انتقدت إيران إعلان حركة طالبان أن أعمال بناء سد “باشدان” في هرات اكتملت بنسبة 80%، وأنه سيتم تشغيله قريبًا، وقال المتحدث باسم وزارة الري الإيرانية، عيسى زادة، إن بناء هذا السد سيؤثر بشدة في مياه الشرب لملايين الإيرانيين الذين يعيشون في مدينة مشهد. وطلب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، تعاون حكومة طالبان لإزالة العقبات أمام دخول المياه من أفغانستان إلى إيران، وذكّر بأن حقوق إيران والمعاهدات الثنائية بين البلدين يجب أن تؤخذ في الحسبان في استغلال موارد المياه.
ونشر ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حكومة طالبان، مقطع فيديو على حسابه في “إكس” لتجمع المواطنين حول هذا السد. وقال إسماعيل بقائي إن وزارة الخارجية الإيرانية عبّرت في اتصال مع السلطات الحاكمة في أفغانستان عن “اعتراضها الشديد وقلقها إزاء التحديد غير المتناسب للمياه الداخلة إلى إيران، أو تحويل مجرى الأنهار الطبيعي”. واحتج المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية على سحب المياه من سد “باشدان” في هرات، وقال: “لا يمكن استغلال الموارد المائية والأحواض المائية دون احترام حقوق إيران وفقًا للمعاهدات الثنائية، أو المبادئ والقواعد العرفية، فضلًا عن مبدأ حسن الجوار المهم، وكذلك الاعتبارات البيئية”. ولم يصدر حتى الآن أي رد فعل من جانب سلطات حكومة طالبان بشأن قضية المياه.
سد باشدان، الواقع في قضاء الكرخ في هرات، هو أحد المصادر الرئيسة لري المناطق الخضراء في مدينة هرات والحزام الأخضر لهذه المحافظة، وبدأ بناؤه عام 2010، ويقال إن لديه القدرة على ري نحو 18 ألف هكتار من الأراضي، وإنتاج ميغاواتين من الكهرباء. وفي الماضي، أعربت إيران عن قلقها إزاء عدد السدود والجهود المبذولة لبناء مزيد من السدود في أفغانستان. كما يشكل نهر هيرمند، الواقع على الحدود بين إيران وأفغانستان، نقطة صراع محتملة على موارد المياه الشحيحة في المنطقة بين هذين البلدين.
وقعت إيران وأفغانستان معاهدة لاستخدام مياه نهر هيرمند عام 1972، بموجبها تُحدَّد كمية المياه السنوية التي تدخل إيران من نهر هيرمند، لكن إيران لا تعلم كمية المياه التي تدخلها، وغير راضية عن تدفق المياه. وأشار مسؤولون في حكومة طالبان إلى أن قلة هطول الأمطار، وعدم وجود جهاز لقياس كمية المياه الداخلة إلى إيران، هي أسباب رئيسة لعدم الوصول إلى كمية المياه المتفق عليها، وزعموا أن إيران حصلت في بعض السنوات على مياه أكثر من كمية المياه المنصوص عليها في المعاهدة بين البلدين.
تعود النزاعات على المياه بين إيران وأفغانستان إلى سبعينيات القرن التاسع عشر، عندما حاول البريطانيون رسم الحدود الإيرانية الأفغانية على طول الخط الرئيس لنهر هلمند. عام 1939، وقعت الحكومة الإيرانية، تحت حكم رضا شاه بهلوي، ونظام محمد ظاهر شاه في أفغانستان، معاهدة مياه لم يُصدِّق عليها البلدان. وفي عام 1948، بناءً على اقتراح من الولايات المتحدة، شُكِّلَت لجنة للتحقيق في المسائل المتعلقة بالمياه والتوصية بالحلول المحتملة. استمرت المماطلة بين البلدين حتى توقع اتفاقية المياه بين رئيس الوزراء الأفغاني محمد موسى شفيق ونظيره الإيراني أمير عباس هويدا عام 1973.
وبموجب المادة الثالثة من معاهدة نهر هلمند بين أفغانستان وإيران لعام 1973، يتعين على كابول السماح بتدفق 22 مترًا مكعبًا في الثانية من المياه إلى إيران. وبالإضافة إلى ذلك، يُسمح بتدفق أربعة أمتار مكعبة في الثانية من المياه “تعبيرًا عن حسن النية”. وفي المقابل، توافق إيران على السماح لأفغانستان باستخدام مواني بندر عباس وتشابهار دون شروط. ولم يتسن التصديق على معاهدة عام 1973، أو تنفيذها بالكامل، بسبب التطورات السياسية في البلدين، مثل الانقلاب في أفغانستان في ذلك العام، والثورة الإيرانية في عام 1979، ودخول الجيش السوفيتي أفغانستان عام 1979، وصعود طالبان عام 1995 .
وفي عام 2021، وقعت إيران وأفغانستان اتفاقية أخرى أظهر الجانبان بموجبها التزامهما بإجراء مسح جديد لمنطقة هلمند، ومنح حقوق المياه بناءً على الاتفاقية التي وقعاها عام 1973. وفي مايو (أيار) 2023، قال الممثل الخاص الإيراني والسفير لدى أفغانستان، حسن كاظمي، إن بلاده لم تتلق سوى نحو 27 مليون متر مكعب من المياه خلال عام 2022. وتعاني كل من أفغانستان وإيران ندرة حادة في المياه؛ مما يؤدي إلى سنوات متتالية من الجفاف.
عام 2018، ضرب الجفاف أفغانستان، وشرّد أكثر من (260) ألف شخص، وترك نحو (10) ملايين شخص يواجهون خطر المجاعة. وفي عام 2023، واجهت أفغانستان جفافًا خطيرًا آخر. وكذلك تعرض (270) مدينة وبلدة إيرانية لنقص حاد في المياه خلال عامي 2022 و2023، كما اندلعت احتجاجات بسبب زيادة الجفاف، وسوء إدارة الحكومة لموارد المياه؛ لذا تشكل السدود على الجانب الأفغاني من نهر هلمند سببًا رئيسًا للتوترات بين البلدين، فخلال عام 2021، افتتح الرئيس الأفغاني آنذاك، أشرف غني، سد كمال خان في منطقة تشاهار بورجاك بمحافظة نيمروز، القادر على تخزين (52) مليون متر مكعب من المياه، وري أكثر من (180) ألف هكتار من الأراضي، وتوليد تسعة ميغاواتات من الكهرباء، وشدد غني على معاهدة هلمند لعام 2021، وأكد أن طهران يجب أن توفر النفط مقابل مزيد من المياه.
مع صعود طالبان إلى السلطة، وفي بادرة لحسن النية مع إيران، مدت حركة طالبان المياه من سد كمال خان إلى المنطقة القاحلة الجنوبية الغربية من إيران. وقد حاولت طهران سابقًا تجنيد عناصر من الحركة لتفجير السدود الأفغانية، مثل سد كمال خان، وسد كاجاكي، والأخير يقع بإقليم هلمند، وتم تشغيله في عام 1953، ولكنه لم يكتمل بالكامل إلا عام 2022، بالإضافة إلى سد جريشك، الذي تم تشغيله في الأربعينيات. واتهمت إيران أفغانستان باستخدام السدود لتقليص حصتها من المياه، وفي عام 2005، قُبِض على (20) مقاتلًا من طالبان في أثناء محاولتهم تفجير سد جريشك لصالح إيران.
من المرجح أن تشهد أفغانستان وإيران مزيدًا من موجات الجفاف الشديدة، وهذا لن يحدث خلافات وتوترات إقليمية بينهما فقط، ولكنه سيتسبب في اضطرابات سياسية داخل إيران نفسها؛ ما يجعل طهران في موقف صعب يتطلب مرونة أكبر مع حركة طالبان التوصل إلى اتفاقات مُلزمة تضمن تدفق المياه بحرية واستمرارية، لكن سنوات من الفوضى والحروب في أفغانستان أدت إلى عيوب خطيرة في البنية التحتية الهيدرولوجية، وهذا عبء إضافي على كابول، المطالب منها إعادة ترميم السدود، وتوزيع المياه، وإحياء المناطق القاحلة، والاستعداد لأي موجات جفاف مفاجئة قد تقلب أيضًا حواضنها الشعبية عليها، ويشكل التغير المناخي أحد عوامل الخطر على الاستقرار الإقليمي في جنوب آسيا.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.