هناك شيء مشترك في طبيعة الصراعات والحروب في الآونة الأخيرة. ويمكن التعبير عنه بعبارة واحدة: “نافذة الفرصة على وشك الإغلاق”. هذا الوضع يجبر الأطراف المتصارعة على ضرورة الصدام لعدم وجود طريقة أخرى.
بعبارة أخرى، يبدو أن الصراع العالمي يتجه نحو ظاهرة “فخ ثوقيديدس”. يمكنك أن تجد عددًا لا بأس به من الأمثلة على هذا المنطق في التاريخ. على سبيل المثال، انطلق اليابانيون منه مرتين، حيث خططوا لعملياتهم ضد الإمبراطورية الروسية عام 1903 (هنا كان الموعد النهائي مرتبطًا بإكمال برنامج بناء السفن الروسي عام 1905، الذي كان من شأنه أن يعزز أسطول المحيط الهادئ)، أو ضد الولايات المتحدة عام 1941، الذي ارتبط- مرة أخرى- بالتعزيز الحاد للأسطول الأمريكي، وكذلك العواقب الواضحة تمامًا للحظر الذي فرضته واشنطن على تصدير المواد الخام الإستراتيجية إلى اليابان. يمكن النظر إلى الحرب العالمية الأولى- إلى حد كبير- على أنها محاولة من جانب الإمبراطورية البريطانية والفرنسية لعرقلة مسار الرايخ الثاني الألماني، الذي كان من الواضح أنه يحوّل التوازن لصالحه اقتصاديًّا وعسكريًّا مع مرور كل عام. وبالمثل، بالنسبة للقوى المركزية، أصبحت وتيرة تطوير شبكة السكك الحديدية في غرب الإمبراطورية الروسية، وبرامج إعادة تسليح الجيش الإمبراطوري والبحرية، عاملًا مهمًّا في ذلك الوقت. إلى حدٍ ما، كانت أزمة السويس عام 1956، ناجمة أيضًا عن سباق مع الزمن، حيث كانت مصر، بمساعدة الاتحاد السوفيتي، تعمل بنشاط على بناء إمكاناتها العسكرية، وهو ما وضع إسرائيل على المدى الطويل في موقف ضعيف (ثمة عامل منفصل يتمثل في المحاولة الأخيرة التي قامت بها لندن، ومعها باريس، لإبطاء عملية تفكيك إمبراطورياتهما الاستعمارية).
من الأمثلة الصارخة التي تؤكد هذه الأطروحة “العملية العسكرية الروسية الخاصة” عام 2022. عسكرة أوكرانيا من عام 2014 إلى عام 2022، لم تترك أي فرصة لاحتمال حدوث سيناريو آخر، والصمت ردًا على المطالب الروسية الخاصة بالترتيبات الأمنية في المنطقة، لم يسفر إلا عن اقتناع القيادة الروسية بذلك. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت المخططات الأوكرانية في دونباس- بوضوح- أنها كانت تستعد لأعمال هجومية، وليس دفاعية؛ لذلك قمنا بالخطوة الأولى؛ لأنه بخلاف ذلك، سيتعين علينا الدخول في صراع مباشر مع أوكرانيا بشروط غير مواتية على الإطلاق. بعبارة أخرى، بدلًا من أن نبادر بالفعل، سنكون مجرد رد فعل.
الوضع في ناغورنو كاراباخ عام 2020 مشابه. إحجام القيادة الأرمينية عن التسوية، وانجراف يريفان نحو الولايات المتحدة، ووجود دعم قوي وخلفي ممثل في تركيا أردوغان، وانشغال العالم بمشكلة وباء فيروس كورونا، وارتفاع أسعار النفط نسبيًّا، والتصعيد التدريجي الروسي قبيل التورط في القضية الأوكرانية، مع احتمالات فتح سريع لهذا الجرح بشكل أو بآخر، كل هذه الأوضاع لم تترك لباكو أي وقت للتفكير. التأخير لم يحقق أي شيء، وتأجيل استخدام القوة يمكن أن يفاقم الأمور بسبب الظروف الخارجية غير المواتية. لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت أذربيجان حربها، وخلفها تركيا، ودعم قوي من إسرائيل (كلتاهما أحد أكبر شركاء أذربيجان في التعاون العسكري التقني). إن تأجيل المشكلة إلى وقت لاحق يزيد من تكلفة حلها بالنسبة للأذربيجانيين، ولا يسمح لهم نظريًّا بتحقيق أهدافهم.
ربما اتبع المكتب السياسي لحركة حماس المنطق نفسه. لم تكن هناك تغييرات حقيقية في حياة سكان قطاع غزة منذ التوقيع على اتفاقيات إبراهيم. وكان المستفيدون الرئيسون هم إسرائيل، وبعض الدول العربية؛ ونتيجة لذلك، عززت إسرائيل تدريجيًّا دفاعاتها على طول الحدود، وتمكنت بنجاح من كسر العزلة السياسية في علاقاتها مع دول العالم العربي، وكان من المرجح أن ينسى الجميع تمامًا الحقوق الفلسطينية، واتجاه سكان قطاع غزة- ببطء ولكن بثبات- نحو حالة من الكارثة الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية، دون أدنى فرصة لتغيير أي شيء في المستقبل. وبينما كانت لدى حماس موارد قوة مخفية، ولم تكشف عنها أجهزة المخابرات الإسرائيلية، فقد تقرر الإعلان عن نفسها بصوت عالٍ، ونقل مسألة إنشاء دولة فلسطينية مستقلة إلى مستوى السياسة الواقعية. وفي هذه الحالة، فإن محاولة تأخير عملية “طوفان الأقصى” لن تؤدي إلى حصول الفلسطينيين على أي مكسب يذكر، بل ستعرضهم للخطر بسبب تسريبات محتملة، أو عملية استباقية من جانب المخابرات الإسرائيلية، مما يفقد حماس عنصر المفاجأة.
إذا فكرت في “الفرص السانحة” التي قد تُغلق في المستقبل المنظور، فيمكننا أن نفترض أن الصراع التالي يمكن توقعه في تايوان، التي تبتعد كل عام عن موطنها التاريخي في البر الصيني. بالإضافة إلى ذلك، تواصل تايوان زيادة قدراتها العسكرية بنشاط، مما يزيد تدريجيًّا من تكلفة عودتها إلى حضن بكين. وفي الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة غارقة في مشكلات داخلية، وفي احتواء روسيا وإيران بوكلائها الكثيرين، لكن هذه الفترة لن تستمر إلى الأبد أيضًا. على ما يبدو في الفترة من 2025 إلى 2027، ستتخذ بكين خطوة مهمة لحل القضية بالقوة.
وأخيرًا، تظل هناك إيران، التي يمكنها التعجيل ببرنامجها النووي، بفضل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الحالي، والتشكيلة التي ستُبنَى بعد انتهائه. في هذه الحالة، قد تكون الاستعدادات لاختبار قنبلة نووية إيرانية قد تمت، وبعد ذلك سوف يصبح أي حل للمشكلة الإيرانية، باستخدام القوة، من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، في حكم المستحيل، وهذا يعني أن الأسلحة النووية ستظهر قريبًا في المملكة العربية السعودية (مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها تمامًا).
من المفارقة أن عامل الوقت حاسم أيضًا لطهران، حيث تمكنت البلاد حاليًا من وقف الأزمة السياسية الداخلية، وبناء بيئة مواتية إلى حدٍ ما، وإنشاء كثير من الوكلاء الأمنيين المدربين جيدًا في المنطقة. ومن غير المرجح أن يستمر هذا المورد – سواء في المجال الداخلي أو الخارجي – إلى الأبد؛ مما يجبر إيران على اتخاذ إجراءات أكثر نشاطًا. كما ترون، أولئك الذين يرغبون في تغيير مسار التاريخ، لم يتبق لهم سوى بضع سنوات قليلة.
في أفق الفترة من عام 2030 إلى عام 2050، من المرجح أن يُستبدَل الصراع على الموارد المتبقية بـ”مشكلة النافذة المغلقة”، مع أن هذا مرتبط أيضًا بالوقت من حيث محدودية عدد من المعادن المهمة. والأخطر قد يكون إعادة صنع سباق التسلح النووي، ولكن على مرحلة جديدة، مع الأخذ في الحسبان التجديد النوعي للترسانات النووية للقوى الخمس الرائدة، مدعومة بتطوير واعتماد أنظمة مبنية على مبادئ فيزيائية جديدة. يمكن أن يؤدي انزلاق الهيمنة إلى اندلاع صراع باستخدام الأسلحة الموجودة، وليس ضد قوة مهيمنة محددة بوضوح، ولكن ضد عدة قوى في وقت واحد؛ ما سيعني الاقتراب من الثورة التالية في الشؤون العسكرية.
ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.