تبدو أغلب ترشيحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب للمسؤولين في حكومته من التيار المعارض للصين، لا سيما أن الرئيس الأمريكي سيرشح السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، الذي انتقد بكين بشأن قضايا مثل معاملتها للمسلمين الأويغور، والحملة على حركة مؤيدي الديمقراطية في هونغ كونغ، لتولي منصب وزير الخارجية. أما مستشاره للأمن القومي فسيكون مايكل والتز، عضو الكونغرس من فلوريدا، الذي دعا الولايات المتحدة إلى مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين 2022 بسبب تعامل الصين مع كوفيد-19، وحقوق الإنسان.
ولعل الأمر الأكثر إزعاجًا لبكين هو دعم روبيو لتايوان، بما في ذلك الدعوات إلى إبرام اتفاقية للتجارة الحرة، والتفاعل غير المقيد بين المسؤولين الأمريكيين ونظرائهم التايوانيين. ومن المتوقع أن تقوم تايوان بعمليات شراء كبيرة جديدة للأسلحة بعد تولي ترمب منصبه. خلال فترة ولايته الأولى، وافق ترمب على مبيعات أسلحة لتايوان بقيمة تزيد على (18) مليار دولار، مقارنة بـ(7.7) مليار دولار لبايدن؛ لذا، إذا لم تتمكن بكين من تجاوز روبيو، والتواصل المباشر بين شي وترمب، أو مع كبار المسؤولين الأمريكيين الآخرين، فإنها قد تدخل في تصعيد مباشر.
فرضت الصين عقوبات على روبيو عام 2020 بسبب دعمه للمحتجين المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ، وستكون هذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها الصين قيودًا نشطة على سفر وزير خارجية الولايات المتحدة؛ مما يمثل اختبارًا مبكرًا لكيفية تعامل بكين مع إدارة ترمب الجديدة. كان روبيو من دعاة فرض عقوبات على التأشيرات الأمريكية للمسؤولين الصينيين، ودفع وزارة الخارجية إلى منع الرئيس التنفيذي لهونغ كونغ، جون لي، من السفر إلى سان فرانسيسكو لحضور قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ عام 2023. ولم تعلق السفارة الصينية في واشنطن على عقوبات روبيو أو ترشيحه، لكن المتحدث باسمها، ليو بينجيو، قال إن بكين تتطلع إلى العمل مع الإدارة الجديدة لتعزيز العلاقات “في اتجاه مستقر ومستدام”.
وقد خلقت عودة دونالد ترمب حالة من عدم اليقين بين ملايين المصدرين الصينيين، والقلق بشأن نجاح الخطط الصينية لإنعاش ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وقد تعهد ترمب بتبني تعريفات جمركية شاملة بنسبة (60%) على الواردات الأمريكية من السلع الصينية، كجزء من حزمة من التدابير التجارية التي تتخذها الولايات المتحدة تحت شعار “أمريكا أولًا”، وتعارض بكين هذه الخطوات. ووصف مستشار الأمن القومي لبايدن جيك سوليفان فترة الانتقال بأنها “وقت يمكن فيه للمنافسين والخصوم أن يروا فرصة محتملة”. وقد أكد بايدن في لقاء مع شي “الحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار والوضوح، والقدرة على التنبؤ من خلال هذا الانتقال بين الولايات المتحدة والصين”.
الصين ستكون واحدة من أكثر الدول المتضررة إذا طُبقت هذه التعريفات الجمركية بالفعل، وإذا نجح ترمب في ممارسة الضغط الكافي على الاتحاد الأوروبي لفرض بعض التعريفات الجمركية على الصين أيضًا. ومع ذلك، تعمل كثير من الشركات الصينية الآن على تنويع أسواقها، أو البدء بتنويع سلاسل التوريد، وبناء مرافق التصنيع خارج الصين. وحتى إذا فرضت رئاسة ترمب تعريفات جمركية عالية، فقد تقرر أوروبا عدم اتباعها، ما لم يكن هناك ضغط سياسي قوي جدًّا. لكن في آسيا، من من المرجح أن تكون كل من فيتنام وتايوان وماليزيا المستفيد الأكبر على حساب الصين، فقد استفادت فيتنام من التصنيع الأقل تكلفة، مثل المنسوجات والأثاث الخشبي، في حين استفادت تايوان وماليزيا من تحولات سلسلة توريد المنتجات الإلكترونية.
من المؤكد أن الصين لا تريد أن تتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة قبل أن يتولى ترمب منصبه رسميًّا، ولكنها بدأت العمل في الفناء الخلفي لواشنطن، حيث يقوم الزعيم الصيني شي جين بينغ برحلة دبلوماسية في أمريكا اللاتينية تتضمن اتفاقية تجارة حرة مُجددة مع بيرو، وافتتاح ميناء تشانكاي الضخم للمياه العميقة هناك، والترحيب به في عاصمة البرازيل في زيارة دولة. وتسعى بكين إلى الحصول على خامات المعادن وفول الصويا والسلع الأخرى في أمريكا اللاتينية، لكن المسؤولين الأمريكيين يخشون أن يؤسس الصينيون مواقع عسكرية واستخباراتية جديدة مجاورة للولايات المتحدة.
كما تستعد الصين لصراع متصاعد مع الولايات المتحدة، ولو كان الثمن اقتصاديًّا فادحًا. وتخطط بكين لتشديد ضوابط التصدير على التقنيات والمواد الرئيسة “ذات الاستخدام المزدوج”، ومنها المواد الخام، والمعادن مثل التنغستن والجرافيت والمغنيسيوم وسبائك الألومنيوم المستخدمة عادة في سلاسل توريد التكنولوجيا. وكشفت وزارة التجارة الصينية عن مواصفات تفصيلية للتكنولوجيات والعناصر ذات الاستخدام المزدوج ـالمستخدمة للأغراض المدنية والعسكرية على حد سواءـ التي ستخضع لضوابط التصدير في البلاد. وتدخل القواعد حيز التنفيذ في الأول من ديسمبر (كانون الأول)، ويعمل القطاعان العام والخاص في الصين على تسريع الجهود الرامية إلى تعزيز الإنتاج المحلي من أشباه الموصلات، بما في ذلك الأجهزة المتطورة، في ضوء المتوقع مِن أن تزيد الولايات المتحدة الضغوط على بكين في إدارة ترمب الثانية.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.