كما كان متوقعًا، حقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزًا ساحقًا في انتخابات مارس (آذار) الرئاسية، حيث أعلنت لجنة الانتخابات الروسية النتائج المؤقتة بعد فرز 100 % من أصوات الناخبين.
حصل فلاديمير بوتين على ما يزيد على 87 % من الأصوات المعبر عنها، يليه مرشح الحزب الشيوعي الروسي نيكولاي خاريتونوف، الذي حصل على 4.31%، فيما حصل فلاديسلاف دافانكوف على 3.85%، وأخيرًا حل ليونيد سلوتسكي، في المركز الأخير بعد حصوله على 3.20%.
وسجلت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية رقمًا هو الأعلى في تاريخ روسيا، دولة الوطنية الحديثة، بعد أن بلغت 77,44 %، وهو ما يعني أن ما يزيد على 87 مليون مواطن روسي صوتوا في الانتخابات الرئاسية.
بدا واضحًا أن الوعي الجمعي للمجتمع الروسي مدرك لحساسية الانتخابات الحالية، والتحديات التي تواجه الدولة الروسية، وهو ما انعكس على نسبة المشاركة العالية في الانتخابات.
نسبة الأصوات الكبيرة التي حصل عليها الرئيس الروسي تؤكد الثقة العالية التي يحظى بها بوتين من المجتمع الروسي بمختلف توجهاته، وأعراقه، ودياناته، وهو ما أشار إليه بوتين في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد إعلان النتائج النهائية في مقر حملته، حيث أعاد شكر الأمة الروسية، وأكد أن هذا النصر يمثل نصرًا لوحدة الشعب الروسي، وأكد أن الأهداف والبرامج التنموية والاقتصادية والاجتماعية التي أعلنها سيعمل جاهدًا على تحقيقها.
هذا النصر المريح سيمكن الرئيس الروسي من التفرغ لمعالجة ملفات داخلية وخارجية مهمة.
داخليًا، تبدو أمام الرئيس خيارات، منها إعادة الثقة بالحكومة الحالية برئاسة ميخائيل ميشوستين، وهو ما أرجحه بعد الأداء الجيد لها، وصمودها أمام ما واجهته من تحديات، خصوصًا العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب.
ويشير بعض المحللين إلى احتمال أن يدعم الرئيس الروسي بوتين الحكومة بعناصر جديدة، قد تضفي مزيدًا من الحيوية على الأداء العام للجهاز الحكومي، مع الإبقاء على العناصر الفاعلة المهمة فيها، والحديث هنا عن محافظة البنك المركزي الروسي السيدة إلفيرا نابيولينا، التي تمكنت من الحفاظ على قوة الروبل في وجه العقوبات المالية الكبيرة التي فرضها الغرب، وكذلك وزير المالية أنطون سيلوانوف.
خارجيًا، ستتمكن القيادة الروسية، مع تمتعها بثقة الجبهة الداخلية، من إدارة الصراع مع الغرب، وفي وجه من أوجهه الأزمة الأوكرانية، بمزيد من الصلابة والقوة، خاصة أن الدول القائدة في الغرب تواجه استحقاقات انتخابية شديدة الحساسية، وقد تشكل نقطة تحول، والحديث هنا عن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، والانتخابات البرلمانية في أوروبا.
حلول نيكولاي خاريتونوف في المرتبة الثانية قرأه بعض المحللين السياسيين على أنه نجاح للحزب الشيوعي الروسي، حيث تمكن من إيصال خطابه إلى فئات من المجتمع الروسي، ربما كان خطاب الحزب غائبًا عنها.
تمكن السياسي الشاب من حزب الناس الجدد من إحراز تقدم مقبول، حيث خاض السباق الرئاسي لأول مرة، وحصل على ما يقارب 4 %، وهو ما يمكنه من احتلال مكانة مهمة داخل المجتمع السياسي الروسي في المستقبل.
بدا واضحًا فشل السياسي المخضرم سلوتسكي في إيصال خطابه السياسي إلى أطياف كبيرة من المجتمع الروسي، عكس سلفه الراحل الزعيم التاريخي للحزب الليبرالي فلاديمير جيرينوفسكي، وهو ما يمثل تحديًا له في المستقبل القريب في الحفاظ على زعامة الحزب.
في الظروف التاريخية والدقيقة التي تمر بها الدول، تعد الانتخابات الرئاسية دالًا مهمًا عن مدى وحدة الدولة، وتتمثل تلك الوحدة في رمزية القيادة السياسية الشرعية، وقد أثبتت هذه الانتخابات الرئاسية الروسية وحدة الشعب والداخل الروسي عمومًا، تحت رمزية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.