تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا عسكريًّا غير مسبوق منذ يونيو (حزيران) 2025، مع اندلاع حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران، تلتها ضربات أمريكية استهدفت مفاعلات نووية إيرانية. هذا الصراع، الذي بدأ بهجمات إسرائيلية استباقية على منشآت نووية وعسكرية إيرانية، يثير تساؤلات عن احتمال سقوط النظام الإيراني وتداعيات ذلك على استقرار المنطقة، لا سيما في جنوب آسيا. يتناول هذا التقدير سيناريوهات محتملة لانهيار النظام الإيراني، ويحلل تأثيرها في أمن جنوب آسيا.
السياق الإستراتيجي للصراع
بدأت الحرب الإسرائيلية- الإيرانية في 13 يونيو (حزيران) 2025، بهجمات إسرائيلية استهدفت منشآت نووية رئيسة، مثل نطنز وأصفهان، إلى جانب اغتيال قادة عسكريين، وعلماء نوويين. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف الهجمات بأنها “استباقية” لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، مشيرًا إلى أن إيران كانت على وشك إنتاج قنبلة نووية. في 22 يونيو (حزيران) 2025، نفذت الولايات المتحدة ضربات على ثلاث منشآت نووية إيرانية، مما زاد الضغط على النظام الإيراني. ردت إيران بهجمات صاروخية على إسرائيل، لكن قدراتها العسكرية تضررت تضررًا كبيرًا، مما أثار مخاوف من انهيار داخلي.
إيران تمتلك برنامجًا نوويًّا متقدمًا، مع تخصيب يورانيوم بنسبة (60%)، وهي نسبة قريبة من المستوى اللازم لصنع أسلحة نووية. الضربات الإسرائيلية والأمريكية دمرت أجزاء من منشآت نطنز وأصفهان، لكن منشأة فوردو، المحصنة تحت الأرض، بقيت سليمة إلى حد كبير. هذا الوضع يضع النظام الإيراني أمام خيارات محدودة: الاستسلام للضغوط الدولية، أو التصعيد العسكري، أو مواجهة اضطرابات داخلية قد تهدد بقاءه.
سيناريوهات سقوط النظام الإيراني
- السيناريو الأول: الانهيار الداخلي بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية
يمكن أن يؤدي تدمير البنية التحتية النووية والعسكرية، إلى جانب العقوبات الاقتصادية المشددة، إلى انهيار النظام من الداخل. إيران تعاني بالفعل اقتصادًا هشًّا، مع تضخم مرتفع، وتدهور في مستويات المعيشة. الضربات على منشآت نفطية واقتصادية، كما حدث في يونيو (حزيران) 2025، قد تؤدي إلى شلل اقتصادي. الشباب الإيراني، الذي يشكل أكثر من (60%) من السكان، ويعاني البطالة، قد يثور ضد النظام، مستلهمًا نماذج الإمارات والسعودية في التنمية الاقتصادية. الانقسامات العرقية، خاصة بين الأكراد والبلوش والأذريين، قد تتفاقم، حيث تسعى هذه المجموعات إلى الاستقلال، أو الحكم الذاتي؛ مما يزيد ضعف النظام. - السيناريو الثاني: التدخل العسكري الأمريكي- الإسرائيلي المباشر:
في حالة فشل الضربات الجوية في تحييد البرنامج النووي، قد تلجأ الولايات المتحدة وإسرائيل إلى عملية عسكرية برية محدودة، أو هجمات سيبرانية واسعة النطاق. هذا السيناريو قد يشمل استهداف قيادات النظام مباشرة، كما حدث باغتيال قادة الحرس الثوري، مثل حسين سلامي. هذه العمليات قد تؤدي إلى فراغ سياسي، يستغله معارضون داخليون أو فصائل عرقية للإطاحة بالنظام. ومع ذلك، فهذا السيناريو محفوف بالمخاطر، حيث قد يؤدي إلى حرب إقليمية تشمل حلفاء إيران، مثل الحوثيين في اليمن. - السيناريو الثالث: الانقلاب العسكري الداخلي:
قد يؤدي ضعف النظام وعجزه عن الرد على الهجمات إلى انقلاب عسكري من فصائل داخل الحرس الثوري، أو الجيش. الخسائر الكبيرة في القيادات العسكرية، كما حدث في يونيو (حزيران) 2025، قد تدفع ضباطًا شبانًا إلى التحرك لإنقاذ البلاد من الفوضى. هذا الانقلاب قد يؤدي إلى نظام عسكري جديد، لكنه قد يواجه مقاومة من الأقليات العرقية، التي قد ترى في الفوضى فرصة للمطالبة بحقوقها.
تأثيرات سقوط النظام في أمن جنوب آسيا
- الأمن الإقليمي والتوازن الإستراتيجي:
إيران لاعب رئيس في جنوب آسيا من خلال علاقاتها مع باكستان وأفغانستان، ودعمها جماعات مثل حزب الله. سقوط النظام قد يؤدي إلى فراغ أمني تستغله تنظيمات متطرفة، مثل داعش أو طالبان، خاصة في أفغانستان. باكستان، التي تشترك مع إيران في حدود طويلة، قد تواجه تدفق لاجئين، وتصاعد التوترات العرقية، خاصة في إقليم بلوشستان. الهند، المنافس الإقليمي لباكستان، قد تستغل الوضع لتعزيز نفوذها في المنطقة؛ مما يزيد التوترات مع باكستان. - الأزمات الاقتصادية وأسواق الطاقة:
إيران مورد رئيس للنفط والغاز إلى دول جنوب آسيا، مثل الهند وباكستان. انهيار النظام قد يؤدي إلى اضطرابات في إمدادات الطاقة؛ مما يرفع الأسعار، ويؤثر في الاقتصادات الهشة في المنطقة. الهند، التي تعتمد على النفط الإيراني، قد تواجه أزمة طاقة، في حين قد تستفيد باكستان من تحويل مسارات التجارة عبر الصين؛ مما يعزز مشروع “الحزام والطريق”. - الأبعاد العرقية:
إيران بلد متعدد الأعراق، حيث يشكل الفرس نحو (60%) من السكان، في حين تشمل الأقليات الأذريين (16%)، والأكراد (10%)، والبلوش (2%)، والعرب (2%). سقوط النظام قد يؤدي إلى تصاعد المطالب العرقية، خاصة في الأقاليم الحدودية. البلوش، الذين يعيشون على الحدود مع باكستان، قد يثورون ضد الحكومة المركزية؛ مما يؤثر في استقرار إقليم بلوشستان الباكستاني. الأكراد في شمال غرب إيران قد يسعون للانفصال، مستلهمين تجربة إقليم كردستان العراق؛ مما يثير قلق تركيا، التي تخشى من تأثير ذلك على أكرادها. الأذريون، الذين لهم صلات وثيقة مع أذربيجان، قد يطالبون بحكم ذاتي؛ مما يعقد العلاقات الإيرانية- الأذربيجانية.
في جنوب آسيا، قد يؤدي تصاعد التوترات العرقية في إيران إلى تأثيرات متتالية. باكستان، التي تعاني بالفعل تمردًا بلوشيًّا، قد تواجه صعوبات في احتواء الاضطرابات إذا امتدت إلى أراضيها. الهند، التي لديها أقليات مسلمة كبيرة، قد تشهد توترات طائفية إذا استغلت جماعات متطرفة الفوضى في إيران لتعبئة الشيعة المحليين.
- تحليل البعد العرقي:
البعد العرقي في إيران معقد بسبب التنوع السكاني والسياسات المركزية التي اعتمدها النظام منذ الثورة الإسلامية عام 1979. الفرس، الذين يهيمنون على الحكومة والجيش، فرضوا سياسات تهميش على الأقليات؛ مما أثار استياء الأكراد والبلوش والأذريين. الضربات العسكرية على إيران، خاصة في المناطق الحدودية، مثل كردستان، وسيستان، وبلوشستان، قد تزيد شعور الأقليات بالتهميش؛ مما يدفعهم إلى التمرد.
في سيستان وبلوشستان، حيث يعيش البلوش، قد تؤدي الضربات على منشآت عسكرية إلى نزوح سكاني نحو باكستان؛ مما يضغط على الحكومة الباكستانية، ويزيد التوترات مع الهند، التي تدعم بعض الحركات البلوشية لإضعاف باكستان. الأكراد، الذين يعانون قمعًا طويل الأمد، قد يستغلون ضعف النظام لإعلان حكم ذاتي؛ مما يؤثر في العلاقات مع تركيا وسوريا والعراق. الأذريون قد يتلقون دعمًا من أذربيجان؛ مما يعزز النفوذ الأذربيجاني في المنطقة على حساب إيران.
في جنوب آسيا، التوترات العرقية الناتجة عن انهيار النظام الإيراني قد تؤدي إلى تعقيد الصراعات الإقليمية. باكستان، التي لديها تاريخ من الصراعات العرقية، قد تواجه تحديات أمنية إذا تصاعدت حركات البلوش. الهند، التي تسعى إلى توسيع نفوذها في أفغانستان، قد تستغل الفوضى لدعم جماعات معادية لباكستان؛ مما يزيد احتمالات التصعيد العسكري.
سقوط النظام الإيراني، سواء بسبب انهيار داخلي، أو تدخل عسكري خارجي، أو انقلاب عسكري، سيترك تداعيات عميقة على أمن جنوب آسيا. الفراغ الأمني الناتج قد يؤدي إلى صعود تنظيمات متطرفة، في حين أن اضطرابات إمدادات الطاقة ستؤثر في اقتصادات المنطقة. البعد العرقي يضيف طبقة من التعقيد، حيث قد تؤدي مطالب الأقليات في إيران إلى صراعات حدودية تؤثر في باكستان، وأفغانستان، والهند. لتجنب كارثة إقليمية، يجب على القوى الدولية، ومنها الأمم المتحدة، التدخل لاحتواء الصراع، ودعم حلول دبلوماسية تحافظ على الاستقرار الإقليمي.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.