تقدير موقف

فرص ترمب لوقف الحرب في أوكرانيا.. ومعايير روسيا لقبول السلام


  • 25 يناير 2025

شارك الموضوع

مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني وتزايد تعقيداته، تتجه الأنظار إلى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، وإمكانية تأديته دورًا في وقف هذه الحرب المستمرة منذ فبراير (شباط) 2022؛ إذ أعرب ترمب عن عزمه إنهاء الصراع، مشددًا على ضرورة وقف الأعمال العدائية بين البلدين.

على الجانب الروسي، حددت موسكو شروطها للتسوية السلمية، أبرزها تخلي أوكرانيا عن خطط الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاعتراف بالمناطق التي ضمتها روسيا، مثل دونيتسك، ولوغانسك، وزابوروجيا، وخيرسون، أراضي روسية.

في هذا السياق، يواجه ترمب تحديات كبيرة في التوفيق بين المطالب الروسية والمواقف الأوكرانية والدولية؛ فبينما تسعى روسيا إلى تحقيق أهدافها الإستراتيجية، ترفض أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون أي تسوية تنتقص من سيادتها ووحدة أراضيها؛ لذا فإن نجاح ترمب في وقف الحرب يعتمد على قدرته على صياغة مقاربة دبلوماسية توازن بين هذه المصالح المتعارضة، وتضمن تحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة.

إلى جانب العقبات الدبلوماسية التي تواجه ترمب، تأتي التحديات الداخلية في الولايات المتحدة، حيث يواجه معارضة شديدة من الديمقراطيين، ومن بعض الجمهوريين الذين يعتبرون أن تقديم تنازلات لروسيا قد يضعف النفوذ الأمريكي العالمي. كما أن حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، مثل ألمانيا وفرنسا، لديهم مواقف أكثر تشددًا تجاه روسيا؛ مما قد يعرقل أي مبادرات تهدف إلى تخفيف الضغط على موسكو.

من الناحية الاقتصادية، يؤثر استمرار الحرب في الأسواق العالمية؛ مما يزيد الضغوط على ترمب لإيجاد حلول عملية تضمن استقرار الاقتصاد الأمريكي والعالمي. تسببت العقوبات الغربية في تراجع التجارة بين روسيا والدول الغربية، لكنها في المقابل دفعت موسكو إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الآسيوية، وخاصة الصين والهند. هذا الواقع يفرض على الإدارة الأمريكية القادمة التفكير في إستراتيجيات جديدة لإعادة ترتيب التحالفات الاقتصادية والسياسية بما يخدم مصالح واشنطن.

أما روسيا، فإن استعدادها للسلام مشروط بتحقيق مكاسب إستراتيجية تضمن أمنها القومي، وتحافظ على نفوذها في المناطق التي سيطرت عليها. موسكو ترى أن استمرار الصراع يستنزف مواردها، لكنها تعول على التغيرات السياسية في أوروبا، مثل صعود اليمين المتطرف، وفي الولايات المتحدة، مثل عودة ترمب؛ لتحقيق تسوية تضمن الاعتراف بواقع جديد على الأرض، دون تقديم تنازلات كبيرة.

على الصعيد الأوكراني، فإن الحكومة في كييف ترفض أي حلول تتضمن التخلي عن أراضيها المحتلة، مدعومة بالمساعدات العسكرية الغربية. ومع ذلك، فإن طول أمد الحرب بدأ يؤثر في معنويات الشعب الأوكراني، وقدرته على الصمود؛ ما قد يفتح المجال أمام ضغوط دولية لدفع القيادة الأوكرانية إلى الجلوس على طاولة المفاوضات.

ترمب ومساعيه لإنهاء الحرب في أوكرانيا بين الواقعية السياسية والضغوط الدولية والأحلام

مع تنصيب دونالد ترمب رئيسًا للولايات المتحدة، تلوح في الأفق إستراتيجيات جديدة قد ينتهجها لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مستندًا إلى نهجه البراغماتي الذي يسعى إلى تحقيق مصالح الولايات المتحدة دون الانخراط في صراعات طويلة الأمد. ترمب يعي تمامًا أن استمرار الحرب لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، سواء من حيث الإنفاق العسكري الضخم، أو التأثير السلبي في الاقتصاد العالمي؛، مما يدفعه إلى البحث عن حلول سريعة ومباشرة تعيد ترتيب الأوراق في الساحة الدولية بما يحقق مصالح واشنطن بالدرجة الأولى. الخطوة الأولى التي قد يتخذها ترمب تتمثل في تعزيز الدبلوماسية المباشرة مع موسكو، متجنبًا الطرق التقليدية التي اتبعتها الإدارة السابقة، والتي تعتمد على ضغوط العقوبات، والدعم العسكري غير المحدود لأوكرانيا؛ فبدلًا من ذلك، يمكن لترمب أن يعرض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقًا يتضمن الاعتراف الضمني بالوضع الحالي، مقابل وقف التصعيد العسكري، وضمان حياد أوكرانيا، وهو أمر قد يراه الكرملين انتصارًا سياسيًّا.

في الوقت نفسه، سيعمل ترمب على إعادة النظر في إستراتيجية الناتو ودول الاتحاد الأوروبي تجاه الصراع الأوكراني، حيث يُعد الحلف مصدرًا رئيسًا لتفاقم الأزمة؛ بسبب استمراره في توسيع نفوذه شرقًا. قد يسعى ترمب إلى إعادة هيكلة دور الناتو، مطالبًا الدول الأوروبية بتحمل مسؤولية أكبر في تأمين حدودها، والدفع نحو اتفاقيات أمنية إقليمية تضمن وقف التصعيد. هذه الإستراتيجية قد تفتح الباب أمام “صفقة كبرى” بين واشنطن وموسكو، تتضمن ترتيبات أمنية متبادلة، وتفاهمات جديدة بشأن الأمن الأوروبي؛ ما يمنح ترمب فرصة للظهور كصانع سلام دولي، دون التورط في مزيد من الاستنزاف.

ومن المتوقع أن يعتمد ترمب على أدوات اقتصادية وسياسية لإجبار الأطراف المتنازعة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات؛ إذ قد يعمد إلى خفض الدعم العسكري لأوكرانيا تدريجيًّا، مشيرًا إلى ضرورة إيجاد حل سلمي سريع بدلًا من استمرار المواجهة المسلحة. هذه الخطوة ستكون رسالة واضحة لأوكرانيا مفادها أن عليها القبول بتسوية ترضي جميع الأطراف، مقابل ضمانات اقتصادية وأمنية. في المقابل، سيستخدم ترمب نفوذه لإقناع حلفائه في أوروبا بضرورة تبني نهج أكثر واقعية، يتماشى مع أولويات الأمن القومي الأمريكي. إضافة إلى ذلك، ستسعى إدارته إلى إعادة توجيه الموارد الاقتصادية نحو مشروعات تعزز من قدرة الاقتصاد الأمريكي على التعافي بعد سنوات من الإنفاق العسكري الضخم الذي أثقل كاهل الموازنة العامة.

لكن التحديات أمام ترمب لا تقتصر على الساحة الدولية فقط، إذ سيواجه ضغوطًا داخلية من أعضاء الكونغرس الذين يرفضون أي اتفاق قد يُنظر إليه على أنه تنازل لروسيا. هناك قوى سياسية في واشنطن، خاصةً من الحزب الديمقراطي، ترى أن الحل الوحيد هو استمرار الضغط على موسكو حتى الوصول إلى انهيار اقتصادي داخلي يجبرها على الانسحاب من أوكرانيا. كما أن هناك معارضة أوروبية لأي تسوية قد تمنح موسكو مكاسب إستراتيجية، حيث تخشى دول، مثل بولندا ودول البلطيق، من أن يؤدي أي اتفاق أمريكي- روسي إلى تقليص الدعم الغربي لأمنها القومي. بالرغم من هذه العقبات، فإن ترمب يتميز بأسلوب تفاوضي غير تقليدي، يعتمد على سياسة العصا والجزرة، وهو ما قد يساعده على تحقيق مكاسب دبلوماسية لم تستطع الإدارات السابقة تحقيقها.

بالنظر إلى الأبعاد الاقتصادية للأزمة، يدرك ترمب أن استمرار الحرب يُضعف الاقتصاد العالمي، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية؛ مما ينعكس سلبًا على المواطنين الأمريكيين؛ لذلك قد يسعى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع روسيا في قطاعات حيوية مثل الطاقة، مع تقديم عروض لأوروبا وأوكرانيا تمكنها من إيجاد بدائل اقتصادية للحد من اعتمادها على موسكو. كما يمكن أن يعمل على تسوية تضمن مشاركة الشركات الأمريكية في مشروعات إعادة الإعمار؛ مما يحقق مكاسب اقتصادية لواشنطن.

إن توجه ترمب نحو إنهاء الحرب في أوكرانيا يعتمد على رؤية سياسية واقتصادية واضحة، تركز على تحقيق الاستقرار، مع تقليل التكاليف، وتعزيز الدور الأمريكي كلاعب رئيس في إعادة تشكيل النظام الدولي بعيدًا عن المواجهة المباشرة، وهو يدرك أن إنهاء الصراع لا يتعلق بالجانب العسكري فقط؛ بل يتطلب إعادة النظر في التحالفات والتوازنات الدولية بما يخدم الأهداف الأمريكية على المدى الطويل.

ترمب وإرث نيكسون.. سياسة الواقعية بدلًا من المواجهة المباشرة

يمكن مقارنة مقاربة ترمب المحتملة تجاه إنهاء الحرب في أوكرانيا بسياسة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في السبعينيات، عندما اعتمد نهج “الواقعية السياسية” لتقليل التوتر مع الاتحاد السوفيتي من خلال إستراتيجيات دبلوماسية، مثل “الانفراج”، واتفاقيات الحد من التسلح. لقد أدرك نيكسون أن المواجهة المباشرة مع موسكو ستؤدي إلى استنزاف طويل الأمد للولايات المتحدة، وهو ما يبدو متطابقًا مع رؤية ترمب في ضرورة الحد من الإنفاق العسكري في النزاعات الخارجية، وإعادة توجيه الموارد نحو الداخل الأمريكي، وقد يسعى ترمب إلى استخدام قنوات دبلوماسية خلفية مع روسيا، مع تقديم عروض تسوية تعكس التغيرات الواقعية على الأرض، مثل القبول الضمني بالحدود الجديدة مقابل التزام روسي بعدم التوسع أكثر.

نهج ترمب وريغان.. القوة من موقع التفاوض

رغم اعتماد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان خطابًا تصادميًّا مع الاتحاد السوفيتي، فإنه انتهج في النهاية سياسة قائمة على الضغط المتوازن والمفاوضات الحاسمة، وتمكن من فرض شروطه على موسكو من خلال مزيج من العقوبات الاقتصادية والسباق التكنولوجي في الدفاع، وهو تكتيك قد يتبناه ترمب باستخدام الضغوط الاقتصادية على روسيا، جنبًا إلى جنب مع الانخراط الدبلوماسي، وقد يعرض على موسكو رفع العقوبات تدريجيًّا مقابل انسحابات تكتيكية، أو إجراءات محددة لضمان استقرار أوكرانيا، بما يسمح له بتقديم نفسه كصانع للسلام، دون التنازل عن المصالح الأمريكية الجوهرية.

ريتشارد نيكسون 1972.. الانفتاح على الصين نموذجًا لإنهاء الصراع في أوكرانيا

عند الحديث عن دور ترمب المحتمل في إنهاء الحرب الأوكرانية، يمكن الإشارة إلى نجاح نيكسون عام 1972 في تطبيع العلاقات مع الصين في خضم الحرب الباردة؛ إذ اعتمد نيكسون آنذاك على إستراتيجية “الانفراج” لخلق تحالفات جديدة، وتقويض قوة الاتحاد السوفيتي دون تصعيد المواجهة، وقد يسعى ترمب إلى اعتماد نهج مماثل من خلال تقديم “صفقة كبرى” لروسيا، تضمن انسحابًا تدريجيًّا للقوات الروسية من أجزاء من أوكرانيا، مقابل تعهد كييف بعدم الانضمام إلى الناتو، وهو ما قد يشكل اختراقًا مشابهًا لانفتاح نيكسون على بكين. إذا تمكن ترمب من إدارة المفاوضات بمهارة، فقد يسجل اسمه في التاريخ باعتباره الرئيس الذي أنهى أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

رونالد ريغان 1986.. اتفاقيات الحد من التسلح والضغط المشترك

إستراتيجية الرئيس رونالد ريغان خلال الثمانينيات، لا سيما توقيعه معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى  مع الاتحاد السوفيتي عام 1986، تُظهر كيف يمكن للضغط العسكري والدبلوماسي أن يسهم في تحقيق تسويات إستراتيجية؛ فقد استغل ريغان تفوق الولايات المتحدة الاقتصادي والتكنولوجي للضغط على موسكو للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وقد يستخدم ترمب هذا النموذج، من خلال تعزيز الضغط الاقتصادي من خلال العقوبات المستهدفة لروسيا، مع تعزيز التعاون الاقتصادي مع أوكرانيا كمكافأة لأي اتفاق محتمل. من خلال هذه الخطوة، قد يتمكن ترمب من دفع بوتين نحو قبول تسوية، دون إظهار ضعف سياسي داخلي.

باراك أوباما 2015.. تراجع التدخل في أوكرانيا مقابل التركيز على التوازن العالمي

عندما اندلعت الأزمة الأوكرانية عام 2014، تبنى الرئيس  الأمريكي الأسبق باراك أوباما نهجًا حذرًا في التعامل مع الصراع، حيث فضل العقوبات الاقتصادية على التدخل المباشر. على الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية لزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، فإن أوباما أصر على أن الحل يجب أن يكون دبلوماسيًّا من خلال اتفاق مينسك. قد يستفيد ترمب من هذا الدرس بتجنب الوقوع في مستنقع التصعيد العسكري غير الضروري، والتركيز على خلق واقع دبلوماسي جديد، يضمن مصالح الولايات المتحدة  من خلال مفاوضات موازية تجمع بين روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي.

عام 1991.. نهاية الحرب الباردة نموذجًا لتسوية النزاع الأوكراني

شكّل انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 فرصة ذهبية للولايات المتحدة لإعادة تشكيل النظام العالمي دون مواجهة مباشرة، وقد أدى  الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب دورًا حاسمًا في تحقيق التوازن بين الاحتواء والدبلوماسية لضمان الانتقال السلمي في أوروبا الشرقية، وقد يحاول ترمب، الذي لطالما انتقد تورط الولايات المتحدة في النزاعات الخارجية، تحقيق نتيجة مماثلة من خلال تشجيع الحلول الدبلوماسية التي تسمح لروسيا بالحفاظ على نفوذها في مناطق معينة، مقابل تنازلات تضمن السيادة الأوكرانية على باقي أراضيها.

خطوات ترمب المحتملة في 2025 مقارنة بمواقف جورج بوش الابن في 2003

بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، اتخذ الرئيس جورج بوش الابن قرارات استندت إلى التدخل العسكري المباشر في العراق عام 2003؛ مما أدى إلى تكاليف باهظة وطويلة الأمد. ترمب قد يتخذ مسارًا معاكسًا تمامًا لهذه السياسة؛ إذ يميل إلى رفض الانخراط في عمليات عسكرية موسعة، وبدلًا من ذلك سيعتمد على الضغط الاقتصادي والدبلوماسي لتحقيق الأهداف الأمريكية، ويمكنه استخدام إستراتيجية “الردع بالترغيب”، بحيث يقدم لروسيا حوافز اقتصادية، مثل تخفيف العقوبات تدريجيًّا مقابل تنازلات في الميدان، وهو تكتيك قد يجنب الولايات المتحدة مواجهة مكلفة جديدة.

دروس من أزمة كوبا الصاروخية 1962.. التفاوض تحت الضغط

تعد أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، عندما نجح الرئيس الأمريكي جون كينيدي في تجنب مواجهة نووية مع الاتحاد السوفيتي من خلال المفاوضات السرية والمباشرة، نموذجًا يمكن أن يلهم ترمب كيفية التعامل مع الأزمة الأوكرانية؛ إذ يمكنه تطبيق النهج نفسه من خلال تفعيل قنوات خلفية مع روسيا، مع إبقاء التهديدات الاقتصادية والعسكرية قائمة كورقة ضغط في المفاوضات؛ ما قد يسهم في الوصول إلى اتفاق يرضي الجميع.

2023 التغيرات في الجغرافيا السياسية وتأثيرها في خيارات ترمب

التغيرات الجيوسياسية في العالم بعد حرب أوكرانيا تجعل من الضروري لترمب اعتماد مقاربة أكثر تعقيدًا مما كانت عليه خلال فترة رئاسته الأولى (2017- 2021)، فالتحالف المتزايد بين روسيا والصين منذ عام 2023، والتحركات الأوروبية المستقلة بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، يفرضان على ترمب إعادة صياغة إستراتيجيته؛ إذ قد يسعى إلى فصل روسيا عن الصين من خلال تقديم اتفاقيات اقتصادية مغرية لموسكو، ما يُسهم في إضعاف الشراكة الإستراتيجية بينهما؛ ومن ثم تعزيز الموقف الأمريكي في الساحة الدولية.

الولايات المتحدة وأوكرانيا.. مسار جديد أم تكرار للسياسات السابقة؟

إذا تمكن ترمب من تطبيق إستراتيجية تجمع بين الدروس المستفادة من الرؤساء السابقين، فإن فرص إنهاء الحرب ستكون كبيرة. ومع ذلك، فإن أي محاولة لتكرار نهج الإدارات السابقة التي فشلت في حل النزاعات (مثل التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان) قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد غير الضروري، ويدرك ترمب أن السياسة الخارجية الناجحة تتطلب توازنًا دقيقًا بين المصالح الوطنية والتزامات التحالفات الدولية.

الاقتصاد في قلب الإستراتيجية.. دروس من حرب العراق وأفغانستان

تجربة الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان أثبتت أن التدخلات العسكرية الطويلة الأمد تؤدي إلى إرهاق الاقتصاد الأمريكي، وتفاقم العجز المالي، وهو درس استوعبه ترمب جيدًا خلال حملاته الانتخابية السابقة؛ لذلك، من المتوقع أن يُركز ترمب على تجنب أي التزامات عسكرية جديدة في أوكرانيا، مع دفع أوروبا إلى تحمل مسؤولية أكبر في دعم كييف اقتصاديًّا وعسكريًّا، ويمكنه أن يستخدم أدوات الضغط التجاري والاستثماري لضمان تحقيق مصالح الولايات المتحدة دون اللجوء إلى التصعيد العسكري المباشر.

التحديات الداخلية.. الكونغرس ومراكز القوى

على الرغم من رغبة ترمب في إنهاء الصراع بسرعة، فإنه سيواجه تحديات كبيرة من داخل المؤسسة السياسية الأمريكية، خاصة من الكونغرس الذي يسيطر عليه خصومه من الحزب الديمقراطي، بالإضافة إلى مراكز القوى في البنتاغون، التي تعتقد أن مواصلة الضغط على روسيا هي الخيار الأمثل للحفاظ على الهيمنة الغربية، وسيتعين على ترمب العمل بحذر لإقناع هذه الأطراف بأن الحل الدبلوماسي أكثر جدوى من استمرار الحرب، مستخدمًا نفوذه السياسي، وإعلامه القوي؛ لتبرير أي قرارات مثيرة للجدل.

الملف الصيني وتأثيره في قرارات ترمب بشأن أوكرانيا

من المرجح أن يُعيد ترمب ترتيب الأولويات الإستراتيجية الأمريكية، واضعًا المنافسة مع الصين على رأس جدول أعماله. سيحاول ترمب إنهاء الحرب في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن؛ حتى يتفرغ لمواجهة الصين اقتصاديًّا وتقنيًّا، وهو ما قد يدفعه إلى تقديم عروض تسوية مقبولة لموسكو، على أمل تخفيف تحالفها مع بكين، وهو سيناريو يمكن أن يغير موازين القوى العالمية لصالح واشنطن.

تحالفات جديدة.. دور الدول العربية في التسوية المحتملة

قد يلجأ ترمب أيضًا إلى توظيف علاقاته القوية مع عدد من الدول العربية، مثل السعودية والإمارات، لأداء دور الوسيط في النزاع الأوكراني، مستفيدًا من النفوذ الاقتصادي المتزايد لهذه الدول في الساحة الدولية، ويمكن للدول الخليجية أن تكون جزءًا من خطة إعادة إعمار أوكرانيا، مقابل تعزيز العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة وروسيا؛ مما قد يسهم في تقليل التوترات، وتحقيق مكاسب لجميع الأطراف.

النهاية المحتملة للصراع.. الواقعية أم الهيمنة؟

في ظل الإدارة الجديدة، سيكون أمام ترمب خياران أساسيان: إما تبني نهج براغماتي يضمن تسوية سريعة للحرب، ويحافظ على المصالح الاقتصادية الأمريكية، وإما الاستمرار في سياسة الاحتواء التي قد تؤدي إلى مزيد من الاستنزاف. بالنظر إلى شخصيته وسياسته خلال ولايته الأولى، فإن الخيار الأكثر ترجيحًا هو الدفع نحو اتفاق سريع يمكن تسويقه على أنه “انتصار سياسي” للولايات المتحدة، مع تقديم بعض التنازلات التي تسمح لروسيا بالخروج من الصراع دون فقدان ماء الوجه.

الاستنتاجات

يواجه ترمب فرصة تاريخية لإعادة صياغة العلاقات الروسية الأمريكية، وإنهاء الحرب في أوكرانيا من خلال نهج براغماتي يتجاوز الأساليب التقليدية التي اعتمدتها الإدارات السابقة. يمكن أن يستند نهجه إلى إستراتيجية تقوم على تحقيق “صفقة كبرى”، تشمل الاعتراف الضمني بواقع السيطرة الروسية على بعض المناطق، مقابل التزام موسكو بعدم التوسع العسكري، وضمان حياد أوكرانيا على المدى الطويل. من المتوقع أن يعتمد ترمب على أدوات اقتصادية ذكية، حيث قد يستخدم العقوبات المستهدفة بدلًا من العقوبات الشاملة؛ لدفع موسكو إلى تقديم تنازلات، مع تقديم حوافز اقتصادية تسهم في إعادة دمج روسيا في الاقتصاد العالمي، وتخفيف اعتمادها على الصين. وفي الوقت نفسه، سيعمل ترمب على إعادة النظر في دور حلف الناتو، وتحفيز الدول الأوروبية إلى أداء دور أكثر مسؤولية في تأمين أمنها الإقليمي، دون الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة. يمكن لإستراتيجيته أن تشمل أيضًا إشراك دول إقليمية، مثل تركيا والإمارات، في المفاوضات؛ مما يسمح بإيجاد حلول مرنة تحظى بدعم إقليمي ودولي. على المستوى الداخلي، سيواجه ترمب تحديات كبيرة من الكونغرس، والمعارضة السياسية التي ترفض أي تسوية تُظهر تنازلًا لروسيا؛ ما يعني أن نجاحه يتطلب توازنًا دقيقًا بين تقديم حلول مبتكرة ومراعاة المصالح السياسية الأمريكية الداخلية. بالإضافة إلى ذلك، قد يسعى ترمب إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، والتحليلات المتقدمة، في صياغة سياسة خارجية استباقية تتنبأ بتحركات روسيا، وتقدم حلولًا فعالة لتجنب الصدام. يتطلب تحقيق السلام رؤية تعتمد على الاحتواء الذكي بدلًا من المواجهة المباشرة؛ مما يتيح للولايات المتحدة تحقيق مكاسب إستراتيجية دون الدخول في مواجهات طويلة الأمد. في نهاية المطاف، فإن نجاح ترمب في إنهاء الحرب سيعتمد على مدى قدرته على الجمع بين الدبلوماسية الاقتصادية والإستراتيجية الأمنية، مع التركيز على تحييد روسيا في تحالفها مع الصين، وإعادة توجيه الجهود نحو التحديات العالمية الأكثر أهمية، مثل الصعود الصيني، والتوازن الاقتصادي العالمي.

المصادر

نائب ترمب يعرض ملامح خطة إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا

هل يستطيع ترمب إنهاء الحرب في أوكرانيا هذا العام؟

ما احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا؟

أوراق ترمبية لوقف الحرب الروسية- الأوكرانية

الحرب في أوكرانيا: ترمب بصدد ترتيب لقاء مع بوتين والرئيس الروسي جاهز للتحاور “بدون شروط مسبقة”

Ukraine opens a new front against Russia – flattering Trump

Trump may surprise us on the Ukraine war

Putin has tested the West’s resolve over Ukraine. Will Trump force its collapse?

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع