مقالات المركز

زيارة بوتين للسعودية والإمارات.. تحديات إقليمية ودولية


  • 13 ديسمبر 2023

شارك الموضوع

في السادس من ديسمبر (كانون الأول)، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة؛ لمناقشة العلاقات الثنائية، وأسواق النفط وأسعاره، والشؤون الدولية والإقليمية، وتحديدًا العدوان الإسرائيلي على غزة. وخلال لقائه مع الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أشار بوتين إلى أن العلاقات بين روسيا والإمارات العربية المتحدة وصلت إلى: “مستوى عالٍ غير مسبوق، وأن أبو ظبي كانت الشريك التجاري الرئيس لموسكو في العالم العربي، إذ ارتفع حجم التبادل بين البلدين بأكثر من 67% العام الماضي”. زيارة الرئيس الروسي للرياض وأبو ظبي هي محاولة لتوسيع العلاقات مع الدولتين الإقليميتين الفاعلتين، وإظهار أنه ليس معزولًا كما يصوره الغرب، إذ تُعد الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي لكلا البلدين، يومي السادس والسابع من شهر ديسمبر (كانون الأول)، استثنائية في نوعها وتوقيتها لكل الأطراف المعنيين؛ للجانب الروسي، تكمن أهمية هذه الزيارة في كونها من الزيارات القليلة التي قام بها الرئيس الروسي لدول العالم بعد انطلاق “العملية العسكرية الروسية الخاصة” في أوكرانيا، في فبراير (شباط) 2022.

تتزايد هذه الأهمية ورمزيتها السياسية بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي في شهر مارس (آذار) الماضي. كانت زيارة بوتين إلى الدولتين الخليجيتين هي المرة الثانية فقط التي يغادر فيها خارج روسيا خلال الأشهر الثمانية منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة. ومثل روسيا، فإن الإمارات والسعودية، ليستا من أعضاء المحكمة الجنائية الدولية؛ ولذلك وجد بوتين أنه من الممكن زيارة البلدين، تمامًا كما فعل عندما زار الصين في أكتوبر (تشرين الأول). جاءت زيارته على خلفية تطورين إقليميين مهمين. زيارة بوتين لدولتين إقليميتين محوريتين في هذا التوقيت، ورغم التوترات الدولية والشرق أوسطية المتزايدة، تعطي إشارة واضحة إلى التطورات العميقة التي تشهدها العلاقات المتبادلة بين موسكو، والرياض، وأبو ظبي، وترسخ هذه الزيارة الروسية مفاهيم التعاون والثقة المشتركة بين هذه الدول في لحظةٍ دولية وإقليمية حرجة. تشير زيارة بوتين إلى البداية المحتملة لدفعة ثابتة لاستعادة مشاركته الشخصية مع قادة العالم، بسبب ثقته المتزايدة بمسار الحرب الأوكرانية.

وقال بوتين في لقائه مع ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إن: “لا شيء يمكن أن يعوق تطوير العلاقات الودية بين موسكو والرياض”، فيما أبدى ولي العهد استعداده لزيارة روسيا قريبًا.

أما فيما يتعلق بالسعودية والإمارات، فعلى رأس هذه الملفات المتوترة، استياء الدول العربية المتزايد من الولايات المتحدة لعدم قيامها بما يكفي لوقف حرب غزة، والرغبة في إعادة التوازن في العلاقات بين الرياض وأبو ظبي مع واشنطن في عهد الرئيس جو بايدن. من الواضح أن بوتين واضح وصريح، وكذلك حريص على إظهار أنه لا يزال قائدًا ميكافليًّا على المستوى الدولي، باحثًا عن المصالح المشتركة، بغض النظر عن الاختلافات في ملفات دولية كثيرة بينه وبين الدولتين الخليجيتين الأهم. فعلى الرغم من كل مشكلات سياسته الداخلية والخارجية، بسبب “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، لا يزال الرئيس الروسي لاعبًا دوليًّا مهمًّا في الجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية. وللمساعدة على توسيع العلاقات مع الأقطاب العربية في مواجهة النفوذ الأمريكي التقليدي في المنطقة، سارع بوتين إلى تأكيد مواقف جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وبياناتهما؛ من خلال الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

ولعل التطور الآخر يشمل الملفات الاقتصادية، وعلى رأسها ملف الطاقة. ويتمحور حول تأمين التعاون على المديين القريب والمتوسط بين روسيا والسعودية بشأن القضايا الملحة المرتبطة بأسعار النفط العالمية. تريد روسيا إبقاء أسعار النفط العالمية مرتفعة في عام 2024؛ لتأجيج إرهاق الحرب في أوروبا، والإضرار بفرص إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض الدعم المادي لأوكرانيا، بحسب اعتقاد الكرملين. وبوصفها القائد الفعلي لمنظمة أوبك، فإن المملكة العربية السعودية تضطلع بدور حاسم في تحقيق هذا الهدف من عدمه؛ ومن ثم، كانت مناقشة مستقبل اتفاق خفض الإنتاج، حسب آلية التعاون (أوبك بلس) الذي تم التوصل إليه في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، على رأس جدول أعمال بوتين في رحلته إلى المملكة، حيث من المحتمل أنه أصر على الحفاظ على تخفيض العرض لمنع أسعار النفط من التراجع في المرة القادمة.

وتعكس زيارة بوتين النهج البراغماتي المرن الذي تتبعه الرياض وأبو ظبي في السياسة الخارجية؛ من خلال الموازنة بين علاقاتهما مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين. يستهدف هذا التوجه الدولي في موازنة العلاقات بين الدولى الكبرى عالميًّا تأمين مجموعة واسعة من العلاقات والضمانات، والبدائل السياسية المتنوعة، في عالم يتجه- بوضوح- نحو التعددية القطبية. ولكن بما أن كلا البلدين شريك قوي للولايات المتحدة، فمن المرجح أن تسعى واشنطن إلى إبداء قلقها لحلفائها العرب من زيارة الرئيس الروسي الأخيرة.

عمومًا، فإن الولايات المتحدة لا تريد الإضرار بالعلاقات مع منتجي النفط الكبار مع اقتراب موسم الانتخابات الرئاسية، خاصةً بعد تحسن العلاقات الأمريكية السعودية، التي شهدت تدهورًا كبيرًا عند وصول بايدن إلى المكتب البيضاوي بسبب تصريحاته غير المسؤولة في حملته الانتخابية، التي ادعى فيها أنه سيحول السعودية إلى دولة (منبوذة). بغض النظر عن مهاترات الانتخابات الأمريكية، والمسرحية الديموقراطية الهزلية التي تدور في واشنطن، فلا تزال الولايات المتحدة تقدر السعودية والإمارات بوصفهما شريكين دفاعيين رئيسين، وجزءًا من حصن إقليمي ضد إيران، كما تدّعي. على أي حال، وبنظرة سياسية واقعية متجردة، فإن عدم القدرة الأمريكية على التأثير في التطور الإيجابي في العلاقات الروسية السعودية والإماراتية، وعدم تمكنها من تقديم بدائل وحلول سياسية ذات مصداقية، كتلك التي يقدمها الكرملين لحلفائه الإقليميين، سيؤدي إلى إرسال رسالة إلى روسيا، ودول الخليج العربي، مفادها أنه بإمكانهم الاستمرار في تعميق العلاقات دون عواقب تذكر؛ مما يوفر مساحة لعلاقات موسكو التجارية والطاقوية، والتنسيق السياسي بين السعودية وموسكو والكتلة العربية أمام الهيئات الدولية بخصوص القضية الفلسطينية. إن الموقف الأمريكي الداعم للعدوان الإسرائيلي في غزة، كشف كثيرًا من الأقنعة بشأن تموضع أمريكا الإقليمي، وطبيعة علاقتها الاستثنائية مع إسرائيل، مقارنةً بعلاقتها مع أصدقائها العرب.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع