تقدير موقف

قمة هندية- قطرية.. محاولة لتجاوز الخلافات


  • 24 فبراير 2025

شارك الموضوع

قام أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بزيارة رسمية إلى الهند يومي 17 و18 فبراير (شباط)، بالتزامن مع اجتماع منتدى الأعمال المشترك الهنديالقطري، الذي ضم وزراء التجارة في كلا البلدين، وكبار المتخصصين في مجالات المالية والطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. وقد جاءت الزيارة بعد زيارة وزير الخارجية إس جاي شانكار إلى الدوحة في أواخر عام 2024، ثم مرة أخرى خلال عام 2025. ومع أن العلاقات بين نيودلهي والدوحة تهيمن عليها واردات الغاز الطبيعي المسال، فإن المحادثات الدبلوماسية بين البلدين تأتي في وقت تتزايد فيه عوامل الفوضى وعدم الاستقرار في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، لا سيما في غزة، وسوريا، وجنوب لبنان.

الهند هي ثاني أكبر شريك تجاري لقطر، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية نحو (14) مليار دولار في عام 2024. ومع فرض إدارة بايدن المنتهية ولايته عقوبات جديدة على النفط الروسي، حصلت شركة قطر للطاقة، المملوكة للدولة، على اتفاقية مدتها خمس سنوات لتزويد شركة جيل الهندية بـ(12) شحنة من الغاز الطبيعي المسال سنويًّا. وقعت قطر للطاقة وبترونت الهندية في وقت سابق صفقة ضخمة للغاز الطبيعي المسال مدتها (20) عامًا، بقيمة (78) مليار دولار؛ مما سمح للهند بتوفير ما لا يقل عن (6) مليارات دولار، على الرغم من الاضطرابات في أسعار الطاقة العالمية.

خلال زيارة الأمير، قررت الهند وقطر الارتقاء بعلاقتهما إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية. تُستخدم كلمة إستراتيجيةعلى نطاق عريض وصفًا في أثناء التفاعلات بين الهند والإمارات العربية المتحدة، أو الهند والمملكة العربية السعودية، ولكن نادرًا ما تُذكَر في التبادلات الدبلوماسية الرفيعة المستوى بين الهند وقطر في الماضي. تجاوز البيان المشترك القضايا الخلافية، وقد تعهد قطر باستثمار (10) مليارات دولار في الهند، ويتطلع الجانبان إلى مضاعفة التجارة إلى (28) مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وأصدرت وزارة الشؤون الخارجية الهندية بيانًا أن نيودلهي تسعى إلى تعميق التعاون مع قطر في التجارة، والطاقة، والاستثمار، والأمن، وكذلك في المحافل الإقليمية والدولية، ومع العمل على إبرام معاهدة استثمار ثنائية جديدة، فمن المرجح أن تشعر الهند بقدر أكبر من الارتياح إزاء التعديلات التي قد تطرأ على تفاهمات 2015، عندما زار الأمير تميم الهند، وصدر بيان بيان مشترك مفصل عن التعاون بين القطاعات، ورغبة الهند في مساعدة قطر في تحقيق أهداف رؤية 2030، وعلى مدى السنوات العشر التي مرت منذ ذلك الحين، وبينما كانت الهند وقطر تعملان على الارتقاء بالعلاقات الثنائية، تفاوضتا مرارًا وتكرارًا على التحديات التي تواجه العلاقة، والتي نشأت عن التوترات الثنائية أو الإقليمية. وركزت زيارات رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الدوحة في عامي 2015 و2016 على الانتهاكات التي يتعرض لها العمال الهنود في قطر، والحاجة إلى ضمانات لإصلاح قانون العمل، بالإضافة إلى تفاوض على غرامة قدرها مليار دولار واجهتها شركة بيترونت الهندية بسبب خرق عقد مع شركة راس غاز القطرية، لكن الدبلوماسية المركزة أدت إلى تنازل الدوحة عن الغرامة، وخفض أسعار الغاز بنحو (50%) للهند.

وقد لوحظت هذه المرونة في معاهدة الاستثمار الثنائية بين الهند والإمارات العربية المتحدة عام 2024. وهناك أيضًا توسع كبير في السبل المؤسسية لتعزيز التفاعل بين مجتمع الأعمال، وأحدث هذه السبل هو توقيع مذكرات تفاهم بين رابطة رجال الأعمال القطريين واتحاد الصناعات الهندية، وبين هيئة الاستثمار في قطر وهيئة الاستثمار في الهند. وكلما توسعت التجارة والأعمال؛ توسعت الدائرة السياسية القادرة على حماية العلاقة في حالة حدوث أزمة مستقبلية، سواء أكانت ثنائية أم إقليمية.

مطلع عام 2023، شهدت قمة المناخ (COP28) في دبي قمة هنديةقطرية أدت إلى تخفيف أحكام الإعدام الصادرة على قدامى المحاربين في البحرية الهندية المسجونين بتهمة التجسس على قطر، وقد أُطلِقَ سراح جميع المحاربين القدامى الثمانية الذين اعتقلوا في أغسطس (آب) 2022، باستثناء واحد أُطلق سراحه في فبراير (شباط) 2024، قبل زيارة رئيس الوزراء الرسمية إلى الدوحة، وأصدرت وزارة الخارجية الهندية بيانًا أكد التزام الجانبين بمراجعة مختلف جوانب العلاقات الثنائية“.

اندلعت الأزمة الدبلوماسية بين قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين، وفُرِضَ حصار جوي وبري وبحري على الدوحة خلال السنوات من 2017 إلى 2021، وكان للأزمة تأثير سلبي في جهود الهند الرامية إلى الارتقاء بعلاقاتها مع قطر، إذ يعمل أكثر من (800) ألف هندي، بالإضافة إلى اعتماد نيودلهي على واردات الغاز القطري المسال؛ لذا جاء الرد الدبلوماسي الهندي خلال الأزمة متوازنًا، ودعا جميع الأطراف إلى الحوار والحلول السلمية.

ومع قطع طرق التجارة الحيوية لقطر مع جيرانها في الخليج خلال سنوات الحصار، استثمرت الدوحة في تيسير الوصول إلى شركاء من خارج المنطقة مثل الهند، وبدأت خطي شحن مباشرين إلى ميناءي موندرا ونافا شيفا عام 2017. وعلى مدى السنوات الثلاث التالية، حررت قطر بنيتها الاجتماعية والاقتصادية لتوسيع نطاق الحق في التعليم والرعاية الصحية المجانية لغير المواطنين. وفي عام 2018، عرضت الإقامة الدائمة في مناطق معينة لمجموعات مختارة من المغتربين، منهم الهنود، وقد أدى هذا إلى جانب إزالة قيود التأشيرة لأكثر من 80 دولة، منها الهندإلى تعزيز السفر الدولي إلى قطر وسط عزلتها.

لقد انفتحت قطر على العالم، في حين ظلت مغلقة أمام الخليج، وكان إنشاء طالبان مكتبًا في الدوحة مثالًا بارزًا على ذلك؛ وهو ما سمح للولايات المتحدة بإبرام اتفاقها عام 2020 مع الجماعة التي تولت السلطة في كابول بعد عام ونصف العام. كما سمح ذلك بأول تواصل رسمي للهند مع طالبان عندما التقى سفير الهند في قطر، ديباك ميتال، برئيس المكتب السياسي لطالبان في الدوحة بشير عباس، في أغسطس (آب) 2021. وفي الآونة الأخيرة، أدّت قطر، التي تربطها علاقات طويلة الأمد مع قيادة حركة حماس الفلسطينية، دور الوساطة الحاسم، إلى جانب مصر، طوال 15 شهرًا من الحرب في غزة، انتهت بوقف إطلاق النار في يناير (كانون الثاني) 2025، وقد جعل الاتفاق الذي صمد حتى الآنقطر قوة دبلوماسية فاعلة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أن سقوط بشار الأسد في سوريا وضع الدوحة لاعبًا جيوسياسيًّا؛ لكونها داعمًا كبيرًا سياسيًّا وماليًّا ودبلوماسيًّاللقوات المعارضة السورية التي تولت الحكم الآن.

ومع تحولات المنطقة، أصبح على الهند الآن تعميق علاقاتها مع قطر مثلما عملت على تعميق علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، والتركيز على حماية المصالح الأساسية، مع وجود قدر كافٍ من المصالح في العلاقات الثنائية، علمًا أن إعلان الهند وشركائها الخليجيين مشروع إنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط، في سبتمبر (أيلول) 2023، قد تجاوز قطر، لكن الآن، وبعد تسوية جميع القضايا الثنائية تقريبًا، أصبح هناك مجال لانفتاح حقيقي في العلاقات بين الهند وقطر.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع