أعلن رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، تجميد عضوية بلاده في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا؛ وذلك لما عدّه خذلانًا من روسيا، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، لأرمينيا خلال سنوات صراعها مع أذربيجان.
وقال باشينيان: “معاهدة الأمن الجماعي لم تحقق أهدافها فيما يتعلق بأرمينيا، خاصة في عامي 2021 و2022، ولا يمكننا أن نسمح بمرور ذلك مرور الكرام”، وأضاف: “لقد جمّدنا الآن من الناحية العملية مشاركتنا في هذه المعاهدة. أما فيما يتعلق بما سيأتي بعد ذلك، فعلينا أن ننتظر ونرى” [1].
منظمة معاهدة الأمن الجماعي منظمة دولية إقليمية، أهدافها المعلنة تتمثل في تعزيز السلام والأمن والاستقرار على الصعيدين الدولي والإقليمي، والحماية الجماعية لاستقلال أراضي الدول الأعضاء وسلامتها وسيادتها، وتعطي الدول الأعضاء الأولوية للوسائل السياسية لحل النزاعات.
وتضم حاليًّا 6 دول، هي: أرمينيا، وبيلاروسيا، وكازاخستان، وقرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان.
وأُعلن إنشاؤها في 15 مايو (أيار) 1992، بالتوقيع على معاهدة الأمن الجماعي في طشقند بأوزبكستان، وأعلى هيئة هي مجلس الأمن الجماعي الذي يعيّن الأمين العام للمنظمة، وإجمالي عدد سكان الدول الأعضاء في المنظمة يبلغ نحو 194 مليون نسمة (2021)، وعدد قوات حفظ السلام التابعة لها هو 3600، حسب بيانات عام 2022 [2].
وعلى هذا الذي سبق، فإن الدول الأعضاء في المنظمة ملتزمون بالدفاع عن أي دولة عضو في حال تعرضها لخطر، أو هجوم داخلي، أو خارجي، على نحو ما حدث في كازاخستان، عندما تدخلت دول المنظمة لإخماد الثورة الداخلية، وهذا يقتضي أن تهرع روسيا وباقي دول المعاهدة إلى دعم أرمينيا أيضًا في صراعها مع أذربيجان، لكن هذا لم يحدث.
من وجهة نظري، التي بنيتها من خلال استقرائي للأحداث، أن السبب وراء تخاذل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وعلى رأسها روسيا، على الدخول في الصراع دخولًا مباشرًا يرجع إلى أمرين:
الأول ما كان سنة 2006، حين أُجري استفتاء في منطقة ناغورني قره باغ، وأعلن استقلال المنطقة عن أذربيجان، واعتبار المنطقة جمهورية مستقلة، وقدمت لها روسيا وأرمينيا كل الدعم لاستكمال بناء وإنشاء مؤسساتها التشريعية، والتنفيذية، والقانونية.
وهذا يعني أن المنطقة أصبحت دولة مستقلة، لا يربطها شيء بأرمينيا، وهي ليست عضوًا في منظمة معاهدة الأمن الخارجي، وعلى هذا فلا تملك روسيا، ولا المنظمة، أي التزامات نحوها تقتضي تدخلها في الصراع.
ثانيًا: روسيا تعمل عملها، وتجد جهدها لكسب تركيا إلى جانبها، والإبقاء على علائق الود معها، وتعدّها صديقة، وشبه حليفة، وأي دعم منها للأرمن في منطقة ناغورني قره باخ سيتعارض مع مصالحها مع تركيا التي دعمت وما زالت تدعم أذربيجان؛ ولهذا تحاول روسيا البقاء محايدة في هذا الملف.
إن موقف روسيا من أزمة ناغورني قره باغ، ربما يجعل باقي دول المنظمة تفقد ثقتها بروسيا، وبعمل المنظمة وقدرتها عمومًا، وقد يؤدي ذلك إلى موجة انسحاب أخرى، بعد التي كانت في التسعينيات من القرن الماضي، حتى ينتهي الأمر بانتهاء المنظمة، وتفككها، خاصة أن هناك من يستغل هذا الفراغ لوضع قدمه في المنطقة، والاضطلاع بأدوار فيها، فخلال الحربين بين أذربيجان وأرمينيا في منطقة ناغورني قره باغ، عمدت فرنسا إلى ملء الفراغ الذي تركته روسيا ودول المعاهدة، ودعمت أرمينيا على المستوى السياسي، والمالي، والعسكري؛ وذلك بتقديم السلاح والعتاد، وإلى الآن تعمل فرنسا على ذلك، كما تعمل على ربط الأرمن بالاتحاد الأوروبي، وتقوية التعاون بينهما؛ حفاظًا على المصالح الإستراتيجية في المنطقة لفرنسا، وللاتحاد [3].
وقد أعلنت الخارجية الأرمينية أن وفدين من أرمينيا وأذربيجان سيلتقيان في ألمانيا لبحث مفاوضات السلام؛ مما يعني وضع ألمانيا يدها في منطقة القوقاز.
وهذا التوغل الفرنسي والألماني في منطقة القوقاز، التي تعدّ حديقة خلفية للروس، ليس في مصلحة روسيا، وربما يؤدي إلى تفكك منظمة تعاون الأمن الجماعي، خاصة إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية عمل الغرب على ربط علاقات مع دول آسيا الوسطى، التي منها ثلاث دول أعضاء في المنظمة.
أولًا: روسيا تهمل دورها تجاه الأرمن؛ جبرًا للخاطر التركي، ومراعاة لرغبتها في كسب تركيا، والإبقاء على الثقة وعلائق الود بينهما.
ثانيًا: هذا الإهمال الروسي تجاه أرمينيا تستغله دول الغرب، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، فتملأ الفراغ الروسي؛ بتقديم المساعدات إلى الأرمن على جميع المستويات، كما أن ألمانيا تحتضن مفاوضات السلام بين أرمينيا وأذربيجان، وروسيا أولى بالاضطلاع بهذا الدور.
ثالثًا: تهاون روسيا في هذا الملف قد يؤدي إلى فقدان ثقة دول المعاهدة بروسيا؛ ومن ثم قد تنسحب دول أخرى منها؛ مما يعني تفككها كما تفكك حلف وارسو.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.