وفقًا للبيت الأبيض، فإن “النظام الغربي القائم على القواعد” يجب أن يمتد إلى عالم الإنترنت.
في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وقّع جو بايدن مذكرة بعنوان طويل، تسمى: “تعزيز قيادة الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهداف الأمن القومي، وتحسين موثوقية الذكاء الاصطناعي”.
تُوسع هذه الوثيقة المرسوم الرئاسي الصادر في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق عالمي. والحقيقة أن الحديث الأمريكي ينصب على ضرورة إقامة احتكار في هذا المجال، حيث ستحدد واشنطن ما يمكن فعله وما لا يمكن فعله؛ لأنه -وفقًا للبيت الأبيض- يجب أن يعمل “النظام القائم على القواعد” الغربي أيضًا في فضاء الإنترنت، بما في ذلك البرامج والتطبيقات الجديدة.
أولًا– يجب على الولايات المتحدة أن تقود العالم في تطوير الذكاء الاصطناعي على نحو آمن وجدير بالثقة. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على حكومة الولايات المتحدة -بالشراكة مع المجتمعين الصناعي والمدني والأوساط الأكاديمية- تعزيز وتأمين القدرات الأساسية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، التي يمكن من خلالها تطوير الذكاء الاصطناعي. لا يمكن لحكومة الولايات المتحدة أن تعتبر الديناميكية والابتكارات التي لا مثيل لها في نظام الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة أمرًا مفروغًا منه، ويجب عليها أن تعمل بنشاط على تعزيز تكنولوجيا المعلومات؛ مما يضمن بقاء الولايات المتحدة الوجهة الأكثر جاذبية للمواهب العالمية، وموطنًا لقوة الحوسبة الأكثر تقدمًا في العالم. ويجب على حكومة الولايات المتحدة أيضًا أن تزود مطوري الذكاء الاصطناعي ومستخدميه بالإرشادات الأمنية المناسبة، بالإضافة إلى التقييم الدقيق للأخطار التي قد تشكلها أنظمة الذكاء الاصطناعي والمساعدة على التخفيف منها.
ثانيًا– يجب على حكومة الولايات المتحدة استخدام الذكاء الاصطناعي القوي مع الضمانات المناسبة لتحقيق أهداف الأمن القومي. توفر قدرات الذكاء الاصطناعي الجديدة، بما في ذلك النماذج المتنوعة، فرصًا كبيرة لتعزيز الأمن القومي، ولكن الاستفادة الفعالة من هذه الأنظمة ستتطلب تغييرات فنية وتنظيمية وسياسية كبيرة. يجب على الولايات المتحدة أن تفهم حدود الذكاء الاصطناعي؛ لأنها تستفيد من التكنولوجيا، ويجب أن يكون أي استخدام للذكاء الاصطناعي متسقًا مع القيم الديمقراطية للشفافية وحقوق الإنسان والحريات المدنية والخصوصية والأمن.
ثالثًا– يجب على حكومة الولايات المتحدة الاستمرار في تطوير إطار مستقر ومسؤول لتعزيز الحوكمة الدولية للذكاء الاصطناعي التي تعزز التطوير والاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي، وإدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي، وتحقيق القيم الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان والحريات المدنية والخصوصية، وتعزيز استفادة العالم من الذكاء الاصطناعي. ويجب أن تفعل ذلك بالتعاون مع مجموعة واسعة من الحلفاء والشركاء. إن نجاح الولايات المتحدة في عصر الذكاء الاصطناعي لن يُقاس بتفوق تكنولوجيا الولايات المتحدة وابتكارها فقط؛ بل أيضًا بقيادة الولايات المتحدة في تطوير معايير عالمية فعالة، وإنشاء مؤسسات قائمة على القانون الدولي وحقوق الإنسان (الحقوق المدنية والقيم الديمقراطية). وباستخدام مثال عمالقة تكنولوجيا المعلومات والرأسماليين في وادي السيليكون، مثل “غوغل”، و”مايكروسوفت”، و”أمازون”، و”ميتا”، وما إلى ذلك، يعرف العالم كله ما تعنيه الحريات المدنية والقيم الديمقراطية. في الواقع، تتعامل الشركات الأمريكية مع هذه الأمور، وتتولى حل المشكلات، والتلاعب الخوارزمي والهندسة الاجتماعية، واستخدام البيانات الشخصية دون موافقة أصحابها. مع الذكاء الاصطناعي، سيكون من الأسهل القيام بكل هذا، وفي حال كشفها يمكن دائمًا الإشارة إلى وجود خطأ فني.
تولي الوثيقة أهمية خاصة أيضًا بمشكلة ما يسمى “هجرة الأدمغة”؛ لأن المذكرة تنص على أن “سياسة حكومة الولايات المتحدة هي توسيع القدرة القانونية لغير المواطنين ذوي المؤهلات العالية في مجال الذكاء الاصطناعي”، وغيرها من المجالات ذات الصلة، حيث يمثل توفير إمكانية دخول الولايات المتحدة والعمل فيها أولوية للأمن القومي. واليوم، تعتمد صناعة الذكاء الاصطناعي التي لا مثيل لها في الولايات المتحدة على أفكار العلماء والمهندسين ورجال الأعمال اللامعين الذين انتقلوا إلى الولايات المتحدة بحثًا عن الفرص الأكاديمية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا دليل واضح على أن واشنطن ستحاول تجنيد علماء ومتخصصين أجانب تحت ذرائع متنوعة من أجل جذبهم إلى شركاتها. وبما أننا نتحدث عن الأمن القومي، فمن الواضح أنه من مصلحة الولايات المتحدة إشراك هؤلاء الأشخاص المنخرطين في التطورات السرية في دول أخرى.
ومن المهم أن الوثيقة تطلب من وزارة الدفاع ووزارة الأمن الداخلي تقديم المساعدة اللازمة لهؤلاء الأجانب، كما تمنح ستة أشهر لتحليل حالة سوق العمل في مجال الذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة وخارجها. وخلال الفترة نفسها، ينبغي الانتهاء من التقييم الكامل لقدرات الذكاء الاصطناعي الأمريكية. يُمنح الأمن الداخلي نصف الوقت “في غضون ثلاثة أشهر، يجب على مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي الاجتماع مع الإدارات والوكالات التنفيذية ذات الصلة لدراسة التدابير اللازمة لتحديد الأولويات وتبسيط الإجراءات الإدارية لجميع المتقدمين الذين يعملون باستخدام التقنيات الحساسة للحصول على التأشيرة”.
ونتيجة لذلك، في المستقبل القريب، سيبدأ عملاء الولايات المتحدة من خلال السفارات والهياكل الأخرى بفحص البلدان التي يتوافر فيها كوادر للحصول على خبرة في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي، وكذلك البدء في تجنيد الأجانب.
ومع ذلك، يتعين على قوى الأمن والمخابرات الأمريكية الآن إدخال الذكاء الاصطناعي في أنشطتها على نحو أكثر نشاطًا. وتنص الوثيقة على أن “وزارة الدفاع، ووزارة التجارة، ووزارة الطاقة، ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية، ووكالة الأمن القومي، والوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية، يجب عليها -حسب الاقتضاء، وبما يتوافق مع القانون المعمول به- إعطاء الأولوية للبحوث في سلامة الذكاء الاصطناعي وموثوقيته. وينبغي لها، حسب الاقتضاء ووفقًا لمتطلبات السلطات القائمة، أن تسعى إلى إقامة شراكات مع الوكالات الحكومية الرائدة والصناعية والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية، وغيرها من المؤسسات ذات الخبرة في هذه المجالات؛ بهدف تسريع التقدم التقني والاجتماعي التقني في هذا المجال، لضمان أمن الذكاء الاصطناعي وموثوقيته”.
بالمناسبة، تحتوي الوثيقة أيضًا على جزء سري يتعلق بقضايا الأمن القومي الأمريكي. ربما يتحدث عن أساليب مختلفة موجهة ضد دول أخرى لمنعها من تحقيق ميزة في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية.
أما فيما يتعلق بقطاع الدفاع والأمن، فمن الواضح أن الشركات العامة والشركات الناشئة التي أثبتت نفسها في هذا المجال ستستفيد. على وجه الخصوص، شركة “بالانتير” للتكنولوجيا (Palantir) التابعة لبيتر ثيل (Peter Thiel)، التي نفذت عقودًا مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، وخدمة الهجرة، ووكالة الأمن القومي، والبنتاغون، ووكالة المخابرات المركزية، ومع شركات الدفاع الأمريكية أيضًا، كما قدمت منتجاتها إلى إسرائيل وأوكرانيا.
وفي الوقت نفسه، يعمل البنتاغون منذ فترة طويلة على إدخال الذكاء الاصطناعي في قدراته القتالية، كما يتضح من عقود القيادة الجنوبية الأمريكية مع مايكروسوفت لإنشاء خوادم سحابية خاصة، واستخدام تطبيق (DALL-E AI) في برامج القيادة والسيطرة؛ لذلك، فإن مذكرة جو بايدن الأخيرة ما هي إلا تأكيد للاتجاهات المحددة مسبقًا، حيث تتمتع المخابرات والجيش الأمريكي بخبرة وإمكانات خاصة مميزة.
المصدر: مركز دراسات كاتيخون
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.