
أدت إندونيسيا، بوصفها أكبر دولة إسلامية في العالم بعدد سكانها البالغ 280 مليون نسمة، دورًا مفاجئًا في خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة، التي أُعلنت في سبتمبر (أيلول) 2025 خلال قمة متعددة الأطراف في الأمم المتحدة، وهي ليست مجرد اقتراح لوقف إطلاق النار، بل هي رؤية شاملة لإعادة الإعمار والاستقرار تشمل إزالة حماس، وإطلاق سراح الرهائن، وتشكيل حكومة فلسطينية تكنوقراط. تحت قيادة الرئيس برابوو سوبريانتي، الذي تولى المنصب في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، أعلنت جاكرتا استعدادها لتقديم قوات تصل إلى 20,000 جندي لقوة الاستقرار في غزة، مما يجعلها الدولة الوحيدة التي أعلنت عرضًا علنيًّا بهذا الحجم.
هذا الدور الإندونيسي ليس مصادفة؛ بل إنه يعكس علاقات قوية ناشئة بين ترمب وسوبريانتي، تجاوزت الدبلوماسية التقليدية لتشمل صفقات تجارية عائلية، وطموحات جيوسياسية. في لقاءات مثل قمة السلام في مصر في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، أشاد ترمب بسوبريانتي، واصفًا إياه بـ”رجل مذهل”، في حين سُمع سوبريانتي يطلب لقاءً مع إريك ترمب، مما أثار تساؤلات عن الدوافع الإندونيسية. وراء هذه الفاعلية السياسية تكمن رغبة إندونيسيا في تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، رغم رفضها التاريخي للتطبيع دون إقامة دولة فلسطينية. منذ عصر سوكارنو، كانت إندونيسيا رمزًا للتضامن مع القضية الفلسطينية، لكن تحت سوبريانتي، أصبحت السياسة الخارجية أكثر براغماتية، مدفوعة بطموحات اقتصادية، مثل الانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ، وتعزيز الشراكات التجارية مع الغرب.
خطة ترمب للسلام في غزة، المعروفة رسميًّا بـ”رؤية ترمب الجريئة للسلام”، أُعلنت في 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 خلال بيان من البيت الأبيض، وتتكون من 20 نقطة رئيسة تركز على ثلاث مراحل: وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وإعادة الإعمار دون عودة حماس إلى السلطة. على عكس اتفاقيات أبراهام السابقة في ولايته الأولى (2017-2021)، التي ركزت على التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، تركز هذه الخطة على “الاستقرار الإقليمي” من خلال مشاركة دول إسلامية غير عربية، مما يوسع الدائرة الدبلوماسية لتشمل آسيا الجنوبية الشرقية.
المرحلة الأولى تتطلب تدمير قدرات حماس العسكرية، مع ضمان إطلاق سراح جميع الرهائن خلال 60 يومًا. في المرحلة الثانية، يُقترح تشكيل قوة دولية للاستقرار، غير مرتبطة مباشرة بالأمم المتحدة، لتدريب شرطة فلسطينية تقنية، والإشراف على إعادة الإعمار بقيمة 100 مليار دولار، ممولة من الولايات المتحدة والخليج العربي وعدد من الدول المانحة الأوروبية والآسيوية. أما المرحلة الثالثة فتشمل مفاوضات لدولة فلسطينية “مستدامة”، لكن مع شروط أمنية صارمة لإسرائيل، مما أثار انتقادات من الفلسطينيين بأنها “تصفية للقضية”.
دعم الدول الإسلامية لهذه الخطة كان مفاجئًا، خاصة من إندونيسيا، التي أصدرت بيانًا مشتركًا مع باكستان وأذربيجان في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 يؤكد استعدادها للمشاركة بقوات. ترمب ادعى في خطابه أن “دولًا مثل إندونيسيا عرضت المساعدة لمحاربة حماس”، مما أثار جدلًا بشأن مدى الالتزام الحقيقي، إذ نفت إندونيسيا أي مشاركة عسكرية مباشرة ضد حماس، مفضلة دورًا إنسانيًّا. ومع ذلك، يُرى هذا الدعم على أنه جزء من إستراتيجية ترمب لعزل إيران، حيث تجمع بين دول سنية وشيعية معتدلة لتشكيل “تحالف إسلامي جديد”.
في سياق تاريخي، تعود جذور مشاركة إندونيسيا إلى دورها في حركة عدم الانحياز منذ مؤتمر باندونغ 1955، حيث دعمت سوكارنو القضية الفلسطينية. لكن في 2025، أصبحت إندونيسيا أكثر براغماتية، مدفوعة بضغوط اقتصادية داخلية، مثل تباطؤ النمو إلى 4.5% في الربع الثالث من 2025، مما يجعل الشراكات الدولية ضرورية. هذا التحول يعكس تطورًا في السياسة الخارجية الإندونيسية، من “التضامن الأيديولوجي” إلى “الدبلوماسية الاقتصادية”.
العلاقة بين دونالد ترمب وبرابوو سوبريانتي، التي بدت “قوية” كما وصفها مراقبون في 2025، تعود إلى لقاءات سابقة في ولاية ترمب الأولى، حيث زار سوبريانتي (كان وزير دفاع حينئذ) واشنطن في 2019 لمناقشة صفقات أسلحة. في 2025، بلغت هذه العلاقة ذروتها خلال قمة السلام في مصر في 13 أكتوبر (تشرين الأول)، حيث سُمع سوبريانتي يقول لترمب: “المنطقة غير آمنة أمنيًّا، هل يمكنني مقابلة إريك؟”، فرد ترمب: “سأطلب من إريك الاتصال بك”. هذا الحوار، الذي انتشر عبر وسائل التواصل، أثار شكوكًا عما إذا كان يتعلق بأمن سوبريانتي أم بصفقات تجارية لمنظمة ترمب في إندونيسيا، حيث تمتلك العائلة مشروعات عقارية في بالي وجاكرتا.
ترمب وصف سوبريانتي بـ”صديق رائع” في خطاب أممي في 23 سبتمبر (أيلول) 2025، مشيدًا بـ”ضربة يده على الطاولة” في أثناء كلمته، مما يعكس أسلوبهما الشخصي المشترك في حب مظاهر “القيادة القوية”. هذه العلاقة ليست شخصية فحسب؛ بل إنها إستراتيجية. إندونيسيا، بوصفها أكبر سوق إسلامية، توفر لترمب شرعية في العالم الإسلامي، في حين تحصل جاكرتا على دعم أمريكي في قضايا مثل بحر الصين الجنوبي، حيث وعد ترمب بدعم عسكري إضافي. من الناحية الاقتصادية، ترتبط العلاقة بصفقات عائلة ترمب. في عام 2025، أكد إريك ترمب أن الحوار كان بشأن “مشروعات إندونيسية”، مشيرًا إلى توسعة فنادق ترمب في أرخبيل الملايو.
هذا يثير مخاوف بشأن تضارب المصالح، خاصة مع حملات سوبريانتي الانتخابية في 2024 التي تلقت تمويلًا من رجال أعمال مرتبطين بترمب. ومع ذلك، يُرى في الدوائر الدبلوماسية كـ”دبلوماسية ناعمة” ساعدت على دفع دعم إندونيسيا لخطة غزة. في السياق الإقليمي، ساعدت هذه العلاقة على عزل الصين، حيث اشترت إندونيسيا أسلحة صينية في أكتوبر (تشرين الأول) 2025 رغم توترات أمريكية- صينية، مستفيدة من حاجة ترمب لإندونيسيا في غزة. هذا “التوازن بين الصخور”، كما يُسمى في السياسة الإندونيسية، يعزّز قوة سوبريانتي داخليًّا، حيث ارتفعت شعبيته إلى (65%) بعد قمة مصر (شرم الشيخ).
دور إندونيسيا في خطة ترمب يتجاوز الدعم اللفظي؛ إنه عملي ومتعدد الأبعاد. في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2025، أعلنت وزارة الخارجية الإندونيسية استعدادها للمشاركة بقوات في “قوة الاستقرار”، مع التركيز على الإغاثة الإنسانية والتدريب الأمني. هذا العرض، الذي يشمل 20,000 جندي، يجعل إندونيسيا الشريك الرئيس إلى جانب أذربيجان وباكستان، ويُرى كخطوة لتعزيز نفوذ جاكرتا في الشرق الأوسط، حيث ساهمت سابقًا بمليار دولار في إغاثة غزة منذ 2023.
ومع ذلك، يواجه هذا الدور تحديات داخلية. احتجاجات في جاكرتا في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، شارك فيها ملايين، اتهمت سوبريانتي بـ”الانحياز إلى إسرائيل”، مما أجبر الحكومة على تأكيد أن المشاركة مشروطة بـ”حماية الفلسطينيين”. دوليًّا، ساعدت إندونيسيا على التنسيق بين الدول الإسلامية، حيث استضافت اجتماعًا في بالي في 10 أكتوبر (تشرين الأول) لدعم الخطة، مما أكسبه مديحًا من ترمب كـ”جسر للسلام”. هذا الدور يعكس تحولًا في السياسة الإندونيسية، من “الصوت الفلسطيني” إلى “الوسيط الإقليمي”، مدفوعًا بطموحات سوبريانتي لجعل إندونيسيا قوة على الساحة الدولية في عامه الأول.
وراء الدعم الإندونيسي لخطة ترمب تكمن رغبة خفية في تطبيع مع إسرائيل، رغم الرفض الرسمي. في سبتمبر (أيلول) 2025، أكد وزير الخارجية الإندونيسي أن “لا تطبيع دون دولة فلسطينية”، لكن تقارير إسرائيلية تشير إلى محادثات سرية بشأن تعاون تجاري، خاصة في التكنولوجيا والزراعة. سوبريانتي، المتهم سابقًا بصلات عسكرية مع إسرائيل في التسعينيات، يرى في التطبيع مفتاحًا للانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث تشترط علاقات متوازنة مع الشرق الأوسط.
اقتصاديًّا، يمكن أن تصل التجارة مع إسرائيل إلى 5 مليارات دولار سنويًّا، خاصة في الطاقة المتجددة، مما يدعم طموحات إندونيسيا في التحول الأخضر. سياسيًّا، يُرى التطبيع وسيلة لكسب دعم أمريكي أقوى، خاصة مع ترمب الذي يروج لـ”اتفاقيات أبراهام” تشمل آسيا. ومع ذلك، يُخشى من أخطار داخلية، حيث قد يثير التطبيع احتجاجات إسلامية، كما حدث في 2024 ضد صفقات مع إسرائيل. في النهاية، يمثل دور إندونيسيا في خطة ترمب لحظة محورية، حيث تتحول من داعم فلسطيني إلى وسيط براغماتي، مدفوعة بعلاقات قوية مع ترمب، ورغبة في تطبيع مع إسرائيل. وقد تكون هذه خطوة إندونيسية نحو عالم متعدد الأقطاب، لكنها تتطلب توازنًا دقيقًا للحفاظ على الشرعية الإسلامية.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير