تقارير

قمة المنامة.. عشرة مبادئ لتطوير العمل العربي المشترك


  • 14 مايو 2024

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: bna.bh

كلما اقترب موعد انعقاد القمة العربية يسأل الجميع: لماذا أداء جامعة الدول العربية أقل بكثير من طموحات القادة والشعوب؟ ولماذا الجامعة العربية التي تأسست في 22 مارس (آذار) 1945، لم تصل بالوحدة والاندماج العربي إلى مستوى الاتحاد الأوروبي الذي تأسس بعدها بنحو 12 عامًا في 1957، أو منظمة الوحدة الإفريقية التي جاءت بعد الجامعة العربية بنحو 18 عامًا، وأصبحت أساسًا للاتحاد الإفريقي منذ 25 مايو (أيار) 1965؟

 وبداية من الأمين العام الأول لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام، حتى الأمين العام الحالي أحمد أبو الغيط، جرت محاولات كثيرة صادقة ومخلصة من أجل تطوير العمل العربي المشترك، والارتقاء بأداء جامعة الدول العربية، لكن التحديات والتعقيدات التي مر بها الإقليم العربي منذ استقلال الدول العربية وتأسيس الجامعة اضطلعت بالدور الكبير في تأخير الأهداف والأماني العربية. واليوم، ونحن على أعتاب القمة الثالثة والثلاثين التي ستستضيفها لأول مرة العاصمة البحرينية المنامة، في 16 مايو (أيار) الجاري، يمكن طرح 10 مبادئ رئيسة لتطوير العمل العربي المشترك، واكتشاف “مساحات مشتركة جديدة” بين الدول والشعوب العربية، خاصة في ظل التحديات التي تمر بها الأمة العربية، واستمرار الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني؛ وذلك بهدف أن تكون جامعة الدول العربية “منصة حقيقية” لتفعيل التقارب العربي، حتى تصل الدول العربية إلى مستويات رفيعة من التعاون والتقارب، على غرار منظمات ناجحة، مثل الآسيان، وشنغهاي، والاتحادين الإفريقي والأوروبي.

فرص رغم التحديات

لا يمكن إنكار التحديات الضخمة التي تحيط بالدولة الوطنية العربية، خاصة في ظل غياب الأفق السياسي للمنطقة، مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وخطورة توسع هذه الحرب وتمددها إلى مناطق مجاورة، يدفع العالم العربي الثمن الأكبر منها، كما أن هشاشة النظام الدولي وارتداداته السلبية على الأمن القومي العربي تشكل حافزًا قويًّا لوجود إرادة سياسية داعمة لتطوير أداء جامعة الدول العربية بما يخدم مصالح كل الدول العربية، وبما يعيد الزخم “للمشروع العربي” ليكون لهذا المشروع الحضور والتأثير المناسبين ليس فقط في المعادلات الإقليمية القريبة من العالم العربي؛ بل ليعبر هذا “المشروع العربي” عن الأهمية الجيوسياسية للإقليم العربي في المعادلة الدولية التي تُشَكَّل في الوقت الحاضر؛ ولهذا فإن هناك فرصًا كثيرة لتعزيز العمل العربي المشترك، وتأتي هذه الفرص عبر مجموعة من المسارات والمبادئ الجديدة، وهي:

1- ترتيب الأولويات

كل المؤشرات تقول إن الأولويات العربية باتت متقاربة بشكل غير مسبوق، وتقوم في الوقت الحالي على ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإعادة الأعمار تمهيدًا لقيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو (حزيران) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، كما أن تحقيق التنمية الاقتصادية ورفاهية الشعوب أصبح الهدف الأول لكل الحكومات العربية، وهي أولويات يمكن أن تكون نقطة البداية لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك.

2– تصفير المشكلات

تحليل السلوك الإقليمي والعربي يقول إننا بالفعل أمام رغبة سياسية حقيقية “لتصفير المشكلات” بين دول الكتلة العربية والقوى الإقليمية المتاخمة، وهذا يوفر بيئية سياسية إيجابية داعمة لمزيد من التضامن العربي، وظهر هذا بوضوح قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من خلال تبني مفاهيم تقوم على “تبريد الصراعات وتهدئة التوترات”، وتجسيد كل هذا ما نراه من قوة دفع كبيرة في العلاقات العربية التركية، كما أن العلاقات العربية، وخاصة الخليجية، مع إيران، هي في أفضل حالة منذ عام 1979 عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران، ولعل حرص الحكومة الإيرانية على إبلاغ الدول الخليجية والعربية بقرارها للرد على إسرائيل في شهر أبريل (نيسان) الماضي، شكّل سابقة إيجابية في العلاقات الإيرانية العربية، وهو ما يقول إننا أمام فرصة تاريخية لبناء علاقات جديدة تقوم على المصالح المشتركة، والاحترام المتبادل، واحترام نموذج كل دولة وخصوصيتها، دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

3- مكانة جيوسياسية واقتصادية

كشفت التداعيات الكبيرة لجائحة كورونا، ثم المشكلات المعقدة في سلاسل الإمداد، أن الدول العربية بما تملكه من قدرات “جيو- سياسية”، و”جيو- اقتصادية”، لديها فرص جديدة وحقيقية لتعزيز التعاون المشترك في ظروف لم تتحقق من قبل، ففي ظل سعي التكتلات الجغرافية المختلفة إلى التعاون بعضها مع بعض، بات التعاون الاقتصادي والتجاري العربي حتميًّا في ظل ما يشهده الاقتصاد العالمي من مشكلات تتعلق بالملاحة، وسلاسل الإمداد، وندرة بعض الموارد، ولعل نموذج التعاون الأمريكي مع كل من كندا والمكسيك خير محفز للدول العربية أن تتعاون وتتشارك أكثر بعضها مع بعض.

10 مبادئ

بالنظر بعمق في تاريخ جامعة الدول العربية منذ عام 1945، ومسيرة العمل العربي المشترك، يمكن وضع 10 أسس ومبادئ لتعزيز المسيرة العربية وتفعيلها في الفترة المقبلة، والمبادئ العشرة هي:

أولًا: أسمنت الشعوب

جميع التجارب الوحدوية الناجحة في كل أقاليم العالم المختلفة بدأت بالاقتصاد والتجارة، وليس بالسياسة التي هي دائمًا “باب للاختلافات والتناقضات”، فحجم التجارة بين الولايات المتحدة وجارتها الشمالية كندا تجاوز تريليون دولار عام 2023، كما أن معدل التجارة بين دول الاتحاد الأوروبي وصل إلى 1.7 تريليون يورو عام 2022، والاتحاد الإفريقي نجح في التوافق على اتفاقية التجارة الحرة بداية من عام 2019، وعلى الجميع أن يتذكر أن بداية الاتحاد الأوروبي كانت مع تأسيس اتحاد للحديد والأسمنت، جمع في البداية كلًا من فرنسا وألمانيا، ثم انضمت إليهما هولندا وإيطاليا. ورغم كل المشكلات التي تتعلق بالتضخم وارتفاع الأسعار فإن مواطني الاتحاد الأوروبي ما زالوا متمسكين باتفاقية حرية الحركة “شنجن”، وسهولة تدفق رؤوس الأموال والبضائع والاستثمارات بين 27 دولة تمثل دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يجب أن تركز عليه الدول العربية عبر الاهتمام بتذليل كل العقبات التي تحول دون زيادة التجارة البينية العربية، وتقديم أفضلية خاصة للتعاون الاقتصادي بين الدول العربية، وهنا أقترح أن تعقد القمة العربية الاقتصادية كل عام، وليس كل عامين كما هو الوضع في الوقت الراهن.

ثانيًا: قوة طوارئ عربية

كشفت الأحداث الأخيرة، ومنها الحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، حاجة الدول العربية إلى “قوة طوارئ” مشتركة، كان يمكنها أن تلبي حاجة أي دولة عربية إلى استعادة رعاياها من أفغانستان، أو التنسيق لدعم أي دولة عربية تمر بظروف طارئة، مثل سيطرة الإرهابيين على مدينة، أو احتجاز رهائن، ويمكن أن تتشكل تلك القوة من “قوات سريعة أو خفيفة الحركة” لتلبية حاجة عاجلة، وقوام هذه القوة لا يزيد على 5 آلاف جندي، وهذا منحى أقره الاتحاد الأوروبي بالفعل.

ثالثًا: الناتو العربي

إذا نجحت “قوة الطوارئ” العربية، يمكن تطوير الأمر إلى “ناتو عربي” حقيقي، يكون هدفه دفاعيًّا فقط، وتكون الدول العربية التي تشترك فيه ليس لها مشكلات حدودية، أو خلافات على أرض مع دولة أخرى، وتوضع فيه مادة تشبه “المادة الخامسة” في حلف الناتو، تنص على أن أي دولة عربية تتعرض لاعتداء “خارجي” فإن دول الناتو العربي تتصدى معًا للدفاع عن هذه الدولة. وتشكيل هذا الناتو قد يكون بمنزلة “ردع” و”مانع” لاندلاع أي حروب؛ لأن حسابات أي طرف يفكر في الاعتداء على دولة عربية سوف تختلف كثيرًا إذا ما كان يعلم أنه سوف يُواجَه “بتحالف” أو “ناتو عربي”.

رابعًا: قرون استشعار سياسية

تحتاج جامعة الدول العربية إلى تأسيس جهاز أو مؤسسة للقراءة المستقبلية لطبيعة التفاعلات السياسية والمجتمعية بين الدول العربية؛ حتى لا تقع خلافات طارئة تعرقل العمل العربي المشترك سنوات طويلة، وهذا الأمر تكرر كثيرًا منذ عام 1945، وهو ما شكّل بالفعل “فرص ضائعة” على الأمة العربية، وهذه المؤسسة يكون من صميم عملها نشر ثقافة “أن الخلاف في قضية عربية لا يجب أن يؤثر في باقي الملفات والقضايا”؛ لأن تحليل أنماط العلاقات بين الدول داخل التكتلات الناجحة، مثل الاتحاد الأوروبي، يقول بوضوح إن هناك كثيرًا من التباينات والخلافات، لكن في النهاية تتعامل هذه الدول وفق المصالح البعيدة المدى، ولا تؤثر الخلافات الطارئة في مسيرة التعاون بينها، فعلى سبيل المثال هناك خلافات ألمانية وفرنسية لا تنتهي في قضايا سياسية وتجارية، لكنهما في النهاية (أقصد فرنسا وألمانيا) تقودان الاتحاد الأوروبي، ولهذا فإن هذه المؤسسة سوف تكون مثل “قرون الاستشعار” لأي أزمة طارئة في العلاقات بين الدول العربية، وسيكون تدخلها وفق منهج واضح ومعروف مسبقًا لدى كل الدول العربية.

ليس هذا فقط، لأن آلية قرون الاستشعار هذه سوف تحقق نوعًا من “إدارة التوقعات”؛ بمعنى أن معرفة الأخطار وتقديرها تقديرًا صحيحًا سوف تقود إلى قراءة صحيحة لتوقعات الآخرين، سواء توقعات الشعوب العربية نفسها، أو الدول والشعوب التي يمكن أن تؤثر في خيارات الشعوب والدول العربية.

خامسًا: الفصل السابع العربي

أكثر المشكلات التي تواجه الجامعة العربية هي عدم التزام الدول العربية بتنفيذ مقررات الاجتماعات والمؤتمرات على مختلف المستويات، وهذا يتطلب من جامعة الدول العربية تخصيص فصول تحدد “مستويات الإلزام” بالقرارات؛ حتى يشكل كل هذا حوافز حقيقية للالتزام بقرارات جامعة الدول العربية، فعلى سبيل المثال، لا بد من تحديد القضايا والملفات التي يجب أن يكون الالتزام بها كاملًا في فصل خاص، على غرار قرارات الأمم المتحدة التي تصدر وفق “الفصل السابع” من ميثاق الأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه يجب أن تعمل “الآلية العقابية” ضد أي دولة غير عربية تضر بمصالح العالم العربي، وأن يكون هناك رد جماعي عقابي لأي دولة، أو حتى مؤسسة دولية تتجاوز في حق أي دولة عربية، ويمكن بعد ذلك أن تكون القرارات الأخرى الأقل أهمية وفق “الفصل السادس”.

سادسًا: إعادة النظر في الميثاق

معروف أن ميثاق جامعة الدول العربية وُضِعَ قبل نحو 80 عامًا، ورغم بعض التعديلات والإضافات التي جرت على الميثاق فإن الظروف والتحديات، وطبيعة المشكلات التي تمر بها المنطقة والعالم، باتت مختلفة، وهو ما يُوجب أن تكون هناك نظرة جديدة إلى ميثاق جامعة الدول العربية، وبالفعل كان هناك نقاش ولجان كثيرة، وعقدت اجتماعات، وقُدمت أفكار مبتكرة وجديدة، لكن ما يجري الآن في خرائط الإقليم والعالم يشكل حافزًا جديدًا لكل الدول العربية لتقديم ميثاق جديد لجامعة الدول العربية، يليق بالتحديات والأخطار التي تحيط بالإقليم العربي.

 سابعًا: الذراع الإنسانية

لعل ما يجري في قطاع غزة من مآسٍ أكبر حافز لتأسيس “ذراع إنسانية” تابعة لجامعة الدول العربية، فعلى مدار ما يقرب من 8 شهور، شكلت المساعدات الإنسانية والطبية “قبلة الحياة” لنحو 2.4 مليون فلسطيني، فضلًا عن حاجة ملايين العراقيين والسوريين والصوماليين إلى المساعدات الإنسانية منذ الاحتلال “الأنجلو ساكسوني” للعراق عام 2003، وما جرى في سوريا منذ عام 2011، وما يعانيه الصومال منذ سقوط نظام محمد سياد بري عام 1992. وتحتاج جامعة الدول العربية إلى تأسيس “مفوضية للشؤون الإنسانية”، وأن يكون رئيسها وكيلًا للأمين العام لجامعة الدول العربية، على غرار وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، خاصة أن الدول العربية هي الأكثر سخاء ودعمًا للنداءات الإنسانية التي تطلقها الأمم المتحدة، وهذا المفوضية سوف تجعل المواطن العربي يتلامس- عن قرب- مع الجهود العربية، وجهد جامعة الدول العربية في المعالجة الإنسانية لمختلف أشكال المعاناة، سواء الناجمة عن كوارث طبيعية، أو تحديات سياسية وأمنية.

ثامنًا: تكتل واحد

تحتاج الدول العربية- في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى- إلى التعامل مع الدول والأطراف الأخرى من منطلق جماعي، على غرار القمم الأمريكية الأوروبية، أو الأوروبية اليابانية. ومع أن جامعة الدول العربية نجحت في عقد سلسلة من المنتديات والاجتماعات على نحو جماعي، مثل القمة العربية الصينية، فإنها تحتاج إلى التوسع في هذا الأمر، الذي يزيد الثقل النسبي لأي دولة عربية عندما تتفاوض مع دولة، أو تكتل إقليمي آخر.

تاسعًا: تمثيل القطاع الخاص

مع أن جامعة الدول العربية هي منظمة للدول، وليس للقطاع الخاص أو المجتمع المدني، فإن خلق مؤسسات تابعة لجامعة الدول العربية يعطي الفرصة لمشاركة القطاع الخاص في تقديم الرؤى والاستشارات والأفكار، خاصة فيما يتعلق بالجوانب التجارية والاقتصادية، وسيكون هذا نقلة كبيرة في مسيرة العمل العربي المشترك، خاصة إذا تبنت جامعة الدول العربية مجموعة من المشروعات التي ينفذها القطاع الخاص العربي، مثل تصنيع سيارة عربية، أو طائرة مدنية أو عسكرية عربية، كما يمكن للدول- بالشراكة مع القطاع الخاص العربي- تأسيس منصة تحت مظلة جامعة الدول العربية “للشراء الموحد”، مثل مشتريات القمح، أو السلع الإستراتيجية الأخرى.

عاشرًا: معايير وأخلاقيات عربية

يحتاج العالم العربي أن تكون هناك “معايير وأخلاقيات” خاصة به، ليس في القطاعات الحيوية، مثل الغذاء والدواء، فقط؛ بل أيضًا في مختلف القطاعات التي تشكل نواة عصر المستقبل الرقمي، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال، تستطيع الدول العربية أن تحدد ما هو مقبول ومسموح به عربيًّا، وما هو غير مسموح به في مجال الذكاء الاصطناعي، وكل هذه سوف يخلق بيئة عمل أكثر تفاعلًا بين الدول والشعوب العربية.

المؤكد أن القادة العرب، وجامعة الدول العربية، يواجهون تحديات غير مسبوقة، لكن الآمال كبيرة أن تكون هناك مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك عقب “قمة المنامة” التي يمكن أن تكون علامة فارقة في مستقبل العالم العربي ومسيرته.

ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع