تعد إسرائيل، وسويسرا، وكوريا الشمالية بلدانًا مُتقدمة تكنولوجيًّا، ولكنها تفتقر إلى الكتلة الحرجة من حيث عدد السكان، خاصةً أن تراكم البيانات الضخمة يعد أمرًا ضروريًّا، وهذا ما يُميز الهند، حيث يبلغ عدد سكانها (1.37) مليار نسمة يتشاركون في الاتصال عبر الإنترنت وتوليد البيانات. خلال عام 2019، كان هناك 560 مليون هندي مشترك بالفعل في الإنترنت، وهذه طفرة تُقدر بأربعة أضعاف في عامين؛ مما يجعل الهند في المرتبة الثانية بعد الصين.
وفي السنوات الأربع المقبلة، مِن المتوقع أن ينمو عدد مستخدمي الإنترنت في الهند بنسبة (40٪)، بالإضافة إلى تضاعف عدد الهواتف الذكية، التي بلغت الآن (1.2) مليار هاتف، و (354) مليون هاتف ذكي، بمعدل (26.2 لكل 100 نسمة- ما زالت هذه نسبة مُنخفضة نسبيًّا مقارنة بالسويد مثلًا؛ 95.4 لكل 100 نسمة)، ولكن بحلول عام 2025 سوف يصبح المجتمع الهندي متصلًا بالكامل، على الرغم من التفاوت في الثروة بين الولايات وطبقات السكان، وحقيقة أن الاتصال عبر الهاتف المحمول كان شبه معدوم بين النساء في الهند، لكن هذا الأمر يتغير في ظل حُكم ناريندارا مودي. وقد عززت المنافسة في سوق الاتصالات ترابطًا استثنائيًّا وإن كان غير مُتساوٍ بين رواد الأعمال الهنود من مختلف الطبقات الاجتماعية.
هناك 245 مليون هندي يشاهدون مقاطع فيديو يوتيوب شهريًّا في منازلهم، وعلى هواتفهم المحمولة، وفي الحافلات، وفي الشارع، وفي أماكن أخرى. ولدى نتفليكس مليونا مشترك، وهذا العدد يتزايد. ويتجاوز استخدام البيانات المحمولة في الهند نظيره في الصين، وهو مماثل لاستخدامه في كوريا الجنوبية، وهي اقتصاد متقدم، وهذا يعني أن الهند تتحول إلى قوة رقمية بسرعة أكبر من أي دولة آسيوية أخرى، باستثناء إندونيسيا. وليس من المستغرب أن ترغب الهند، على الأقل في عهد مودي، في ممارسة السيطرة الوطنية على الإنترنت.
في بلد كانت بطاقات الهوية تشكل فيه مشكلة، نجحت الحكومة في جمع البيانات البيومترية لنحو (1.2) مليار مواطن، وأصبح رقم الهوية المكون من (12) رقمًا يحصل عليه المواطنون من خلال تقديم بصمات أصابعهم، ومسح قزحية العين، وصورة فوتوغرافية، وغير ذلك من المعلومات (التي تتوافر بالفعل في كثير من البلدان التي لديها بطاقات هوية وطنية). وقد قضت المحكمة العليا بأنه من القانوني للسلطات العامة أن تطلب الهوية البيومترية مقابل بعض الخدمات، مثل توفير حساب مصرفي، أو بطاقة هاتف، ويُعد هذا أكبر برنامج للهوية الرقمية في العالم.
إن هذا التحول التكنولوجي تجلى أيضًا في الانتخابات الأخيرة، التي نظرًا إلى حجم وتعقيد شبه القارة الهندية، أو الحضارة الريفية، تعقد خلال مدة زمنية تصل إلى (30) يومًا، حيث يحق لـ(900) مليون شخص التصويت. ومع أن الانتخابات لا تزال تتضمن الملصقات والشاحنات، وغيرها من العناصر التقليدية، فإن منصات التواصل الاجتماعي أدت دورًا استثنائيًّا في الانتخابات، لا سيما أن هذه المنصات تضم (249) مليون مستخدم داخل الهند.
أما عسكريًّا فأظهرت الهند للعالم قدرة تكنولوجية بضرب قمر صناعي يدور حول الأرض، لتنضم بذلك إلى مجموعة من الدول التي تمتلك أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، وهي: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا. وتمتلك الهند برنامجها الفضائي الخاص، وهي بالفعل قوة نووية. ومنذ عام 2013 لديها برنامج إستراتيجي يسمى “صُنع في الهند”، يُعزَّز من خلال مساهمة الذكاء الاصطناعي. وفي هذا الصدد، لدى نيودلهي إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي (كما فعلت كثير من البلدان الأخرى، ولكن ليس بحجم الهند)، تحدد خمسة قطاعات (الصحة، والزراعة، والتعليم، والمدن الذكية، والبنية الأساسية، والنقل)، حيث من المقرر أن تركز جهودها في هذا المجال. ومع ذلك، مثل جميع منافسيها تقريبًا، تعاني أيضًا نقص الخبرة المهنية في هذه المجالات، ويعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يخلق فرص عمل أكثر مما يدمر.
الهند تتحول إلى قوة اقتصادية وتكنولوجية؛ فقد نما ناتجها المحلي الإجمالي بين عامي (1951 و2018) بمعدل (6.21%) سنويًّا، والآن تجاوز اقتصادها اقتصاد فرنسا، والمملكة المتحدة، لتصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم، ولكنها تعلم أنها لن تتمكن من إعادة المسار والنموذج الصيني، لا سيما أن عصر التنمية المعتمدة على العمالة الرخيصة في التصنيع قد انتهى، وسيتعين عليها أن تتطور من خلال تحويل نفسها مباشرة إلى اقتصاد رقمي.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.