لم يكن الطالب الفلسطيني محمود خليل، الذي تخرج في جامعة كولومبيا بنيويورك، ويحمل البطاقة الخضراء، حالة عادية أو تقليدية، لكن قرار الرئيس دونالد ترمب اتهام الطلاب المتعاطفين مع القضية الفلسطينية بمعاداة السامية، وتهديدهم بالاعتقال، جعل اسم محمود خليل نجمًا يلمع في سماء الولايات المتحدة من خلال وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، بل تجاوز ذلك إلى الرأي العام الأمريكي من خلال التجمعات السلمية والمظاهرات المطالبة بإطلاق سراحه فورًا. ولم يتوقف الأمر عند الشارع والرأي العام؛ بل امتد إلى أركان النظام الأمريكي، خاصة السلطة القضائية، حيإذث أصدر قاضٍ أمرًا بعدم ترحيل محمود خليل، وحدد موعدًا لعقد جلسة المحكمة.
وُلد خليل في سوريا عام ١٩٩٥، لأبوين فلسطينيين، وفي سن الثامنة عشرة فرَّ من سوريا إلى لبنان بعد عامين من اندلاع الثورة السورية المطالبة بالحرية، وحصل على شهادة في علوم الحاسوب من الجامعة الأمريكية في بيروت. وصل محمود خليل إلى جامعة كولومبيا في يناير (كانون الثاني) 2023 طالب دراسات عليا في كلية الشؤون الدولية والعامة، ودرس للحصول على درجة الماجستير في الإدارة العامة. وعندما بدأت الحرب في غزة، كان جزءًا من مجموعة صغيرة من المنظمين الذين خططوا لأول احتجاج جامعي من أجل فلسطين في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
في ربيع عام 2024، خلال مخيم التضامن مع غزة، أصبح خليل المفاوض الرئيس في اتحاد الطلاب العرب بجامعة كولومبيا، وكان حلقة الوصل بين الطلاب المتظاهرين المطالبين بسحب الاستثمارات من إسرائيل وإدارة الجامعة. كان يتحدث مكشوف الوجه عبر الميكروفونات وأمام الكاميرات، ناقلًا الأخبار من حرم مانهاتن إلى بقية العالم.
في تصريح سابق لشبكة CNN في ربيع عام 2024، قال خليل: “بصفتي طالبًا فلسطينيًّا، أومن بأن تحرير الشعب الفلسطيني وتحرير الشعب اليهودي مترابطان، ولا يمكن تحقيق أحدهما دون الآخر”، ردًا على اتهامات معاداة السامية الموجهة لحركة الاحتجاجات في جامعة كولومبيا. وأضاف: “لا مكان لمعاداة السامية في حركتنا، فهي حركة من أجل العدالة الاجتماعية، والحرية، والمساواة للجميع”.
كان محمود خليل مفاوضًا رئيسًا في حملة جامعة كولومبيا لسحب الاستثمارات من نظام الفصل العنصري (CUAD)؛ مما جعله يبرز كنجم خلال احتجاجات المخيمات المؤيدة للفلسطينيين في ربيع عام 2024، واكتسب سمعة طيبة بين زملائه المتظاهرين بوصفه منظمًا مبدئيًّا وإستراتيجيًّا، ونال الثناء على قدرته على تهدئة المواقع المتوترة.
اعتقلت عناصر من وزارة الأمن الداخلي في ولاية نيويورك محمود خليل، في المبنى السكني المملوك للجامعة حيث يعيش مع زوجته، وهي مواطنة أمريكية. نُقل إلى مركز إدارة الهجرة والجمارك، ثم إلى مركز احتجاز المهاجرين في لويزيانا. وقال عناصر الوزارة عند اعتقاله إن وزارة الخارجية ألغت تأشيرته، مع أنه لا يحمل تأشيرة طالب؛ بل بطاقة خضراء، وهو مقيم دائم قانوني في الولايات المتحدة. يتمتع حاملو البطاقة الخضراء بحقوق واسعة، منها الحق في العمل، والحماية بموجب القوانين الأمريكية. وفي حالة وجود ادعاء ضد أي شخص يحمل البطاقة الخضراء، فإن قاضي الهجرة هو الوحيد الذي يملك سلطة إلغاء وضع الهجرة.
استندت سلطات الاحتجاز إلى قانون الهجرة والجنسية الأمريكي، الذي ينص على أن “الأجنبي الذي يوجد لدى وزير الخارجية أسباب معقولة للاعتقاد بأن وجوده أو أنشطته في الولايات المتحدة قد تكون لها عواقب سلبية خطيرة على السياسة الخارجية للبلاد، يكون قابلًا للترحيل”.
أثار اعتقال خليل صدمة بين النشطاء؛ مما زاد المخاوف بشأن تجريم الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، وضعف ضمانات حرية التعبير، وحقوق المهاجرين، بل تجاوز ذلك إلى مخاوف أوسع في المجتمع الأمريكي من تقييد الحريات، وانتهاك التعديل الأول للدستور، الذي يحمي حرية الرأي والتعبير.
الأهم أن تعامل أجهزة إنفاذ القانون -الحازم- مع تلك الاحتجاجات يشير إلى تحولات في البناء المؤسساتي الديمقراطي في الدولة، باتجاه تقييد الحريات الفردية والجماعية.
من جانب آخر، تخشى كثير من الجماعات الضاغطة في الولايات المتحدة، خاصة اللوبيات الداعمة لإسرائيل، من التحولات البنيوية في المجتمع الأمريكي نحو تأييد متزايد للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وانتقاد السياسة الخارجية الأمريكية المنحازة كليًّا إلى الاحتلال. وقد ينعكس هذا التغير خلال سنوات قليلة نحو تحول في مراكز صنع القرار؛ لتصبح السياسة الخارجية أكثر اعتدالًا وتوازنًا تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.