مقالات المركز

اللجوء الأفغاني.. أزمة جديدة في باكستان


  • 10 أبريل 2025

شارك الموضوع

تفاقمت معاناة اللاجئين الأفغان مع ورود تقارير تفيد بأن إدارة دونالد ترمب من المرجح أن تُبطئ -إن لم تُرفض- إصدار التأشيرات الأمريكية للأفغان المقيمين في باكستان. ومن بين الأفغان المقيمين في باكستان مَن ساعد القوات الأمريكية خلال عقدين من وجودها في أفغانستان قبل انسحاب القوات الأمريكية عام 2021. وبدأت باكستان باستضافة اللاجئين الأفغان عام 1979 بعد غزو الاتحاد السوفيتي السابق لهذه الدولة الواقعة في آسيا الوسطى.

وعلى مدار ما يقرب من خمسة عقود، ورغم الانسحاب السوفيتي عام 1989، استمر تدفق الأفغان إلى باكستان. وقد تفاقم هذا اللجوء بسبب الصراعات الداخلية بين الفرقاء الأفغان، والغزو الأمريكي بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، والتي اتهمت فيها واشنطن حركة طالبان الأفغانية برعاية منفذيها من تنظيم القاعدة على أراضيها.

وفقًا لتقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، فإن باكستان واحدة من أكبر الدول المستضيفة للاجئين في العالم. وبحسب تقديرات (UNHCR) حتى منتصف 2023، كان هناك نحو (1.3) مليون لاجئ أفغاني مسجل رسميًّا في باكستان، في حين يُقدر عدد غير المسجلين بما يزيد على مليوني شخص. وقد قررت باكستان ترحيل آلاف المواطنين الأفغان غير المسجلين، لكن هذا سوف يأثر في مصالحها الإستراتيجية والحقائق المعقدة داخل أفغانستان.

ترى إسلام أن هناك تحديات أمنية ملحة كانت دافعًا أساسيًّا إلى اتخاذ هذا القرار، لا سيما اختطاف قطار في إقليم بلوشستان بجنوب غرب البلاد على يد انفصاليين متشددين في منتصف شهر مارس (آذار). وربط مسؤولون باكستانيون عملية الاختطاف هذه باستمرار تدهور الوضع الأمني ​​في البلاد، الذي تفاقم بسبب قدرة المسلحين على عبور الحدود إلى أفغانستان، والعودة لاحقًا إلى شن هجمات مستقبلية. كما زعم مسؤولون باكستانيون أن مسلحين تسللوا إلى داخل باكستان متخفين في صورة لاجئين أفغان لتنفيذ هجمات إرهابية.

أدى تزايد الهجمات المسلحة على أراضي باكستان إلى زيادة عدد الضحايا في جميع أنحاء البلاد. ووفقًا لبيانات العام الماضي التي جمعها مركز الأبحاث والدراسات الأمنية المستقل في إسلام آباد، قُتل أكثر من (2500) مدني ورجل أمن ومسلح في هجمات إرهابية في باكستان عام 2024، بزيادة قدرها (66%) عن عام 2023. ووفقًا لمسؤولين حكوميين، قاد مسلحو طالبان المتمركزون في أفغانستان كثيرًا من الهجمات في باكستان.

ووفقًا لتقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2024، كان هناك ما لا يقل عن (6000) مقاتل من حركة “طالبان باكستان” ينشطون انطلاقًا من أفغانستان. وحركة “طالبان باكستان” جماعة مسلحة متشددة، قادتها أعداء ألِدَّة للنظام الحاكم في باكستان. استخدمت الحركة في هجماتها في باكستان أسلحة متطورة خلَّفتها قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة التي انسحبت عام 2021. ولم تنجح حركة طالبان، التي تولت السلطة في أفغانستان قبل أربع سنوات، في كبح جماح هجمات حركة “طالبان باكستان” حتى الآن.

لا تزال حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان معزولة عالميًّا، وتخضع لعقوبات دولية، وهو ما يثير تساؤلات عن قدرتها على تولي مسؤولية بلادها. وقد أدت السياسات الداخلية المثيرة للجدل، مثل حظر تعليم الفتيات في المدارس، وإجبار النساء على البقاء بعيدًا عن أماكن العمل، إلى وضع طالبان في خلافات حادة مع الحكومات الأجنبية والمؤسسات المتعددة الأطراف الحيوية، ومنها وكالات الأمم المتحدة. ويواجه كثير من الأفغان، الذين يعيشون الآن في خوف من طردهم من باكستان، احتمالًا خطيرًا بالعودة إلى أسلوب حياة طالبان فور عودتهم إلى أفغانستان.

منظمات حقوق الإنسان الغربية، مثل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، حذرت من أن هذه العودة القسرية تعرض اللاجئين لخطر كبير. في تقرير صدر عام 2024، ذكر (OCHA) أن أكثر من (1.6) مليون أفغاني فرّوا إلى باكستان وإيران منذ انسحاب القوات الأمريكية في 2021، وأن العودة إلى أفغانستان تعني مواجهة الفقر المدقع، والبطالة، وانعدام الأمن تحت حكم طالبان. كما أشار تقرير لمنظمة “هيومن رايتس واتش” إلى أن كثيرًا من العائدين يفتقرون إلى المأوى والخدمات الأساسية؛ مما يفاقم الأزمة الإنسانية.

أثارت خطط الترحيل انتقادات حادة من المنظمات الدولية. خلال عام 2023، أعربت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) عن “قلق بالغ” إزاء هذا القرار، محذرة من أنه قد يؤدي إلى “كارثة حقوقية”. ودعت المفوضية باكستان إلى تعليق الترحيل، وضمان عودة طوعية وآمنة تتماشى مع القانون الدولي. كما أصدرت (UNHCR) والمنظمة الدولية للهجرة (IOM) بيانًا مشتركًا مطلع عام 2025، طالبتا فيه بتوضيحات بشأن الإطار الزمني وآلية الترحيل، وحثَّتا على احترام حقوق الإنسان.

بدأت عمليات الترحيل الجماعي على نحو ملحوظ في عام 2023، إذ غادر أكثر من (600) ألف أفغاني باكستان بحلول منتصف 2024، معظمهم تحت ضغط الترحيل القسري. وبحلول أبريل (نيسان) 2025، أشارت تقارير صحفية باكستانية (The News International)  إلى أن الحكومة كثفت الحملة، مع تركيز خاص على مدن مثل إسلام آباد، وروالبندي، حيث أُمرت السلطات بترحيل نحو (40) ألف لاجئ بحلول نهاية مارس (آذار) 2025، وصودرت ممتلكات اللاجئين، وأُجبر الكثيرون على العودة إلى أفغانستان رغم الأخطار الأمنية والاقتصادية هناك.

في المستقبل، يُمكن للمجتمع الدولي أن يضغط على باكستان للتراجع عن عمليات الطرد الواسعة النطاق للمواطنين الأفغان؛ وذلك من خلال مساعدتها على تعزيز إطارها الأمني، ​​ودعمها اقتصاديًّا. في الماضي، زعم قادة باكستان أنهم بدؤوا العمل على بناء سياج على حدود بلادهم مع أفغانستان، لكن دون جدوى. إن دعم باكستان لحماية حدودها المخترقة مع أفغانستان يُعدّ خطوةً في الاتجاه الصحيح. كما أن تحسين جهازها الأمني ​​بتوفير مروحيات متطورة من شأنه أن يدعم إسلام آباد على نحو فعّال.

يمكن تقديم هذا الدعم والغرب يتخذ خطوات، مثل توفير فرص للهجرة إلى وجهات آمنة للأفغان العالقين في باكستان. من الواضح أن إجبارهم على العودة إلى أفغانستان سيُعرّض حياة الكثيرين منهم للخطر. وفي غياب هذا التحرك في الوقت المناسب، لا ينبغي تجاهل معاناة الأفغان العالقين في وضعٍ حرج. لقد دفع الشعب الأفغاني ثمنًا باهظًا نتيجةً للصراع المتكرر في بلاده، ويجب الآن وضع حدٍّ نهائيٍّ لهذا الإرث من سفك الدماء.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع