مع احتفال الصين والهند بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 2025، أبدت الدولتان التزامًا متجددًا بتعزيز العلاقات الثنائية. وتشير التفاعلات والتصريحات الأخيرة بين المسؤولين الصينيين والهنود إلى زخم متزايد لتعزيز التعاون والتفاهم. في ظل هذه الخلفية، شارك الباحث الهندي سودهيندرا كولكارني، المساعد المقرب لرئيس الوزراء الهندي السابق أتال بيهاري فاجبايي، ومؤسس منتدى جنوب آسيا الجديد، رؤيته بشأن تعزيز التعاون والثقة المتبادلة بين البلدين في مقابلة مع مراسلي صحيفة “غلوبال تايمز”، وهذا نصها.
غلوبال تايمز: في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، تحدثتَ معنا في محادثة شائقة عن تطور العلاقات الهندية الصينية، واصفًا إياها بـ”عملية زراعة النبتة”. ما المرحلة التي وصلنا إليها حاليًا في هذه العملية؟ وما الذي يمكن أن نتوقعه في المستقبل القريب؟
كولكارني: أُجريت المقابلة التي ذكرتها في وقتٍ شهدت فيه علاقاتنا تطوراتٍ مهمة. قبل أسابيع قليلة، التقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بالرئيس الصيني شي جين بينغ في قازان، بروسيا، على هامش قمة بريكس، وقد أدى ذلك الاجتماع إلى تحولٍ مهم في علاقاتنا الثنائية. خلال الأشهر الأربعة الماضية، شهدنا كثيرًا من التطورات الإيجابية، وهي مؤشراتٌ على أن بذور الصداقة التي زرعها الجانبان في أرضٍ خصبة بدأت تُزهر، ويمكننا بالفعل أن نرى بعض الأوراق الخضراء الواعدة. ومع مرور الوقت، ستنمو هذه الأوراق، وسنرى ثمارها، ومع ذلك، يجب تسريع هذه العملية.
تم التوصل إلى بعض الاتفاقيات المهمة خلال زيارة وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري لبكين في وقتٍ سابق من هذا العام، حيث التقى بوزير الخارجية الصيني وانغ يي ومسؤولين آخرين، ويمكننا أن نتوقع مزيدًا من الاتفاقيات الواعدة في الأيام المقبلة.
غلوبال تايمز: لقد ذكرتَ الإشارات الإيجابية الأخيرة من كلا الجانبين. ومن أبرز التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية وانغ يي، ما قاله من أن “التعاون بين التنين والفيل هو الخيار الأمثل الوحيد لكلا الجانبين من المواجهة”. ما رأيك في هذا التصريح؟ هل تعتقد أن هذا “التوازن” سيصمد؟
كولكارني: تصريحه صحيح تمامًا. الهند والصين دولتان آسيويتان كبيرتان، وهما الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان يزيد عدد سكانهما على مليار نسمة. لا يمكننا أن نكون في مواجهة بعضنا بعضًا. بالتأكيد، لسنا أعداءً، ولا تشكل إحدانا تهديدًا للأخرى. الخيار الوحيد المتاح لنا هو الشراكة والمساعدة في تنمية بعضنا بعضًا. بالإضافة إلى ذلك، تقع على عاتقنا مسؤولية تجاه العالم تتمثل في بناء نظام عالمي جديد منصف وعادل للجميع؛ ولهذا السبب أؤيد تمامًا تصريح الوزير وانغ.
غلوبال تايمز: يصادف هذا العام الذكرى الخامسة والسبعين لعلاقاتنا الدبلوماسية. بالنظر إلى الماضي، ما الدروس التي يمكننا استخلاصها من السنوات الخمس والسبعين الماضية لتوجيه مستقبلنا؟
كولكارني: في عام 1950، أصبحت الهند أول دولة غير اشتراكية تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية. حتى خلال الحرب ضد الإمبريالية، دعمت الهند الصين في حربها ضد العدوان الياباني. إذا نظرنا إلى التاريخ، نجد أننا دعمناكم، والعكس صحيح. كما أبدت الصين دعمها لنضالنا ضد الإمبريالية البريطانية.
خلال هذه الأعوام الخمسة والسبعين، شهدنا بعض التقلبات. واجهنا بعض المشكلات الموروثة من الماضي، من الإمبريالية البريطانية. كان من الصعب حل هذه المشكلات، لكنها ليست مشكلات لا نستطيع التغلب عليها. لكن بشكل عام، نحن نمضي قدمًا، وقد ولى عهد التوتر الشديد بين الهند والصين، ولن يعود. أنا متأكد تمامًا من أن الهند والصين لن تكررا تلك الفترة المؤلمة في تاريخنا الحديث.
غلوبال تايمز: لماذا أنتم متأكدون جدًّا من أن التوترات بين بلدينا أصبحت من الماضي ولن تعود؟
كولكارني: أود أن ألفت انتباهكم إلى مقابلة بالغة الأهمية أجراها رئيس الوزراء مودي مؤخرًا في بودكاست طويل، سُئل عن العلاقات الهندية الصينية، فقال: “إذا نظرنا إلى الوراء قرونًا، فلن نجد تاريخًا حقيقيًّا للصراع بيننا، ويجب أن تبقى علاقتنا قوية بالقدر نفسه في المستقبل”. وأشار إلى نقطة مهمة ثانية، وهي أنه: “حتى داخل الأسرة، ليس كل شيء مثاليًّا دائمًا”. يرجى الانتباه لاختياره الكلمات، قال “داخل الأسرة”؛ مما يوحي بأن الهند والصين مثل الأسرة. النقطة الثالثة التي أشار إليها هي أن الجميع يعتبر القرن الحادي والعشرين “قرن آسيا”، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالتعاون الهندي الصيني؛ لذا فإن تفاؤلي بالمستقبل هو أن لدينا قادة حكماء جدًّا فيما يتعلق بالعلاقات الهندية الصينية. التقى رئيس الوزراء مودي بالرئيس شي ما يقرب من 20 مرة وكل منهما يعرف الآخر جيدًا. أما الشعب، ففي الهند، حيث يأتي معظم التضليل الإعلامي الغربي، بدأ عامة الناس يُعجبون بالصين أكثر فأكثر؛ ولهذا السبب أنا متفائل تمامًا بأن المستقبل ليس صراعًا؛ بل سيكون مستقبلًا مملوءًا بالود.
غلوبال تايمز: في مقابلتنا السابقة، ذكرتَ أنه يجب علينا “تحديد أقصى نقاط التشابه والتقارب بين الحلم الصيني والحلم الهندي”. برأيك، ما أهم نقاط التشابه بين بلدينا؟ وكيف يُمكنهما تعزيز التعاون الثنائي؟
كولكارني: النقاط المشتركة بين الحلم الصيني والحلم الهندي واضحة؛ ضمان حياة كريمة لشعبنا، وتلبية جميع احتياجاته الأساسية. تقع على عاتق الحكومتين مسؤولية القضاء على الجوع والفقر، وضمان الحصول على تعليم ورعاية صحية جيدين، والحفاظ على بيئة نظيفة. والآن، في بعض النواحي، تحسّن أداء الصين، وعلينا أن نتعلم من بعضنا بعضًا.
إن الصين المزدهرة والقوية أمرٌ نُعجب به، ونُعجب بشدة بتطور الصين السريع لتصبح رائدة في مجال التكنولوجيا اليوم. في الهند، أستطيع أن أقول لكم إن أعدادًا متزايدة من الناس، وخاصة الشباب، بدؤوا يُعجبون بإنجازات الصين في التطورات التكنولوجية، من “ديب سيك” (DeepSeek) إلى “بي واي دي أوتو” (BYD). كما أنهم يُولون اهتمامًا بالغًا بإنجازات الصين في كثير من المجالات الأخرى. بشكل عام، يجب أن يبدأ كل منا بالنظر إلى الآخر بعيون جديدة وعقول منفتحة، مُعززين روابط تعاون أقوى؛ وبذلك يُمكننا الإسهام في تحقيق كلٍّ من الحلم الهندي والحلم الصيني.
مع ذلك، هناك قضية مُلحة واحدة بين الهند والصين تحتاج إلى معالجة، وهي العجز التجاري. تُعدّ الصين أكبر شريك تجاري للهند، ومع ذلك فقد تجاوز العجز التجاري 85 مليار دولار أمريكي، وهو مُستمر في النمو. يُعدّ هذا العجز الكبير غير مُستدام، وغير مرغوب فيه لعلاقة مستقرة. عندما يكون هناك عجز تجاري أقل، سيُقلل ذلك أيضًا من عجز الثقة. في نهاية المطاف، أهم شيء بين الهند والصين هو تقليل انعدام الثقة، والإسهام في بناء ثقة أكبر.
غلوبال تايمز: لنناقش المشهد العالمي المتغير. تواجه كل من الهند والصين تهديدات بفرض رسوم جمركية من الإدارة الأمريكية الجديدة، التي أثار مبدؤها “أمريكا أولًا” مخاوف بشأن مستقبل الاستقرار العالمي. كيف تنظر إلى تأثير الإدارة الأمريكية في الصين والهند وعلاقاتنا الثنائية؟
كولكارني: كل دولة تطمح إلى العظمة، ولكن حان الوقت لنتحدث عن جعل البشرية والعالم عظيمين. نحن بحاجة إلى قادة عالميين يتحدثون عن رفاهية جميع دول العالم وتقدمها، وخاصة الصغيرة منها والنامية. هذا هو المعيار الوحيد للعظمة. إذا ازداد العالم تشرذمًا، مع الإكراه والتهديدات من القوى الكبرى، فمن الطبيعي أن تشعر الدول الصغيرة بالقلق. في ظل هذه الظروف، تزداد أهمية التقارب بين الهند والصين. تقع على عاتق الهند والصين مسؤولية جسيمة لتعزيز استقرار العالم، وسلامه وضمان التقدم. علينا أن نعمل معًا لرسم مسار جديد للعالم.
تتفق رؤية الرئيس شي جين بينغ “لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية” مع هذه المسؤولية. وبالمثل، يستقي رئيس الوزراء مودي مبادئه من فلسفة سنسكريتية قديمة، تُعرف باسم فاسودهايفا كوتومباكام (Vasudhaiva Kutumbakam)، وتعني “العالم كله عائلة واحدة”. هذه هي تعاليم الحضارة الهندية والصينية.
المصدر: صحيفة غلوبال تايمز الصينية