تقع روسيا في الجزء الشمالي الشرقي من قارة يابسة كبرى هي أوراسيا، وتشغل نحو ثلث مساحتها (31.5%)، وأقصى نقطة شمالية وشرقية في القارة هي نفسها أقصى نقطة شمالية وشرقية لروسيا، وبوقوعها في قسمي العالم: أوروبا وآسيا، تشغل روسيا -في آن واحد- شرقي أوروبا وشمالي آسيا.
ويتفق الحد بين شقي أوراسيا، الذي يقع نفسه في داخل روسيا، مع جبال الأورال، وحين تقترب منه في عدد من الأماكن الطرق الحديدية والبرية، متقاطعة مع الجبال، تقف شواهد صخور قديمة أو شواهد من نصب تذكارية حديثة دالة على الحد الفاصل/ الواصل بين أوروبا وآسيا.
وبناءً على ذلك، ينتمي إلى أوروبا نحو خُمس مساحة روسيا (22%)، وينتمي إلى القطاع الآسيوي من روسيا ما يربو على ثلاثة أرباع مساحة البلاد، وعند بلدة توف، قرب مدينة قيزل، يقع القلب الجغرافي للقارة الآسيوية، وعبر جزر فارانجيل وتشوكوتك يمتد خط طول 180؛ ومن ثم فإن أجزاء من الشرق الأقصى الروسي تقع في نصف الكرة الغربي.
وأخذًا في الحُسبان هذا الحجم، تشغل روسيا المرتبة الأولى في العالم، إذ تبلغ مساحتها 17.1 كم، أي أكبر من حجم جميع الدول الأوروبية مجتمعة، ومن حيث المساحة فإن روسيا لا تقارن بحجم دولة، بل بحجم قارة بأسرها، فمساحة روسيا أكبر من مساحة أستراليا والقارة القطبية الجنوبية، ولا يفوقها مساحة -بسوى قليل- إلا قارة أمريكا الجنوبية (التي تبلغ مساحتها 18.2 كم)، فروسيا تتجاوز بمقدار 1.6 – 1.8 مرة كبرى دول العالم: الولايات المتحدة والصين، بل تتجاوز بنحو 29 مرة مساحة أوكرانيا؛ كبرى دول أوروبا مساحة.
تقع روسيا في نصف الكرة الشمالي، وتوجد أبعد نقطة قارية (رأس شيليوسكين) في شبه جزيرة تايمير، على دائرة عرض 77.43 شمالًا، وأبعد نقطة جزرية (رأس فليجلي) تقع على جزيرة رودلف في أرخبيل زمليا فرانتس- جوزيف على دائرة عرض 81.49 شمالًا، ولا تبعد الأراضي الروسية عن نقطة القطب الشمالي بسوى نحو 900 كم، أما أقصى نقطة جنوبية فتقع على دائرة عرض 41.11، وذلك في جنوب غرب جبال بازارديوزا، في القسم الشرقي من السلسلة الرئيسة لتقسيم المياه في جبال القوقاز الكبرى، على حدود داغستان مع أذربيجان.
الاتساع الذي تمثله روسيا بين أقصى الأطراف الشمالية والجنوبية يتجاوز 40 دائرة عرضية، وتبعد أقصى نقطة في اليابس القاري الرئيس شمالًا عن نظيرتها جنوبًا بنحو 36.5 درجة، ويزيد هذا على 4000 كم.
وهذا الامتداد المساحي من الشمال إلى الجنوب من منظور دوائر العرض ترك أثره على نحو متباين في مستويات الحرارة على سطح أرض روسيا، ومن ثم تشكيل ثلاثة أحزمة مناخية بأراضيها (القطبي، شبه القطبي، والمعتدل)، فضلًا عن عشرات النطاقات البيئية: من الصحراء القطبية شمالًا إلى صحراء النطاق المناخي المعتدل جنوبًا.
ويقع الجزء الأكبر من الأراضي الروسية فيما بين دائرتي عرض 50 و70 شمالًا، ومن ثم يقع نحو 20% من أراضي روسيا داخل الدائرة القطبية الشمالية.
وفي منطقة كاليننغراد (عند خط طول 19.38 شرقًا) تقع أبعد نقطة غربية في الأراضي الروسية، وبما أن إقليم كاليننغراد معزول عن بقية مساحة أراضي روسيا، وتحيط به أراضي دول أخرى، فإن هذا الإقليم أقرب إلى جزيرة تبعد عن جسم الأرض الروسية الأساسية بنحو 500 كم غربًا.
وأبعد نقطة غربية في اليابس الروسي الرئيس تقع إلى الشمال بقليل من التقاء حدود ثلاث دول: روسيا، وإستونيا، ولاتفيا، وذلك عند حدود إستونيا على ضفة نهر بيديرز (الرافد الأيمن لنهر داوغوف)، عند دائرة عرض 27.17 شرقًا.
أما أقصى نقطة شرقية في أرض روسيا فتغسلها مياه مضيق بيرنغ، فهنا على شبه جزيرة تشوكوتشك تقع أبعد نقطة على اليابس القاري لروسيا: رأس ديچينف (خط طول 169.40 غربًا)، أما على جزيرة راتمانوف، الواقعة في مجموعة جزر ديوميد، فتوجد أبعد نقطة للأراضي الجزرية (169.40 غربًا)، والامتداد بين الطرفين الغربي والشرقي لروسيا يمتد على نحو 171.20 درجة، أو ما يعادل 10 آلاف كم). وأمام هذا الامتداد الضخم للأراضي الروسية من الغرب إلى الشرق، تتغير درجة المناخ القاري، وما يستتبع ذلك من ظهور قطاعات تفصيلية في التغير البيئي، كما يترتب على ذلك تباين كبير في التوقيت المحلي بالأقاليم (10 نطاقات زمنية)، فحين يهل الليل على سواحل البحر البلطي غربًا يكون قد أشرق يوم جديد على شبه جزيرة تشوكوتشك.
تمتد حدود روسيا إلى نحو 60 ألف كم، تشكل الحدود البحرية منها نحو 40 ألف كم (نحو الثلثين)، في حين تشكل الحدود البرية النسب الباقية (منها 7600 كم حدودًا عبر الأنهار والبحيرات). وبينما تقع الحدود الشمالية الشرقية في فئة الحدود البحرية، نجد أن الحدود الغربية والجنوبية في معظمها حدود برية.
ولا ترتبط الحدود الغربية لروسيا مع أي حدود طبيعية، وتبدأ هذه الحدود عند بحر بارانتس من فيورد فارانغر، ثم تسير عبر تلال تغطيها غابات التندرا، ثم مع مجرى نهر” باز”، وفي هذا القطاع المحدود تتجاور روسيا مع النرويج، ثم تصبح فنلندا جارة لروسيا، حين تمر الحدود بينهما عبر مناطق بحيرات وتلال إلى أن تصل إلى الخليج الفنلندي في البحر البلطي، وفي أقصى الغرب، وعلى سواحل البحر البلطي، وخليج غدانك، يقع إقليم كاليننغراد، الذي يجاور بولندا ولاتفيا. أما الجزء الأكبر من الحدود مع لتوانيا فيسير مع نهر نيمانوا (بنامانس) ورافده شوشويب.
ومن الخليج الفنلندي تسير الحدود مع نهري تارفى وتشورسك، وبحيرة بسكوف، ثم تخترق الحدود سهول منخفضة، وبعض مرتفعات وأنهار (خاصة الجزء الأعلى من أنهار دفينا، ودنيبر، وديسنا، وسيوما)، ثم تكمل الحدود مسيرتها عبر بعض بحيرات وصولًا إلى بحر آزوف، وخلال هذه الحدود الممتدة إلى نحو 1000 كم تجاور روسيا جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق: إستونيا، ولاتفيا، وبلاروس، وأوكرانيا.
أما الحدود الجنوبية فتشبه الغربية في أن أغلبها حدود برية، تبدأ عند مضيق كيرتش الذي يربط بحر آزوف بالبحر الأسود، ثم تسير مع الساحل حتى مصب نهر يسو، ثم بعدها تبدأ الحدود البرية مع كل من جورجيا وأذربيجان، وتسير هذه الحدود مع وادي بسو، ثم بعدها تسير في معظم الأحوال مع خط تقسيم المياه، أو مع السلسلة الرئيسة لجبال القوقاز الكبرى وصولًا إلى وادى سامور، الذي يصب في بحر قزوين، وعلى هذا النحو فإنه في إقليم القوقاز الكبرى، تتفق حدود روسيا -بوضوح- مع معالم طبيعية وبيئية، وهذا يدل على أن البيئة حدت من إمكانات استيطان إقليم القوقاز، بسبب الارتفاع الشاهق للمنحدرات الجبلية، ويبلغ امتداد الحدود عبر القوقاز نحو 1000 كم.
ثم تسير حدود روسيا عبر مياه بحر قزوين، وبنهاية الحواف الشرقية لدلتا الفولغا تبدأ حدود برية مع كازاخستان، وتسير هذه الحدود عبر الصحراء والسهول المنخفضة في شرق بحر قزوين، مخترقة منطقة التقاء جبال موچدچر مع جبال الأورال، كما تكمل الحدود عبر الجزء الجنوبي من سيبيريا الغربية وجبال ألطاي، وتعد الحدود مع كازاخستان هي الأطول (ما يزيد على 7500 كم). ثم في إقليم سهول كولوندنسك تمتد إلى نحو 450 كم من الشمالي الغربي نحو الجنوب الشرقي، تقريبًا بخط مستقيم، وعلى نحو موازٍ تقريبًا لنهر إرتيش. وفي حقيقة الأمر يمتد نحو 1500 كم من الحدود مع كازاخستان، متفقة من مجاري أنهار مثل أوزين الصغير، وأورال، ونهر إليوك (الرافد الأيسر لنهر الأوال)، ونهر طوبول، ونهر أوي.
وبنهاية الحدود مع كازاخستان تمر الحدود شرقًا عبر جبال ألطاي، وتبدأ هذه الحدود عبر سلسلة الجبال التي تفصل حوض قطون شمالًا (في روسيا) عن حوض نهر بوخطرم جنوبًا (في كازاخستان)، وكلاهما رافد لنهر إرتيش.
وتسير معظم حدود روسيا من ألطاي إلى المحيط الهادئ عبر حزام جبلي، وفي هذه الأقاليم تلتقي سلاسل جبال ألطاي الجنوبية، وألطاي المنغولية، وجبال سايليوج، وهنا تلتقي حدود ثلاث دول (كازاخستان، وروسيا، والصين) ويبلغ طول حدود روسيا مع منغوليا والصين ما يعادل تقريبًا طول حدود روسيا مع كازاخستان.
ثم تسير الحدود عبر جبال سايليوج، والحد الشمالي لمنخفض أوبسونور، وعبر سلسلة جبال توف، وسيان الشرقية (سيان الكبير)، وجنوب البيكال، وأنهار أرجون، وأمور، وأوسوري.
ومن الملاحظ أن نحو 80% من الحدود مع الصين تتفق مع حدود نهرية، ثم تتقاطع حدود روسيا مع الجزء الشمالي لبحيرة خانكا، ثم تسير عبر سلاسل “الجبال السوداء” إلى أن تصل إلى أقصى حدود روسيا الجنوبية مع كوريا الشمالية عند نهر طومانيا، ولا يزيد طول الحدود مع كوريا الشمالية على 17 كم، ومن هناك تنتهي الحدود عند بحر اليابان إلى الجنوب من خليج بوسيت.
والحدود الشرقية لروسيا حدود بحرية مع المحيط الهادئ وبحاره: اليابان، وبيرنغ، أخوتسك. وعبر هذه الحدود تتجاور روسيا مع اليابان والولايات المتحدة، وتسير الحدود مع اليابان عبر مضايق بحرية متسعة نسبيًّا هي: لابيروز، وكوناشير، وإزمين، وسوفت، وهي تفصل الجزر الروسية (سخالين، وكوناشير، وتانفيليف ” كوريل”) عن جزيرة هوكايدو الياباناية.
أما الحدود مع الولايات المتحدة فتتلاقى عبر مضيق بيرنغ، حيث تقع مجموعة جزر ديوميد، وهنا بالتحديد يفصل مضيق بيرنغ بين جزيرة راتمانوفا الروسية وجزيرة كروزنيشتيرن الأمريكية.
فمن أبعد نقطة شرقية في جزيرة راتمانوفا (قرب الولايات المتحدة) إلى أبعد نقطة غربية على جزيرة ريباتشي (في شبه جزيرة كولسك قرب فنلندا)، وفي اتجاه القطب الشمالي، تسير الحدود القطبية لروسيا بداية من خط عرض هاتين النقطتين.
بهذا الموقع الجغرافي ترتبط الخصوصية الأساسية للقدرات البيئية لروسيا، فروسيا -كدولة شمالية- هي دولة غابات وتندرا، وثلوج وجليد يدومان سنوات طويلة؛ ومن ثم هي دولة الأقاليم الساحلية، لكن معظم سواحلها تقع قبالة بحار شمالية باردة، ومتجمدة في كثير من الأحيان.
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تقع في أكثر الأجزاء الشمالية الشرقية لقارة آسيا من حيث قسوة الظروف الثلجية، ويقع في الأراضي الروسية قطب البرودة لنصف الكرة الشمالي؛ ومن ثم فروسيا مفتوحة أمام “التيارات الباردة” التي يبثها المحيط المتجمد الشمالي، ويقع الجزء الأكبر من الأراضي الروسية شمالي دائرة العرض 60 شمالًا، وهذا هو النطاق القطبي وشبه القطبي، ويقدر أن نحو 65% من مساحة روسيا يقع في هو نطاق التجمد لسنوات طويلة، ويعيش في هذه المنطقة نحو 140 مليون إنسان، ولا يوجد في العالم هذا العدد الضخم من البشر يعيشون في هذه العروض العليا، وإلى الجنوب من خط عرض 50 شمالًا يقع 5% فقط من الأراضي الروسية.
وهذه الخصوصية الشمالية للبلاد ألقت بظلالها على ظروف معيشة السكان، وتطور الاقتصاد، ويتمثل هذا في الأساس في ضرورة بناء نظام لتدفئة مناطق السكنى ومنشآت العمل، وتهيئة معالف الحيوان (وهذا لا يعني فقط مجرد بناء أبنية خاصة للحيوانات، بل تهيئة الطعام المناسب لها)، وتوفير تقنيات خاصة تناسب الحياة في المناطق الشمالية، وتقنيات إزالة الثلوج لتجهز طرق النقل والشوارع والأرصفة، وهو ما يتطلب استهلاك قدر أكبر من الطاقة للتدفئة، في هذه الظروف منخفضة الحرارة، وكل ذلك لا يتطلب فقط تنظيم منتجات وإجراءات خاصة؛ بل ميزانية ضخمة للإنفاق في الأساس على مولدات الطاقة.
والظروف البيئية في روسيا لا تشجع على تنمية كبيرة في الاقتصاد الزراعي، وتقع روسيا في نطاق الأعمال الزراعية المخاطرة، فنقص الدفء في شمال روسيا، ونقص الرطوبة في الجزء الجنوبي، يؤديان إلى جفاف المحصول قبل نضجه، وهي ظاهرة شائعة الحدوث في الزراعة في روسيا، فكل عقد من الزمن تحدث ظاهرة كبيرة من جدب المحصول قبل نضجه، إلى درجة تستدعي تدخل الدولة باستخدام المخزون الحكومي من الحبوب.
على هذا النحو، فإن الموقع الشمالي لروسيا يفرض صعوبات على إدارة اقتصاد الدولة، وفي ظل ما ينفق على الكُلفة العالية في الطاقة من أجل تحقيق مستوى معيشة يناظر الدول المتقدمة -في ظل تلك المعطيات- فإن روسيا مضطرة إلى استهلاك طاقة بمقدار يتجاوز مرتين إلى 3 مرات أعلى من نظيرتها من تلك الدول. ومن أجل الحفاظ على الحياة دون تمجد في موسم شتاء واحد، تحتاج روسيا إلى طاقة للتدفئة تتفاوت من منطقة إلى أخرى من طن إلى 5 أطنان في السنة، ولجميع مواطني روسيا تبلغ الكمية نحو 500 مليون طن (وهو ما يعادل 40 مليار دولار وفقًا لأسعار النفط العالمية المعاصرة).
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.