
استُبعد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير من قائمة المرشّحين لعضوية “مجلس السلام” الذي اقترحه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للإشراف على مرحلة ما بعد الحرب في غزة. جاء القرار عقب معارضة عربية وإسلامية شديدة لإدراج بلير بسبب دوره القيادي في الهجوم الأمريكي- البريطاني على العراق عام 2003، وما تبعه من غزو وتدمير واحتلال أدى إلى مقتل آلاف المدنيين العزّل.
كان بلير في البداية المرشّحَ الوحيد المعلن عنه لشغل منصب رفيع في المجلس، وقد ذُكر اسمه ضمن “الخطة ذات النقاط العشرين” التي أعلنها ترمب في أواخر سبتمبر لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس. لكن وفقًا لمصادر إعلامية، فإن ردود الفعل الغاضبة على احتمال تعيينه دفعت واشنطن في النهاية إلى إلغاء دوره.
تشير التقارير إلى أنّ عددًا من الحكومات العربية والإسلامية قدّمت اعتراضات رسمية على مشاركة بلير، فيما أكّد مصدر مقرّب منه أنه “لن يكون عضوًا في مجلس السلام”، موضحًا أن المجلس سيضم رؤساء دول ومسؤولين حاليين.
كشفت وسائل إعلام بريطانية أن اللجنة التنفيذية المقترحة -المرجّح أن يرأسها وزير الخارجية البلغاري الأسبق والمبعوث الأممي السابق للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف- ستعمل كحلقة وصل بين مجلس السلام الذي تقوده الولايات المتحدة ولجنة فلسطينية فنية مسؤولة عن الإدارة المحلية.
تأتي جهود إعادة الهيكلة بينما يستعد الرئيس ترمب لإعلان المرحلة الثانية من مبادرة السلام في غزة، بما في ذلك الهيكلية الحاكمة الجديدة للقطاع قبيل عيد الميلاد.
وقال مسؤولون أمريكيون ودبلوماسيون غربيون للقناة الإسرائيلية 12 إن تشكيل القوة الأمنية الدولية والبنية الإدارية الجديدة “في مراحله النهائية”، مع توقّعات بالإعلان في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.
ومنذ وقف إطلاق النار في 13 أكتوبر (تشرين الأول) بين إسرائيل وحماس، سلّمت الحركة جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء، وعددًا من الجثامين، في حين أفرجت إسرائيل عن نحو 2,000 معتقل فلسطيني.
ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن استبعاد بلير يعكس حالة من الارتباك المتزايد التي تحيط بخطة ترمب لغزة، فالخطة -التي شارك في صياغتها جزئيًا “معهد توني بلير”، بالتنسيق مع جاريد كوشنر- تعرّضت لانتقادات لعدم تحديدها جدولًا زمنيًا واضحًا لإقامة دولة فلسطينية، ولطرحها إطارًا قانونيًا منفصلًا لغزة والضفّة الغربية، بما قد يزيد الانقسام بينهما.
وفقًا لخبراء فلسطينيين في الشؤون السياسية والعسكرية، فإن تعثّر الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار يعود إلى ثلاثة تحديات رئيسة: نزع سلاح حماس، والانسحاب العسكري الإسرائيلي، وتشكيل قوة دولية للاستقرار.
ورأى الخبير العسكري اللواء سمير العبّارة أن السلطة الفلسطينية يجب أن تكون جزءًا من أي هيكل حاكم مستقبلي للقطاع، مؤكدًا أنها “الجهة الوحيدة القادرة على تولّي دور إداري مستدام” في غزة.
لكن كلًّا من إسرائيل وحماس ترفض تعزيز دور السلطة؛ إسرائيل لأسباب سياسية، وحماس خشية فقدان السيطرة على القطاع.
قال المحلل السياسي الدكتور أيمن الرقب لقناة “المشهد” إن واشنطن قد تميل الآن إلى تعيين جاريد كوشنر، أو الموفد الرئاسي ستيف ويتكوف، للإشراف على لجنة انتقال غزة.
وفي الوقت نفسه، تشير تقارير غربية إلى أنّ الولايات المتحدة تدرس بدء إعادة إعمار غزة في “المنطقة الصفراء” -وهي منطقة خاضعة لسيطرة إسرائيل بالكامل- بسبب استمرار الخلافات بشأن نزع سلاح حماس.
وتُبقي إسرائيل حاليًا على سيطرتها على 53% من مساحة قطاع غزة ضمن المرحلة الأولى من خطة ترمب.
أما مصر، فقد أعلنت رفضها القاطع لأي ترتيبات قد تؤدي إلى تقسيم قطاع غزة. وأكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي معارضة القاهرة “لأي مقترح يسعى إلى اقتطاع أجزاء من غزة”، مضيفًا أن مصر بدأت بالفعل تدريب قوات شرطة فلسطينية لتولّي المهام الأمنية في القطاع.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة الأمريكية “قريب جدًا”، لكنه أقرّ بأن خلافات كبيرة لا تزال دون حل، خاصة فيما يتعلق بنشر قوة أمنية متعددة الجنسيات.
ويخطط نتنياهو للقاء الرئيس ترمب نهاية الشهر لمناقشة إنهاء حكم حماس في غزة، وضمان المتطلبات الأمنية الإسرائيلية، والمضي قدمًا في المرحلة التالية من خطة وقف إطلاق النار.
ولا يزال وقف إطلاق النار -الذي يدخل شهره الثاني- يتعرّض لاتهامات متبادلة بارتكاب خروقات من الطرفين.
أوضح الدكتور الرقب أن قضية نزع سلاح حماس تبقى “الأكثر إثارة للجدل”. وأضاف أن قطر وتركيا اقترحتا تجميد أسلحة الحركة بدلًا من تفكيكها، في حين تصر إسرائيل على نزع السلاح كليًّا، وترفض حماس كلا الخيارين.
وفيما يتعلق بدور السلطة الفلسطينية، أشار إلى أنّ لدى السلطة نحو 5,000 موظف في غزة يمكنهم تولّي مهام إدارية، لكن العقبات السياسية الداخلية -خاصة تردد الرئيس محمود عباس في إجراء إصلاحات أو انتخابات- تعرقل هذا المسار.
وأكد مسؤولون في حماس أن مقترح تشكيل قوة دولية لنزع سلاح المقاومة بالقوة لم يُطرح قطّ خلال أي نقاشات مع الحركة.
ورأى المحلل السياسي وسام عفيفة أن استبعاد بلير يمثل “أول شرخ كبير” في الخطة الأمريكية للمرحلة الانتقالية في غزة.
خلال زيارة مثيرة للجدل داخل غزة، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال إيال زمير أن “الخط الأصفر” -وهو خطّ حدودي مؤقت رُسم وفق خطة ترمب للفصل بين القوات والمدنيين- أصبح “حدًا طويل الأمد”، وخطًا دفاعيًا متقدمًا لإسرائيل.
وبموجب المرحلة الأولى كان من المفترض أن تنسحب إسرائيل تدريجيًا من المناطق الواقعة غرب الخط الأصفر، وأن يبقى الخط مؤقتًا فقط.
غير أنّ إسرائيل أقامت أكثر من 20 موقعًا عسكريًا دائمًا على امتداد الخط، وشيّدت حواجز خرسانية وأبراج مراقبة وطرقات عسكرية معبّدة، محوّلةً الحدود المؤقتة إلى واقع دائم.
ويشير هذا التطور إلى تغير إستراتيجي نحو احتلال طويل الأمد لمساحة تُقدّر بـ210 كيلومترات مربعة، أي ما يزيد على نصف مساحة غزة.
وتتعارض تصريحات زمير مع تطمينات نتنياهو بشأن التقدم نحو المرحلة الثانية، مما يثير مخاوف من وجود تناقضات داخلية بين القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
يُعدّ تحويل الخط الأصفر إلى حدود دائمة خرقًا خطيرًا لخطة ترمب، التي تنص على انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية، وعودة السكان إلى منازلهم وأراضيهم الزراعية، ومنع استخدام المنطقة العازلة أداةً للتغيير الديموغرافي، أو الهندسة الجغرافية.
بدلًا من ذلك، تهدد الإجراءات الإسرائيلية الحالية بترسيخ تهجير دائم لآلاف الفلسطينيين، وتفتيت غزة إلى مناطق منفصلة، وتقويض عملية إيصال المساعدات وإعادة الإعمار
يهدد التمركز الإسرائيلي على طول “الخط الأصفر” بنسف الإطار بكامله قبل بدء المرحلة الثانية.
ومع توقع إعلان ترمب المرحلة المقبلة قريبًا، تبقى الساحة السياسية في غزة غير مستقرة، ومشحونة بالتجاذبات الإقليمية والدولية المتنافسة.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير