وحدة الدراسات الصينية

الصين وروسيا تقدمان نموذجًا لبناء علاقات دولية من طراز جديد


  • 11 سبتمبر 2025

شارك الموضوع

تُعدّ الصين واحدة من أكثر الدول التي زارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال فترة تولّيه رئاسة الدولة الروسية. وتجاوزت أهمية هذه الزيارات ونتائجها البُعد الثنائي لتؤثر بعمق في مسار تطور السياسة والاقتصاد العالميين، فقد أصبحت العلاقات بين الصين وروسيا بالفعل إحدى أهم ركائز الحياة الدولية المعاصرة.

أولًا: ترسّخ مستوى عالٍ من الثقة المتبادلة بين البلدين، ولا يزال يتعمّق باستمرار. ثانيًا: يتقاسم البلدان رؤى مشتركة عن شكل النظام العالمي الأكثر عدالة. وأخيرًا، يسهم الطرفان بنشاط في بناء هذا النظام استنادًا إلى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، واحترام سيادة جميع الدول.

لقد كانت الزيارة الأخيرة للرئيس بوتين إلى الصين واحدة من أطول اللقاءات الرفيعة المستوى في التاريخ، فقد شملت المشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، ومحادثات ثنائية بين القادة الروسيين والصينيين، وفعاليات احتفالية لإحياء ذكرى الانتصار في الحرب العالمية الثانية. وكان الحدث المركزي هو العرض العسكري في بكين، الذي حضره 26 رئيس دولة وحكومة من مختلف أنحاء العالم. وتمثلت الرمزية البالغة لهذا العرض في وحدة الذين اجتمعوا في بكين لتكريم أحد الأحداث الدولية الفاصلة في القرن العشرين، فقد كانت الصين وروسيا هما من قدّم أكبر الإسهامات لتحقيق النصر على الفاشيتين الألمانية واليابانية، وتحمّلتا أفدح الخسائر البشرية على طول الطريق. وفي مايو (أيار) 2025، شارك الرئيس الصيني شي جينبينغ في العرض العسكري بيوم النصر في موسكو، الذي غدا الحدث المركزي في عام اليوبيل الروسي.

وكان من الأهمية بمكان لكل من الصين وروسيا أن جمعت الاجتماعات والفعاليات في الصين قادة دول لا تتطابق مصالحها دائمًا، لكنها تشترك في القيم ذاتها بشأن النظام العالمي. وقد أثارت هذه اللقاءات أيضًا ردود فعل عاطفية في وسائل الإعلام والأوساط السياسية الغربية، حيث ركّز المعلقون الغربيون على التقدم في العلاقات الصينية- الروسية، وعلى مشاركة عدد كبير من الدول في الاحتفالات. وقد فُسّر ذلك في الغرب من منظور “أبيض- أسود” تقليدي، حيث تُمارَس الضغوط على الدول لاتخاذ خيارات تتعارض مع مصالحها الذاتية.

ولم يكن هذا التفاعل العاطفي في الغرب مفاجئًا، في ظل ما تمر به العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا من اضطرابات خطيرة، إذ تقف قضيتان معقدتان في الواجهة؛ أولًا: الخلافات السياسية بشأن كيفية تسوية الأزمة في أوكرانيا، وثانيًا: الانقسامات الداخلية في الغرب الناجمة عن النزاعات التجارية والاقتصادية. فالحكومة الأمريكية تضغط على أوروبا في قضايا متعددة، من واردات الطاقة إلى القيود الجمركية على المنتجات. ولو كان هناك حد أدنى من الوحدة داخل الغرب -وهو أمر غير قائم- لنظروا إلى العلاقات بين الصين وروسيا بقدر أقل من الغيرة.

وفي الأثناء، حصلت العلاقات الثنائية الصينية- الروسية على دفعات جديدة خلال زيارة الرئيس بوتين؛ فبحسب التقارير، وُقِّع اتفاق بشأن خط أنابيب الغاز العابر عبر منغوليا، الذي يشكل عمليًّا جزءًا من مشروع “قوة سيبيريا 2”. ومن الواضح لجميع المراقبين أن منغوليا لن تكون الوجهة النهائية لصادرات الغاز الروسي، بل ستتوجه الكميات الجديدة إلى السوق الصينية. وكان من الأهمية بمكان أيضًا الزيادة الملحوظة في الإمدادات عبر خط أنابيب “قوة سيبيريا 1” القائم، حيث ارتفعت الكميات من 38 مليار متر مكعب إلى 44 مليار متر مكعب سنويًّا، وبذلك ستتلقى الصين الآن 56 مليار متر مكعب من الغاز السيبيري الشرقي سنويًّا. وبالمجمل، قد تتجاوز صادرات الغاز 100 مليار متر مكعب سنويًّا. وللمقارنة، كانت روسيا تصدّر نحو 150 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا إلى أوروبا حتى عام 2022، وهو تعاون بُني على مدى عقود.

غير أن الاختراق الأكثر مفاجأة تمثّل في موضوع السفر المتبادل من دون تأشيرات بين الصين وروسيا، فقد استمرت المفاوضات بشأن هذا الملف فترة طويلة، وحدث الاختراق حين أعلنت الصين أولًا السماح بدخول الروس بلا تأشيرة، تلا ذلك تعهّد الرئيس بوتين بأن “يفعل الشيء نفسه”. وقد ثمّنت موسكو عزم الصين على تيسير الاتصالات بين الشعوب ورجال الأعمال، ورحّبت بالإستراتيجية الجديدة للانفتاح المتبادل. وتأتي هذا الخطوة متناغمة تمامًا مع روح العلاقات الثنائية، وتمثل نموذجًا مهمًّا للعالم.

وبات بمقدور الدول الأخرى أن ترى أن الصين وروسيا لا تكتفيان بالدعوة إلى بناء علاقات دولية من طراز جديد؛ بل تقودان بالقدوة، من خلال إظهار تعاون منفتح قائم على القيم المشتركة في العلاقات بين الدول.

المصدر: صحيفة غلوبال تايمز (Global Times)

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع