تقدير موقف

كيف تحوّلت ثلاث دول إسلامية إلى أداة صراع على السلطة في إسرائيل؟


  • 11 فبراير 2025

شارك الموضوع

في 27 يناير (كانون الثاني)، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت أبو ظبي، وعقد اجتماعًا استمر ثلاث ساعات مع رئيس دولة الإمارات ووزير خارجيتها. وفقًا لخطة إدارة ترمب، تُمنح الدولة الإماراتية دورًا محوريًّا في التحالف العربي الذي سيتولى مهمة إعادة إعمار قطاع غزة وإدارته مؤقتًا. في 15 يناير (كانون الثاني)، وسّط الرئيس الأمريكي الجديد اتفاقًا بين إسرائيل وحماس لوقف العمليات العسكرية في غزة، والإفراج التدريجي عن الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين. وُقِّع الاتفاق في 17 يناير (كانون الثاني)، ويرى ترمب في هذا الاتفاق نقطة انطلاق لإعادة هيكلة الشرق الأوسط بكامله.

إلى جانب إعادة إعمار غزة، تدعو الخطة إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، تليها 14 دولة عربية وإسلامية أخرى في إفريقيا وآسيا؛و بهذا تنوي إدارة ترمب تشكيل تحالف شرق أوسطي لاحتواء إيران والصين. في الوقت نفسه، تستعد واشنطن لاستئناف المفاوضات مع طهران، إذ يهدف ترمب إلى ممارسة “ضغوط قصوى” لإيقاف البرنامج النووي الإيراني.

العقبة الرئيسة في تنفيذ هذه الخطة هي موقف رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو؛ أولًا، يعارض نتنياهو مفاوضات الإدارة الأمريكية الجديدة مع إيران، معتقدًا أن ضعف حزب الله في لبنان، وسقوط نظام الأسد في سوريا، يجعلان التوقيت مناسبًا لعملية عسكرية إسرائيلية ضد المنشآت النووية والبنية التحتية النفطية الإيرانية. كما يعارض بشدة أي إجراءات قد تؤدي إلى بدء عملية تشكيل دولة فلسطينية، في حين يرى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن هذه الإجراءات شرط أساسي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. أما الخلاف الأكثر إلحاحًا مع واشنطن فيتعلق بإصرار نتنياهو على استئناف العمليات العسكرية في غزة، فبدون ذلك قد ينقسم اليمين المتطرف داخل حكومته وينضم إلى المعارضة؛ مما قد يُعجّل بإجراء انتخابات مبكرة.

في الواقع، كانت ميريام أديلسون، أحد أكبر ممولي حملة ترمب الانتخابية (الثانية وفقًا للإعلام الإسرائيلي)، هي من أقنعته بالسعي إلى صفقة بين إسرائيل وحماس. تُعد أديلسون أغنى امرأة في إسرائيل، ولديها علاقة طويلة مع الرئيس الأمريكي الحالي، إذ تبرعت بما يقارب 120 مليون دولار لحملته الأخيرة. تتمتع أديلسون بنظرة سلبية تجاه نتنياهو، وتدعم بينيت مرشحًا لرئاسة الوزراء مستقبلًا. تتوقع أديلسون أن يستسلم نتنياهو مرة أخرى لضغوط ترمب، وينفذ جميع بنود الصفقة مع حماس؛ مما يمنعه من استئناف العمليات العسكرية في غزة. نتيجة لذلك، سيفقد نتنياهو دعم جزء من ناخبيه، ولن يتمكن من الحفاظ على تحالفه؛ مما قد يؤدي إلى انتخابات مبكرة تكون ظروفها غير مواتية له. جميع استطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل تتنبأ بأن بينيت سيهزم نتنياهو على نحو حاسم إذا ترشح في الانتخابات.

شغل بينيت منصب رئيس الوزراء سابقًا من عام 2021 إلى عام 2022، ودخل التاريخ كأول رئيس حكومة يضم تحالفه الحاكم حزبًا إسلاميًّا يمثل العرب الإسرائيليين. حافظ بينيت على علاقات دافئة مع زعيم الحزب منصور عباس، وعلى عكس نتنياهو، تجنب بينيت تصرفات استفزازية ضد السلطة الفلسطينية في رام الله. كان بينيت المحرك الرئيس لتعزيز العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية داخل إيران، لكنه اتبع سياسة معتدلة تجاه الدول العربية. خلال عامه الوحيد في المنصب، زار بينيت الإمارات والبحرين ومصر، في حين زار نتنياهو خلال ولايته الحالية التي استمرت عامين الأردن فقط.

بعد فوز ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بدأ بينيت الاستعداد بنشاط للترشح في انتخابات إسرائيلية مبكرة. وفقًا لمصدر مطلع داخل “مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى”، توصل بينيت في ديسمبر (كانون الأول) إلى اتفاق سري مع أفيغدور ليبرمان، وزير المالية السابق في حكومته. على عكس بينيت، يقود ليبرمان حزبه الخاص الذي يشغل الآن موقع المعارضة. يتمتع كل من بينيت وليبرمان بتاريخ طويل من العداء الشخصي لنتنياهو. لم تُكشف حتى الآن تفاصيل الاتفاق السري بينهما، لكن المصدر الأمريكي كشف أنهما اتفقا على الترشح معًا في الانتخابات المقبلة. في حالة الفوز، يخطط الثنائي لتقاسم منصب رئيس الوزراء دوريًّا: بينيت في النصف الأول من ولاية الحكومة، ثم ليبرمان في النصف الثاني. أديلسون، التي كانت تدعم بينيت داخل دائرة ترمب، لا تُحب ليبرمان، لكنها وافقت على الخطة بوصفها وسيلة لإسقاط نتنياهو.

من وجهة نظر الإدارة الأمريكية الجديدة، يُعد بينيت مرشحًا أكثر قبولًا لمنصب رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال التغييرات الجذرية المخطط لها في الشرق الأوسط تحت الرعاية الأمريكية. لم ينسَ ترمب كيف كان نتنياهو من أوائل المهنئين علنًا لبايدن بفوزه الرئاسي عام 2020، حتى قبل إعلان النتائج النهائية، وهو ما رآه ترمب خيانة. مع بينيت، لا توجد ذكريات سلبية مماثلة. إضافةً إلى ذلك، قضى بينيت جزءًا كبيرًا من حياته في الولايات المتحدة، ويحتفظ بعلاقات واسعة في الأوساط التجارية الأمريكية ومجلسي الشيوخ والكونغرس، ويتمتع بدعم كثير من الشخصيات البارزة في المجتمع اليهودي الأمريكي.

عشية تنصيب ترمب، بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية بنشر مقالات تتضمن مقابلات واقتباسات من شخصيات رئيسة في فريق الرئيس الجديد، من بينهم مستشاروه ومقربوه. كان الموضوع الرئيس لهذه المواد هو الأهمية الكبرى للمملكة العربية السعودية والإمارات في حل قضية غزة، ودورهما الحاسم في التكامل الإقليمي والتنمية الاقتصادية لإسرائيل. زيارة بينيت للإمارات كانت جزءًا من هذه الحملة الأوسع. في الوقت نفسه، شهدت إحدى أكبر الصحف الإسرائيلية، “إسرائيل هيوم”، المملوكة لأديلسون، زيادة ملحوظة في المقالات التي تنتقد نتنياهو بشدة.

على النقيض من هذه الحملة، نشرت ورقة بحثية مهمة على موقع مركز بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية (BESA)، المدعوم من مبادرة الناتو المتوسطية، في اليوم الذي توصلت فيه إسرائيل إلى اتفاق مع حماس، وقبل تنصيب ترمب بخمسة أيام. حملت الورقة عنوانًا لافتًا “أذربيجان.. أحد أركان النظام الأمني الإقليمي لإسرائيل- نظرة عامة موجزة لإدارة ترمب”.

ركزت الورقة على نقطتين رئيستين:

“الأهمية الخاصة لأذربيجان للأمن القومي، وقدرات الدفاع الإقليمية للدولة اليهودية”

“أذربيجان مثالًا على التعايش الإسلامي- اليهودي، وتعزز العلاقات الإسرائيلية- الإسلامية”

أكدت الورقة أن “أذربيجان لديها أطول وأشمل شراكة مع إسرائيل بين الدول الإسلامية”، مستشهدةً بتصريح لنتنياهو: “هذا مثال على كيف يعمل المسلمون واليهود معًا لضمان مستقبل أفضل للطرفين”. كما تضمنت الورقة نداءً مباشرًا للإدارة الأمريكية الجديدة.
تصريحات المقربين من ترمب تشير بوضوح إلى أن سياسته تتضمن توسيع اتفاقات إبراهيم. في هذا السياق، يجب على القيادة الإسرائيلية والدبلوماسية الوطنية- الحكومية والعامة- توجيه انتباه واشنطن إلى الجهات الفاعلة في المشهد الجيوسياسي لشرق المتوسط وغرب آسيا، ممن لديهم شراكات إستراتيجية طويلة الأمد مع القدس، ويمكنهم تعزيز دور الدولة اليهودية في “الشرق الأوسط الجديد” الذي يتصوره ترمب. تستحق أذربيجان اهتمامًا خاصًا كأطول شريك إسلامي لإسرائيل”.

بين 16 و27 يناير (كانون الثاني)، نُشرت مقالات تستشهد بتقرير مركز بيغن- السادات للدراسات، وتوسع أفكاره في نحو عشرين وسيلة إعلامية كبرى في إسرائيل والولايات المتحدة. في إسرائيل، كانت جميع المنشورات ذات توجه يميني واضح، في حين ظهرت المقالات في الولايات المتحدة في وسائل إعلام يهودية ومحافظة بارزة. أكدت إحدى هذه الوسائل أهمية الشراكة الإسرائيلية- الأذربيجانية في سياق خطط إدارة ترمب لمواجهة نفوذ الصين في الشرق الأوسط.

وفقًا للمصدر المذكور في “مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى”، فإن نشر ورقة مركز بيغن- السادات للدراسات بادر به شخص من دائرة نتنياهو الداخلية.

من العبث إنكار العلاقات الوثيقة بين أذربيجان وإسرائيل، ومن المشجع رؤية دولة إسلامية، وهي أيضًا، شريك إستراتيجي لتركيا، تكتسب هذه الأهمية للحليف الرئيس للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. هذا الجانب يرفع بالتأكيد مكانة هذه الجمهورية القوقازية الجنوبية، التي تحد إيران وروسيا، في نظر إدارة ترمب.

على مستوى أوسع، فإن استخدام ثلاث دول إسلامية (السعودية والإمارات وأذربيجان) بنشاط في الصراع الداخلي على السلطة في إسرائيل يكشف عن اندماج الدولة الصهيونية المتزايد في الواقع السياسي للشرق الأوسط الكبير.

الاستنتاجات

الإدارة الأمريكية الجديدة تسعى إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط عبر تحالفات إقليمية جديدة؛ إذ تؤدي الإمارات والسعودية دورًا محوريًّا في إعادة إعمار غزة، والتطبيع مع إسرائيل، ضمن إستراتيجية لاحتواء إيران والصين. غير أن هذه الخطة تواجه عقبات داخل إسرائيل، إذ يعارضها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يرى أن ضعف حزب الله وسوريا يتيح فرصة لضربة عسكرية ضد إيران، في حين يرفض أي خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية، وهو ما يعدّه ولي العهد السعودي شرطًا أساسيًّا للتطبيع. في المقابل، يُنظر إلى نفتالي بينيت على أنه بديل مدعوم أمريكيًّا، خاصة من ميريام أديلسون، التي أدّت دورًا في إقناع ترمب بالضغط لتنفيذ الاتفاق مع حماس. يشير التحليل إلى أن نتنياهو يواجه خطر تفكك تحالفه الداخلي إذا استسلم لهذه الضغوط؛ مما قد يؤدي إلى انتخابات مبكرة يُتوقع أن يخسرها أمام بينيت.

بالتوازي، يُروَّج لدور أذربيجان في الإستراتيجية الإسرائيلية كحليف إسلامي طويل الأمد، في سياق توسيع اتفاقيات التطبيع. كما أن قربها من إيران وروسيا يمنحها أهمية خاصة في حسابات واشنطن. الإعلام الإسرائيلي والأمريكي المحافظ كثّف حملاته ضد نتنياهو لصالح الرؤية الأمريكية الجديدة؛ مما يعكس دور الإعلام في إعادة توجيه السياسة الإسرائيلية. في النهاية، يتضح أن إسرائيل أصبحت أكثر اندماجًا في المشهد السياسي الإقليمي، حيث تؤثر القوى العربية والإسلامية في سياساتها الداخلية، في ظل صراع داخلي على السلطة بين نتنياهو وبنيت، ضمن إطار إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق الرؤية الأمريكية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.

المصادر:

Trump says civilian award is ‘much better’ than Medal of Honor

בן כספית: זו האישה שהשפיעה על טראמפ לכפות עסקת חטופים

סקר: מפלגה בראשות בנט תשיג יותר מנדטים מהליכוד

למה נתניהו לא הסביר לאמריקנים עד כמה העסקה מסוכנת?

Azerbaijan: One of the Pillars of Israel’s Regional Security System – A Brief Overview for the Trump Administration


شارك الموضوع