أبحاث ودراساتجغرافيا

جغرافية روسيا.. شمالٌ متجمد من دون مياه دافئة!


  • 28 يناير 2025

شارك الموضوع

تطل روسيا على 12 بحرًا وثلاثة محيطات، وهناك بحر وحيد (قزوين) يُعدّ بحرًا داخليًّا في قلب القارة الأوراسية، وتترامى البحار الروسية على الغلاف الصخري لأربعة ألواح أرضية (الأوراسية، والأمريكية الشمالية، وأخوتسك، وآمور)، عبر نطاقات مناخية متباينة، وظروف نشأة ومكونات جيولوجية مختلفة، كما تختلف الأحواض البحرية، وتتباين في القاع، ودرجات حرارة المياه، والملوحة، والإنتاجية البيولوجية، وغير ذلك.

المحيط المتجمد الشمالي

تضم بحار المحيط المتجمد الشمالي بحر بارانتس، وبحر بيلوي (البحر الأبيض)، وبحر كارا، وبحر لابتيف، وبحر سيبيريا الشرقية، وبحر تشوكوتشك، وجميعها بحار حدية (هامشية)، عدا البحر الأبيض الذي يمثل بحرًا داخليًّا، وتنفصل هذه البحار بعضها عن بعض، وعن القطب الشمالي، عبر مجموعة من الأرخبيلات والجزر (سبتسبرجن، وزمليا فرانتس- جوزيف، ونوفيا زمليا، وسيفرنيا زمليا، وجزيرة فرانجليا، وغيرها).

وكل البحار هنا واقعة على الرصيف القاري؛ ومن ثم فهي قليلة العمق، باستثناء الجزء الشمالي من بحر لابتيف؛ فيشغل طرف منخفض “نانسن”، الذي يصل عمقه إلى 3385 مترًا (بمتوسط عمق 533 مترًا)، وهو ما يجعله أعمق بحار المحيط المتجمد الشمالي، وفي المرتبة الثانية من حيث العمق يأتي بحر بارنتس (بمتوسط عمق 222 مترًا، وأقصى عمق 600 متر)، أما أكثر البحار ضحالة فهو بحر سيبيريا الشرقية (بمتوسط عمق 54 م)، وبحر تشوكوتشك (بمتوسط 71 م).

ويبلغ إجمالي مساحة بحار المحيط المتجمد الشمالي المتصلة بيابس روسيا نحو 4.5 مليون كم2، وتضم كمية مياه محيطية مقدارها 864 ألف كم3، ومتوسط العمق العام لجميع البحار 185م.

وجميع بحار المحيط المتجمد الشمالي مفتوحة، وفيما بينها وبين الأجزاء المركزية للمحيط تبادل حر للمياه، ومن خلال الخليج المتسع والعميق الواقع بين شبه جزيرة إسكندناوة وجزر سبتسبرغن يصل إلى بحر بارانتس تأثير مياه دافئة من التيار الأطلنطي الشمالي الذي يجلب في كل عام نحو 74 ألف كم مكعب من مياه المحيط الأطلنطي، وفي شمال بحر النرويج ينقسم هذا التيار إلى شعبتين قويتين: تيار سبتسبرغن ونورد كابس، وفي شمال شرق بحر بارانتس تطغى على مياه الأطلنطي الدافئة والمالحة (34.7 إلى 34.9 في الألف) مياه أكثر برودة وأقل ملوحة، ثم تطغى عليها أكثر مياه قطبية محلية أقل كثافة.

وبالاتجاه شرقًا يلتقي حوض المحيط المتجمد الشمالي مع المحيط الهادئ عبر مضيق بيرنغ الضيق (86 كم اتساعًا) والضحل (42 مترًا عمقًا)؛ ومن ثم فإن تأثير المحيط الهادئ على المحيط القطبي الشمالي أقل مقارنة بالأطلنطي.

بيرنغ.. الجليد بين قارتين

 يقف العمق المحدود لمضيق بيرنغ حائلًا دون تبادل المياه العميقة؛ ومن ثم لا يدخل بحر تشوكوتشك من المحيط الهادئ سوى 30 ألف كم3 من مياه سطحية، ويصب في المحيط المتجمد الشمالي قدر كبير من المياه القارية الآتية من الأراضي الروسية (حيث تنتمي 7% من الأراضي الروسية إلى حوض هذا المحيط).

 وتنقل أنهار اليابس الروسي لهذا المحيط نحو 30 ألف كم3 من المياه، وهذا القدر الكبير من المياه النهرية يؤدي إلى خفض مفاجئ في درجة ملوحة هذه البحار، ويتوقف عليه تكوين تيار مائي متجه من الجنوب إلى الشمال، ويؤدي قانون دوران الأرض حول نفسها دورًا مهمًّا في إزاحة المياه السطحية من الغرب إلى الشرق بمحاذاة الساحل القاري، ووجود تيار معوض لهذا الاتجاه ينطلق في الاتجاه المعاكس.

وصيفًا، تكون للمياه النهرية الدافئة القدرة على إذابة الجليد البحري، أما في الربيع والشتاء، فإن المياه البحرية المحلاة بمياه الأنهار تُسهم في تكوين الجليد المستقر.

وتمتد بحار المحيط المتجمد الشمالي في الأساس فيما بين دائرتي عرض 70 و80 درجة شمالًا، وباستثناء البحر الأبيض، الذي يتقاطع مع الدائرة القطبية الشمالية، تقع كل هذه البحار جنوب القطب الشمالي، وتتسم ببيئتها القاسية.

ويؤثر في مناخ المحيط المتجمد الشمالي موقعه في العروض العليا، وفي المقام الأول علاقة اليابس بالماء؛ فخلال الليالي القطبية الطويلة يحدث تجمد عميق عند المناطق دون القطبية، خاصة في الأجزاء الشرقية من القطب، وتتكون مناطق من الضغط العالي، وهو ما يعرف باسم “الذورة القطبية” (منطقة الضغط المرتفع الدائم فوق القطب).

سيبيريا والجليد القطبي

وفوق بحر سيبيريا الشرقية تتحد منطقة الضغط المرتفع هذه مع شعبة من الضغط العالى تعرف باسم الذروة الآسيوية (المتكونة شتاء فوق الجبال الشاهقة في شمال شرق آسيا). ويتأثر مناخ البحار القطبية أيضًا بكل من المنخفض الأيسلندي والمنخفض الأليوشى.

ويتوقف تكوين ظواهر مناخية بعينها في مناطق البحار القطبية على موقع تلك البحار بالنسبة لمراكز تكوين الظواهر المناخية الكبرى ونشأتها.

ويتسم الشتاء في المنطقة الغربية بنشاط الأعاصير التي تخفف حدة الصقيع. وفي منخفض الضغط الجوي، المتمركز فوق بحر بارانتس، تتحرك الأعاصير من شمال الأطلسي إلى بحر كارا، ويرتبط بهذه الأعاصير حالة من عدم الاستقرار، ورياح عاتية، وطقس غائم، وتسيطر هذه الحالة على البحار الغربية، وفي الأجزاء الشرقية يرتبط النشاط الإعصاري بالمنخفض الجوي الأليوشي، وإن كانت التطورات والتداعيات المترتبة على ذلك ضعيفة، ويؤدي تزايد تكرارية طقس الأعاصير إلى رفع درجة الحرارة شتاءً.

وفوق البحار المركزية (لابتيف وسيبيريا الشرقية) تهيمن حالة من طقس أضداد الأعاصير القليلة الغيوم، التي ترافقها حالة من السكون أو الرياح الضعيفة.

وفي مجمل الأمر، يُرصد تغير في ظروف درجة الحرارة شتاءً، وذلك مع الانتقال من الغرب إلى الشرق، ففوق منطقة بحر بارانتس يتباين متوسط درجة حرارة شهر يناير، من (-5) فوق بحر كارا إلى (-30) في منطقة بحر لابتيف والأجزاء الغربية من بحر سيبيريا الشرقي، وفوق منطقة بحر تشوكوتشك تصل درجة الحرارة إلى (-25)، وفي منطقة القطب الشمالي يبلغ متوسط درجة حرارة يناير نحو (-45)، وعلى هذا النحو هناك تباين كبير في الفصل البارد في البحار القطبية.

وفي الصيف يؤدي الإشعاع الشمسي الدور الأكبر في تشكيل المناخ، فالأعاصير الصيفية ليست بذلك العمق وسرعة الحدوث؛ ومن ثم فإن دورها في صياغة المناخ تكون أقل منها شتاءً، وينفق المقدار الأساسي من الإشعاع الشمسي على إذابة الثلج والجليد؛ ومن ثم تتسم الخلفية الحرارية بانخفاضها، ويبلغ متوسط الحرارة في شهر يوليو (حزيران) عند الحدود الشمالية للبحار بنحو صفر درجة، في حين تصل قرب اليابس الرئيس المجاور ما بين (+ 4) و(+5)، وفقط عند شوطئ بحر بارانتس يبلغ متوسط درجة الحرارة نحو (+8) و(+9)، وعند البحر الأبيض تبلغ ما بين (+9) و(+10)؛ ومن ثم فإن التباين بين مناخ بحار المحيط المتجمد الشمالي تباين طفيف.

أما التباين الأكثر وضوحًا في البحار الشمالية فنجده على مدار العام ممثلًا في وجود الجليد في جميع البحار القطبية، والجزء الأكبر من البحار القطبية الشمالية مغطى على مدار العام بالجليد، وفي الشتاء يبقى الجزء الغربي فقط من بحر بارانتس متحررًا من هذا الجليد.

الجليد.. أنواع وأشكال

عند هذه السواحل القطبية يتكون شتاءً جليد راكد متصل بالساحل. والاتساع الأعظم (عدة مئات من الكيلومترات) يبلغها هذا النوع من الجليد في بحر سيبيريا الشرقية الأكثر ضحالة، وخلف نطاق الجليد الراكد (المقترن باليابس) تقع مناطق البولينيا، وهي عبارة عن مياه مفتوحة يحيط بها الجليد، وتتشكل هذه المظاهر من سنة إلى أخرى في نفس الأماكن.

وخلف بحيرات البولينيا يقع الجليد الطافي (غير الملتصق بالساحل)، ويتألف من كتل جليدية كبرى، تفصل بينها شقوق وفواصل، وأحيانًا تفصل بينها مسطحات البولينيا.

 وبالإضافة إلى الجليد البحري، عادة ما يقابل البحار في المناطق القطبية كتل ضخمة من الجليد المنفصل عن القارة، المعروف باسم جبل الجليد (أيسبرغ)، وهو جليد مفصوم عن الغطاءات الجليدية والمندفعة تجاه سطح البحر عند شواطئ جزر “زمليا فرانتس جوزيف”، و”نوفيا زمليا”، و”سفرنيا زمليا”.

وفي الصيف تتناقص مساحة الجليد في البحار القطبية، بل إن حواف هذا الجليد في أغسطس (آب) لا تتجاوز حدود البحار الهامشية. وتجلب تيارات شرق غرينلاند من المحيط المتجمد الشمالي إلى المحيط الأطلنطي نحو 8 إلى 10 آلاف كم3 جليد سنويًّا.

ويتغير النظام الجليدي في البحار القطبية من سنة إلى أخرى، وفي آخر عشر سنوات لوحظ تحسن في ظروف الجليد من زاوية ظروف الارتفاع العام في درجة حرارة المناخ القطبي. وتؤدي الأوضاع في العروض العليا -من عدم كفاية الدفء الشمسي- إلى تسخين ضعيف لمياه البحار القطبية، وفي الصيف تصبح درجة حرارة المياه عند أطراف الجليد قريبة من درجة الصفر، فيما تصبح على مقربة من اليابس القاري نحو (+6) درجات مئوية.

وفي الأجزاء الجنوبية من الغربية من بحر بارانتس تصل الحرارة إلى (+9)، بل تصل في البحر الأبيض إلى (+10)، ويبلغ متوسط درجة الحرارة شتاءً في الغالبية العظمى من هذه البحار قرب درجة التجمد (نحو -2)، وفي الأجزاء الغربية من بحر بارانتس تبلغ درجة حرارة المياه في يناير/ فبراير (+5).

وتتناقص ملوحة مياه البحر من البحار الهاشمية الشمالية إلى نظيرتها الجنوبية، ففي الأجزاء الشمالية الغربية تبلغ درجة ملوحة المياه البحرية في الحوض القطبي ما بين 34 إلى 35 في الألف، في حين تبلغ في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية ما بين 32 و33 في الألف، وتتناقص على مقربة من مصاب الأنهار الكبرى بمقدار 5 في الألف؛ ومن ثم فإن البيئة الأحيائية البحرية، التي يمثل الجزء الأكبر من النمط القطبي، تنتشر في المياه الشاطئية، ومنها أنماط من المياه شبه العذبة والعذبة.

أثر الجليد في البيئة الأحيائية

تؤدي الظروف البيئية في البحار الشمالية من مناخ قاسٍ، وليالٍ قطبية، وغطاءات جليدية، إلى عدم مواتاة الظروف لنمو الهائمات النباتية والحيوانية وتطورها؛ ومن ثم فإن الإنتاجية البيولوجية العامة للبحر محدودة، ومن ثم أيضًا فهناك محدودية نسبية في التنوع الأحيائي، والكائنات العضوية التي تعيش في هذه البحار.

وفي تتبع تغير درجة قوة البيئة البحرية من الغرب إلى الشرق في هذا الصدد، لوحظ تناقص أعداد الأحياء البحرية؛ ومن ثم فإن الحياة السمكية (الإيكتوفاونا) التي تشمل في بحر بارانتس 1114 نوعًا، تتناقص إلى 54 نوعًا فقط في بحر كارا، ثم إلى 37 نوعًا في بحر لابتيف، كما أن هناك تناقصًا في أنواع البيئة الأحيائية التي تعيش في القاع من 1800 نوع في بحر بارانتس إلى 500 نوع في بحر لابتيف، وإن كان بحر تشوكوتشك يشهد تضاعفًا في أعداد الأنواع الحيوانية؛ بفضل انخفاض مستوى قسوة الصقيع نتيجة تغلغل مياه دافئة قادمة من المحيط الهادئ.

وهناك تغير في المركب النوعي للأحياء البحرية، فمن بين أنواع الأسماك التجارية في بحر بارانتس، نجد سيادة لأنواع التريسكا (أسماك القد)، والبيكشا (الهادوك)، والبالتوس، والأكوف، والسيليود، واللوسونس، وغيرها.

وفي بحار المحيط المتجمد الشمالي يمر الطريق البحري الشمالي الذي يربط ميناء مورمانسك وأرخانجلسك غربًا بفلاديفاستوك في الشرق الأقصى، ولا يربط الطريق البحري الشمالي الأقاليم الشمالية الغربية بالأقاليم الشرقية في روسيا فقط؛ بل يربط أيضًا مصبات الأنهار القابلة للملاحة في سيبيريا، ويخدم هذا الطريق سنويًّا حمولات نقل من أجل التنمية الاقتصادية للشمال الروسي، واستغلال الموارد الغنية لهذه الأقاليم من الأراضي الروسية.

في المحيط الهادئ

أما بحار المحيط الهادئ فهي: بيرنغ، وأخوتسك، وبحر اليابان، وتقع جميعها عند سواحل روسيا الشرقية، وقبالة البحار المعزولة عن المحيط الهادئ تقع جزر أليوت، وكوريل، واليابان، التي تترامى خلفها منخفضات بحرية عميقة، ويبلغ أقصى عمق في منخفض كوريل – كمتشتكا نحو 9717 مترًا، وتنعزل هذه البحار بعضها عن بعض عبر شبه جزيرة كمتشتكا وسخالين، ويغسل المحيط الهادئ بنفسه الشواطئ الشرقية لجزر كمتشكا، وذلك من مصب نهر كمتشتكا حتى رأس لوباتك.

المساحة الإجمالية للبحار الثلاثة ليست كبيرة (5 ملايين كم2)، ويبلغ حجم المياه 6744 كم3، ومتوسط العرض 1354م، بمعنى أنها أكبر بما يزيد على 7 مرات من متوسط عمق بحار المحيط المتجمد الشمالي.

وتترامى بحار المحيط الهادئ على نحو 5000 كم، من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي بمحاذاة الحد القاري، وتترامى هذه البحار في عروض أكثر جنوبية مقارنة ببحار المحيط المتجمد الشمالي، وتتسم بمياه أكثر دفئًا، وكل البحار هنا شبه مفتوحة؛ ومن ثم فلها تبادل مياه مع المحيط الهادئ عبر مضايق متعددة.

ويتصل بحر اليابان مع المحيط فقط عبر عدة مضايق قليلة العمق (دون 150 م)؛ ومن ثم فإن تبادل المياه معه محدود، ويؤثر هذا التبادل -في المقام الأول- في طبقات المياه السطحية، وهو ما يرتبط بدرجة حرارة منخفضة للمياه في الطبقة التحتية (1.4 إلى 0.6 درجة مئوية)، مع أن موقع هذا البحر يحتل موقعًا أكثر جنوبية.

ومن السمات المميزة لتبادل المياه في جميع بحار الشرق الأقصى، وصول تيار صغير نسبيًّا من المياه النهرية، إذ يدخل حوض المحيط الهادئ نحو 19% من تصريف الأراضي الروسية، وحصة الأنهار في هذه البحار تكون 1212 كم3، ويعد هذا مقدارًا محدودًا جدًّا مقارنة بالحجم العام لمياه هذه البحار.

وتدخل المياه من المحيط الهادئ من الجنوب، في حين يأتي إسهام المياه القارية في الأساس من الشمال، ويعد هذا سببًا لتيار دائري، يسير عكس عقارب الساعة، ويكون اتجاه التيار في الأجزاء الجنوبية الشرقية من هذه البحار (على مقربة من الأقواس الجزرية) قادمًا من الجنوب، أي يكون تيارًا دافئًا، أما في الأجزاء الشمالية الغربية (قريبًا من سواحل القارة) فيأتي التيار من الشمال حاملًا مياهًا باردة.

ويتحدد مناخ بحار المحيط الهادئ في الأغلب نتيجة العلاقة بين اليابس والماء، وتلطف الأعاصير الموسمية من المناخ البحري في وقت الشتاء، ويبلغ متوسط درجة الحرارة على السواحل في يناير نحو (-20)، وتبلغ نحو (-4) عند الجزر، وترتفع الحرارة في بحر اليابان عند الأجزاء الجنوبية الغربية إلى نحو (+5)، وإن كان هذا بعيدًا عن الأراضي الروسية.

من أخوتسك إلى بحر اليابان

هناك شتاء قارس (في مياه بحر أخوتسك) يقع على مسافة 500 كم من قطب البرودة الموجود في منطقة أويمياكون، وهو قطب البرودة في نصف الكرة الشمالي، ومن لسان الضغط المرتفع -الممتد من منطقة الضغط المرتفع الآسيوي نحو أويمياكون- تمتد نحو فضاءات بحر أخوتسك كتل هوائية باردة.

وفي موسم الصيف نجد تباينًا في أنظمة درجة الحرارة لبحار المحيط الهادئ، ويبلغ التباين ما يزيد على 30 درجة على نفس خط العرض، وهو ما يعكس تأثير الإشعاع الشمسي ودرجة حرارة الهواء صيفًا في مياه البحار المختلفة، ففي بحر أخوتسك تصل الحرارة إلى ما بين 11 و14 درجة مئوية (وفي سنوات بعيدة كانت تبلغ 18 درجة مئوية)، وفي بحر اليابان 15 إلى 20 (وتصل إلى 25 درجة في أكثر البحار دفئًا نحو الجنوب)، وعلى البحار الواقعة عند العروض الجنوبية أحيانًا ما تهب أعاصير التيفون، وأعاصير شديدة.

وشتاءً، يغطي الجليد القسم الشمالي من بحر بارانتس، وجل بحر أخوتسك. وهناك قطب للجليد يتكون على مقربة من السواحل الروسية قبالة بحر اليابان، وفي جميع البحار يتوزع جليد يعمر موسمًا، ومتكون موضعيًّا.

 ويعد بحر أخوتسك الأكثر تعرضًا لقسوة الجليد؛ ففي الجزء الشمالي الغربي منه يوجد نظام جليدي يستمر 280 يومًا في السنة.

ويرتبط هذا بالحالة العامة لبيئة الشتاء القاسية في هذا البحر. وبعد البرودة الشديدة التي يعانيها شتاءً، سرعان ما يتحصل بحر أخوتسك على بعض الدفء صيفًا، بل حتى في الأجزاء الشمالية من بحر بيرنغ لا تتسم الظروف الجليدية بشدة وطئتها صيفًا، وتتسم جميع بحار الشرق الأقصى بدرجة حرارة شتوية منخفضة، تتراوح بين الصفر و(-1.8)، وفي الصيف تبلغ درجة حرارة المياه السطحية في بحر بيرنغ ما بين 5 و10 درجات، وفي أخوتسك ما بين 8 و12 درجة، وفي بحر اليابان (أمام سواحل روسيا)  17 درجة.

 وتتوقف الحياة العضوية في بحار المحيط الهادئ على الظروف التي أشرنا إليها، فهنا تعيش أنواع من الأسماك تنتمي إلى البيئة القطبية والشمالية، بل تصل إلى بحر اليابان أنواع سمكية بين المنطقة شبه المدارية، ويبلغ إجمالي الأنواع في بحار الشرق الأقصى نحو 800 نوع، منها 200 نوع تجاري، وأكثر الأنواع تنوعًا نجدها في بحر اليابان (أكثر من 600 نوع).

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع