مقالات المركزمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة

تعليم الفتيات في ظل صعود الجماعات الجهادية


  • 23 يناير 2025

شارك الموضوع

عقدت رابطة العالم الإسلامي مؤتمرًا لمدة يومين في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، تحت عنوان “تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة.. التحديات والفرص”. وقد أثار هذا الاجتماع ردود فعل متباينة بسبب عدم مشاركة حركة طالبان رغم دعوتها. وطالبت ملالا يوسف زاي -الحاصلة على جائزة نوبل للسلام- وإحدى المتحدثات في هذا الاجتماع، المشاركين بالاعتراف بالتمييز بين الجنسين الذي تمارسه حركة طالبان في أفغانستان. وقد أكدت رابطة العالم الإسلامي في بياناتها أن التعليم للبنات والبنين ضروري على قدم المساواة، ويجب توفير ظروف التعليم للفتيات في المجتمعات الإسلامية.

وسبق لشيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، أن وجّه رسالة إلى العالم، لا سيما فتيات أفغانستان ونساؤها، بعد إصدار حركة طالبان قرارًا بحظر التعليم الجامعي للفتيات والنساء، وقال إن “الأزهر يأسف أشدَّ الأسف لصدور قرار من السلطات في أفغانستان بمنع الفتيات الأفغانيَّات من التعليم الجامعي”، مؤكدًا أنه قرار يتناقض والشريعة الإسلامية، ويصدم دعوتها الصريحة للرجال والنساء في أن يطلبوا العلم من المهد إلى اللَّحد”. وتساءل شيخ الأزهر: “كيف غاب عن مصدري هذا القرار ما يزيد عن ألفي حديث شريف في أصح الكتب عند أهل السُّنَّة روتها زوج النبي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟ وكيف غاب عن هؤلاء ما حفل به تاريخ المسلمين من رائدات وأعلام في مجال العلم والتعليم والسياسة وناهضات المجتمعات الإسلامية قديمًا وحديثًا؟”.

يتصاعد نفوذ الجماعات الإسلاموية- الجهادية في العالم الإسلامي، خاصةً بعد أن سيطرت هيئة تحرير الشام على سوريا، وأسقطت نظام حزب البعث الذي يعد أحد أسوأ الأنظمة وأكثرها وحشية في التاريخ الحديث، ولكن هذا طرح أسئلة أخرى تتعلق بحقوق المرأة، لا سيما في ملف التعليم، وقد تحدث قائد الهيئة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) أنهم لا يرغبون في تكرار نموذج طالبان في حكم أفغانستان، لا سيما أن هناك فروقًا كبيرة في طبيعية كل المجتمع، مؤكدًا سماح الهيئة بتعليم الفتيات والنساء.

وتزامن تصريح الشرع، ومؤتمر رابطة العالم الإسلامي، مع ترحيب وزارة خارجية طالبان قائلة: “نأمل أن يتم المضي قدمًا في عملية انتقال السلطة على نحو يضع الأساس لحكومة إسلامية ذات سيادة، وموجهة نحو الخدمة بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري، ويوحد السكان بالكامل دون تمييز أو انتقام، من خلال اعتماد جمعية عامة، وسياسة خارجية إيجابية مع دول العالم تحمي سوريا من تهديد التنافس السلبي للجهات الأجنبية، وتخلق الظروف لعودة ملايين اللاجئين”؛ لذا في مثل هذا التوقيت الحرج في العالم الاسلامي، وفي ظل التغيرات السياسية المتسارعة، تأتي رسالة مؤتمر رابطة العالم الإسلامي في باكستان لتمثل نزع السلاح الفكري، ورفض “الفتوى” التي أصدرتها طالبان بشأن تعليم الفتيات والنساء، لا سيما أن هذا المؤتمر وصف -بوضوح- سياسة طالبان بأنها تتعارض مع القيم الدينية، خاصةً أن تركيز طالبان كان ينصب على إظهار امتلاكها كل الفتاوى الدينية، ولكن هذا المؤتمر الإسلامي الواسع يرفض فكرة احتكار “الشريعة” في قوالب متطرفة.

لذا طالبت ملالا يوسف زاي الدول الإسلامية بإدانة نظام طالبان بوصفه سبب الفصل العنصري بين الجنسين، وقالت إن طالبان تغطي أفعالها ضد النساء والفتيات بتبريرات ثقافية ودينية، وأعربت عن قلقها إزاء وضع المرأة، وأكدت أن حركة طالبان تدمر جيلًا كاملًا من الفتيات من خلال تطبيق سياساتها المناهضة للمرأة، وطالبت العلماء والقادة المسلمين بمنع الإبادة المنهجية للنساء والفتيات في أفغانستان. وقد اعتبرت أن مهمة طالبان واضحة، وأنهم يريدون إبعاد النساء والفتيات عن كل جانب من جوانب الحياة العامة، ومحوهن من المجتمع، قائلةً إن نظام طالبان أنشأ نظامًا للفصل بين الجنسين.

وقد أعلن محمد بن عبد الكريم عيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، في اليوم الأول من مؤتمر الرابطة عن تعليم الفتاة، إن بعض الجماعات تعرقل تعليم الفتيات من خلال استغلال اسم الإسلام استغلالًا سيئًا، وأضاف أن هذه التصرفات لا مكان لها في الإسلام، وأنه ستُبذَل الجهود لرفض الفتاوى التي تعوق تعليم الفتيات باسم الإسلام، وأضاف أن هناك مفاهيم خاطئة في بعض المجتمعات الإسلامية، لكن علماء المسلمين اجتمعوا على رفض هذه المعتقدات، وسيصدر بيان مشترك. كما أشار إلى أن هذا البيان يؤكد ضرورة تعليم المرأة لتقدم المجتمع، وأن جميع العلماء والمذاهب الإسلامية متفقون على ذلك، كما اتفق علماء الأديان المختلفة في هذا اللقاء على أن التعليم ضروري للمرأة كما هو ضروري للرجل.

وأكد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه، أن المنظمة ملتزمة بضمان وتعزيز تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة، وأن المرأة المتعلمة تشكل قيمة مضافة للمجتمعات الإسلامية، ومشاركتها في مسيرة التنمية مهمة جدًّا، وأن قرارات منظمة التعاون الإسلامي على مستوى القمة، وكذلك الاجتماعات الوزارية، أكدت بالإجماع، وبدون أي غموض، أهمية تعليم الفتيات، وأولت الأولوية لصياغة سياسات مستدامة، وتخصيص الأموال الكافية.

في الوقت الحاضر، تعد أفغانستان البلد الوحيد في العالم الذي تُحرم فيه الفتيات والنساء من الحق في التعليم والدراسة والعمل. وخلال السنوات الثلاث الماضية، أصدرت حركة طالبان أكثر من (80) أمرًا بحظر النساء والفتيات؛ مما أدى إلى إقصائهن عن كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ورغم الضغوط الداخلية والخارجية، تواصل هذه الجماعة فرض القيود، وتكثيف قمع مطالب النساء، لكن الأزهر الشريف، ورابطة العالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والهيئات الإسلامية الدولية الفاعلية، تحاول منع نشر هذا الفكر المتطرف، والأفكار الدينية المغلوطة، وتسيطر على انعكاساتها السلبية على مستقبل الدول الإسلامية، وهو ما يستدعي دعم الهيئات الإسلامية الوسطية من جانب الحكومات والهيئات الأممية؛ لتتمكن من تغيير هذا التدهور المتزايد في مجال حقوق الإنسان عمومًا، لا سيما أنه يتم تحت غطاء الفتاوى الدينية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع