أبحاث ودراسات

مقدمة للتحالف أم من مقتضيات الضرورة التكتيكية

تطور العلاقات الروسية-الإيرانية بعد الحرب الأوكرانية


  • 20 مايو 2024

شارك الموضوع

ملخص

تبحث الورقة في تطور العلاقات الروسية- الإيرانية بعد الحرب الروسية- الأوكرانية، لا سيما التسارع الظاهر في الاتفاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، والبحث في إمكانية ارتقاء العلاقة بين الدولتين إلى المستوى الإستراتيجي، بالنظر إلى محورية الاقتصاد والتجارة في عملية التخطيط السياسي، ومن خلال استعراضها لجوانب تعاون الدولتين، بعد عرض تاريخي للعلاقة بينهما، للوصول إلى سيناريوهات تجيب عن السؤال الذي تطرحه الدراسة، عن مستقبل العلاقات الروسية الإيرانية في ظل تسارعها الحالي، وهل هي ضرورات تكتيكية، أم مقدمات علاقة إستراتيجية؟ مرجحة استمرار العلاقات الروسية- الإيرانية على شكلها الحالي (تطور ملحوظ في بعض الجوانب، مع تباين وافتراق في جوانب أخرى)، بما يمكن توصيفه بـ”شراكة تكتيكية غير رسمية، وغير مستقرة، ومحدودة النطاق والزمان”، بانتظار مخرجات الحرب الروسية-الأوكرانية، دون بلوغها المستوى الإستراتيجي؛ نظرًا إلى ما تتطّلبه العلاقة الإستراتيجية من عوامل مفقودة لدى الجانبين، إضافة إلى التحديات السياسية والجيوسياسية والاقتصادية التي تعوق بلوغهما المستوى الإستراتيجي للعلاقة، مضاعفة بفقدان الثقة التاريخية بينهما.

وتكمن إشكالية الدراسة في صعوبة فرز العامل المستقل، وهو العلاقات الروسية- الإيرانية، عن تأثير العامل التابع، وهو الحرب الروسية- الأوكرانية، في تطور علاقة البلدين، إضافة إلى تداخل عوامل أخرى، منها مسرّع، ومنها مثبّط، لتطور العلاقة بين الجانبين، مع ضبابية تغطي مجالات التعاون السياسي والعسكري بينهما، مقابل وضوحها في المجال الاقتصادي، وفيه يبرز الدور المحوري للممر الاقتصادي “شمال- جنوب”. ومع ذلك، فإن النظرة الروسية إلى إيران، تتلخص باعتبارها نقطة وصل وعبور إلى الهند ودول الخليج العربي وإفريقيا، دون اعتبارها هدفًا اقتصاديًّا أو تجاريًّا مستقلًا، فالاقتصادان الروسي والإيراني متنافسان، وغير متكاملين. وتضيف العقوبات الغربية المفروضة عليهما تحديات وعقبات تعرقل تعاونهما أو تكامل اقتصاداتهما. كذلك تشير بعض الوقائع إلى عدم تعويل أي منهما على الآخر في تنميته الاقتصادية، أو انتشاله من مستنقع العقوبات الغربية، فأقصى ما يمكن أن تقدمه إيران لروسيا هو الخبرة العميقة في الالتفاف على العقوبات، فيما تغيب المصلحة الروسية في تطوير صناعة الطاقة الإيرانية، وطرق إمدادها؛ لكون قطاع الطاقة أحد ميادين تنافس الدولتين.

مقدمة

لا يزال التاريخ مرآة لاستشراف المستقبل، ومن خلاله يمكن توصيف العلاقات الروسية الإيرانية بالتأرجح وانعدام الثقة، مع عداء دفين؛ نتيجة لإرث تاريخي ثقيل خيّم على علاقة الجارتين، حيث تطورت العلاقة بينهما من علاقات تجارية إلى علاقات دبلوماسية عام 1589، زمن الشاه الصفوي عباس الأول (1571-1629)، والقيصر الروسي فيودور الأول (1584-1598)؛ نتيجة رؤى مشتركة لإضعاف النفوذ العثماني. ونتيجة لتصادم مشروعيهما للتوسع الإقليمي وصراع التفوق في منطقة القوقاز لاحقًا، زمن نادر شاه (1688-1747)، والقيصر بطرس الأكبر (1682-1725)، تأزمت علاقة الدولتين، ثم تدحرجت وصولًا إلى أدنى مستوياتها خلال حربي (1804-1813)، (1826-1828)، اللتين انتهتا بمعاهدتي “كلستان وتركمنشاي”، اقتطعت روسيا بموجبهما أراضي من شمال إيران (أذربيجان، وجورجيا، وأرمينيا، وداغستان، وأجزاء من تركيا)[1] ، إلى جوار ضمانهما حق روسيا في نشر أسطول عسكري في “قزوين”، مع ممارستها الأعمال التجارية في بلاد فارس (إيران) كما تشاء، مع تقييدهما حرية تنقل إيران في بحر قزوين.

وفي عام 1921، وبهدف تحسين العلاقة مع الجارة الجنوبية، وقّع الجانبان اتفاقية تنازل بموجبها البلاشفة الروس عن الامتيازات والأراضي التي اقتطعتها روسيا القيصرية من إيران، إلا أن ما اصطلح على تسميته بـ”اللعبة الكبرى” (تنافس روسيا وبريطانيا وسط وجنوب آسيا خلال القرن التاسع عشر) أبقى إيران ضحية تنافس الخصمين وتوافقهما. ففي عام 1938، سيطرت القوات الروسية على شمال إيران، بالتوافق والتزامن مع سيطرة بريطانية على جنوبها، وأرغمتا الشاه “رضا بهلوي” على التنازل عن العرش لابنه “محمد” ">[2]. كذلك تلكأت روسيا، نهاية الحرب العالمية الأولى، في سحب قواتها من إيران، ودعمت جمهوريتي “كردستان” و”أذربيجان” الانفصاليتين؛ ما استدعى الخديعة (أسلوب مارسه الطرفان في علاقاتهما) من جانب رئيس الوزراء الإيراني أحمد قوام السلطنة؛ للوصول إلى اتفاق مع روسيا، قضى بمنحها امتيازات نفطية، ووزارات مرؤوسة من جانب حزب توده (الحزب الشيوعي الإيراني)، مقابل انسحاب قواتها من إيران، مع حيادها تجاه إعادة بسط الحكومة الإيرانية لنفوذها على كامل أراضيها (لم يصدّق البرلمان الإيراني على الاتفاق، بعد تحقيق إيران أهدافها).

ولّد سقوط الشاه محمد رضا، حليف واشنطن والغرب، عام 1979، ارتياحًا حذرًا لدى موسكو، لكن الأيديولوجيا الثورية للنظام الجديد في إيران، المتعارضة مع أيديولوجيا موسكو الشيوعية، زادت ارتباك علاقة الجانبين، بدلًا من إزالة عدم الاستقرار عنها، حيث تناقضت مواقف الطرفين تجاه الغزو السوفيتي لأفغانستان، وشكّل العراق ساحة متكررة لخلافاتهما، بدءًا من دعم الاتحاد السوفيتي للعراق في حربه مع إيران، إلى تسهيل إيران اجتياح الولايات المتحدة للعراق، وصولًا إلى بناء إيران نفوذًا سياسيًّا وأمنيًّا في العراق، الذي تعتبره روسيا ضمن ساحات نفوذها التقليدية.

ومع تلكؤ روسيا في تنفيذ اتفاقيات التعاون العسكري والنووي المعقودة مع إيران، اتسعت الفجوة بين الجانبين، وضاعفها استخدام موسكو ورقة إيران في مقايضاتها السياسية مع الولايات المتحدة، حيث قيّدت روسيا، بموجب وثيقة “غور-تشيرنومردين” عام 1995، تعاونها العسكري مع إيران [3]، كتكرار رسمي أوسع لتعهد الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين لنظيره الأمريكي آنذاك بيل كلينتون بإلغاء اتفاقية وقعتها روسيا مع إيران عام 1991، نصت على تقديم روسيا لطهران مساعدات فنية لإنتاج قرابة ألف دبابة طراز “T-72S” مع ذخيرتها [4]. وأشارت روسيا إلى إمكانية حياد مشابه لموقفها تجاه كوسوفو والعراق، حال توجيه ضربة عسكري أمريكية لإيران ">[5]، وصوتّت على نقل ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي، وعلى قرار المجلس رقم 1696 لعام 2006، الذي طالب إيران بوقف تخصيب اليورانيوم على أراضيها. كذلك صوّتت لاحقًا على القرار 1929 لعام 2010، القاضي بفرض عقوبات على إيران، ووقّع الرئيس الروسي آنذاك، ديمتري ميدفيديف، مرسومًا يقضي بوقف شحن منظومة إس 300 إلى إيران تنفيذًا للقرار [6]. وقبل ذلك التاريخ، قدمت موسكو مشروع القرار 1835 لعام 2008، الذي طالب إيران بتنفيذ كل القرارات الدولية الخاصة بالوقود النووي؛ حينئذ اتهم الرئيس الإيراني آنذاك، محمود أحمدي نجاد، نظيره الروسي، بأنه قد باع نفسه للشيطان. متسائلًا: “أصدقاؤنا وجيراننا، هل هم معنا أم يبحثون عن شيء آخر؟”، راجيًا السلطات الروسية تقدير كلماته الودية “وألا يتركوا الشعب الإيراني يعتبرونهم في صفوف أعدائهم التاريخيين” ">[7].

وحتى اليوم، لا تزال مواقف انعدام الثقة مستمرة بين البلدين، إذ اعتبرت إيران طلب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الحصول على ضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة بعدم تأثر التعاون الروسي- الإيراني في المجالات التجارية والاقتصادية والفنية، في حال العودة إلى الاتفاق النووي، بالعقوبات المفروضة عليها من جراء غزوها لأوكرانيا، خطوة روسية هادفة إلى عرقلة التوصل إلى إعادة إحياء الاتفاق، وهو ما يعكس تغلغل فكرة التوظيف الروسي لورقة إيران في تنافسها مع الغرب في العقل السياسي الإيراني. وقد ذهب بعض المفكرين والسياسيين الإيرانيين إلى تفسير دعم إيران للمجهود الحربي الروسي في أوكرانيا، على أنه خديعة روسية ترمي إلى جر إيران إلى مستنقع تتحول فيه سياستها الخارجية رهينة بيد روسيا [8]. وفي مقابل دعم موسكو جهود حل قضية الجزر الثلاث المتنازع عليها بين دولة الإمارات العربية وإيران وفقًا للتحكيم وقواعد القانون الدولي، تحفّزت طهران لإحداث القلاقل لروسيا في نزاعها مع اليابان بشأن “جزر الكوريل” [9]. ووصف حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان، والمقرب من المرشد الأعلى للثورة الإيراني، وصف الوزير لافروف بـ”الخائن والمنافق”، بعد إعادة موسكو تأكيد دعمها للإمارات، في البيان الصادر عن الاجتماع العربي الروسي بمدينة مراكش المغربية أواخر عام 2023 [10].

مخاوف وأهداف مشتركة

مع تسلّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقاليد الحكم في موسكو عام 2000، شهدت علاقة الدولتين تحولًا ملحوظًا، نظرًا إلى اهتمامه بقضايا أمن روسيا داخليًّا وخارجيًّا، واشتراك البلدين في مخاوف صعود التطرف في دول آسيا الوسطى، وسبل مواجهة مخاوفهما الأمنية القادمة منها، مع تنسيق جهودهما في مواجهة التهديدات الأمنية، والتوترات السياسية القادمة من الجمهوريات الناشئة عن تفكك اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية.

 وتعلّل الدولتان تقاربهما بـ”شراكة القيم”، وإجماعهما على المحافظة على الحياة الاجتماعية (الأسرة في مواجهة العلاقات الجنسية الغربية المنحلة أخلاقيًّا)، ومناهضة الغرب، والأوراسية، مع تشارك جهودهما في تغيير النظام الدولي، الغربي بقيمه وحصاد مكاسبه، وبناء نظام دولي متعدد الأقطاب، مع رفضهما توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقًا، وتقارب نظرتهما إلى ثورات “الربيع العربي”، باعتبارها مؤامرات غربية رامية إلى إعادة تشكيل شرق أوسط جديد، مخصومًا منه النفوذان الروسي والإيراني، وهو ما أسهم في تلاقي الدولتين، وشكّلت سوريا أول ساحات التعاون والتنسيق “الناجح” بينهما وأبرزها.

سوريا.. شراكة الضرورة

مع فشل مبادراتها في تطوير علاقتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، إلى جوار الرغبة في التخلص من تبعات نهاية الحرب الباردة، والحصار الاقتصادي الغربي، بعد ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، أقدمت موسكو على انخراط عسكري في سوريا، بعد قناعتها بضرورة تدخل قوي وفاعل، بالنظر إلى مجمل تطورات المنطقة، من المد القوي لتيار الإسلام السياسي خلال موجات “الربيع العربي”، إلى “خديعة” حلف الناتو، عبر قرار مجلس الأمن 173 لعام 2011، الذي أدى إلى إسقاط نظام الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي؛ مما سبّب خسارة حليف لروسيا مع مليارات الدولارات القادمة من صفقات الأسلحة مع نظام القذافي.

ومع غياب أي دولة داعمة لنظام الأسد سوى إيران، تلاقت مصالح الدولتين في دعمهما لنظام الأسد في سوريا، لا سيما بعد قناعة روسية بأن عداء إيران للولايات المتحدة لم يتغير؛ وبذلك ولد تحالف اضطراري غطى سنوات تأرجح العلاقات بين الدولتين، قال عنه خبير معهد الشرق الأوسط، فلاديمير ساجبن: “لدينا عمل مشترك في سوريا لدعم نظام الأسد، مع أن البلدين يتخذان من هذا مواقف مختلفة”، حيث قام التدخل الإيراني على اعتبارات أيدولوجية وجيوسياسية؛ فسوريا حليف حاسم لإيران في العالم العربي، وذات قيمة إستراتيجية كبيرة؛ لكونها جسر جيو- سياسي يسمح لإيران بالوصول إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط. في المقابل، قامت السياسة الروسية على اعتبارات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية، فللحفاظ على وجود عسكري في البحر المتوسط، مع توسيعه، أقدمت موسكو على الدخول عسكريًّا إلى سوريا، لا سيما مع تقدم قوات المعارضة السورية غرب سورية منتصف عام 2015. كذلك سعت روسيا سياسيًّا إلى استعادة مكانتها بوصفها قوة عالمية في المقام الأول؛ من خلال إبراز القوة والتأثير في مسار الأزمة السورية، ووضع العراقيل أمام الحلول الأمريكية لها. كذلك سعت موسكو في المجال الاقتصادي إلى الحفاظ على سوريا بوصفها عميلًا رئيسًا للمعدات العسكرية الروسية، مع أداء دور محوري في قطاع الطاقة السوري وتوسيعه ">[11]، إضافة إلى عرقلة طرق مشروعات إمداد الطاقة إلى أوروبا عبر سوريا، والمتصادمة مع إستراتيجية روسيا بتوظيف الطاقة سلاحًا في مواجهة الغرب.

وبناء على هذا، دخلت الدولتان الساحة السورية بأهداف ووجهات نظر مختلفة، المشترك فيها تثبيت سلطة نظام الأسد بهدف تأمين مصالحهما في سوريا؛ لذا غاب تنسيقهما العسكري العالي عن المجالات الأخرى، كالسياسي، والاقتصادي، فتلاقيهما على دعم نظام الأسد، ووحدة التراب السوري، والقضاء على “التنظيمات الإرهابية”، ومزاحمـة الـدور الأمريكـي في منطقـة الشـرق الأوسـط، لم يمنع افتراقهما في قضايا عدة، شكّلت معركة حلب بداية ظاهرة لهذا الافتراق، حيث توجهت روسيا بعد ذلك إلى الاهتمام بـ”الحل السياسي”، فيما توجهت إيران إلى استكمال “الحل العسكري”، مع تباين وجهتي نظرهما بشأن حدود الدوريــن التــركي والأمريكــي في مسار التسوية السورية، والتفاهم الروسي- الإسرائيلي في سوريا، ومعادلة الحكم، وشكل الدولة الجديدة، مع تنافسهما على تقاسم مناطق النفوذ، وتقسيم الموارد في سوريا، وعقود إعادة إعمارها، وبدا ذلك بتنازعهما على موارد الطاقة، والفوسفات، والمواني، التي شهدت بروزًا أكثر من غيرها، مع استهداف الطيران الروسي لقــوات إيرانيــة فــي مدينة حمــص، وقصف متكرر لميليشيا حــزب الله فــي حماة وحلب ومطارها، بالإضافة إلى اشتباك عناصر من الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، الموالــي لإيران، مع عناصر من الفرقة الخامســة، بقيادة سهيل الحسن، الموالي لروسيا في منطقة الغاب بريف حماة ">[12].

الحرب الأوكرانية تسرّع تطوير علاقة الدولتين

إذا كانت الحرب السورية قد أسهمت في توطيد العلاقات الروسية- الإيرانية، من خلال إدارتهما للخلافات التكتيكية العرضية، وتحديات التنسيق بينهما خلالها، فإن الحرب الروسية- الأوكرانية قد نقلت العلاقة بين الدولتين إلى مستوى جديد، مع تبني طهران الحجج الروسية للحرب، مع دعمها مجهود روسيا العسكري الروسي في الحرب. فبالإضافة إلى رغبتها في تجــاوز حلقــة انعدام الثقــة التاريخيــة مع روسيا، قــدمت إيــران نفســها لروســيا ومعســكر المناوئيــن للغــرب باعتبارهــا شــريكًا موثوقــًا به. وفي إطار جهودها لتعزيز الشراكة، قدمت طهران ما يزيد على 500 مسيرّة إلى روسيا، مع استمرارها في التصنيع وتسليم الأخيرة نحو 150 طائرة مسيّرة شهريًّا [13]؛ للاستخدام في تدمير البنى التحتية والمرافق الحيوية الأوكرانية، بالاستفادة من فاعليتها التدميرية، وتكلفتها المنخفضة؛ ما يحفظ مخزون السلاح الاحتياطي الروسي لمدة أطول. مع ذلك، فإن تعاون الطرفين في أوكرانيا يبقى محكومًا بعدة عوامل، قد تعجز موسكو عن تجاوزها، كتفاهم أمريكي- إيراني تولّده الدبلوماسية الخلفية التي تعتمدها الدولتان الأخيرتان؛ لإرساء أرضية مناسبة لإعادة إحياء التفاوض المتعثر في الملف النووي الإيراني، أو التفاهم الروسي- الإسرائيلي الخاص بسوريا، إذ إن تجاوز موسكو في علاقتها مع طهران لخطوط تل أبيب الحمراء، كإفساح المجال لاستقدام إيران أنظمة صواريخ أرض- جو متطورة إلى سوريا، أو تزويد موسكو طهران بطائرات حربية من طراز Su-35، أو SA-21، ومنظومة الدفاع الجوي S-400، أو زيادة مساعدتها في برنامجها النووي أو الفضائي، قد يؤدي إلى إقدام إسرائيل على دعم أوكرانيا بمساعدات عسكرية فتاكة [14]، وهي خطوط حمراء تنسحب إلى العلاقات الروسية العربية أيضًا، والخليجية منها تحديدًا، مع إمكانية تأثيرها السلبي في الاتفاق السعودي- الإيراني الذي رعته الصين، ما يثير حفيظة بكين، وهو ما لا ترغب فيه موسكو.

ساحات التعاون بين الدولتين

  • التعاون السياسي- الأمني- العسكري والاستخدام المزدوج

في سياق رؤاهما المشتركة لإضعاف الهيمنة الغربية، اتخذ التعاون الروسي- الإيراني أشكالًا متعددة، يتقدمها الأمني والعسكري. وسابقًا، وقّع البلدان عام 2007 اتفاقية دفاع جوي مشترك بقيمة 700 مليون دولار، أبدت موسكو بموجبها رغبتها في بيع أنظمة صواريخ 300-S لإيران. كذلك أبرمت الدولتان اتفاقًا خاصًا بمشروع إيران النووي، زودت بموجبه روسيا إيران بالوقود اللازم لمفاعل بوشهر، مقابل التزام الأخيرة بإعادة الوقود المستهلك إلى روسيا؛ لضمان عدم استخراج البلوتونيوم اللازم في البرامج النووية العسكرية [15]. كما نشأت علاقات أمنية وسياسية بينهما، زادت خلالها نقاشاتهما ولقاءاتهما التشاورية والاستكشافية منذ عام 2015، توصلا خلالها إلى اتفاق على توسيع نطاق تعاونهما لرفع حظر الأسلحة والعقوبات المفروضة عن إيران، مع إبداء طهران رغبة في اقتناء دبابات روسية (90-T)، وإرسال خبراء عسكريين إلى موسكو للتدرب على المعدات الدفاعية الحديثة [16]، مع توقيعهما اتفاق تعاون خاصًا ببرامج التدريبات العسكرية المشتركة، وتبادل الخبرات الخاصة بمكافحة الإرهاب، والسماح لقواتهما البحرية بالاستخدام المتبادل للمرافئ. وكانت روسيا قد سلمت طهران، بداية عام 2000، ست طائرات من طراز Su-25، معدة للهجوم الأرضي [17].

وأعلنت روسيا، مطلع عام 2021، نيتها إقامة تدريبات عسكرية بحرية مشتركة مع الصين وإيران في المحيط الهندي، بعد تجربة سابقة، نهاية عام 2019 [18]، وكانت إيران قد شاركت، في سبتمبر(أيلول) 2020، في مناورات “القوقاز الروسية”، وخلالها اتفقت مع روسيا على إجراء مناورات بحرية منتظمة في بحر قزوين، والخليج العربي، ومضيق هرمز، مع تقديم عرض لروسيا باستئجار ثلاث قواعد بحرية إيرانية (تشابهار، وبندر عباس، وبندر بوشهر) بما يمكّن روسيا من الوصول إلى الخليج العربي، ودراسة نقل تكنولوجيا نووية وفضائية روسية إلى إيران، بما في ذلك، نشر منظومة صواريخ “إس 300″، أو صواريخ بالستية روسية بعيدة المدى في إيران، وقد قبلت موسكو هذا العرض. كما استضافت فنزويلا، في أغسطس (آب) 2022، تدريبات بحرية بين القوات الروسية والصينية والإيرانية، إلى جانب تدريبات عسكرية مشتركة للدول الثلاث في خليج عُمان مطلع عام 2022 [19]، وشمال المحيط الهندي، في آذار (مارس) 2023، تحت اسم “حزام الأمن البحري [20]، أعادت الدول الثلاثة إجراءها في خليج عُمان، في مارس (آذار) 2024 [21].

وأعلنت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة، في مارس (آذار) 2023، إتمام صفقة الطائرات المقاتلة SU 35 بين موسكو وطهران [22]، يمكن شمولها طائرات الهليكوبتر الهجومية Mi-28 و Ka-52″، حسب صحيفة نيوزييك [23]. غير أن خسائر روسيا للمعدات العسكرية في حربها المستمرة مع أوكرانيا، قد تحد من صادرات الأسلحة، خصوصًا مع تداعيات محتملة لهذه الصفقة على توازن العلاقات الروسية- الخليجية والروسية- الإسرائيلية، وكلتاهما ذات أهمية كبيرة لروسيا، لا سيما في فترة حربها مع أوكرانيا. ويعزز هذا التقدير، عجز إيران المحتمل، في ظروفها الاقتصادية الحالية، عن سداد قيمة الصفقة. وقد ذكرت بعض المصادر المفتوحة رفض روسيا السابق اتفاق بيع 24 إلى 50 طائرةSU-35   إلى إيران، مع ذكرها تزويد طهران بطائرات تدريب مقاتلة روسية الصنع من طراز YAK-130 [24].

وخلال حربها في أوكرانيا، زودت إيران روسيا بالطائرات المسيرة والمستشارين العسكريين لتدريب الجنود الروس على تشغيلها، مع اتفاقهما على بناء مصنع للمسيّرات في تتارستان، بقدرة إنتاجية تصل إلى ستة آلاف مسيّرة. وكذلك زودت طهران موسكو بـ100 مليون مقذوف من عيار صغير، و300 ألف قذيفة مدفعية، مطلع عام 2023 [25]. في المقابل، نقلت موسكو إلى إيران- بناء على طلب الأخيرة- أسلحة أمريكية وغربية متقدمة غنمتها في الحرب الأوكرانية، ليتولى الجيش الإيراني صنع نسخته الخاصة، بعد تفكيكها وتحليلها [26]، وذكرت وكالة رويترز للأنباء تزويد طهران لموسكو بـ400 صاروخ بالستي أرض- أرض، من طراز من “فاتح- 110″، و”ذو الفقار”، قادرة على ضرب أهداف على مسافة تتراوح بين 300 و700 كيلومتر [27]، ما يشير لتطورين مهمين؛ أولهما: جدية إيران في ارتقاء علاقاتها مع روسيا إلى شراكة إستراتيجية حقيقية، وثانيهما: فقدان الأمل في الدبلوماسية مع الغرب عمومًا، وفي إمكانية إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 خصوصًا [28]، فيما تشير بعض الآراء إلى سببين حاسمين يدفعان إيران إلى توطيد علاقاتها العسكرية مع روسيا؛ أولهما: حاجة طهران إلى تأمين معلومات استخباراتية عن العمليات الإسرائيلية والأمريكية ضد إيران، وثانيهما: الرغبة في الإفادة من مساعدة سياسية واستخباراتية روسية محتملة خلال الفترة الانتقالية إلى المرشد الأعلى الثالث لإيران [29]. ومهما يكن، ينفي رئيس جهاز المخابرات الأوكرانية، كيريلو بودانوف، صحة خبر تزويد إيران روسيا بصواريخ بالستية [30].

كذلك تعمل موسكو على تجهيز الوحدتين الثانية والثالثة من مفاعل بوشهر الإيراني، من خلال تنفيذ الأعمال التحضيرية لبناء محطات الضخ الرئيسة، وتعزيز المياه الجوفية، وبناء المباني المساعدة لكلا الوحدتين، مع إقامة جدران لحجرة المفاعل في الوحدة الثانية [31]، ووقعّت الدولتان اتفاقية تعاون في مجال أمن المعلومات (ISC) في ربيع عام 2022 [32] إلى جوار توقيع وكالتي فضاء البلدين اتفاقية لتعزيز التعاون بين صناعاتهما الفضائية نهاية عام 2022. وكانت روسيا قد أسهمت في إطلاق القمر الصناعي الإيراني “خيام” إلى المدار[33]، والذي أثار الشكوك بشأن ماهية عمله؛ باعتباره مخصصًا لأغراض عسكرية، وقد استخدمته روسيا لمتابعة تطور عملياتها العسكرية في أوكرانيا، بموجب اتفاق التعاون الفضائي الموقع مع إيران عام 2018 [34]، حيث تولي إيران أهمية كبيرة لتعاون روسيا معها في هذا الجانب، بعد فشل اختباراتها على قاذفات الأقمار الصناعية المصممة لحمل حمولات تبلغ 220 كيلوجرامًا، و350 كيلوجرامًا. وبالنظر إلى وزن “خيام” البالغ 600 كيلوجرام، لا مفر من الدعم الروسي لإيصاله إلى المدار، وهو أمر شديد الأهمية لإيران؛ لاتصاله بمسألة البث التليفزيوني، والاتصالات، والملاحة عبر الأقمار الصناعية المستقلة عن الأقمار الصناعية الخاصة بنظام تحديد المواقع العالمي “جي بي إس”؛ بهدف تحييد الأعمال المزعزعة لاستقرارها، في مجال البث التليفزيوني، والقنوات الفضائية المعادية. كذلك، فإن إطلاق أقمار صناعية لأغراض ملاحية يساعد إيران في أوقات الشدة؛ نظرًا إلى افتقارها السيطرة على نظام “جي بي إس”، مع إمكانية تقييد الولايات المتحدة  وصول إيران إليه في أوقات التوترات الشديدة بينهما [35]. وفي صيف عام 2022، كشفت طهران عن تحويل اتفاق شراء الأقمار الصناعية من روسيا إلى “اتفاق لنقل التكنولوجيا الفضائية”، تتشارك الدولتان بموجبه في تصنيع روسي إيراني لأقمار (خيام 2 و3 و4) [36]. ومؤخرًا، في فبراير (شباط) 2024، أرسلت روسيا قمرًا صناعيًّا إيرانيًّا إلى المدار [37].

سياسيًّا، كانت الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى روسيا، مطلع عام 2022. كذلك جاءت الزيارة الخارجية الثانية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد الحرب الأوكرانية، إلى إيران، في يوليو (تموز)2022، وخلالها، عبّر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، عن دعم إيران السياسي لروسيا في الحرب، معتبرًا إياها حربًا دفاعية استباقية، بالقول: “الحرب مسعى عنيف وصعب، والجمهورية الإسلامية ليست سعيدة على الإطلاق بأن الناس محاصرون في الحرب، لكن في حالة أوكرانيا، لو لم تتولَ القيادة الروسية زمام المبادرة، لفعل الطرف الآخر ذلك، وبدأ الحرب”[38]. كذلك عقد الرئيسان الروسي والإيراني قمتين؛ “قمة بحر قزوين” في تركمانستان، في 30 (يونيو) 2022، و”قمة طهران في 20 يوليو 2022، وتهاتفا مرات عدة [39]، إلى جوار اجتماعهما الأخير، خلال زيارة رئيسي لموسكو نهاية عام 2023. كما التقى وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في سبتمبر (أيلول) 2023، برئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري، معتبرًا اللقاء “خطوة إضافية نحو تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين روسيا وإيران. اليوم لدينا فرصة لمناقشة القضايا الآنية المتصلة بالتعاون الثنائي العسكري”، واصفًا إيران بالشريك الإستراتيجي لبلاده في الشرق الأوسط [40]، إلى جانب زيارات ولقاءات عدة بين وزيري خارجية البلدين، سيرغي لافروف وحسين أمير عبد اللهيان. وكانت روسيا قد قدمت دعمها لطهران للانضمام إلى منظمة “شنغهاي”، ولعضوية إيران الكاملة في “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”، الذي تقوده روسيا، ولانضمام إيران إلى مجموعة “بريكس”. وأيدت روسيا تحرر إيران رسميًّا من البنود التنظيمية 3 و4 و6 من ملحق قرار مجلس الأمن رقم 2231، المرتبط بالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، التي فرضت قيودًا على برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، التي انتهت مفاعيلها في 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 [41]. وخلال لقائه بأمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي أكبر أحمديان، في موسكو، بعد لقائهما على هامش اجتماع متعدد الأطراف في قيرغيزستان [42]، بداية عام 2024، قال أمين مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، إن العلاقات بين البلدين تستمر في النمو، وأنهما يعملان على معاهدة ثنائية وشاملة جديدة طويلة الأجل، وهي “وثيقة أساسية ومهمة” [43]، “وقد تحدد التعاون بين روسيا وإيران لسنوات وعقود قادمة؛ لكونها شراكة إستراتيجية شاملة بين البلدين”، حسب السفير الروسي لدى إيران، أليكسي ديدوف، مع إقراره بصعوبة تحديد موعد محدد لتوقيعها، لكن “موسكو تتوقع التوقيع عليها في المستقبل غير البعيد”[44].

  • التعاون الاقتصادي والتجاري

وقّع البلدان “قانون الاتفاقية الأساسية للعلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين جمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي”، لأول مرة، في آذار (مارس) 2001، وقضت مادته السادسة بتعاون الطرفين في توسيع علاقات طويلة الأمد لتنفيذ مشروعات مشتركة في مجالي النقل والطاقة، ومنها الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وبناء محطات الطاقة النووية، والصناعات، والعلوم والتكنولوجيا، والزراعة، والصحة العامة [45]، لكن الاتفاق لم يرفع أرقام التبادل التجاري إلى المستوى المأمول، حيث تراوح قريبًا من 1.5 مليار دولار سنويًّا منذ عام 2016، ليبلغ قرابة 4.9 مليار دولار عام 2022، وهو العام الذي تصدّرت فيه موسكو المركز الأول للمستثمرين الأجانب في إيران، رغم ضآلة استثماراتها، بمبلغ إجمالي قرابة 2.76 مليار دولار [46].

وفي يوليو (تموز) 2022، وقعت شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة غازبروم الروسية مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار، 6.5 مليار دولار منها تم توقيع عقودها فعليًّا [47]. ووقّعت موسكو وطهران مذكرة لإنشاء مراكز تجارية مشتركة في طهران وسانت بطرسبورغ، بالإضافة إلى توقيع روسيا وبيلاروس صفقة بقيمة 497 مليون دولار لاستيراد السيارات الإيرانية سابا ( (SAIPA[48]. وبغية تقليل آثار العقوبات المفروضة عليهما، وقّعت الدولتان، بداية عام 2023، اتفاقًا لربط أنظمة الاتصالات والتحويل الوطنية بين البنوك؛ من أجل تعزيز التجارة البينية، وتسهيل المعاملات المصرفية في الاتجاهين، بموجبه سيستخدم 52 فرعًا للبنوك الإيرانية وأربعة بنوك أجنبية نظام الاتصالات المحلي، المعروف روسيًّا باسم SPFS، وإيرانيًّا باسم SEPAM، للتواصل مع 106 بنوك، من خلال استخدام النظام الروسي لنقل الرسائل المالية، المقابل لنظام التحويل المالي SWIFT [49]. وفي يوليو (تموز) 2022، اتفق الجانبان على مضاعفة تجارتهما، البالغة 4 مليارات دولار عام 2021، إلى 8 مليارات دولار على المدى القصير، وإلى 15 مليار دولار على المدى المتوسط [50]. كما وقّعا اتفاقية لإنشاء شركة مشتركة لشراء وبناء سفن شحن عامة لنقل البضائع من بلد المنشأ إلى جميع المواني الروسية [51]، مع استثمار مجموعة خطوط الشحن الإيرانية 10 ملايين دولار في ميناء “سوليانكا” الروسي، ويشاع أنها اشترت حصة 53٪ فيه [52]. كذلك أبرمت الدولتان اتفاقًا خاصًا ببناء وإصلاح الطائرات [53]، بموجبه أرسلت شركة “إيروفلوت” الروسية إحدى طائراتها إلى إيران؛ ليتولى متخصصون من شركة “ماهان” الإيرانية إصلاحها [54]، وناقش مؤتمر ضم وفدًا مؤلفًا من 120 رجل أعمال روسيًّا، عقدته غرفة التجارة الإيرانية، توسيع العلاقات التجارية والاقتصادية بين الجانبين، وتقليل حواجزها [55]. وفي مؤشر بارز بالعلاقة التجارية بين البلدين، زادت صادرات السلع الصناعية الإيرانية إلى روسيا بنسبة 30٪، بعد أن كانت المواد الزراعية والغذائية تمثل قرابة 80٪ من حجم تجارتهما البينية [56].

وتشير الإستراتيجية التنموية الروسية لموانيها على بحر قزوين حتى عام 2030، إلى ضرورة التكامل مع إيران والهند، وربط هذه الإستراتيجية مع ممر “شمال- جنوب” (INSTC) [57]. ولتلافي قصور التعاون التجاري عبر النقل البحري لمواني بحر قزوين، التي لا تتجاوز نسبة 0.5٪ من إجمالي الإنتاج في المواني الروسية، تعمل روسيا على بناء موانٍ جديدة بالتعاون مع إيران، كميناء “محج قلعة” جنوب روسيا، حيث زاره وفد إيراني في ربيع عام 2022 لمناقشة دور الميناء في تحسين العلاقات الثنائية. وتؤدي التجارة عبر بحر قزوين دورًا مهمًّا في توسيع العلاقات التجارية بين البلدين، فخلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2022، زادت شحنات حاويات التصدير عبره بنسبة 120٪ [58]، وافتتحت 150 شركة تجارية ومالية إيرانية وكالات في أستراخان الروسية على بحر قزوين [59]، وشرّعت موسكو، نهاية عام 2022، قانونًا يسمح للسفن الإيرانية بالمرور عبر ممراتها المائية الداخلية في نهري الفولغا والدون، وبذلك أصبحت إيران أول دولة تتمتع بهذا الحق [60]. وبالتزامن مع ذلك، وقعّت الدولتان أربع وثائق للتعاون بينهما، تضمنت الأولى وثيقة إستراتيجية لتطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين، وتعلقت الثانية بقرض كهربة مشروع سكة حديد “غارمسار- إنجبرون”، وصبت الثالثة في مجال الصحة، فيما تناولت الرابعة تنفيذ مشروعات الهندسة والمشتريات والبناء [61]. كذلك وقعت الدولتان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون السياحي الثنائي، وتعزيز التبادلات السياحية بينهما، بما فيها تبادل خبراء السياحة الخبرات والمعلومات. ووفق المذكرة، ستعمل وزاراتهما المختصة على نحو مشترك لدفع تنفيذ اتفاقية الإعفاء من التأشيرة الموقعة بينهما عام 2017 [62]. وتأمل إيران أن توسع اتفاقية “منطقة التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي” (EAEU)، التي وقعته بداية عام 2022، تعاونها الاقتصادي مع دول الاتحاد عامةً، ومع روسيا خاصةً، مع تحفيز الأخيرة على توقيع مثيلتها، بما يؤدي إلى إلغاء تأشيرة الدخول بينهما. وإلى جوار ذلك، وقّع الجانبان اتفاقًا للتبادل التجاري بعملتيهما الوطنية، ما رفع حصة الروبل والريال في تسوياتهما المتبادلة إلى 60٪ [63]، مع مساعيهما لبلوغ التبادل التجاري بينهما 40 مليار دولار في السنوات المقبلة. وفي فبراير(شباط) 2024، أعلن سفير روسيا لدى إيران، أليكسي ديدوف، أن موسكو وطهران تتفاوضان لإقامة جسر للطاقة عبر منطقة جنوب القوقاز، يمكّنهما من توفير الكهرباء التي يحتاج إليها الجانبان خلال أوقات ذروة الاستهلاك [64]. وفي الشهر نفسه، وقّع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك ووزير النفط الإيراني جواد أوج 15 مذكرة تفاهم، خلال اجتماع الجنة الاقتصادية الإيرانية الروسية المشتركة في طهران [65]. وعلى هامش اجتماع اللجنة، وقّع الجانبان مذكرة تفاهم للتعاون التكنولوجي وتنفيذ المشروعات البترولية المشتركة، بما يفتح مجالات محتملة للتعاون في هذا المجال [66]، لكن على الرغم من هذه الاتفاقات، انخفضت التجارة الثنائية بين البلدين عام 2023 بنسبة 17 في المائة [67].

الممر الاقتصادي “شمال- جنوب”

خلال زيارة الرئيس الروسي إلى إيران، أورد بيان مكتب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي أن لقاء الأخير ببوتين “رسالة مفادها أن العقوبات الغربية على روسيا، ومثيلاتها التي خنقت الاقتصاد الإيراني، ستؤدي بالعلاقة المشحونة بين موسكو وطهران إلى شراكة حقيقية” [68]، ما يفيد بتفسير تسارع تطوير العلاقات الروسية- الإيرانية في كثير من المجالات، لا سيما التجارية والاقتصادية، التي تتطلب أرضية صلبة لطرق تجارة تتجاوز قيود العقوبات الغربية. وبناء على ذلك، وقّع الطرفان اتفاقية نقل شاملة قاعدتها الأولى ممر “شمال- جنوب” [69]، مع توقيعهما اللاحق لاتفاقية بقيمة 1.6 مليار دولار مخصصة لبناء سكة حديد بطول 162 كيلومترًا لوصل مدينة “رشت” الإيرانية، على بحر قزوين، بمدينة “أستارا” الإيرانية على الحدود مع أذربيجان، كجزء من المشروع [70]، اعتبرها الرئيس رئيسي “خطوة إستراتيجية مهمة”، ووصفها الرئيس بوتين بـ”لحظة تاريخية للبنية التحتية للنقل العالمية بكاملها”[71].

والممر الاقتصادي “شمال- جنوب”(INSTC) هو مشروع نقل دولي عملاق، وقّعت وثيقته الأولى إيران والهند وروسيا عام 2000. وفي عام 2016، التحقت دول أخرى بالمشروع، هي سلطنة عُمان، وتركيا، وكازاخستان، وأرمينيا، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وبيلاروس، وأوكرانيا، وسوريا، وبلغاريا. يتكون الممر من ثلاثة مسارات رئيسة، ومن شبكة خطوط بحرية وبرية، وسكك حديدية يبلغ طولها 7200 كيلومتر، ويبدأ من بومباي في الهند ليربط المحيط الهندي ومنطقة الخليج العربي مع بحر قزوين مرورًا بإيران، ثم يتوجه بعد ذلك إلى سانت بطرسبورغ، شمال غربي روسيا، ومنها إلى شمال أوروبا، وصولًا إلى العاصمة الفنلندية هلسنكي [72]. ويبدأ مساره الأوسط من مدينة سانت بطرسبورغ وصولًا إلى مدينة أستراخان على بحر قزوين، ومنها بحرًا إلى ميناء بندر أنزلي الإيراني على ساحل قزوين، يتابع بعدها إلى ميناء تشابهار الإيراني على المحيط الهندي، ومنه إلى ميناء بومباي الهندي. فيما ينطلق مساره الشرقي من روسيا إلى إيران عبر كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان. وينطلق مساره الغربي من روسيا إلى إيران عبر أذربيجان، وهو ما تطلب تفعيله بناء خط سكك حديد “رشت- أستارا”، لربط ميناء بندر أنزالي مع شبكة السكك الحديدية الروسية عبر أذربيجان [73]. وبالنظر إلى استحالة مراقبة واتباع الطرق البرية مقارنة بالطرق البحرية، تأمل روسيا من (INSTC) مساعدتها على الالتفاف على العقوبات، عبر تقديم بديل لطريق قناة السويس البحري؛ لذا أجرى الممثل الخاص للرئيس الروسي، إيغور ليفنتين، عدة زيارات إلى إيران، تركزت مباحثاته فيها على (INSTC)، حيث تجهد موسكو في تطوير تجارتها مع شركائها الاقتصاديين والمحتملين في ظل العقوبات، تتقدمهم الهند، الشريك الاقتصادي الروسي الكبير، حيث تضخّمت تجارتها مع روسيا بنسبة 250 في المئة تقريبًا منذ عام 2021 [74]. ومع تلافيه الرقابة الغربية، يخفف (INSTC) نفقات النقل، بتقديم طرق أقصر لربط الشمال بالجنوب، والشرق بالغرب. وقد أظهرت عمليات التشغيل الجافة، خلال عملية تجريبية عام 2014 انخفاض تكلفة النقل عبره بمقدار 2500 دولار لكل 15 طنًا من البضائع [75].

تحديات تطوير العلاقة بين الجانبين

رغم تطور علاقة الدولتين، فإن تحديات عدة تعترض تقاربهما، لا سيما في مجال الاقتصاد والتجارة. فبالنظر إلى طبيعة الاقتصاد التنافسي للبلدين، تلف الشكوك كثيرًا رغبة روسيا في حل مشكلات تطوير الغاز الإيراني واستثماره. البعض فسّر التوجه الروسي بالسعي إلى استحواذ أدوات تأثير في قطاع إنتاج وطرق إمداد الغاز الإيراني، رغبة منها في مراكمة أوراق الضغط الطاقوي، من خلال وضع أول وثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم تحت وصايتها. يتقوى هذا التفسير بضخامة مبلغ الاستثمار في قطاع الطاقة، المتعارض مع رداءة الوضع الاقتصادي في الدولتين [76]، بالإضافة إلى إشارة الرئيس الروسي ضمنًا إلى استخدام الطاقة سلاحًا بيد روسيا في صراعها مع الغرب، بقوله: “إن صادرات روسيا من الغاز إلى أوروبا قد تظل عند مستويات متدنية جدًّا” [77]، وهو ما نوّه به منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بقوله: “تعتزم روسيا استخدام اتفاقية إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة كوسيلة ضغط ضد الغرب في حربها مع أوكرانيا، ومنع رفع العقوبات عن صادرات النفط الإيرانية” [78]. وكان وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، قد أشار- في تسجيل صوتي مسرّب- إلى أن الوزير لافروف عمل جاهدًا لمنع إيران من قبول خطة العمل الشاملة المشتركة، التي وُقّعت عام 2015، وأن روسيا لم ترغب قط في علاقة إيران الحسنة مع الغرب. في مقابل ذلك، يرى آخرون تضييق المنافسة الروسية- الإيرانية في سوق الطاقة، مع قلبهما للعلاقة التنافسية في هذا القطاع إلى علاقة تكاملية، بالنظر إلى الأهداف الإستراتيجية المشتركة المتفوقة على الخسارة الاقتصادية [79]. ومع تراجع فرص إحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة”، تزول المخاوف الروسية من عودة إيران المحتملة إلى أسواق الطاقة الأوروبية، إضافة إلى محدودية تأثير هذه العودة على المصالح الروسية في الأسواق الأوروبية، بعد خسارة موسكو هذه الأسواق. لكن هذا الرأي تنقضه “حرب التخفيضات” التي تمارسها الدولتان في آسيا، ما يعزز تفسير تطور العلاقة بين الدولتين نتيجة للعقوبات والتهديدات المشتركة لكليهما، ويمكن إحداث فجوات فيها، أو عكس مسارها، من خلال تفاهم غربي- روسي في الساحتين الأوكرانية والأوروبية، أو تفاهم إيراني- غربي في ملفها النووي. وقد أشارت بعض المصادر المفتوحة إلى طلب واشنطن من طهران، خلال اتفاقها غير الرسمي، الخاص بتبادل السجناء وتحرير بعض الأموال الإيرانية المجمدة، امتناع طهران عن تزويد موسكو بالصواريخ البالستية، والطائرات المسيّرة [80]. ويترجح هذا التقدير مع التاريخ الطويل لاستخدام كل منهما للآخر كورقة ضغط ومساومة مع الغرب. كذلك، لا تعزز بعض شعارات الدولتين ورموزهما (النسر الروسي ذو الرأسين، وشعار إيران “لا شرقية ولا غربية)، القناعة باستدارة نهائية لأي من الدولتين عن الغرب. فيما يتعلق بإيران، قد تعزز علاقة إستراتيجية مع روسيا من موقعها تجاه خصومها، لكنها تفرض في الوقت نفسه، التزامات تضيّق هامش خياراتها، وتقلل مكاسبها المحتملة من التطورات الطارئة إقليميًّا ودوليًّا، مع عدم تحييدها إزاء هذه التطورات أو الأخطار الناشئة عنها، وهو الأهم.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من توسع حكومة رئيسي بشعار “التوجه شرقًا” بعد اعتماده من حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، لا يزال الشعار فئويًّا، ولا يمثل الشريحة الأكبر للنخب السياسية في إيران، لا سيما مع وجود انقسام عميق داخل النظام الإيراني فيما يتعلق بقيمة وموثوقية روسيا بوصفها شريكًا إستراتيجيًّا، وهو انقسام قد لا يترجح زواله قريبًا، وهو ما تدركه القوى الغربية وتسعى إلى الاستفادة منه [81]، بالإضافة إلى تحدي قبول وتكيّف الجمهور الإيراني والجماعات المهنية والفكرية والقطاع الخاص، الذي يعتاد الأفكار والنظم والعادات الغربية، لفكرة “التحول شرقًا”، التي صاغتها النخب السياسية والأمنية في إيران [82]، بهدف الحفاظ على النظام الحاكم فقط، مع إيجاد حلفاء لإيران في مواجهة الضغوط الغربية عليها، بعيدًا عن كونها خطًا لتطوير التنمية الاقتصادية وتسريعها. ويقوي هذا القول تدني نسبة الاستثمار الصيني في إيران، حيث تأتي الصين في المرتبة الخامسة للمستثمرين الأجانب في إيران، رغم “اتفاق الشراكة الإستراتيجية” الموقع بين البلدين. كذلك تفتقد روسيا متطلبات الصناعة الإيرانية، القائمة بهيكليتها على الطبيعة الأوروبية، مما يعرقل مسار توجه إيران شرقًا، إضافة إلى مضاعفة العقوبات للتحديات العميقة التي تواجه اقتصاداتهما المحتاجة إلى الغرب في تمويل تكنولوجيا صناعة الطاقة. فبحسب وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، تحتاج طهران إلى استثمارات بقيمة 160 مليار دولار في هذا المجال، وتحتاج صناعة الغاز الإيرانية وحدها إلى 80 مليار دولار من الاستثمارات على مدى 8 سنوات، ولا يمكن لإيران استيعاب التكنولوجيا ورأس المال اللازمين لزيادة إنتاج النفط والغاز دون رفع العقوبات عنها؛ وعليه، لا تتوقع طهران توفير الموارد المالية والتكنولوجيا اللازمة لمشروعات النفط والغاز من خلال تعزيز علاقتها مع موسكو [83].

كذلك لا تتعدى تجارة إيران مع روسيا 1٪ من إجمالي حجم تجارة روسيا الخارجية، ويشكل نقص العملة الأجنبية والعجز المتزايد في الميزانية الإيرانية عامًا بعد آخر، تحديًا أمام إقدام روسيا على تنفيذ مشروعات كبيرة في إيران، إذ سبق لموسكو إيقاف تعاونها في بناء محطة بوشهر النووية، بعد عجز إيران عن دفع ديونها المستحقة [84]، ولعل ذلك من أسباب منح موسكو طهران قرضًا لإتمام تنفيذ مشروع شبكة سكة حديد “رشت- أستارا”، بدلًا من استثمار الشركات الروسية في مشروع حيوي، باعتباره حلقة مهمة في ممر “شمال- جنوب”، الذي تأمل منه روسيا وصلها بأسواق الدول العربية والإفريقية والهندية، حيث غدت الأخيرة ثاني أكبر وجهة لصادرات النفط الروسية بعد الصين. كما تضاعفت قيمة وارداتها قرابة عشرة أضعاف، من نحو 4.7 مليار دولار عام 2021 إلى نحو 41 مليار دولار عام 2023 [85]، فعلى الرغم من تحالفاتها الغربية، لم تلتزم الهند بالعقوبات الغربية على روسيا. ووفقًا لوثيقة السياسة الخارجية الروسية، صُنّفت الهند “حليفًا”، فيما اقتصر حديثها عن إيران بعبارة “تطوير التعاون الكامل والموثوق به مع جمهورية إيران الإسلامية” [86]، مع ملاحظة بحث الهند وروسيا عن طرق أقصر وأوفر لتجارتهما البينية بعيدًا عن إيران، كإنشاء طريق بحري بين ميناءي تشيناي وفلاديفوستوك [87]. وقد سبق للهند تصدير بضائع إلى روسيا عبر البحر الأسود وجورجيا [88]، وتنظر الهند إلى إيران بأنها أخلفت وعودها بربط ميناء تشابهار بمدينة زاهدان، عبر سكك حديدية، وبدونها تنعدم ميزة تشابهار الاقتصادية أمام شحن البضائع الهندية إلى آسيا الوسطى وأفغانستان وروسيا عبر إيران. كذلك، في حال تنفيذ هذه السكك، ستبقى حدود قدرة إيران مقتصرة على إيصال البضائع الهندية إلى أفغانستان، وحدود تركمنستان جزئيًّا. هذا إلى جانب تحديات عدة تواجه (INSTC)، كمزاحمته من قبل مشروعات النقل والتجارة في دول المنطقة، وضعف البنية التحتية الإيرانية، حيث تعتمد إيران شبكة القطارات والطرق الأذربيجانية في 60% من تبادلها التجاري مع روسيا، إضافة إلى افتقاد شبكة القطارات الإيرانية عربات مزودة بأنظمة تبريد وتثليج، ما يجعلها عاجزة عن شحن المواد المعّرضة للتلف [89]، إلى جانب تحديات فنية أخرى، كاختلاف مقاييس المسار، وأبعاد المعدات الدارجة بين البلدين، والقيود الجغرافية مع نقص الاستثمار، وتفاوت أسعار الشحن، وعدم وجود نظام نافذة واحدة للرقابة الجمركية، وغياب تنسيق الإجراءات، ما يؤدي إلى زيادة أوقات التسليم والتكاليف، مع تقليل إمكانية التنبؤ بأوقات الوصول، فيما تسهم العقوبات الغربية في إحجام الشركات الخاصة عن الاستثمار في البنية التحتية لـ(INSTC)، التي تتطلب رأس مال استثماريًّا ضخمًا لتطويرها، مع ردعها لبعض الدول والشركات الدولية عن استخدام روسيا وإيران كدول عبور. وتضيف التوترات المستمرة بين إيران وأذربيجان تحديًا سياسيًّا آخر، قد يحد من تطوير المسار الغربي لممر “شمال- جنوب”.

 وفيما يخص القناة البديلة عن الشبكة العالمية للاتصالات البريدية والتحويلات المالية (سويفت)، فإن انفراد روسيا وإيران بهذه القناة، دون مشاركة بلدان وازنة، كالصين والهند، مع نقص سيولة الروبل والريال في أسواق الصرف الأجنبي الخاصة بكل منهما، يحد من فعالية هذه القناة، وقد يحكم عليها بالفشل. وفي الجانب السياسي والعسكري، تورد وثيقة مسربة عن الاستخبارات الأمريكية، أن روسيا وإيران ليستا حليفتين، ولن “تكونا كذلك في المستقبل”، رغم دعم إيران مجهود روسيا العسكري في الحرب الأوكرانية؛ نظرًا إلى عجز الدولتين عن حل العقبات المعترضة لمسار تطوير علاقتهما [90]. وفيما يخص الدعم الإيراني للمجهود العسكري الروسي في حربها بأوكرانيا، تنظر بعض النخب السياسية والفكرية الإيرانية إلى احتياج ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم إلى مساعدة إيران لتغيير مسار الحرب باعتبارها “فكرة فجة وبعيدة المنال”، تهدف إلى تحديد مصير المفاوضات النووية الإيرانية، مع توجيه مسار سياسة طهران الخارجية بعيدًا عن الغرب [91]، ما يعيدنا إلى مقولة رجب سافاروف، أحد كبار الباحثين الروس المتخصصين في الشأن الإيراني، “إيران الموجهة نحو الغرب ستكون أسوأ لروسيا من إيران المسلحة نوويًّا، وستقود إلى انهيار روسيا” [92]. كما أن ضوابط عدة تحكم التعاون العسكري بين الدولتين، لا يمكن لإحداهما تجاوزها ما لم يحدث عامل جديد يؤثر جذريًّا في ديناميات السياق الحالي؛ فروسيا تحكمها توازنات العلاقة مع إسرائيل ودول الخليج العربي في أي تطوير لعلاقاتها العسكرية مع إيران، لا سيما مع مقاومة هذه الدول ضغوط واشنطن لزيادة انخراطها واصطفافها إلى جانب دول الناتو في صراعهم المفتوح مع روسيا في أوكرانيا، إلى جوار مراكمة لروسيا للمكاسب القادمة من خلال تفاهمات “أوبك بلس”. كذلك، لا يبدو راجحًا، على الأقل حاليًا، رغبة موسكو في امتلاك إيران معدات وتكنولوجيا عسكرية روسية متقدمة. وفي المقابل، يحد التفاهم الإيراني الأوروبي الضمني، بعدم تطوير طهران صواريخ يتجاوز مداها 2000 كم (قادرة على الوصول إلى الفضاء الأوروبي) من تزويد إيران لموسكو بصواريخ بالستية [93]، لا سيما أن دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا) تمتلك حق إعادة فرض العقوبات الأممية “سناب باك” المرتبطة بقرار مجلس الأمن الدولي (2231). وإلى ذلك أشار مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، أن القيادة الإيرانية ترددت في تزويد الروس بالصواريخ الباليستية جزئيًّا؛ خشية رد فعل أوروبي مع الرد الأمريكي [94]. أما المناورات الروسية الإيرانية المشتركة، فقد شاركت روسيا بمناورات مماثلة مع دول، منها ما يعادي بعضها بعضًا، كالهند وباكستان، ومنها ما لا تربطه علاقة ود مع موسكو، كمشاركة السفن الحربية الروسية إلى جوار سفن دول الناتو في التدريبات البحرية (AMAN) عام 2021 [95].

تشخيص علاقة الدولتين

تستند العلاقات الإستراتيجية بين الدول على عدد من المرتكزات المطلوبة، كالأهداف المشتركة في المصالح، وصنع السياسات، والتهديدات المضادة، التي تتطلب أدوات لرفع العلاقة إلى المستوى الإستراتيجي، كالثقة المتبادلة، وافتقار الصراع، وأولويات السياسة الخارجية المشتركة، مع شفافية وطول أمد العلاقات بين أطرافها، وتشابك التعاون الاقتصادي والسياسي، والتهديدات والشواغل الأمنية المشتركة. وبالنظر إلى العلاقات الروسية- الإيرانية، تفتقد الدولتان أغلب هذه الأدوات، فالخلفية التاريخية مظلمة ومتشائمة، والأولويات المشتركة غائبة عن السياسة الخارجية لدى الجانبين، فأولوية روسيا مواجهة النفوذ الأطلسي وأوروبا الشرقية والبلقان وآسيا الوسطى، تقابلها إيران بأولوية قصوى في منطقة الشرق الأوسط، ودول محيطها الجغرافي. وفي الجانب الاقتصادي، اقتصاد البلدين تنافسي وليس تكامليًّا. كما أن التعاون الاقتصادي، حتى إن كان عميقًا، لن يؤدي إلى تحالف، وفق الباحث الإيراني في العلاقات الدولية حسين مهدي تبار [96]، فالصين والاتحاد الأوروبي، رغم علاقتهما الاقتصادية الواسعة، ليسا حليفين، ولاعتبار دولتين حليفين، عليهما العمل معًا لأغراض أمنية، مشيرًا إلى أنواع عدة من التحالفات، منها ما هو دائم ومؤقت، وهجومي ودفاعي، بهدف الحفاظ على النظام الدولي، أو بهدف تغييره، وتكتيكي وإستراتيجي، والأخير أهمها، ففيه تجمع الدول قدراتها العسكرية والسياسية والاقتصادية لمواجهة خطر مشترك، وتوائم مصالحها الطويلة الأجل، مع تشابه اتجاهات القيم ووجهات نظرها في معظم القضايا الدولية. أما في التحالف التكتيكي، فإن البلدين ليسا متعاطفين تمامًا، يتعاونان مؤقتًا لدرء تهديد مباشر، وهو نوع شائع في التحالفات، خاصة في فترات تغيير النظام الدولي، كتحالف السوفيت والبريطانيين ضد ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. وهذا النوع، رغم تسميته تحالفًا، يبقى مجرد تعاون مؤقت لغرض مشترك، ولا ينبغي الإشارة إليه على أنه تحالف بالمعنى التقليدي، وهو ما ينطبق على علاقة روسيا وإيران، بتحالفهما التكتيكي لمواجهة التهديد الأمريكي المشترك، رغم تباين مواقفهما في معظم القضايا الدولية. ويتشارك معه الرأي، غريغوري برو، المحلل في مجموعة أوراسيا (شركة استشارية للمخاطر السياسية)، معتبرًا روسيا حليف مصلحة لإيران، وأن علاقتهما قائمة على المعاملات “في مقابل الطائرات المسيرة، تتوقع إيران مزيدًا من التعاون الأمني والأسلحة المتطورة، وخاصة الطائرات الحديثة” [97].

ووفقًا لأستاذ السياسة والعلاقات الدولية في مركز الدراسات العربية والإسلامية في الجامعة الوطنية الأسترالية، علم صالح [98]، تتقاسم روسيا وإيران رؤى مشتركة، كلتا الدولتين ضد الهيمنة الأمريكية، وتدافعان عن فكرة التخلص من الدولار لإنهاء الهيمنة الأمريكية على السوق المالية العالمية. لكن العلاقات الروسية- الإيرانية، مع امتلاكها عددًا من الفرص، تواجهها مجموعة من التحديات، كالعقوبات الغربية المفروضة على البلدين، التي تحدّ حجم العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتعارض وجهتي نظرهما تجاه بعض القضايا، كقضايا الشرق الأوسط، وأمني الطاقة والخليج العربي. وإذا كان انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة والحرب الروسية- الأوكرانية، قد قرّب الدولتين، فإن العلاقة بينهما شراكة وليس تحالفًا، مبنية على قواسم مشتركة، لا على المبادئ المشتركة. وتتشارك معه القول الباحثة الإيرانية غزل أريحي، وتضيف أن حاجات إيران الاقتصادية، ورغبتها في فتح أسواق خارجية لمنتجاتها المحلية، تقف وراء تزويد إيران لروسيا بالطائرات المسيّرة [99]. كما يشير معهد العلاقات الخارجية الأوروبي إلى افتقار كل من روسيا وإيران إلى تعاون مؤسسي، واتفاقيات محددة، ورؤى إستراتيجية متكاملة، رغم تشاركهما الرؤى للتهديدات الأمنية، فلا قيم مشتركة تجمعهما، ولا تتشاركان سياسة خارجية موحدة، ويغيب التخطيط المشترك عن تعاملهما مع التحديات المشتركة، وتظلل الظرفية والمصالح الذاتية لكل طرف على علاقة التعاون بينهما، إضافة إلى بقاء علاقة أي منهما مع الغرب حكمًا وحاكمًا على علاقتهما الثنائية، ومن هذا المنفذ، يمكن دق إسفين في العلاقة بينهما- حسب المعهد- من خلال إقدام الغرب على عقد صفقة معاملات مع طهران [100]، فيما يشير آخر سفير لإيران لدى الاتحاد السوفيتي، وأول سفير لدى روسيا، نعمت الله إزادي، إلى عدم إمكانية بلوغ الدولتين مستوى العلاقات الإستراتيجية؛ نتيجة تضارب أهدافهما في بعض القضايا، لكن ذلك لا يمنع “بناء علاقات جيدة على أعلى مستوى” [101]. وإلى جواره، ينفي خبير معهد الشرق الأوسط، فلاديمير ساجين، إمكانية وصول البلدين إلى علاقة إستراتيجية نتيجة “تقارب مواقف البلدين بشأن بعض القضايا، وبدرجة أقل في قضايا أخرى”؛ لذا “لن تتمكنا من بلوغ المستوى الإستراتيجي في علاقاتهما؛ نظرًا إلى وجود نقاط تقاطع كثيرة”، فيما تذكر بعض المصادر خلافات كبيرة بين البلدين، بلغت حد عدم مراعاة الوزير لافروف للبروتوكول الدبلوماسي؛ باستقبال نظيره الإيراني على مدخل وزارة الخارجية، خلال زيارة عبد اللهيان إلى موسكو في مارس (آذار) 2023. وتمحورت حول ثلاثة ملفات؛ أولها: رفض لافروف بحث طلب طهران إسناد الدور الروسي في تنسيق المحادثات مع الغرب في المفاوضات النووية إلى بكين، ما عزز قناعة إيران بأن روسيا تريد إبقاء ورقة الاتفاق النووي رهينة بيدها في مواجهة المحاولات والضغوط الغربية لعزلها، والثاني: ملف سوريا، حيث تتعرض إيران- بموافقة ضمنية من روسيا- لضربات إسرائيلية، وآخرها: موقف موسكو من الصراع الأذربيجان- الأرميني، الذي تنظر إليه طهران على أنه عامل مؤثر في أمنها القومي [102].

خاتمة

تشكل التركة التاريخية الثقيلة، والمسار الطويل لانعدام الثقة، جزأين محوريين في ملامح تطور العلاقات الروسية- الإيرانية، يضاف إليهما غياب الإستراتيجية المشتركة، والتعاون والتنسيق المشترك في سياستهما الخارجية المضطربة أو المتناقضة في ساحات عدة، رغم تقاربها في ساحات أخرى، مع غياب القيم المشتركة لنظاميهما السياسيين، والطبيعة التنافسية لاقتصاداتهما، مع عجز أي منهما عن تلبية متطلبات الأخرى من اللوازم العملياتية في الاقتصاد، والتجارة، والصناعة. وعلى الرغم من تحفيز العقوبات الغربية على التقائهما، فإنها، على الجانب الآخر، تضاعف تحديات تطوير التعاون الاقتصادي المنشود بين الدولتين. كما أن بروز أي مبادرة عملية لإنهاء الحرب الأوكرانية ستحمل في طياتها طلبات روسية لتخفيف العقوبات الغربية عليها، أو إلغائها، ما يخفف عجلة تسارع علاقاتها مع إيران. كذلك لا تبدي تفاصيل الاستثمار والتجارة بين الدولتين توافق الرؤى المطلوبة، ولا تعبر أيضًا عن مستوى تبادل تجاري لدول تتحضر لعلاقة إستراتيجية، لا سيما بمقارنتها مع مستوى التبادل التجاري لروسيا مع دول أخرى، كتركيا، التي بلغ حجم التبادل التجاري معها نحو 30 مليار دولار، فيما لم يتجاوز حجم التبادل التجاري مع إيران خمسة مليارات دولار في أعلى التقديرات. وفي الوقت الذي تهتم فيه الدولتان- بشدة- بتطوير الفرع الغربي من (INSTC)، فإن التحديات الفنية والسياسية للمشروع ستبقى عزيزة عن التجاوز من قبل الدولتين وجوارهما، ما قد يحول دون بلوغ الممر إمكانيته القصوى في الأجل الطويل. ويوصّف أحد رجال الأعمال الروس العلاقة الحالية بالقول: “لا يمكن لروسيا الاستغناء عن إيران الآن؛ لذلك سنعمل معهم” [103]. ومدلول كلمة الآن تُشير إلى الظرفية المتغيرة بتغير الظروف. وفي هذا السياق، يقول مدير مكتب إيران في مجموعة الأزمات الدولية، علي واعظ: “روسيا وإيران لا تثقان كل منهما بالأخرى، لكنّ كلًّا منهما بحاجة الآن إلى الأخرى أكثر من أي وقت مضى، ولم تعد الشراكة بينهما اختيارًا؛ وإنما تحالف بدافع الضرورة” [104]، فالتطورات والظروف الدولية الحالية، رغم دفعها إلى تأسيس علاقات قوية بين روسيا وإيران، لن تبقى إلى الأبد، حالها حال التوتر والصراع الإيراني مع الغرب. وإذا كانت الذاكرة الإيرانية محتفظة بإسقاط بريطانيا والولايات المتحدة لحكومة الدكتور محمد مصدق، وإعادة الشاه محمد رضا بهلوي إلى العرش عام 1953، فإنها تحتفظ أيضًا بقصف القوات الروسية ضريح “الإمام الرضا” في مدينة مشهد عام 1912، وبسواها من ذكريات وتاريخ دموي مع روسيا.

ورغم إدراك قادة البلدين قيمة العمل المشترك لحماية أنظمتهما من التحديات الغربية والديناميات الجيوسياسية المتغيرة، فإن ذلك لا ينفي التحديات والقيود العملية لنشوء تحالف إستراتيجي وثيق، مع وعد الدفاع المشترك، لا سيما مع تفضيل الجانبين علاقة مرنة تعزز مواقف كل منهما. وبالنظر إلى مصلحتهما الراسخة في ضمان عدم إضعاف الضغوط الغربية لأي منهما على نحو قاتل، يرجّح صياغة معاملاتهما لإنقاذ كل منهما الأخرى، عندما يكون ذلك مناسبًا لمصالح إحداهما الإستراتيجية، دون ضرورة وقوف أي منهما وراء الأخرى في كل قضية، ودون غياب فكرة مساومة إحداهما بورقة الأخرى في مفاوضاتها مع الغرب، إذا كان الأمر مناسبًا لمصالحها الإستراتيجية. وعلى ذلك، لا تحتاج الدولتان إلى تشكيل تحالف فعلي يحد من قدرتهما على المناورة في عصر جديد متعدد الأقطاب، وستستخدم كل منهما الأخرى لتعزيز مواقفها التفاوضية على الساحة العالمية، في ظل حاجة كل منهما إلى علاقة بنّاءة مع العالم الغربي، القادر على تقديم الحلول لمشكلات التنمية والاقتصاد والاستثمار في أي منهما.

وعلى ما سبق، يمكن استشراف عدد من سيناريوهات العلاقة بين روسيا وإيران كالآتي:

1- “شراكة تكتيكية غير رسمية، وغير مستقرة، ومحدودة النطاق والزمان”، تفسح المجال لكلتا الدولتين بهامش مناورة في علاقاتهما البينية، أو في علاقة كل واحدة منهما بالفواعل الدولية الأخرى، والغربية تحديدًا، دون خروجها عن حالة استخدام كل منهما للأخرى كوسيلة تأثير في الملعب الجيوسياسي، بعيدًا عن تعميق علاقات ثنائية تفضي إلى علاقة إستراتيجية، ما لم يتداخل عامل جذري مؤثر في مستوى علاقتيهما، أو في اتجاهها، بما يعني بقاء العلاقة بين الدولتين أسيرة مساحة رمادية، تتراوح بين التغير التكتيكي والتحول الإستراتيجي، ومتوقفة نهائية على قدرتهما على صياغة أهداف كبرى، وسياسة خارجية مشتركة ومستقرة، لتكون منطلقًا لبناء علاقة إستراتيجية طويلة الأمد، وهو السيناريو الأرجح، في حال طول أمد الحرب الروسية- الأوكرانية، مع عدم توصل إيران إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي مع المجموعة الدولية. إذن، لا تزال علاقة الدولتين متأثرة زخمًا واتجاهًا بعلاقة الأطراف الدولية المتصارعة، الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه إيران من جهة، ومن الجهة الأخرى، دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) تجاه روسيا. وفي خضم هذا الصراع تستغل كل دولة منهما الأخرى في جذب حوافز ومغريات أطراف المواجهة (الأمريكي/ الإسرائيلي، دول الناتو) لتحقيق مكاسب أكثر ثقلًا، فتطور علاقة البلدين لم يكن رغبة منهما؛ وإنما نتيجة لمقتضيات الضرورة الإقليمية والدولية؛ وعليه، فالعلاقة هي علاقات احتياج متبادل، وهو ما تدركه أطراف المواجهة، وتعمل عليه للتأثير في مستوى العلاقات الروسية- الإيرانية، وإبقائها بعيدة عن المستوى الإستراتيجي.

2- إقامة تحالف دفاعي مؤقت لمدة قد لا تتجاوز خمس سنوات، في حال استمرار السياسات الغربية العدائية تجاه كل من روسيا وإيران، أو تصاعد التهديدات تجاه إيران، وهو سيناريو تقلل من شأنه حاجة موسكو إلى موازنة علاقاتها مع إيران من جهة، والدول العربية، الخليجية خاصةً، وإسرائيل، وتزداد احتماليته حال بروز تهديد جدي لإيران، قد يدفع روسيا ومعها الصين إلى هذا السيناريو، نظرًا إلى ما تمثله إيران من أهمية للدولتين، بدءًا بالمجال الاقتصادي والجيوسياسي وتوظيفهما لسياسة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة، في صراعهما الصامت أو المفتوح مع الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الغرب عامةً، وصولًا إلى الآثار السلبية لأي عملية هجوم جدي على إيران في أمنهما القومي. كذلك يتقوى هذا السيناريو بسيطرة التيار الأصولي الأكثر تشددًا على مفاصل السلطة في إيران، مغيّبًا أصوات التيار الإصلاحي، الذي يميل إلى تحسين العلاقات مع الدول الغربية، وفي أقل تقدير، علاقات متوازنة مع الصين وروسيا من جهة، ومع الولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة أخرى.

3- شراكة إستراتيجية شبيهة باتفاقية الشراكة الصينية- الإيرانية، وتتضمن بنودًا سرية كما أشيع عن اتفاقية الشراكة مع الصين، تقضي بتأجير أراضٍ، أو انتشار عسكري روسي في إيران، دون بنود خاصة بالدفاع المشترك بين الجانبين. ويتقوى هذا السيناريو بالتصريحات المشتركة للجانبين عن قرب التوقيع على اتفاقية شراكة بينهما مشابهة لاتفاق الشراكة الصينية الإيرانية، لا سيما أن شراكة من هذا النوع تعزز تعاون الدولتين في أهدافهما المشتركة في مواجهة النظام الدولي الأحادي القطبية، وقد يمكن روسيا من استثمار إيران في مواجهة الولايات المتحدة بحالة شبيهة باستثمار الأخيرة لأوكرانيا في صراعها مع روسيا، لكن يضعف هذا الاحتمال قيودُ الدستور الإيراني، بالإضافة إلى قيودها على السياسة الخارجية لكلتا الدولتين.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع