المقدمة
طغت الأزمات الجيوسياسية الجلية التي يشهدها العالم، والمخاوف التي تثيرها عودة دونالد ترمب الوشيكة إلى البيت الأبيض، على قمة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو على مدى يومين، في الثامن عشر والتاسع عشر من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، حيث استخدم الزعماء نبرة حيادية لوصف الحرب في أوكرانيا وغزة ولبنان. وبينما العالم يعج بالحروب والنزاعات المسلحة والاضطرابات الأمنية والاقتصادية، ركز زعماء مجموعة العشرين على تعزيز تمويل المناخ، ومعالجة الفقر، والعمل نحو فرض ضريبة جديدة على الأثرياء.
وعلى النقيض من قمة 2022 في إندونيسيا، التي أدانت صراحةً حرب روسيا على أوكرانيا، والقمة التي عقدت العام الماضي في الهند، التي دعت أعضاء مجموعة العشرين إلى منع استخدام القوة في النزاعات، تجنب البيان الختامي لمجموعة العشرين في البرازيل هذا العام إلقاء اللوم المباشر على أطراف الصراع، وبدلًا من ذلك، أشار البيان -على نحو غامض- إلى المعاناة الناجمة عن الصراعات على الساحة الإقليمية والدولية، وهو ما يعكس الانقسام الواضح بين أعضاء المجموعة بشأن توجهاتهم وحلفائهم إزاء التطورات الراهنة، ولعله يكشف عن أولوية تحقيق الإجماع للخروج ببيان ختامي للقمة على حساب الأمن والسلم الدوليين.
عام 1999، في أعقاب أزمات اقتصادية متعددة، وعلى رأسها الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 التي عصفت بالاقتصاد الآسيوي، تأسست مجموعة العشرين بهدف إنقاذ الاقتصاد العالمي؛ ومن ثم تشكلت كتلة تضم 19 من أكبر اقتصادات العالم، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، كما انضم الاتحاد الإفريقي إلى المجموعة في عام 2023 لضمان تحقيق هذا الهدف على نحو أفضل، وفي هذا الصدد، تكمن أهمية المجموعة في الاقتصاد العالمي في كونها تساهم بنحو 85% من الناتج الاقتصادي العالمي، في حين تمثل أحد نجاحاتها الرئيسة في إدارة الأزمة المالية في عام 2008 من خلال الاتفاق على تدابير تحفيزية بقيمة 4 تريليونات دولار، ورفض الحواجز التجارية، وتنفيذ إصلاحات في الأنظمة المالية.
وفي المقابل، يعد أبرز أوجه هشاشة المجموعة حاليًا ما يرتبط بتمثيلها الواسع- على عكس مجموعة الدول السبع- ما يحمل في ثناياه عوامل قصور فاعلية المجموعة وقدرتها على التفاهم والتناغم بشأن القرارات التي تتخذها بالإجماع؛ ومن ثم فإن قدرة مجموعة العشرين على دفع العمل المنسق قد ضعفت في السنوات الأخيرة، وقد تجلى هذا في التعامل مع الأزمات العالمية، مثل جائحة كورونا وما أفرزته من آثار اقتصادية مضنية.
كشف البيان الختامي لقمة البرازيل لعام 2024 عن ثلاثة محاور أساسية تعبر عن أولويات المجموعة، حيث تضمن الشق الاقتصادي دعوة الأعضاء إلى فرض ضرائب تصاعدية على فاحشي الثراء؛ بغية استخدامها لمعالجة التفاوتات العالمية المتزايدة ومشروعات المناخ، خاصة بين البلدان المنخفضة الدخل المثقلة بالديون، في حين شمل البيان -لأول مرة في تاريخ المجموعة- شقًّا اجتماعيًّا متكاملًا عبر مبادرة استثنائية لمكافحة الجوع والفقر وعدم المساواة في العالم، وضرورة الالتزام العاجل لجميع دول مجموعة العشرين بهذا التحالف العالمي، تماشيًا مع أهداف التنمية المستدامة لأجندة الأمم المتحدة 2030، ويتحقق هذا من خلال تعزيز التعاون والتعاون المشترك بين البلدان والمنظمات الدولي لإنشاء صندوق خاص لتمويل السياسات والبرامج العامة لمكافحة الجوع، وضمان حصول الجميع على الغذاء الكافي.
بالإضافة إلى هذا، دعا البيان الختامي لمجموعة العشرين زعماء العالم إلى الالتزام بالحد من إزالة الغابات وانبعاثات الغازات الدفيئة، كما ناقش إنشاء “صندوق الغابات الاستوائية ” بدعم من الموارد الدولية، لضمان الحفاظ على الغابات ومساعدة السكان الذين يعيشون فيها.
وفي مقابل قوة الشق الاقتصادي والاجتماعي للبيان، كان الشق السياسي يغلب عليه الضعف والقصور في معالجة تداعيات البيئة الإقليمية والدولية المضطربة، واكتفى البيان بالدعوة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة ولبنان، لكنه لم يذكر العدوان الإسرائيلي، ولم يدن تل أبيب، بل اقتصر على التعبير عن قلق أعضاء المجموعة من جرّاء الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، والتصعيد في لبنان، مؤكدًا الحاجة الملحة إلى توسيع تدفق المساعدات الإنسانية، وتعزيز حماية المدنيين، والمطالبة بإزالة جميع الحواجز التي تحول دون توفير المساعدات الإنسانية. كما شدد البيان -ضمن هذا الشق- على أهمية إصلاح النموذج الحالي للحوكمة العالمية لضمان نهاية الصراعات المسلحة، والدعوة إلى إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بهدف زيادة مشاركة دول الجنوب العالمي.
جاءت قمة هذا العام بطابع خاص، حيث أطلقت البرازيل تحالفًا عالميًّا ضد الجوع، يتضمن برامج اجتماعية وآليات تمويل تهدف إلى معالجة النقص العالمي في إمدادات الغذاء في إطار المناقشات الواسعة النطاق بشأن مستجدات الأوضاع الاقتصادية العالمية، لكن تلك المبادرة الاستثنائية من الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا لم تنجح في تجاوز انتقادات عدة حملتها قمة 2024، من أبرزها ما يلي:
اكتسبت قمة مجموعة العشرين بالبرازيل لعام 2024 ركيزة ثالثة انضمت إلى الركيزتين السياسية والاقتصادية؛ ألا وهي الركيزة الاجتماعية، من خلال المبادرة الفريدة التي أطلقتها البرازيل بمشاركة الجهات الفاعلة، والمنظمات التي تمثل مختلف منظمات المجتمع المدني البرازيلي والدولي، لكن بينما كانت تلك الالتزامات تُصاغ استخدمت أوكرانيا -للمرة الأولى- صواريخ أمريكية بعيدة المدى ضد الأراضي الروسية؛ وهو ما دفع موسكو إلى مراجعة عقيدة الكرملين النووية، ووضع شروط جديدة لكيفية استخدام الأسلحة النووية. وعلى الجانب الآخر، لا تزال إسرائيل مستمرة في عدوانها على الأراضي الفلسطينية واللبنانية، دون أن أي استجابة فعلية أو صورية من زعماء مجموعة العشرين.
ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير