مقالات المركز

تصريحات ترمب تحريض على جريمة حرب تستوجب الاتهام والمحاكمة


  • 8 فبراير 2025

شارك الموضوع

لم تكن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن تهجير أهالي قطاع غزة واحتلاله مفاجِئة؛ إذ إنها تنسجم مع وعوده السابقة للوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة خلال حملته الانتخابية.
سبق لترمب أن قدّم تعهدات عدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن تلك التعهدات لم تحظَ بتغطية إعلامية دولية واسعة رغم خطورتها.
إن الحديث عن الشركات الأمنية الأمريكية والمرتزقة التي يُخطط لإدارتها في قطاع غزة ليس جديدًا؛ فقد تم تناوله في وسائل الإعلام الأمريكية قبل عدة أشهر، لكن الجديد في تصريحات ترمب هو خروجه العلني بهذه الأفكار، التي تكشف -بوضوح- عن تطلعاته المستقبلية، التي تتمثل في سيطرة شركات أمنية أمريكية، أو حتى قوات المارينز، أو أي قوات أمريكية أخرى، على قطاع غزة.
الأخطر هو أن هذه التصريحات تتضمن تحريضًا واضحًا على تهجير قسري لمليوني فلسطيني من سكان غزة، من خلال توطينهم في دول مثل مصر والأردن، وربما دول أخرى.
وهذا الطرح يعكس رؤية استعمارية متجددة تتناقض تمامًا مع القوانين الدولية، والاتفاقيات الأممية التي تحظر هذه الممارسات.
إن تصريحات ترمب لا يمكن اعتبارها مجرد آراء شخصية، أو طروحات سياسية؛ بل ترقى إلى مستوى التحريض العلني على ارتكاب جرائم حرب، وفقًا للقانون الدولي، فهي تمثل دعوة صريحة لانتهاك المادة الـ49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر التهجير القسري الفردي أو الجماعي للسكان، وتحظر نقل مواطني دولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة.
وهذه التصريحات، التي تصدر عن رئيس أقوى دولة في العالم، تكشف عن مستوى غير مسبوق من “الحماقة والوقاحة السياسية”، والأمر يتطلب تحركًا عربيًّا ودوليًّا واسعًا للرد عليها، فهذه التصريحات لا تقتصر على الجانب السياسي فحسب؛ بل تحمل أبعادًا قانونية وجنائية يمكن الاستناد إليها لتقديم شكاوى ضد ترمب أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التحريض على ارتكاب جرائم حرب.
ويجب على الدول العربية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، اتخاذ مواقف سياسية ودبلوماسية صارمة لمواجهة هذه التصريحات الخطيرة، ولا يجب أن يقتصر التحرك على المستوى الرسمي فحسب؛ بل يجب أن يشمل تحركات شعبية وجماهيرية في عواصم العالم، وخاصة أمام السفارات والقنصليات الأمريكية؛ من أجل توجيه رسالة قوية وواضحة إلى الإدارة الأمريكية مفادها أن الشعب الفلسطيني ليس لقمة سائغة، أو يمكن التلاعب بمصيره، وأنه يملك الحق في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على أرضه التاريخية، وأن أي محاولة لفرض سيطرة أمريكية أو أجنبية على قطاع غزة، سواء عبر قوات عسكرية أو شركات أمنية خاصة، ستُقابل برفض شعبي فلسطيني عريض، وستُعتبر قوة احتلال غير شرعية، والفلسطينيون لديهم خبرة طويلة في مقاومة الاحتلال، ولن يترددوا في مواجهة أي قوة أجنبية تسعى إلى الهيمنة على أرضهم.
ورغم خطورة التصريحات، فإن الولايات المتحدة ليست بصدد احتلال قطاع غزة على نحو رسمي ومباشر، إذ إن واشنطن تعلم جيدًا تبعات هذه الخطوة، خاصة بعد تجربتها القاسية في العراق وأفغانستان، حيث تكبدت خسائر بشرية ومادية كبيرة، ولكن الهدف الحقيقي هو خدمة أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة نتنياهو، وتعزيز أمن إسرائيل من خلال تنفيذ مخططات إستراتيجية تصب في مصلحة المشروع الصهيوني في المنطقة،
وهذه المخططات تأتي في سياق الشكر والامتنان للوبيات الصهيونية التي دعمت ترمب والحزب الجمهوري في الانتخابات، وأسهمت في تعزيز نفوذهم داخل الكونغرس الأمريكي.
تلك التصريحات من ترمب، التي جاءت بعد لقائه بنيامين نتنياهو، ليست مجرد اجتهادات فردية؛ بل هي جزء من تفاهمات سرية عميقة بين اليمين الأمريكي واليمين الإسرائيلي، وهذه التفاهمات ظهرت ملامحها بوضوح خلال لقاءات ترمب ونتنياهو، وسبق أن تحدث عنها نتنياهو علنًا من على منصة الأمم المتحدة، إذ صرّح بأنه يسعى إلى تغيير وجه الشرق الأوسط، وهي تعكس تنسيقًا سياسيًّا وإستراتيجيًّا بين الطرفين، يهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
ومع ذلك، فإن هذه المخططات ستظل مجرد أمنيات، ولن تتحول إلى واقع على الأرض بسبب صمود الشعب الفلسطيني، وتمسكه بحقه في أرضه، فالشعب الفلسطيني سيظل يقاوم أي محاولة لفرض واقع جديد على حساب حقوقه الوطنية، سواء جاء هذا التهديد من الولايات المتحدة، أو من أي قوة أخرى.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع