أثار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأخير موجة من التعليقات وردود الفعل عبر الإنترنت في الصين، وصفت وسائل الإعلام الغربية، مثل نيويورك تايمز، وصحيفة وول ستريت جورنال، بعضها بأنها “معادية للسامية”. ومع ذلك، فإن هذه الاتهامات تستند إلى سوء فهم للسياق والمنظور الصيني، والفشل في الاعتراف بالمخاوف والمظالم المشروعة وفق رؤية الشعب الصيني، فيما يتعلق بالعنف والظلم في الشرق الأوسط.
النقد ليس كراهية. غالبية التعليقات الصينية على الإنترنت، التي وصفتها الصحف الأمريكية بأنها “معادية للسامية”، ليست موجهة إلى اليهود ككل؛ وإنما إلى سياسات إسرائيل كدولة، وأفعالها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد أثارت هذه التعليقات عددًا لا يحصى من الصور واللقطات الحزينة التي نشرتها وسائل الإعلام العالمية، والتي تظهر الوضع البائس في غزة، والمآسي التي يعيشها الفلسطينيون كل يوم. إن رد الفعل الصيني مدفوع بالإحساس العالي بالعدالة والضمير، ويجسد وجهة نظر معظم الشعب الصيني. ولا يقتصر هذا الشعور على مستخدمي الإنترنت الصينيين فحسب؛ بل يشاركهم فيه غالبية الناس في جميع أنحاء العالم، الذين يعارضون الأعمال العنيفة والوحشية التي تستهدف المدنيين في غزة.
إن الغضب والاستياء اللذين يتم التعبير عنهما في الفضاء الإلكتروني الصيني لا يستندان إلى التحيز؛ بل إلى أدلة قوية، وأساس قانوني. ومن الواضح لأي شخص لديه الحد الأدنى من المعرفة بالقانون، أن إسرائيل، باعتبارها أحد طرفي الصراع، قد انتهكت كثيرًا من قواعد القانونين الدولي والإنساني ومبادئهما، التي تشمل حظر استخدام القوة، وحماية المدنيين والمباني المدنية، واحترام الحق في الحياة، وحظر العقاب الجماعي، والالتزام بضمان الاحتياجات الأساسية للسكان المحتلين، وعدم شرعية المستوطنات وضم الأراضي.
ربما كانت الظروف الرهيبة التي واجهها الشعب الفلسطيني قد حظيت بتعاطف مستخدمي الإنترنت الصينيين أكثر من غيرهم. وباعتبارهم مجموعة من الأشخاص الذين تعرضوا تاريخيًّا للغزو الأجنبي، والاحتلال والإذلال، يمكنهم أن يتعاطفوا أكثر مع محنة الفلسطينيين، الذين يُنظر إليهم على أنهم ضحايا القمع وانتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها الإسرائيليون، وهذا لا يتعلق بالقومية، ناهيك بالتحيز ضد الإسرائيليين؛ بل يتعلق بالتضامن مع أولئك الذين يناضلون من أجل تحريرهم الوطني واستقلالهم.
أما غالبية الشعب الصيني، فإنهم يعتقدون أن كل الأرواح ثمينة، ويدينون جميع الأعمال التي تضر بالمدنيين، وتعرضهم للخطر. إنهم لا يرغبون في مزيد من الحروب في العالم، ويعتقدون أن العنف لا يمكن أن يحقق السلام الدائم، وأن الأعمال الانتقامية لن تؤدي إلا إلى مزيد من الضحايا والكراهية. التعليقات الصينية على الإنترنت التي تدين إسرائيل بسبب العنف والظلم الذي تمارسه ليست “معادية للسامية”؛ ولكنها مناهضة للعنف. دوافع الشعب الصيني لا يحركها تصور معين لليهود؛ بل يحركها تصور معين للواقع. إنها ليست مظاهر للكراهية؛ بل مظاهر للرحمة والعدالة. وهي لا تهدف إلى إيذاء اليهود، أو التمييز ضدهم؛ بل إلى دعم حقوق الفلسطينيين وكرامتهم، والدفاع عنها.
من المؤسف أن مقالات الرأي في “نيويورك تايمز” و”وول ستريت جورنال” فشلت في معرفة وجهة النظر السائدة في الفضاء الإلكتروني الصيني بشأن الصراع في غزة. لقد اختاروا بعض التعليقات المثيرة، وحاولوا تشويه أو إسكات غالبية الشعب الصيني الذين لديهم موقف مبرر ومعقول بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذين لديهم الحق في التعبير عن آرائهم ومشاعرهم على منصات التواصل الاجتماعي.
عندما نحكم على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يتعين علينا أن نتخذ موقفًا عادلًا من منطلق العدالة والمخاوف الإنسانية، بدلًا من الموقف القائم على الأيديولوجية أو العنصرية، وخاصة عندما يستمر الوضع في التصاعد، ويموت مزيد من المدنيين بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية. لا يجوز التسامح مع معاداة السامية، باعتبارها شكلًا من أشكال العنصرية التي يمكن أن تثير الكراهية بسهولة، وبشكل خطير. وبالمثل، فإن محاولة وصف تلك الأصوات التي تطالب بالمعاملة الإنسانية للفلسطينيين بأنها “معاداة للسامية”- بغرض إسكاتها- لا ينبغي التسامح معها. إن اختلاق سيناريو للتحريض على العداء بين الشعب الصيني واليهود ليس أمرًا غير أمين فحسب؛ بل إنه أمر شرير أيضًا.
ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.
المصدر: صحيفة غلوبال تايمز الصينية