مقالات المركز

الصين وإسرائيل ومتلازمة المصالح المتبادلة


  • 13 فبراير 2025

شارك الموضوع

تعدّ العلاقة بين الصين وإسرائيل من العلاقات التي توصف بأنها مستقرة ومحكومة على نحو أساسي بالمصالح الاقتصادية، بعيدًا عن أي تحولات أيديولوجية أو سياسية، وهذا يعود إلى السياسة الصينية القائمة على القوة الاقتصادية في التمدد والانتشار؛ فعلى الرغم من التحالف الإستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، فإن العلاقات بين الصين وإسرائيل بقيت مستقرة وثابتة بعد ثلاثة عقود من إنشائها. ورغم التحولات السياسية الدولية، والتطورات الإقليمية  في منطقة الشرق الأوسط، فإن الصين وإسرائيل حافظتا على تلك العلاقة المستقرة انطلاقًا من المصالح المتبادلة بين الدولتين من تلك العلاقة.

تتميز إسرائيل بالاهتمام الكبير بالبحث العلمي والتقني، ومراكز الأبحاث والدراسات، فهي لا تعتمد على القوة العسكرية والاقتصادية فقط؛ بل لديها اهتمام كبير بالبحث العلمي؛ مما جعلها محط الاهتمام الصيني، وعملت الصين على بناء علاقات اقتصادية قوية معها، ويعبر عن هذا الاهتمام الإسرائيلي بالبحث العلمي  ما صرح به مؤسس دولة إسرائيل ديفيد بن غوريون حين قال: “إن أمن إسرائيل لا يقوم على جيش قوي وسلاح فقط؛ وإنما الأمن هو في تطوير البحث العلمي، وتطوير القدرات العلمية والفنية لشبابنا”. وكان هناك توظيف حقيقي للبحث العلمي ومراكز الأبحاث والدراسات؛  ففي إسرائيل نحو  (5000) مركز بحثي، وقد وصل عدد العلماء والباحثين في إسرائيل إلى (50) باحثًا وتقنيًّا وعالمًا  لكل (10000) مواطن، وهو يفوق المعدل في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي وصل إلى (38) تقنيًّا وباحثًا وعالمًا لكل (10000) مواطن.

الصين بحاجة ماسة إلى التكنولوجيا المتطورة في إسرائيل، وهي تمثل الشريك التجاري الثالث لإسرائيل بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها في الوقت نفسه تحافظ على موقف معتدل ومتوازن من الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وتعاملت بحذر مع جميع النزاعات، وخاصة تلك الدائرة بين إسرائيل والعرب، وتظهر نفسها بوصفها قوة عظمى، وتتمتع بعلاقات جدية مع جميع الدول في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها  إسرائيل والدول العربية، وهذا الموقف منح الصين مكانة خاصة ومتميزة في علاقاتها الاقتصادية، وجعلها محط اهتمام من الدول الناشئة؛ لما تتمتع به الصناعات الصينية من ميزات وخصائص غير متوافرة في غيرها من الصناعات الأوروبية والأمريكية.

في ظل تلك العلاقة المتبادلة، والمصالح المشتركة بين الدولتين، وصل حجم التبادل التجاري بين الصين وإسرائيل إلى مستوى قياسي؛ ففي عام 2014، استثمرت الصين (4) مليارات دولار في إسرائيل،  وخلال العقد الذي الماضي تضاعفت التجارة بين الصين وإسرائيل من (11) مليار دولار إلى أكثر من (23) مليار دولار.

واما في عام 2022 فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين (21) مليار دولار، كما وصلت المركبات الكهربائية الصينية (EVs) إلى الهيمنة في السوق الإسرائيلية؛ فـ(71) % من السيارات الكهربائية المبيعة في إسرائيل عام 2024 كانت من العلامات التجارية الصينية، ومن جانب آخر، يوجد نحو (20,000) عامل صيني في إسرائيل.

والصين هي المستفيد الأكبر من تلك العلاقة، وخاصة في مجال الحصول على التقنيات الإسرائيلية المتقدّمة (الهايتك)؛ ففي الوقت الذي تحجب إسرائيل تلك الصناعات عن الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية وسياسية وتجارية معها وهي في الوقت ذلك حليف إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، تبيع هذه التكنولوجيا للصين. من جانب آخر، تعد السوق الإسرائيلية مكانًا مناسبًا لكثير من الشركات الصينية، من اجل الدخول إلى الأسواق الأوروبية؛ لأن إسرائيل تعمل وفق المواصفات والمنظومة الأوروبية والأمريكية.

وكانت الشركة الإسرائيلية “إنتل” تمثل نحو (40)% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية إلى الصين عام 2018،  وقد دعمت صادرات الرقائق الإسرائيلية إلى الصين توسع القدرة التصنيعية على نطاق عريض في الصين، ومع اشتداد الحرب التكنولوجية التي تشنها الولايات المتحدة على الصين على مستوى العالم، واجهت الشركات التي تتخذ من إسرائيل مقرًا لها، قيودًا مماثلة على صادراتها من الرقائق. وحين بلغت الصادرات الإسرائيلية إلى الصين ذروتها في عامي 2017 و2018، ساهمت صادرات شركة “إنتل” من الرقائق الدقيقة بمعظم النمو في الصادرات، ومع تحول البيانات والأمن إلى مخاوف أمنية، من المرجح أن تشهد منصات التجارة الإلكترونية الصينية ركودًا في نموها، على الرغم من جاذبيتها في المساعدة بتخفيف وطأة ضغط التضخم في إسرائيل.

من جانب آخر، تعمل الصين على استغلال الوضع الراهن في إسرائيل، خاصة بعد رحيل كثير من الشركات الأجنبية من إسرائيل بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فتحل الشركات الصينية محلها وتملأ الفراغ الناتج عن رحيل تلك الشركات، وتستفيد من التحديث التكنولوجي والبيئة التكنولوجية الحاضنة؛ لأن إسرائيل تحظى بتقدير كبير بوصفها مركزًا للابتكارات العالمية.

ومن أجل تعزيز الشراكة الاقتصادية بين الصين وإسرائيل؛ عملت الدولتان على تنظيم عدد من المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية بين الجانبين سنويًّا، ومن بينها منتدى “سيليكون دراغون إسرائيل”، الذي عقد في تل أبيب، والقمة الصينية الإسرائيلية للابتكار، إذ جاءت تلك المنتديات لتنمية العلاقات الاقتصادية بين الدولتين وتعزيزه.

إن العلاقات الصينية الإسرائيلية تسيطر عليها متلازمة المصالح التجارية والاقتصادية المشتركة بين الدولتين، وهي تخضع لضرورات المنفعة والبراغماتية، ولا تقوم على أي أسس مبدئية وأخلاقية وقيم مشتركة،  بعكس العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، التي تحكمها القيم المشتركة والدين  والثقافة؛ لذا فإن استمرار تلك العلاقات محكوم بمراكز القوة، والحاجة إلى كلا الطرفين، وما دامت هناك حاجة فإن هناك مصالح مستمرة، ومرشحة للتقدم والازدهار مستقبلًا، فالدول تبني علاقاتها الخارجية بناء على المصالح، وليس بناء على أي أسس أخلاقية، أو حتى أيديولوجية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع