“المتمارضون” عنوان قصة قصيرة لأنطون تشيخوف، تدور أحداثها حول مجموعة من الفلاحين الروس الذين ينافقون السيدة “مارفا”، وهي زوجة جنرال ثري في القرية. على مدى عشر سنوات، كانت السيدة المتوهمة أنها طبيبة وحكيمة تستقبل الفلاحين من مدعي المرض.
تصف زوجة الجنرال لكل فلاح سبل العلاج، فيعودون بعد مدة مبتهجين منتصبين على أقدامهم وكأنهم شفوا بسبب وصفاتها. تنتشي المرأة وتشعر أنها حققت أعظم مهمة في الحياة؛ وهي الإسهام في شفاء إنسان مريض.
وخلال نشوتها هذه يطلب الفلاحون الماكرون مساعدات مادية، فتمنحها لهم على الفور.
بالمصادفة تكتشف السيدة مارفا أنهم نصابون متمارضون، لا يحتاجون إلى العلاج؛ بل إلى المال والعطايا.
تعيد السيدة تحليل الأمر، فتجد أنه ليس كل المتمارضين فلاحين فقراء؛ بل إن بعضهم إقطاعيون مفلسون كانوا يطلبون العطايا مخاطبين إياها بكل صفات الألوهية، والأسماء والصفات التي لا تقال إلا للسيدة مريم العذراء.
كان المتمارضون متفاوتي الطلبات، أحدهم قد يطلب بقرة، وآخر قد يطلب شهادة توصية لإلحاق ابنه بمعهد دراسي، وثالث يريد استثناء ووساطة.
يمر على تاريخ كتابة هذه القصة أكثر من 140 سنة، ويبدو أنها قديمة لا حاجة لنا بها اليوم.
الحقيقة أن القصة حاضرة في كل وقت، وهذا ما يجعل أعمال تشيخوف متجاوزة المكان والزمان، وهناك دومًا مجموعة من المتمارضين الذين يذهبون إلى أحدهم في السلطة العليا في هذه المؤسسة أو تلك، يسألونه الشفاء العقلي والروحي، يخاطبونه بصفات تناسب نبيًّا، أو رسولًا، ويعتبرونه طبيبًا وحكيمًا هاديًا ومرشدًا وكأنه ابن السماء.
وفي ختام هذه الرؤية النقدية العابرة، ما زلت أقول إن الأدب الروسي هو أقرب أنماط الأدب العالمي إلى مجتمعاتنا، ومفسر لكثير من العوارض الاجتماعية خلال القرنين الماضيين.
الفارق الوحيد في قصة “المتمارضون” أن السيدة الثرية اكتشفت أن الناس يخدعونها وينصبون عليها بعد 10 سنوات من دورها العلاجي، أما اليوم فالجميع يعلمون أن الكل يخدع بعضه بعضًا من أول يوم، لكن قواعد اللعبة تستوجب ألا يكشف أحد تلك الورقة الغشائية الرقيقة بين الفلاحين الفقراء الدهاة وذلك الجالس في مقعد العطايا.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.