تقارير

أوراق العرب لإجهاض خطة ترمب


  • 30 يناير 2025

شارك الموضوع

السؤال العريض الذي يطرحه الجميع في الوقت الحالي هو: ما الأوراق وملفات الضغط التي لدى الدول العربية من أجل إجهاض خطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، ومن الضفة الغربية إلى الأردن، وهي الخطة التي كرر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الحديث عنها خلال الساعات الماضية؟

الواقع يؤكد أن هناك إجماعًا فلسطينيًّا وعربيًّا وإسلاميًّا، بل من بعض الدول الأوروبية، على ضرورة رفض هذه المخططات التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير السكان، والسيطرة الإسرائيلية المباشرة على قطاع غزة، وربما إعادة الاستيطان من جديد في القطاع الذي كان الإسرائيليون يستوطنونه قبل هروبهم مع أرئيل شارون من غزة عام 2005.

 ومَن يتأمل البيان الذي أصدرته القاهرة في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أي بعد يوم واحد من أحداث 7 أكتوبر، والذي حذرت فيه مصر من “التهجير القسري أو الطوعي” للفلسطينيين، كما حذرت من تصفية “القضية الفلسطينية”، يتأكد له أن مصر كان لديها قرون استشعار قوية وحسابات دقيقة لما تنويه إسرائيل وتفكر فيه، ومن خلفها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وهو اللوبي الذي يحيط بالرئيس الأمريكي الجديد، ويدفع نحو تماهٍ كامل بين رؤية اليمين الإسرائيلي المتطرف مع أجندة ترمب وتحركات تجاه القضية الفلسطينية.

وإدراكًا من الدول العربية لهذا المخطط؛ فإن غالبية العالم العربي، وفي مقدمته مصر والأردن، أعلنوا رفضهم الكامل لمخطط تهجير السكان الفلسطينيين من أراضيهم، وهو ما يؤكد أن لدى الدول العربية كثيرًا من أوراق الضغط التي يمكن أن تفعّلها في الأيام المقبلة ضد تصريحات الرئيس الأمريكي، وهذه الأوراق هي:

أولًا- رفض سياسة العصا والجزرة

منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) لم يتوقف الحديث الأمريكي والإسرائيلي عن ضرورة تهجير السكان الفلسطينيين، ولعل تقسيم قطاع غزة إلى 3 قطاعات بمحور كيسوفيم ونتساريم، وغير ذلك من الحواجز، كان الهدف منه دفع السكان من الشمال والوسط ناحية الجنوب للخروج من قطاع غزة، وهو الهدف نفسه الذي عملت عليه ما تُسمى “بخطة الجنرالات” شمال قطاع غزة طوال أكثر من 120 يومًا من المجازر الإسرائيلية بحق المناطق الواقعة شمال محور نتساريم، ويعلم الجميع في تل أبيب وواشنطن أن الاستهداف العسكري الإسرائيلي الحالي لجنين وطولكرم في الضفة الغربية هدفه واضح؛ وهو تهجير سكان الضفة باتجاه المملكة الأردنية الهاشمية. وفي مراحل مختلفة من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة نشرت إسرائيل خططًا مفصلة تدعي فيها أنها صالحة لتهجير الفلسطينيين، وتوطينهم في مصر، وتم الحديث عن أموال طائلة قدمتها أطراف مختلفة للدولة المصرية حتى تقنعها بقبول الفكرة، لكن مصر – بكل شموخ، ورغم كل التحديات الإقتصادية المختلفة- رفضت كل المغريات والمليارات، وهو نفس ما تكرر مع الممكلة الأردنية الهاشمية، التي أكدت -أكثر من مرة- أن الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين، وهذا الرفض العربي الكامل يعطي رسالة للرئيس الأمريكي أن قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية هي أراضي الدولة الفلسطينية، وهي قضية غير قابلة للمساومة أو البيع كما يحاول سيد البيت الأبيض مع بنما، وغرينلاند، وكندا.

ثانيًا- التلويح بالرأي العام

غالبية السفارات الأمريكية في الدول العربية أرسلت “تقدير موقف” لواشنطن يقول إن الانحياز الأمريكي الأعمى إلى إسرائيل يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة. ونشرت الصحف الأمريكية أكثر من رسالة أُرسلت إلى الإدارة الأمريكية السابقة، ومنها السفارة الأمريكية في كل من الأردن وسلطنة عمان، قالت بوضوح إن استمرار الضغط الأمريكي على الجانب الفلسطيني، وتقديم جميع أشكال الدعم للجانب الإسرائيلي، سوف يضر بالمصالح الأمريكية على مدار “جيل عربي كامل”، وهو جرس إنذار يمكن للدول العربية أن تفعّله في مواجهة خطط الرئيس ترمب.

ثالثًا- “حائط صد” دبلوماسي

تستطيع الدول العربية بقيادة مصر والأردن، ومعهما الدول العربية الفاعلة، “بناء حائط صد دبلوماسي” ضد مخططات واشنطن بحق القضية الفلسطينية. والحق أن مصر -ومعها الأشقاء العرب، وكل الأحرار في العالم- نجحت في إقناع مختلف القوى الإقليمية والدولية بخطورة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، أو تصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني، وفي كل القمم الثنائية والمتعددة الاطراف كانت القاهرة وعمان تؤكدان خطورة تصفية القضية الفلسطينية من بوابة تهجير السكان الفلسطينيين. واليوم، باتت كل دول العالم ضد هذا المشروع، بما في ذلك الإدارة الأمريكية السابقة، التي قالت -بوضوح- إنها ضد التهجير، أو الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، سواء أكان مؤقتًا أم دائمًا.

رابعًا- البقاء والصمود

لعل أبرز وأقوى ورقة ضغط على تل أبيب وواشنطن لوقف مخطط التهجير هي مساعدة الدول العربية على “بقاء الفلسطينيين” في أراضيهم؛ من خلال الدفع بأكبر كمية من المساعدات الطبية والإنسانية لسكان القطاع؛ فعلى سبيل المثال، نجحت مصر وأشقاؤها العرب في تقديم آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية والدوائية، وسيارات الوقود، إلى قطاع غزة، ولا يمكن لأحد أن ينسى اليوم الأول لوقف إطلاق النار، عندما دخلت نحو 916 شاحنة مساعدات في يوم واحد إلى القطاع.

خامسًا- البديل السياسي

أقوى الرسائل التي وجّهها أحد سكان قطاع غزة إلى الرئيس الأمريكي هي دعوته إلى استخدام نفوذه وقوته من أجل إحلال السلام والاستقرار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وليس تهجير السكان وطردهم من بيوتهم، وهو ما تستطيع أن تعمل عليه الدول العربية عن طريق “الإلحاح الدائم” على الحل السياسي، من خلال تأكيد معنى السلام ومكاسبه عندما يتحقق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والدفع بحل الدولتين، والضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل للقبول بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 مايو (أيار) 2024، الذي أقرت فيه قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو (حزيران) 1967، وعاصمتها القدس الشريف، بأغلبية 147 دولة من إجمالي 193 دولة في الأمم المتحدة.

سادسًا- الرفض بالقانون

من المهم في هذه القضايا الشائكة والمعقدة أن تستند المواقف العربية وتتكئ في رفضها للمخطط الأمريكي على القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، ومواثيق جنيف لعام 1949، التي تعتبر -بوضوح- أن تهجير السكان من أراضيهم هو “جريمة حرب كاملة الأركان”، و”جريمة ضد الإنسانية”؛ لأنها تقوم على التطهير العرقي بطرد 2.2 مليون فلسطيني خارج بيوتهم، ولا يمكن لدولة عربية أن تقبل بطرح الرئيس ترمب، حتى لو كانت رؤية ترمب تقول إن الطرد سيكون “مؤقتًا”.

6 أسباب للرفض

ترفض الدول العربية هذه الخطة الخطيرة اعتمادًا على مجموعة من الأسباب، منها:

1- إسقاط حل الدولتين

لا يمكن للأمة العربية أن تقبل بهذا الطرح الأمريكي؛ لأنه يحرم الدولة الفلسطينية من سكانها؛ لأن الدولة في القانون تتكون من “أرض، وشعب، وسلطة”، وإذا طُرد السكان الفلسطينيون فلن تكون هناك دولة؛ فالسكان “ضلع رئيس” في مثلث الدولة، والدولة الفلسطينية منذ قبولها لأول مرة “بصفة مراقب”، في ديسمبر (كانون الأول) 2012، تشمل كلًا من الضفة الغربية، وقطاع غزة والقدس الشرقية؛ ولهذا فإن تفريغ قطاع غزة من السكان يعني تفريغ الدولة الفلسطينية من مضمونها.

2- خلل ديموغرافي

اليوم، هناك تفوق فلسطيني على الإسرائيليين من حيث عدد السكان؛ لأن عدد السكان الفلسطينيين في الضفة وغزة، وداخل الخط الأخضر، يزيد على عدد الإسرائيليين في دولة إسرائيل، وطرد 2.2 مليون نسمة من غزة يعني خللًا ديمغرافيًّا لصالح إسرائيل. وفي 17 سبتمبر (أيلول) 2023، أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن عدد الفلسطينيين تضاعف نحو عشر مرات منذ “النكبة” في عام 1948، ويقدر عددهم الآن في العالم بنحو 14.3 مليون، من بينهم نحو 6.4 مليون لاجئ. على الجانب الآخر، نشرت دائرة الإحصاء المركزي الإسرائيلية الرسمية إحصائية جديدة أيضًا جاء فيها أن عدد الإسرائيليين بلغ فقط 6.814 مليون يهودي يعيشون حاليًا على الأرض ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط. وبالمقارنة بين الإحصائيتين يتأكد أن عدد الفلسطينيين في أراضي فلسطين التاريخية أكثر من 7 ملايين فلسطيني عربي، و6.8 مليون إسرائيلي؛ ولهذا فإن هدف خطة ترمب واضح جدًّا، وهو طرد الفلسطينيين حتى يحقق الإسرائيليون التفوق الديمغرافي، في ظل تأكيد إسرائيل أن نحو 85 ألف إسرائيلي هاجروا نهائيًّا من إسرائيل منذ 7 أكتوير (تشرين الأول) عام 2023.

3- تصفية القضية الفلسطينية

طرد السكان من غزة إلى مصر، وطرد سكان الضفة إلى الأردن، سوف يعني نهاية كاملة للقضية الفلسطينية، ولا يمكن لدولة عربية أن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية بعد دعم كفاح الشعب الفلسطيني لأكثر من 100 عام؛ فدولة مثل مصر دعمت نضال الشعب الفلسطيني قبل قيام إسرائيل نفسها، بداية من ثورة الشعب الفلسطيني عام 1920، التي أطلق عليها “ثورة البراق”، ودعمت القاهرة الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وكل ذلك كان قبل نكبة عام 1948.

4- ضرر كبير بالأمن القومي العربي

لا يمكن للدول العربية أن تسمح بطرد سكان غزة؛ لأن بقاء الشعب الفلسطيني وصموده في أرضه جزء رئيس من الأمن القومي العربي، ولا يمكن للعالم العربي أن يقبل أو يتسامح مع هذه الخطة الشديدة الخطورة.

5- فتح الباب أمام تنازلات عن الأراضي

طرد السكان من غزة، والقبول به، سوف يعني سيطرة إسرائيلية مباشرة على قطاع غزة والضفة الغربية، وقد يقبل ترمب في مرحلة لاحقة ضم غزة والضفة إلى إسرائيل، وهذا سيناريو لا يحتمله أحد، وفي المقدمة منهم سكان غزة، الذين صمدوا أكثر من 15 شهرًا تحت قصف القنابل التي يزيد وزنها على 2000 رطل، وهي القنابل التي استأنف ترمب تصديرها إلى إسرائيل.

6- عدم العودة

تعلم الدول العربية -علم اليقين- أن الحديث عن خروج سكان غزة مؤقتًا ما هو إلا “خدعة كبيرة”، وأن الولايات المتحدة وإسرائيل لن تقبلا بعودة مَن خرج من الأراضي الفلسطينية، وخير شاهد على هذا الأمر هو القرار الأممي رقم 194، الذي يدعو إلى عودة نحو 700 ألف فلسطيني تركوا بيوتهم عام 1948 في أثناء النكبة، وحتى اليوم ترفض إسرائيل عودتهم مرة أخرى إلى أراضيهم.

المؤكد أن مشهد عودة السكان الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة، الذي يضم محافظتي غزة وشمال غزة، وبيت لاهيا، وبيت حانون، وجباليا البلد، ونزلة جباليا ومخيمها، إنما يؤكد أن مخطط الرئيس الأمريكي -ومَن خلفه من المتطرفين في واشنطن وتل أبيب- سوف يسقط سقوطًا مدويًّا.

ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع