تتمتع بوتان وبنغلاديش تاريخيًّا بعلاقات ودية، مدفوعة بالمصالح الوطنية المشتركة والعلاقات التجارية. وبينما تنظر تيمفو إلى الشراكة بوصفها ذات أهمية إستراتيجية لوصولها إلى البحر، فإن دكا تقدر بوتان بوصفها شريكًا تجاريًّا مهمًّا. وللمضي قدمًا في علاقاتهما الاقتصادية، حيث وقعت الدولتان “اتفاقية بشأن حركة المرور العابر والبروتوكول”. تسمح الاتفاقية لبوتان باستخدام مواني مونغلا وبيرا وتشيتاغونغ لإجراء التجارة مع دول أخرى.
توفر الاتفاقية فرصة لبوتان لتوسيع تجارتها الخارجية وتنويعها من خلال شركاء تجاريين جدد وطرق عبور إضافية. أما لبنغلاديش، فلا تعمل الاتفاقية على تعميق التجارة الثنائية وتوليد الإيرادات فحسب؛ بل إنها تعزز أيضًا هدف دكا المتمثل في زيادة حركة المرور عبر موانيها في خليج البنغال. وتساعد زيادة حركة المرور في ضمان استمرار تدفقات الاستثمار عبر البنية التحتية للمواني في البلاد؛ مما يعزز الأهمية الإستراتيجية لموقعها. كما تتوقع دكا الدعم من ثيمفو في مختلف المنتديات الإقليمية، والمتعددة الأطراف.
زاد التعاون بين بوتان وبنغلاديش منذ عام 2019، وذلك عندما سمحت بنغلاديش لبوتان باستخدام مياهها الداخلية، وحددت “مواني للرسو” لتسهيل التجارة الخارجية. عام 2020، وقعت بنغلاديش أول اتفاقية تجارة تفضيلية لها على الإطلاق مع بوتان لتوسيع التجارة الثنائية. ومع ذلك، مع تعزيز بوتان وبنغلاديش للعلاقات، فإن العلاقات مع جارتهما الأكبر، الهند، حاضرة دائمًا. تؤدي الهند دورًا مهمًّا في تشكيل الديناميكيات الإقليمية بسبب حجمها الجغرافي والاقتصادي، وتهدف إلى زيادة الاتصال في المنطقة. اتخذت الهند نهجًا إيجابيًّا تجاه التعاون المتزايد بين بوتان وبنغلاديش، كما شجعت المبادرات لتعزيز الاتصال بين جيرانها من خلال الأراضي الهندية.
أدّت الهند دورًا مهمًا في تنمية كل من بوتان وبنغلاديش. على سبيل المثال، تتلقى تيمفو أكبر حصة من مساعدات التنمية الهندية. خصصت الهند نحو (38%) من إجمالي المنح والقروض في عام 2022-2023 لبوتان، التي بلغت (276) مليون دولار. من حيث العلاقات التجارية، شكلت الهند (80%) من إجمالي التجارة الخارجية لبوتان في 2021- 2022، في حين كانت الهند محورية في تنمية بوتان، وهذه الأرقام تشير أيضًا إلى مستوى الاعتماد الاقتصادي. في الآونة الأخيرة، بدأ هذا الاعتماد يقلق تيمفو، وكثفت جهودها للابتعاد عن نيودلهي.
إن الاتفاق مع بنغلاديش من شأنه أن يقلل من اعتماد تيمفو على الهند إلى حدٍّ ما. وقد جاءت هذه الخطوة من جانب بوتان في الأساس استجابة للصعوبات التي واجهتها في صادراتها من الصخور إلى بنغلاديش على حدود غرب البنغال. ومع ذلك، فإن هذه المبادرة قد تثبت أنها مفيدة للاتصال الإقليمي الفرعي كما تصورته الهند في اتفاقية المركبات بين بنغلاديش وبوتان والهند ونيبال.
ولقد أدت الهند أيضًا دورًا مهمًّا في بنغلاديش، فقد تعاونت دكا ونيودلهي على إحياء أهمية خليج البنغال من خلال مبادرات في مجال الربط الإقليمي الفرعي. وتهدف هذه الجهود إلى تسهيل حركة السلع والخدمات عبر حدود بوتان وبنغلاديش والهند ونيبال، فضلًا عن تسهيل الوصول إلى الطرق البحرية. ومن الجدير بالذكر أن المساعدات التي تقدمها الهند لتطوير البنية الأساسية في بنغلاديش، وخاصة البنية الأساسية للمواني، أقل كثيرًا من المساعدات التي تقدمها الصين.
وفي ظل الوجود الصيني المتزايد في البلاد، سعت بنغلاديش إلى ترسيخ صورتها في المنطقة على أساس نموها الاقتصادي. وقد تواصلت دكا مع نيبال وسريلانكا إلى جانب بوتان لإبرام اتفاقيات تجارية، وتأمين الأسواق والموارد لاقتصادها المتنامي. وبينما كانت نيودلهي قلقة بشأن مشاركة بنغلاديش المتزايدة مع القوى الأكبر مثل الصين، فإنها تعمل على جلب دول أخرى، مثل اليابان لزيادة الاستثمارات في الخليج.
كما زادت بكين من قربها من دكا بمساعدة المنح والقروض في إطار برنامجها للمساعدات الإنمائية. وتلقت بنغلاديش أكبر حزم مساعدات ومساعدات من الصين منذ عام 2020، بما في ذلك التمويل لمشروعات البنية التحتية الرئيسة، بما في ذلك المواني في مونغلا وبيرا وشيتاغونغ. بالإضافة إلى ذلك، تعمل دكا أيضًا على إنشاء منطقة اقتصادية خاصة للمستثمرين الصينيين في أنوارا أوبازيلا، بالقرب من ميناء شيتاغونغ.
ورغم ترحيب بنغلاديش بالاستثمارات الصينية، فإن دكا حذرة من الاعتماد على المساعدات الصينية. وربما يكون الاتفاق مع بوتان نتيجة لتحرك بنغلاديش لتجنب فشل هذه المواني من خلال جذب مزيد من حركة المرور؛ ومن ثم توليد الإيرادات من البلدان المجاورة. ويشكل نجاح هذه المواني مفتاحًا لقصة نجاح اقتصاد بنغلاديش.
وفي جنوب آسيا، تتوخى الدول الأصغر حجمًا الحذر في تعاملها مع القوى الكبرى، وتحافظ على موقف غير منحاز. وقد أظهرت بنغلاديش رغبتها في تحقيق التوازن من خلال الميل إلى رؤية الولايات المتحدة في المسودة الأخيرة لتوقعاتها بشأن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تؤكد من جديد دعمها لـ “منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة والمسالمة والآمنة والشاملة”، كما تؤكد الحفاظ على استقرار المنطقة لضمان الرخاء الاقتصادي.
إن التوسع الاقتصادي في بنغلاديش يسلط الضوء على أهمية موانيها البحرية إلى جانب خليج البنغال. إن الموقع الإستراتيجي لخليج البنغال يمكن أن يعزز الاتصال بين دول جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا. إن تطوير هذه المواني البحرية أمر بالغ الأهمية على نحو خاص للدول الصغيرة غير الساحلية في جنوب آسيا، مثل نيبال وبوتان. وعلى الرغم من الإمكانات، فإن الجهود المبذولة نحو التكامل الإقليمي كانت قاصرة. إن الاتفاق الأخير بين بوتان وبنغلاديش يسلط الضوء على التوازن الذي تحاول دول جوار الهند القيام به من خلال اللجوء إلى الأطر الثنائية. ومن غير المرجح أن يعوق هذا الاتفاق علاقاتها القائمة مع الهند في الأمد القريب. من جانب آخر، إن انخراط الصين يزيد تعقيد العلاقات غير الآمنة بالفعل بين الهند والدول المجاورة الأصغر حجمًا، التي تعتمد عليها اعتمادًا كبيرًا. ولقد أعربت بوتان عن مخاوفها ليس فقط من انخراط الصين؛ بل أيضًا من زيادة اعتمادها على الهند. ومن أجل جني فوائد خليج البنغال، والنمو الاقتصادي الفردي، يتعين على دول جنوب آسيا أن تعمل في اتجاه التعاون الجماعي.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.