وعلى ضمانات إقليمية لا تزال غير متوافرة.
ستيفن صهيوني: ما تداعيات طلب لبنان تشكيل قوة دولية جديدة لتحل محل “اليونيفيل” بعد انتهاء ولايتها، وكيف قد يؤثر ذلك في الاستقرار على طول الحدود الجنوبية مع إسرائيل؟
العميد/ منير شحادة:
* يفتح طلب لبنان تشكيل قوة دولية جديدة لتحل محل “اليونيفيل” بعد انتهاء ولايتها الباب أمام سيناريوهات معقدة.
* من ناحية، يعكس الطلب استياءً لبنانيًا من فعالية القوة الحالية في ردع الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة.
* ومن ناحية أخرى، يثير مخاوف من أن قوة أكثر صرامة قد تؤدي إلى إثارة التوتر بدلًا من العمل كعامل استقرار.
* إن أي تغيير في طبيعة القوة الدولية أو مهامها سيؤثر -على نحو مباشر- في الاستقرار الهش بالجنوب، خاصة إذا افتقر إلى إجماع لبناني داخلي، أو تحول إلى أداة ضغط سياسي على لبنان في ملف سلاح المقاومة.
* وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل سعتا إلى إنهاء مهمة “اليونيفيل” في أغسطس (آب) الماضي، في خطوة تشير إلى نيات إسرائيل التوسعية بعد مغادرة القوة.
* ومع ذلك، لم ينجح هذا المسعى، ومُدِّدَت المهمة لولاية نهائية حتى أغسطس (آب) 2026.
ستيفن صهيوني: بالنظر إلى الإجراءات القانونية البارزة الأخيرة، مثل الإفراج بكفالة عن وزير اقتصاد سابق وسط مزاعم فساد، ما الخطوات الملموسة التي يجب أن تتخذها المؤسسات اللبنانية لتحسين الشفافية والمساءلة والثقة العامة؟
العميد/ منير شحادة:
جددت القرارات الأخيرة بالإفراج عن مسؤولين سابقين متهمين بالفساد بكفالة التدقيق العام في القضاء. تتطلب استعادة الثقة إجراءات ملموسة، تشمل:
* تعزيز استقلال القضاء، ماليًا وإداريًا.
* تسريع محاكمات الفساد الكبرى دون انتقائية.
* سن تشريعات واضحة لاسترداد الأموال المنهوبة.
* تفعيل هيئات الرقابة والمساءلة بعيدًا عن التدخل السياسي.
* بدون هذه الخطوات، ستبقى شعارات الإصلاح خالية من المصداقية.
ستيفن صهيوني: ما التحديات والفرص الاقتصادية الرئيسة التي تواجه لبنان اليوم، وهل هناك أي تقدم ملموس نحو التعافي الاقتصادي بعد سنوات من الأزمة المالية؟
العميد/ منير شحادة:
لا يزال لبنان يواجه تحديات اقتصادية كبيرة، من انهيار العملة، إلى قطاع مصرفي مشلول، وارتفاع معدلات الفقر. ومع ذلك، تبقى فرص محدودة للتعافي، أبرزها:
* إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
* تنشيط قطاعات الطاقة والسياحة والخدمات.
* الاستفادة من أي اكتشافات غازية مستقبلية.
حتى الآن، لا يمكن الحديث عن تعافٍ حقيقي؛ بل مؤشرات متواضعة لاستقرار نسبي، مشروطة بالإصلاحات والدعم الدولي.
ستيفن صهيوني: كيف تؤثر الجهود الدبلوماسية الأخيرة، مثل محادثات باريس التي ضمت الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، واتفاق ترسيم الحدود البحرية الجديد بين لبنان وقبرص، في موقع لبنان الإستراتيجي بشرق البحر المتوسط، وعلاقاته مع الدول المجاورة؟
العميد/ منير شحادة:
* تعكس الاجتماعات الدولية -لا سيما محادثات باريس التي ضمت الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية- محاولة لإعادة إدراج لبنان في المعادلات الإقليمية.
* كما يعزز الاتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية مع قبرص موقع لبنان في شرق البحر المتوسط، ويفتح الباب أمام التعاون في ملف الطاقة.
* ومع ذلك، تبقى هذه التحركات هشة ما لم تكن مدعومة بسياسة خارجية موحدة، واستقرار داخلي يمكّن لبنان من الانتقال من ساحة صراع إلى شريك إقليمي.
ستيفن صهيوني: مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية، والضغوط الدولية المرتبطة بنزع سلاح حزب الله بموجب خطة “درع الوطن”، ما مدى واقعية هدف الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله بالكامل بحلول نهاية عام 2025؟ وما العقبات الرئيسة أمام التنفيذ؟
العميد/ منير شحادة:
بالنظر إلى الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة، والضغوط الدولية المرتبطة بخطة “درع الوطن”، يبدو هدف نزع سلاح حزب الله بالكامل بحلول نهاية عام 2025 طموحًا أكثر منه واقعية. تشمل العقبات الرئيسة:
* غياب تسوية إقليمية شاملة.
* رفض شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني ربط الأمن الداخلي بإملاءات خارجية.
* استمرار التهديد الإسرائيلي، واحتلاله خمس نقاط متنازع عليها، ورفضه الانسحاب.
ومن ثم، فإن أي مسار واقعي يجب أن يكون تدريجيًا، ومتفاوضًا عليه، ومرتبطًا ببناء دولة قوية قادرة فعليًا على حماية حدودها ومواطنيها.
يقف لبنان عند مفترق طرق؛ إما استثمار اللحظة الدولية لإعادة بناء الدولة على أسس السيادة والقانون، وإما الاستمرار في إدارة الأزمة عند أدنى عتبة ممكنة. لن يكمن العامل الحاسم في الخطط وحدها؛ بل في الإرادة السياسية، وفي القدرة على تحويل الشعارات إلى أفعال.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير