تقدير موقف

كوريا الجنوبية.. الشعبوية تخلق أزمة سياسية


  • 12 ديسمبر 2024

شارك الموضوع

يكافح الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول من أجل حياته السياسية في مواجهة إدانة عامة شديدة، وتصويت وشيك على عزله بسبب محاولته الفاشلة لفرض الأحكام العرفية، في حين أعلن المكتب الرئاسي تعيين وزير دفاع جديد. وقد أشعل يون الفوضى السياسية بإعلانه المفاجئ الأحكام العرفية، وهي الأولى من نوعها في كوريا الجنوبية منذ (44) عامًا. وصوت المشرعون على رفع الأحكام العرفية في البرلمان، على الرغم من استخدام القوة من جانب الجيش والشرطة.

في خطاب تنصيبه في مايو (أيار) 2022، وعد يون سوك يول -بصفته رئيسًا لكوريا الجنوبية- أنه سوف “يعيد بناء هذه الأمة العظيمة”، ولكن بدلًا من ذلك، اتسمت رئاسته بالخلل السياسي والشعبوية المتزايدة وسط الفضائح. واجه يون الذي وصل إلى السلطة مع نسبة تأييد منخفضة، وبرلمان تهيمن عليه المعارضة، تحديات خطيرة منذ بداية ولايته. ولم يُمارس المدعي العام السابق، البالغ من العمر (63) عامًا، الذي أدى دورًا رئيسًا في محاكمة الرئيسين السابقين بارك جيون هاي ولي ميونج باك، دورًا سياسيًّا من قبل إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2021.

عُيّن يون مُدعيًا عامًا عام 2019 من قِبل سلفه الليبرالي مون جاي إن، لكن علاقتهما توترت بعد أن أطلق يون تحقيقًا يتعلق بالفساد، لترتفع مكانة يون العامة ارتفاعًا كبيرًا. بعد تنحيه عام 2021، حصل يون على ترشيح حزب قوة الشعب المحافظ للرئاسة. وفي انتخابات العام التالي، انتصر على منافسه الليبرالي بهامش (0.73%) فقط، وهو أضيق هامش في الانتخابات الرئاسية في كوريا الجنوبية. وبينما كان يون يكافح من أجل تمرير التشريعات عبر البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، كان مرشحوه المفضلون لشغل مناصب وزارية يكافحون أيضًا من أجل الحصول على الموافقة، واضطر أربعة منهم إلى الانسحاب وسط مزاعم بالفساد.

واستمرت الصعوبات مع محاولة يون تمرير التشريعات. وبحلول يناير (كانون الثاني) 2024، لم يُمرَّر سوى (29%) من مشروعات القوانين التي قدمتها حكومته إلى البرلمان. ورد يون باستخدام حق النقض الرئاسي لإلغاء التشريعات المدعومة من المعارضة، حيث استخدم حق النقض ضد عدد من مشروعات القوانين أكثر من أي من أسلافه منذ نهاية الحكم العسكري عام 1987.

في وقت مبكر من ولايته، حرص على الإجابة عن أسئلة الصحفيين، لكن علاقته بوسائل الإعلام توترت بسبب بعض التقارير السلبية، وقمع الشرطة والمدعين العامين الصحفيين مرارًا وتكرارًا. ولقد جاءت انتكاسة أخرى في العلاقات العامة عندما أعلن يون خططه لنقل مكتبه من قصر البيت الأزرق التاريخي في وسط سيول إلى مجمع وزارة الدفاع. وكان يون يأمل أن تجعله بيئة العمل الأكثر بساطة أكثر سهولة في الوصول إلى الجمهور، ولكنه واجه ردود فعل عنيفة بسبب تكلفة تنفيذ الخطة.

واجه يون مشكلات في تمرير خطته الخاصة في مجالي التعليم، والصحة التي شهدت إضرابًا طويل الأمد للأطباء بسبب الأجور وظروف العمل، وتأكد تراجع شعبية يون في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أبريل (نيسان)، والتي شهدت استعادة الحزب الديمقراطي المعارض للأغلبية الكبيرة. ومنذ ذلك الحين، طالب نواب المعارضة بإجراء تحقيق مع زوجة يون بشأن مزاعم فساد مالي وأخلاقي، وسوء استغلال للسلطة، ونفى يون بشدة هذه المزاعم.

ومع استمرار المعارضة في البرلمان، أصبح يون يشعر بالإحباط، وخاصة مع رفض المعارضة تمرير الميزانية السنوية التي اقترحها الرئيس. وقال يون في خطاب إعلان الأحكام العرفية: “إن الدكتاتورية التشريعية للحزب الديمقراطي… تستخدم الميزانية أداةً للنضال السياسي”. وبعد ساعات، قال إنه يخطط لرفع إجراءات “الأحكام العرفية الطارئة” بعد أن صوت المشرعون ضدها في البرلمان؛ مما جعل موقفه أكثر غموضًا وسط واحدة من أخطر الأزمات الدستورية في تاريخ كوريا الجنوبية الحديث.

أرسلت وزارة الدفاع، التي كان كيم جونج هيون يرأسها آنذاك، القوات كجزء من أمر الأحكام العرفية الذي أصدره يون. وقد قدم كيم استقالته. كما عرض مساعدون رئيسون آخرون ليون الاستقالة، لكن يون لم يعلن بعد ما إذا كان سيقبل استقالاتهم. وبحسب بيان صادر عن مكتب يون، الذي لم يظهر أمام الأمة منذ الإعلان، عين تشوي بيونج هيوك، سفير كوريا الجنوبية لدى المملكة العربية السعودية، ليحل محل كيم. وقال رئيس الأركان تشونج جين سوك: إن تشوي قائد متقاعد من الجيش يتمتع بخبرة مباشرة في العمل مع القوات الأمريكية المتمركزة في كوريا الجنوبية.

كما صوت البرلمان على سحب الثقة من المراقب العام وثلاثة من كبار المدعين العامين بسبب أدوارهم في التحقيقات في نقل المكتب الرئاسي والسيدة الأولى كيم كيون هي. وقُدِّمَت طلبات حجب الثقة ضد تشوي جاي هاي، رئيس هيئة الرقابة والتفتيش، ولي تشانج سو، رئيس مكتب المدعي العام لمنطقة سيول المركزية، وتشو سانج وون وتشوي جاي هون، المدعين العامين تحت قيادة لي. وسيُعلَّق عمل الأربعة حتى تقرر المحكمة الدستورية ما إذا كانت ستؤيد إقالتهم أم لا، وهذه هي المرة الأولى التي يُقيل فيها البرلمان رئيس هيئة الرقابة والتفتيش.

وفي لحظة غضب إزاء قرار يون فرض الأحكام العرفية، خرج المواطنون إلى الشوارع احتجاجًا، وتجمعوا في البرلمان. وأظهرت بيانات استطلاعات الرأي أن أغلبية كبيرة من الكوريين الجنوبيين يؤيدون عزل يون، حيث أيد (73.6%) عزل الرئيس، في حين قال (24%) إنهم يعارضون ذلك. وفي الوقت نفسه، أعلن اتحاد عمال هيونداي موتور إضرابًا جزئيًّا احتجاجا على يون. وطلب الاتحاد من أعضائه المشاركة في إضراب لمدة ساعتين لحضور تجمع حاشد في مدينة أولسان الساحلية في جنوب شرق البلاد، وهي القاعدة الإنتاجية الرئيسة لشركة صناعة السيارات.

وقد أثارت الخطوة المفاجئة وغير المخطط لها من جانب يون انتقادات من مختلف أطياف الساحة السياسية. ورغم الانقسام الحاد في السياسة في كوريا الجنوبية بين المعسكرين الليبرالي والمحافظ، صوت المشرعون من حزب الرئيس نفسه ضد الأحكام العرفية. وقال هان دونج هون، رئيس حزب قوة الشعب الذي ينتمي إليه يون، إنه سيطلب من الرئيس الاستقالة، ومغادرة الحزب. وعارض هان على الفور قرار الأحكام العرفية قائلًا في اجتماع الحزب إن يون يجب أن يتحمل المسؤولية عن “أفعاله غير الدستورية”، ولكن من غير الواضح هل سيُقال الرئيس أم لا، حيث لا يزال لديه مؤيدون داخل الحزب.

وبدأت الشرطة تحقيقًا في مزاعم تفيد بأن يون سوك يول ارتكب الخيانة بإعلانه الأحكام العرفية. وكُلِّفَ فريق التحقيق الأمني ​​التابع لمكتب التحقيقات الوطني التابع لمنظمة الشرطة الوطنية بالتحقيق بعد تقديم شكوى من التحالف المعارض لدعم إعادة إعمار كوريا، وشكوى أخرى من مجموعة مكونة من (59) ناشطًا حقوقيًّا. كما وجهت اتهامات بالخيانة وتهم أخرى ذات صلة إلى وزير الدفاع السابق كيم جونج هيون، ورئيس الأركان المشتركة الجنرال بارك آن سو، ووزير الداخلية لي سانج مين؛ بسبب دورهم في إعلان الأحكام العرفية.

انتقدت الولايات المتحدة -الحليف الرئيس لكوريا الجنوبية- علنًا محاولة يون تعليق الحقوق المدنية والسياسية. وقال نائب مساعد وزير الخارجية كيرت كامبل إن يون “أخطأ في تقدير الموقف خطأ فادحًا”، ووصف محاولته فرض الأحكام العرفية بأنها “غير شرعية إلى حد كبير”، لكن من الجدير بالذكر أنه حل ضيفًا على الرئيس جو بايدن خلال زيارة رسمية إلى واشنطن في أبريل (نيسان) من العام الماضي، وكان يون أيضًا أول رئيس كوري جنوبي يحضر اجتماعًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعمل على تعميق التعاون العسكري والأمني ​​مع الولايات المتحدة واليابان، وأثار هذا انتقادات من المعارضة التي اتهمته باستفزاز الصين -الشريك التجاري الرئيس للبلاد- بالإضافة إلى أن يون سمح بتقديم مساعدات كبيرة لأوكرانيا. وعلى النقيض من الرؤساء السابقين، الذين فضلوا الحوار مع كوريا الشمالية، اتخذ موقفًا أكثر صرامة ضد بيونغ يانغ؛ مما دفع كوريا الشمالية إلى الرد بمزيد من الاختبارات الصاروخية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع