مقالات المركز

العلاقات الإيرانية- الهندية في ضوء وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي


  • 22 مايو 2024

شارك الموضوع

جاءت وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى في حادث تحطم مروحيتهم في شمال غرب البلاد في وقت تتصاعد فيه التوترات في غرب آسيا. على مدى الأشهر السبعة الماضية، انخرطت إسرائيل في حرب على قطاع غزة، بعد هجوم شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على المستوطنات في غلاف القطاع، فيما تدعم إيران حزب الله لفتح جبهة أخرى ضد إسرائيل من لبنان.

أشارت تقارير وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية إلى تحطم المروحية على أنه حادث، لكن لم يصدر بيان رسمي عن الحكومة الإيرانية لكشف أسباب الحادثة. وإذا ظهر أي دليل على وجود جريمة، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات في المنطقة على نحو كبير. ومن المرجح أن يؤدي هذا السيناريو إلى موجة من الاتهامات والاتهامات المضادة؛ مما يزيد تأجيج الوضع المضطرب بالفعل بين إيران وخصومها، لا سيما أنه حدث تصعيد كبير- الشهر الماضي- عندما أطلقت إيران صواريخ على إسرائيل، اعترض نظام القبة الحديدية الدفاعي الإسرائيلي معظمها. وجاء هذا الهجوم ردًا على قصف إسرائيلي استهدف السفارة الإيرانية في سوريا، فيما شنت إسرائيل هجومًا محدودًا على نظام دفاع صاروخي بالقرب من معامل لتخصيب اليورانيوم في مقاطعة أصفهان الإيرانية، وقد خلقت هذه الأعمال العدائية المتصاعدة وضعًا متقلبًا، وقد يؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار وعدم اليقين، لا سيما في جنوب آسيا.

وقد قدم رئيس الوزراء ناريندرا مودي تعازيه لإيران، وكتب على موقع (X) (تويتر سابقًا): “أشعر بحزن عميق وصدمة بسبب الوفاة المأساوية لرئيس جمهورية إيران الإسلامية إبراهيم رئيسي، الذي سيبقى إسهامه في تعزيز العلاقات الثنائية بين الهند وإيران في الذاكرة دائمًا. تعازي القلبية لعائلته والشعب الإيراني. الهند تقف إلى جانب إيران في وقت الحزن هذا”. وأعلنت وزارة الداخلية الهندية أنه سيُعلَن حداد رسمي في جميع أنحاء البلاد يومًا واحدًا، حيث يُنكَّس العلم الوطني على جميع المباني. وقد شكل هذا الحادث صدمة في المشهد السياسي العالمي، ويمكن أن تكون له آثار عميقة في الاستقرار الإقليمي والعلاقات الدولية. وبينما يراقب العالم عن كثب ما بعد الحادثة، فمن الضروري فهم التداعيات الجيوسياسية المحتملة.

كان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي دعا ناريندرا مودي إلى حضور حفل أداء اليمين الدستورية في الخامس من أغسطس (آب) 2021، يتمتع بعلاقات خاصة مع الهند؛ ففي عهد رئيسي، أعلنت إيران سياسة الإعفاء من التأشيرة لمدة 15 يومًا للهنود، فالرئيس الإيراني كان ينحدر من مقاطعة خراسان الإيرانية التي تتمتع بعلاقات عمرها قرون مع الهند، وكثير من العائلات في الهند لديها روابط قديمة مع المقاطعة، وقد أثرت خراسان كثيرًا في نمو الصوفية الهندية وتطورها منذ العصور المبكرة. وينتمي رئيسي إلى مدرسة سياسية تؤمن بتوسيع العلاقات مع الشرق، بما في ذلك الهند. وقد كان وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار أول شخصية أجنبية تلتقي بالرئيس الإيراني فور انتخابه.

في عهد الرئيس رئيسي، اتبعت إيران إستراتيجية “النظر شرقًا” لتعميق العلاقات مع القوى الآسيوية، لا سيما الهند، وتحسنت العلاقات التجارية الثنائية بين البلدين خلال فترة رئيسي، وخلال عامي 2022 و2023، كانت إيران الشريك التجاري رقم (59) للهند، حيث وصلت التجارة الثنائية إلى (2.33) مليار دولار، وزادت تجارة الهند مع إيران بنسبة (21.77) في المئة– من (1.94) مليار دولار في (2021- 2022) إلى (2.33) مليار دولار في (2022- 2023)، وعملت نيودلهي مع طهران في ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC)، وهو مشروع نقل متعدد الوسائط يمتد إلى مسافة تزيد على (7200) كيلومتر، ويهدف إلى تسهيل نقل البضائع بين أفغانستان وأرمينيا وأذربيجان وروسيا وآسيا الوسطى وأوروبا، وكذلك الهند وإيران.

في ديسمبر (كانون الأول) 2016، أعادت الهند تفعيل المشروع الذي ظهرت فكرته عام 2000، وصدقت عليه الهند وإيران وروسيا عام 2002، لكن العقوبات المفروضة على إيران أعاقته. ويبدأ الطريق من مومباي بالهند، ويذهب إلى بندر عباس في إيران، ثم يعبر بحر قزوين ليصل إلى أستراخان وموسكو وسانت بطرسبورغ في روسيا. وبحثت الهند في وسائل بديلة للتواصل مع آسيا الوسطى، الغنية بالمواد الهيدروكربونية، التي لها أهمية إستراتيجية، وقد استثمرت في ميناء تشابهار الإيراني.

ومع التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) عام 2015 من جانب إيران وكثير من القوى العالمية، ومنها الولايات المتحدة، وبعد تخفيف العقوبات، اكتسب ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC)  زخمًا. وبحلول عام 2018، نُقِلَ ما يقرب من 11 مليون طن من البضائع عبر الممر؛ لذا عندما انسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2018، وفرضت عقوبات أكثر صرامة على إيران، تسبب ذلك في كثير من المشكلات لمشروعات البنية التحتية في الهند، لكن في عام 2022، وصلت الشحنة الأولى باستخدام الممر إلى ميناء جواهر لال نهرو في مومباي، بعد أن انطلقت من ميناء أستراخان الروسي.

ومع ذلك، مِن التحديات الرئيسة التي يواجهها الممر أن غالبية المشروعات المرتبطة به، باستثناء خطوط السكك الحديدية في أذربيجان، وميناء تشابهار، وممر النقل في اتفاقية عشق آباد، لا تتلقى دعمًا ماليًّا من مؤسسات التمويل الدولي الرئيسة، مثل البنك الدولي، أو بنك التنمية الآسيوي، أو بنك الاستثمار الأوروبي، أو البنك الإسلامي للتنمية، ويرجع ذلك أساسًا إلى العقوبات الأحادية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، والتي أدت إلى مخاوف بشأن “عقوبات ثانوية” محتملة.

وفي وقت سابق، خلال الاجتماع الثاني والعشرين لمجلس رؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، الذي عقد عام 2022، دعا رئيس الوزراء ناريندرا مودي الدول الأعضاء إلى التركيز على تطوير سلاسل توريد قوية ومتنوعة في المنطقة، وشدد على الحاجة إلى تحسين الاتصال، والحق في العبور غير المقيد عبر جميع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون. وعلى هامش القمة، ناقش مودي والرئيس الإيراني الراحل أهمية التعاون المتبادل في الربط الإقليمي، واستعرضا التقدم المحرز في محطة شهيد بهشتي، وميناء تشابهار.

وفي 13 مايو (أيار) 2024، وقعت الهند وإيران عقدًا مدته عشر سنوات لميناء تشابهار الإيراني بعد سنوات من المفاوضات. ومهدت الصفقة الطريق للاستخدام الكامل لهذا الميناء الإستراتيجي في جنوب شرق إيران، الذي طُوِّرَ بمساعدة هندية؛ ومن ثم توسيع التجارة مع آسيا الوسطى. وقال وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني مهرداد بذرباش إن الاتفاق ينص على أن تضخ شركة المواني الهندية العالمية المحدودة استثمارات بنحو 120 مليون دولار، إلى جانب تمويل إضافي حجمه 250 مليون دولار، لتصل قيمة العقد إلى 370 مليون دولار.

التقى رئيس الوزراء مودي آخر مرة مع رئيسي عام 2023، قبل قمة البريكس في جوهانسبرج. ودعمت نيودلهي مسعى طهران للانضمام إلى مجموعة البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا)، وانضمت إيران بالفعل خلال قمة جنوب إفريقيا إلى المجموعة. تشكّل طهران لنيودلهي قوة في منطقة الخليج العربي، علمًا أن خصوم إيران الرئيسين (الولايات المتحدة وإسرائيل) هم شركاء الهند المقربون، ولكن نادرًا ما أثارت نيودلهي غضب طهران لكسب ود واشنطن على نحو غير مبرر، باستثناء مناسبات مثل التصويت ضد طهران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية عامي 2005 و2009، عندما كان الاتفاق النووي بين الهند والولايات المتحدة قيد التفاوض.

نيودلهي مدينة لطهران؛ لعرقلة قرار منظمة الدول الإسلامية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف عام 1994، وهي المرة الأخيرة التي كادت باكستان تحيل قضية كشمير إلى الأمم المتحدة. وكانت مساعدة طهران لا مثيل لها، وجاءت في الوقت المناسب؛ فالهند كانت في أزمة اقتصادية ضخمة، وكشمير على وشك الغليان، وكانت باكستان عيون الولايات المتحدة وآذانها في شبه القارة الهندية، حتى إن نيودلهي شعرت أن روسيا ستتخلى عنها، ولن تستخدم الفيتو في مجلس الأمن.

وقد حاولت نيودلهي استغلال الصدامات العسكرية الإيرانية- الباكستانية لعزل الأخيرة عن محيطها، أو على الأقل ضمان حياد طهران. وفي الشهر الماضي، خلال زيارة رئيسي لإسلام آباد، حاول رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إثارة قضية كشمير، لكن في أثناء حديثه في مؤتمر صحفي مشترك مع شريف، امتنع رئيسي عن ذكر كشمير. ومن المحتمل أن تتسبب وفاة رئيسي ووزير الخارجية- وهما الشخصيتان الحكوميتان الرئيستان اللتان تتخذان القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية- في تأخير الاتفاقات الهندية- الإيرانية، ولكنها لن تلغيها، وستراقب الهند- عن كثب- التطورات في إيران عندما يتولى خليفة رئيسي السلطة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع