مقدمة
على مدار الأيام القليلة الماضية، أثارت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جدلاً واسعًا بشأن استعداد تركيا لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وعدم ممانعة أردوغان لقاء الرئيس السوري بشار الأسد، بعد قطيعة ناهزت 13 عامًا، حيث قطعت أنقرة علاقاتها مع دمشق عام 2011 بعد اندلاع الأزمة السورية، التي دعمت فيها تركيا مقاتلي المعارضة، كما نفذت عدة عمليات عسكرية عبر الحدود ضد مسلحين سوريين، وأقامت أنقرة منطقة آمنة في شمال سوريا تتمركز فيها قوات تركية حاليًا؛ وهو ما يدفع إلى تساؤلات عدة عن إمكانية تجاوز أنقرة للشروط المسبقة التي يضعها النظام السوري أمام أي مبادرة لتطبيع العلاقات معه؛ إذ ترهن دمشق تقدم محادثات التطبيع مع أنقرة بسحب تركيا قواتها من شمال سوريا، وهو ما ترفضه أنقرة في الوقت الحالي؛ لزعمها أن الجيش السوري لا يمكنه بسط السيطرة على الحدود، ما يطرح أكثر من سيناريو لمستقبل العلاقات بين البلدين في ظل المعطيات الجديدة المطروحة على الساحة الإقليمية.
عجّت الساحة الإقليمية بالرسائل المتبادلة، والتصريحات الإيجابية بين زعيمَي تركيا وسوريا، بعد تأكيد الرئيس السوري بشار الأسد خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، انفتاح دمشق على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا، المستندة إلى سيادة الدولة السورية على أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى، في حين وصف أردوغان تصريحات الأسد بشأن تركيا بالإيجابية، مشيرًا إلى أن أنقرة ستعمل مع دمشق على تطوير العلاقات. ولم يكتفِ الرئيس أردوغان بإعلان استعداده للقاء الرئيس الأسد؛ بل استذكر تاريخ العلاقات العائلية التي جمعت بين الطرفين، مؤكدًا أن تركيا ليس لديها أي نية أو هدف للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، بل إن أنقرة مستعدة لتطوير العلاقات مع دمشق تمامًا كما في الماضي.
جاءت تلك التصريحات نتاجًا مباشرًا للتحركات الروسية للوساطة لاستئناف محادثات التطبيع المجمدة منذ يونيو 2023، وسبق أن بحث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو في 11 يونيو (حزيران) الماضي، في اجتماعات وزراء خارجية مجموعة “بريكس بلس”، موضوع الانتخابات في مناطق الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا وشمال شرقها، التي أُرجئت من يونيو (حزيران) إلى أغسطس (آب) المقبل، وأشار فيدان حينئذ إلى أمل تركيا في منع سوريا حزب العمال الكردستاني من العمل بحرية في سوريا، ومنعه من إجراء الانتخابات، أو التحرك بحرية في هذا الاتجاه.
وفي السياق نفسه، جدد المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، دعم بلاده لكل المبادرات ذات الصلة بالعلاقات بين سوريا وتركيا خلال لقائه مع الأسد في يونيو (حزيران) الماضي، مؤكدًا أن الظروف الحالية مناسبة أكثر من أي وقت مضى لنجاح الوساطات في علاقة أنقرة ودمشق، ومشيرًا إلى أن روسيا مستعدة للعمل على دفع المفاوضات إلى الأمام، وأن الغاية الأهم لموسكو هي النجاح في عودة العلاقات بين سوريا وتركيا في أقرب وقت.
ولعل الدلالة المفاجئة في هذا الصدد، هي دعم المعارضة التركية الكبير لخطوات التقارب مع سوريا، الذي جعل زعيم المعارضة التركية، رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل، يعرب عن استعداده للتوسط بين الأسد وأردوغان للجلوس معًا إلى طاولة المفاوضات، بل إن أوزيل أعرب عن استعداده للقاء الأسد إذا استدعى الأمر؛ من أجل حل مشكلة اللاجئين، وفتح قنوات الحوار بين سوريا وتركيا؛ ما يعكس دعمًا سياسيًّا وشعبيًّا لخطوة أردوغان بشأن التقارب مع النظام السوري بعد سنوات من العداء.
انطلاقًا من أن العلاقات الدولية تقوم على تقاطع المصالح، وليس على الأهواء الشخصية، فإن لتركيا أسبابًا تدفعها إلى إعادة وصل علاقتها مع النظام السوري بعد 13 عامًا من القطيعة السياسية والاقتصادية من أجل حماية مصالحها في المنطقة، إذ تتأسس هذه الدوافع على حسابات حالية ومستقبلية ذات طبيعة سياسية، واقتصادية، وإستراتيجية، يتمثل أبرزها فيما يلي:
حاول الرئيس التركي قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2023 تطبيع العلاقات مع سوريا، واستغلال الضغوط الروسية التي مورست على الرئيس السوري بشار الأسد من أجل إتمام هذه المصالحة. وبعد ضغوط كثيرة، وافقت الحكومة السورية على عقد لقاء على مستوى وزراء الخارجية فقط، دون أن يمتد إلى مستوى زعيمي البلدين، لكن الوعود الانتخابية التي قطعها أردوغان على نفسه شهدت تجميدًا وتأخيرًا ملحوظًا بعد أن كسب أردوغان الانتخابات، لكن الخسارة التي تجرعها أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية، في شهر مارس (آذار) الماضي، جعلته يعيد النظر في مسار تطبيع العلاقات مع سوريا، الذي سيسمح له بترحيل اللاجئين السوريين بسلاسة، ومواجهة الغضب الشعبي من وجودهم وتأثيرهم في الحالة المعيشية للشعب التركي.
تطمح أنقرة إلى استغلال فترة الانشغال بالانتخابات الأمريكية المرتقبة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، للانتهاء من ملف التهديد الكردي جنوب حدودها، بالاتفاق مع موسكو ودمشق، وإنهاء حالة القلق من دعم واشنطن وحدات حماية الشعب الكردية بهدف قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، كما تعول تركيا على أن يؤدي أي تغيير محتمل في السلطة إلى سحب القوات الأمريكية من سوريا؛ ما قد يجعل النظام السوري يلجأ إلى التعاون مع تركيا لإدارة الوضع في الشمال السوري في ظل هذه الظروف.
إن مسألة الأمن تمثل الدافع الرئيس وراء سعي تركيا إلى تطبيع العلاقات مع سوريا، إذ إن الاتفاق مع نظام الأسد سيسهم في عزل الجماعات الإرهابية، مثل حزب العمال الكردستاني، وتنظيم الدولة الإسلامية؛ مما يقلل نقاط الدعم المتاحة لها، خاصة عند اعتماد الخيارات العسكرية.
شهدت الأيام التالية للقاء فيدان هاكان مع الرئيس الروسي حراكًا مكثفًا، بدا منه أن هناك خطة إحياء للتنسيق التركي الروسي، فيما يتعلق بالعودة إلى تسيير الدوريات المشتركة على الخطوط الفاصلة بين مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومنطقة نبع السلام التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا، والتحرك المشترك لفتح معبر أبو الزندين في ريف الباب بين مناطق سيطرة الجيش السوري ومنطقتي درع الفرات وغصن الزيتون الخاضعتين لسيطرة الجيش الوطني بدعم من القوات التركية.
كما ظهرت مؤشرات أخرى على هذا التنسيق في منطقة خفض التصعيد في إدلب، المعروفة باسم “بوتين-أردوغان”، التي شهدت تصعيدًا لافتًا من جانب القوات السورية بدعم جوي روسي في الأسابيع الماضية، حيث دفع الجيش التركي بتعزيزات مكثفة لنقاطه في محاور جنوب إدلب وشرقها وغربها، وهذا يكشف عن استعداد الكرملين لتقديم تنازلات لأنقرة في دمشق لتخفيف وطأة العقوبات الدولية المفروضة على روسيا.
شهدت تركيا حملات ضغط وتحريض تجاه اللاجئين السوريين، وصلت قبل أيام إلى حد الاعتداء على ممتلكات السوريين في قيصري، وتبع ذلك حوادث مشابهة في غازي عنتاب، وكلس، وأنطاليا؛ لذا يتمثل أبرز دافع لأردوغان إلى إعادة العلاقات مع الأسد في إيجاد صيغة مناسبة لإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلادهم في ظل ضغوط المعارضة والداخل التركي لغلق هذا الملف؛ لذا فإن همَّ أنقرة حاليًا هو التخلص من عبء أزمة اللاجئين التي أرهقت تركيا، وأحدثت انقسامات داخلية واسعة النطاق، وبات الرئيس أردوغان مُلزمًا بالتحرك في هذا الملف بعد الوعود التي قطعها في مرحلة الانتخابات وما بعدها؛ لما لهذه القضية من تأثيرات في خططه في دعم شعبية حزب العدالة والتنمية في الحكم مستقبلًا، ولن يستطيع تسوية هذه القضية دون التطبيع مع دمشق، والتفاهم بشأن كيفية إعادة اللاجئين السوريين.
ترى تركيا أن الانتخابات المحلية في مناطق الإدارة الذاتية الكردية لشمال شرقي سوريا، المزمع عقدها في أغسطس (آب) المقبل، خطوة باتجاه إقامة دولة كردية على حدودها، خاصةً بعد موجة أعمال العنف الأخيرة، التي استهدفت اللاجئين السوريين في تركيا في ولاية قيصري وسط البلاد، وما تبعها من احتجاجات ضد تركيا، وإهانة العلم التركي في مناطق سيطرة القوات التركية والجيش الوطني الموالي لها شمال سوريا؛ ما يثير المخاوف من تصعيد الوضع في الشمال السوري؛ لذا تحرص أنقرة على إيجاد حل للخطر الكردي في شمال سوريا، من خلال التقارب مع النظام السوري؛ إذ سيحقق وجود قوات الجيش السوري بالقرب من الحدود التركية مصلحة أمنية لتركيا في ظل التقارب بين الطرفين، ويُبعد خطر النزعة الانفصالية، كما أنه يضعف مبررات الوجود الأمريكي في تلك المناطق، وقد يدفع ذلك الإدارة الذاتية الكردية– في ظل هذا التغير- إلى البحث عن صيغة واقعية أكثر مع النظام السوري.
إن الوضع المعيشي المتردي الذي يعانيه الشعب التركي قد يدفع تركيا إلى الاتفاق مع حكومة دمشق على إعادة تشغيل المعابر، وفتح طرق التجارة عبر الحدود إلى سوريا، ومنها إلى دول المنطقة، بوصف سوريا بوابة عبور أوسع وأقل تكلفة لتركيا نحو المشرق والخليج، بالإضافة إلى الاستفادة المستقبلية لتركيا من عملية إعادة إعمار سوريا، والتعاون في مجالات التنقيب واستخراج الغاز الطبيعي والنفط في شرق المتوسط مع النظام السوري.
في ظل تباين الأولويات لأنقرة ودمشق، يسيطر على المشهد العام الغموض؛ ما يطرح عددًا من التكهنات بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين في ظل المستجدات التي تشهدها الساحة الإقليمية والدولية، والدور الخارجي لدعم هذا التقارب أو تقويضه، ويتضح أبرز تلك السيناريوهات فيما يلي:
السيناريو الأول: استئناف العلاقات بين سوريا وتركيا بشكل كامل
ثمة عوامل من المرجح أن تعزّز وتعجّل مسار التطبيع بين البلدين، فإلى جانب الدلالات السابق الإشارة إليها، يبرز الضغط الروسي على أنقرة ودمشق لضمان نجاح استئناف العلاقات بينهما، كما أن هناك احتمالًا لأن يكون هناك دور عربي في تسهيل التوافق بين البلدين، من خلال وساطة عراقية تحدثت عنها وسائل إعلام عراقية في 6 يوليو (تموز) الجاري، وعن تقديم بغداد وساطة بين تركيا والنظام السوري، وموافقتهما على عقد لقاء في بغداد، بعد جولات من المحادثات غير المباشرة.
يفرض هذا السيناريو تقديم تنازلات متبادلة من الطرفين في المرحلة المقبلة؛ من أجل التوصل إلى صيغة متفق عليها، وأول هذه التنازلات بدأته دمشق، من خلال قبول الأسد جدولة الانسحاب التركي، على هامش اجتماعه مع نائب وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خانجي، بدلًا من الإصرار على الانسحاب الفوري للقوات التركية، مقابل تنفيذ تركيا التزامها القديم مع موسكو عام 2020 بفتح الطريق الدولي “إم 4″، وإبعاد الفصائل المسلحة 6 كيلومترات على جانبي الطريق.
وفي المقابل، يُنتظر من تركيا القيام بترتيبات جديدة في شمال سوريا، من خلال إعادة هيكلة التشكيلات العسكرية، والهياكل الإدارية؛ تجهيزًا لمرحلة مقبلة، يُقابلها إصدار دمشق قوانين أكثر مرونة فيما يتعلق بوضع المقيمين في إدلب، وكيفية استيعابهم، وعودة أكثر من مليوني لاجئ في إدلب إلى مناطقهم الأصلية داخل سوريا، وتخفيف ضغطهم على الحدود التركية؛ ومن ثم فإن هذا السيناريو هو الأكثر واقعية وقابلية للتحقق بناءً على المعطيات الراهنة.
السيناريو الثاني: عقد شراكة مشروطة بين تركيا وسوريا
يفترض هذا السيناريو الافتقار إلى المحفزات في استعادة العلاقات بين البلدين على النحو الذي كانت عليه قبل اندلاع الحرب السورية؛ لذا سيلجأ البلدان إلى شراكة مشروطة، من خلال التعاون في القضايا الشائكة التي تخدم مصالح الطرفين، وبخاصة القضايا الأمنية، والخيار الذي قد يلجأ إليه الطرفان في هذه الحالة هو العودة إلى اتفاق أضنة، الموقع عام 1998، من خلال توسيع نطاقه عن الكيلومترات الخمسة التي يُتيحها الاتفاق لدخول القوات التركية الأراضي السورية لمطاردة قوات حزب العمال الكردستاني، وعودة المؤسسات السورية إلى إدلب، دون عودة القوات العسكرية السورية، بالترتيب مع المجالس المحلية في إدلب، وسيتطلب ذلك من تركيا الضغط على فصائل المعارضة العسكرية، وإبعاد هيئة تحرير الشام عن المعبر والطريق.
يدعم حدوث هذا السيناريو المتطلبات العالية لدى الطرفين، حيث يرى المراقبون أن حكومة الأسد لا تستطيع الوفاء بهذه المتطلبات، سواء لتأمين الحدود، أو استيعاب عودة أكثر من 3 ملايين لاجئ في تركيا، بسبب تردي الوضع الاقتصادي، وانهيار البنية التحتية في سوريا، وعدم قدرة النظام السوري على تأمين طرق التجارة تأمينًا كاملًا في الوقت الراهن.
فضلا عن هذا، يدفع إلى هذا السيناريو المعارضة الكردية الرافضة لاستئناف العلاقات مع تركيا بشكل كامل، حيث أصدرت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا بيانًا استنكرت فيه تصريحات الرئيس التركي بشأن المصالحة، ووصفتها بأنها مؤامرة كبرى على الشعب السوري بجميع أطيافه، واعتبرت الإدارة أن أي اتفاق مع الدولة التركية يمثل تهديدًا لمصلحة السوريين عامة، ويعزّز تقسيم البلاد، ويتآمر على وحدة سوريا وشعبها؛ ما قد يجعل سيناريو التعاون في مجالات محدودة أكثر قبولًا للمعارضة السورية، وخطوة تمهيدية لتطبيع العلاقات تطبيعًا كاملًا بين سوريا وتركيا في المستقبل.
السيناريو الثالث: التدخل العسكري التركي في سوريا
يرجح هذا السيناريو وقف مسار التطبيع والعودة إلى الخيار العسكري من أجل الضغط، ودفع سوريا إلى تقديم تنازلات معينة. ومع أن المعطيات الراهنة لا تسمح بالعودة إلى العمليات العسكرية، فإن تعقد الوضع بين سوريا وتركيا قد يؤدي إلى تحفيز الرغبة في العودة إلى العمل العسكري كسبيل إلى تحقيق أهداف تركيا، خاصةً في مناطق ذات تأثير كبير في الطرفين يمكن استغلالها في العمل العسكري، على رأسها جبل الزاوية الذي يشرف على الطريق الدولي “إم 4” الواصل بين حلب واللاذقية، وتكمن مصلحة دمشق في فتح هذا الطريق الحيوي لتسهيل إعادة الحياة إلى الاقتصاد الحلبي من خلال وصل حلب بميناء اللاذقية، كما أن السيطرة على جبل الزاوية المشرف على محافظة إدلب سيمنح الجيش السوري الأفضلية، وسيجعل دفاعات الفصائل وهيئة تحرير الشام مكشوفة، فضلًا عن “تل رفعت”؛ حيث تقع المدينة ضمن مخططات الجيش التركي، بسبب استخدام القوات الكردية لها كقاعدة لاستهداف المواقع التركية، ولأنها تقع خارج اهتمامات واشنطن، ولا وجود لقواتها فيها، كما يمكن لتركيا توظيفها في مشروع إعادة اللاجئين، حيث يمكنها استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين، غير أن الهجوم التركي على تل رفعت سيصطدم بالميليشيات الإيرانية، والجيش السوري؛ لأن المدينة تشكل البوابة الشمالية لحلب، ولا يمكن المغامرة بالسماح للقوات التركية باحتلالها؛ لأن من شأن ذلك الإخلال بالمعادلات القائمة، وتغيير موازين القوى لصالح تركيا، بالإضافة إلى وجود تداخل بين قوات “قسد” وقوات الجيش السوري في هذه المناطق، كما الحال في “عين العرب”، التي عاد فيها القصف التركي لمواقع “قسد”، ومتابعة سياسة اغتيال القيادات الكردية، بعد انتهاء الانتخابات التركية، وقد يدفع ذلك إلى استهداف “قسد” المدن التركية المجاورة؛ للضغط على حكومة أردوغان.
يمكن القول إن نجاح التقارب التركي السوري يحقق عددًا من المكاسب لا يستهان بها للبلدين، من أبرزها: إضفاء مزيد من الشرعية على الحكومة السورية؛ نتيجة تقاربها مع تركيا بوصفها أول دولة أطلسية تقيم معها علاقات بعد الحصار الاقتصادي، والعزلة السياسية، طوال تلك المدة؛ فتركيا قادرة على تنشيط سوريا سياسيًّا واقتصاديًّا من خلال علاقتها مع الغرب، بالإضافة إلى احتمالية الوساطة مستقبلًا بين دمشق وبعض الدول الغربية، كما أن المصالحة ستنهي مخاوف سوريا من أن يستمر الوجود التركي في هذه المنطقة كما جرى في العراق، كذلك ستنتهي دمشق من أزمة تنشيط المجموعات المسلحة التي تسيطر على شمال البلاد.
فضلًا عن هذا، فإن التطبيع المنتظر بين سوريا وتركيا لن يلقي بظلاله على البلدين فحسب؛ بل سيفتح آفاقًا سياسية، واقتصادية، وإستراتيجية أمام روسيا لتكون أكثر ارتياحًا في حربها على أوكرانيا، التي أثرت عليها بصورة عميقة، ولكن يبقى موقف إيران، الذي يرحب بالتقارب بين تركيا وسوريا من خلال تصريحات إعلامية وحسب، محل تساؤل؛ لأن حقيقة الأمر أن طهران تخشى فقدان مساحات نفوذها على الأرض السورية التي حاربت من أجلها على مدى أكثر من عقد؛ ما يجعل الموقف الإيراني في ظل المستجدات الداخلية التي تعاصرها طهران من أهم المحددات لشكل العلاقة بين تركيا وسوريا خلال المستقبل القريب.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.