مقالات المركز

الدور الروسي في الجنوب السوري


  • 29 أكتوبر 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: bbc.com

تُعد روسيا ثقلًا موازنًا محتملًا لإسرائيل، التي غزت أجزاءً من جنوب سوريا بعد سقوط الأسد، ونفذت أكثر من 1000 غارة جوية، و400 توغل بري في جميع أنحاء البلاد. ترى سوريا أن العلاقة الجيدة بين موسكو وتل أبيب قد تحل بعض قضاياها في جنوب البلاد.

تُشير موسكو إلى إعادة انتشار محتمل للقوات العسكرية في جنوب سوريا، وهي مناورة إستراتيجية تُناقش مع كل من الحكومة في دمشق وتل أبيب. تهدف المبادرة، التي طُرحت لأول مرة في وسائل الإعلام الروسية، إلى إعادة ترسيخ روسيا كحَكَم أساسي للاستقرار على الحدود المتقلبة مع إسرائيل، وتأمين أصولها الإستراتيجية الطويلة الأجل في البحر الأبيض المتوسط، ومواجهة التهديدات الجيوسياسية الناشئة.

اكتسبت المناقشات زخمًا عامًا في 11 أغسطس (آب) 2025، عندما ذكرت صحيفة “كوميرسانت” الروسية أن السلطات السورية تُبدي “اهتمامًا” كبيرًا باستئناف دوريات الشرطة العسكرية الروسية في المحافظات الجنوبية.

في 15 أكتوبر (تشرين الأول)، التقى الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو. قال الشرع إنه يسعى إلى إعادة إقامة علاقات دبلوماسية مع جميع الدول، “وعلى رأسها روسيا”. كما تحدث بوتين عن “العلاقة الخاصة” التي بُنيت على مدى 80 عامًا بين سوريا وروسيا. بعد سقوط الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024، زارت بعثة دبلوماسية روسية رفيعة المستوى الحكومة الجديدة في دمشق في يناير (كانون الثاني)، مع عدة مكالمات هاتفية بين بوتين والشرع في فبراير (شباط)؛ بهدف الحفاظ على وجود عسكري وسياسي في سوريا.

بدأت صادرات الأسلحة من الاتحاد السوفيتي إلى سوريا في عام 1975، مع توقيع الطرفين على معاهدة الصداقة والتعاون في عام 1980. أكد الشرع أن حكومته ستلتزم بالاتفاقيات السابقة مع روسيا، مما يُشير إلى أن القاعدتين الروسيتين في سوريا، طرطوس وحميميم، ستظلان تعملان.

ستسعى سوريا إلى إعادة تسليح جيشها المُشكل حديثًا، في أعقاب القصف الإسرائيلي الذي دمر تقريبًا جميع القدرات العسكرية. اقترح بعض المحللين أن روسيا يمكنها أن تؤدي دورًا في تدريب الجيش الجديد. ويمكن لروسيا أيضًا أن تؤدي دورًا في مجلس الأمن الدولي لدعم سوريا سياسيًّا. هناك مصالح مشتركة بين سوريا وروسيا، مثل إعادة إعمار البلاد التي مزقتها الحرب، واحتياجات الطاقة. تحصل سوريا على النفط الخام لشبكتها الكهربائية من روسيا، وقد وصل إلى 12 مليون برميل في عام 2025. وفي أبريل (نيسان)، وصلت شحنات قمح إلى سوريا من روسيا.

تقارب المصالح

تُعد إعادة الانتشار المحتمل هذه نتيجة مباشرة لزيارة وفد سوري رفيع المستوى إلى موسكو في 31 يوليو (تموز) 2025. وقد تُوِّجت الزيارة، التي قادها وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، باجتماع حاسم مع الرئيس بوتين.

بالنسبة للحكومة في دمشق، فإن الوجود الروسي في الجنوب من شأنه أن يقلل من الذرائع للعمليات العسكرية الإسرائيلية، وربما يسهل التوصل إلى تسوية سياسية تتضمن نزع سلاح الفصائل المحلية في السويداء.

القاعدة الثالثة.. بصمة مرنة

بينما تُعد احتمالية وجود بصمة عسكرية روسية جديدة في الجنوب واضحة، يُشير المحللون إلى أن المناقشة لا تركز على إنشاء قاعدة جديدة وكاملة النطاق. بدلًا من ذلك، يدور الاقتراح حول استئناف دوريات الشرطة العسكرية، و”قوات الفصل”. سيكون الوجود الدائم والثقيل معقدًا سياسيًّا. يقدم هذا النموذج وجودًا أكثر مرونة، ومقبولاً سياسيًّا، مما يسمح لروسيا بإبراز قوتها والتوسط في النزاعات دون تعقيدات “قاعدة ثالثة” رسمية.

مصالح موسكو

من المرجح أن تنظر روسيا في هذا الاقتراح؛ فتجديد الوجود في الجنوب يحقق كثيرًا من المصالح الرئيسة لموسكو؛ فهو:

– يُرسخ دور روسيا بوصفها شريكًا لا غنى عنه للحكومة السورية، ويوفر نفوذًا حاسمًا لتأمين عقود الإيجار الطويلة الأجل لطرطوس وحميميم.

– يُعيد ترسيخ دور روسيا بوصفها “محققًا للاستقرار” الإقليمي الرئيس، والقوة الوحيدة القادرة على الموازنة بين مصالح سوريا وإسرائيل وتركيا.

– بمنزلة رادع مباشر ضد النفوذ التركي المتوسع، والأهم أنه يمنع المشروعات الإستراتيجية الإسرائيلية المحتملة.

حسابات إقليمية جديدة

يُشير المحللون اليوم إلى أن إسرائيل مهتمة باستمرار الوجود الروسي كثقَل موازن حاسم للنفوذ التركي المتوسع. تعتمد هذه الحسابات اعتمادًا كبيرًا على “العلاقة الخاصة” بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أجرى الاثنان مكالمات هاتفية في 28 يوليو (تموز) و4 أغسطس (آب) لمناقشة الوضع السوري.

لن يكون الانتشار الروسي تحديًا عسكريًّا مباشرًا لإسرائيل؛ بل “دفاعًا من خلال الاستقرار والردع”. ستدير روسيا الحدود من خلال خط اتصالها الفريد مع تل أبيب، في حين تردع -في الوقت نفسه- أي “احتلال زاحف” من جانب إسرائيل.

ومن المهم الإشارة إلى أن الأطراف الفاعلة الرئيسة الأخرى قد لا تعترض؛ فتركيا، التي توسطت في زيارة الوفد السوري إلى موسكو، تفيد التقارير أنها لا تعارض النفوذ الروسي في الجنوب. وقد تشجع كل من أنقرة وواشنطن قوة عسكرية روسية عازلة لضمان الاستقرار، ومنع حدوث فراغ.

مركز المصالحة الروسي

تأسس مركز المصالحة الروسي في عام 2016؛ سعيًا إلى التفاوض السلمي بين مقاتلي المعارضة المسلحة والحكومة السورية. نُفِّذَت كثير من الصفقات الناجحة، التي أعادت المجتمعات إلى السلام، في حين نقلت المقاتلين المسلحين وعائلاتهم والمدنيين الراغبين إلى إدلب، حيث يمكنهم العيش خارج سيطرة الحكومة السورية. وصل كثير من سكان إدلب على الحافلات الخضراء المستخدمة في عملية التفاوض. إنهم يدينون بحياتهم للمفاوضين الروس الذين جعلوا الخروج الآمن من منطقة الحرب ممكنًا، ومن بين هؤلاء كان المقاتلون الذين أسقطوا الأسد تحت قيادة الشرع.

في الوقت الحالي، يبدو أن روسيا تركز على توطيد مكاسبها في سوريا. في إظهار واضح لهذا الانخراط المتجدد، أصبحت القوات الروسية نشطة بوضوح، مع تحرك قافلة عسكرية شرقًا من القامشلي في 7 أغسطس (آب)، وتقارير عن تعزيز روسيا وجودها في مطار القامشلي في 11 أغسطس (آب).

إن موسكو تؤدي لعبة محفوفة بالمخاطر باستخدام الجنوب الحساس كرقعة شطرنج لتأمين مكانتها بوصفها قوة عظمى في البحر الأبيض المتوسط.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع