تقدير موقف

أزمة الدبلوماسية الصينية في الصراع الهندي- الباكستاني


  • 10 مايو 2025

شارك الموضوع

في 22 أبريل (نيسان) 2025، هاجم مسلحون مجموعةً من السياح في الشطر الهندي من كشمير؛ ما أسفر عن مقتل (26) شخصًا، وإصابة آخرين. ولطالما ألقت الهند باللوم على باكستان في معظم أعمال العنف في كشمير، وهي منطقة حدودية جبلية تدّعي كل من الدولتين تبعيتها لأراضيها. وتُعد جبهة المقاومة التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم جماعةً جديدةً نسبيًّا. ويرى الكثيرون في الهند أن جبهة المقاومة وكيل لجماعةٍ إرهابيةٍ أقدم، مقرّها باكستان، وهي جماعة لشكر طيبة. في عام 2019، شنت الهند غارة جوية على معسكر تدريب لجماعة جيش محمد في بالاكوت، وهي بلدة في مقاطعة خيبر الباكستانية، وجاءت الضربة ردًا على الهجمات الكبرى في بولواما في جامو وكشمير التي أودت بحياة (40) من أفراد الأمن الهنود. الحادث والغارات الجوية الباكستانية التي أعقبت ذلك بوقت قصير أججت أزمة بين نيودلهي وإسلام آباد، وأثارت هذه الحادثة مخاوف كبيرة بشأن صراع مسلح تصعيدي محتمل، وحرب شاملة بين الهند وباكستان. وعلى الرغم من تجنب صراع عسكري متصاعد بصعوبة، فإنه كانت هناك منذ ذلك الحين خلافات بشأن تداعيات هذه العملية الحدودية.

وفقًا لرواية نيودلهي لما بعد بالاكوت، فقد أرست الغارة الجوية “وضعًا طبيعيًّا جديدًا” للتصدي للهجمات الإرهابية الصادرة من داخل الأراضي الباكستانية من خلال إيقاع العقوبة على الجناة. بالنسبة لنيودلهي، كسرت الضربات أيضًا تعويذة الردع النووي لإسلام آباد. ومع ذلك، فقد أثيرت الشكوك بشأن وصف نيودلهي “للوضع الطبيعي الجديد” من خلال الضربات الجوية، لا سيما بالنظر إلى الاستخدام الأخرق لسياسة حافة الهاوية من كلا الجانبين في الأزمات السابقة، ونهج إسلام آباد الغامض تجاه الخيار النووي إذا طغت عليها القوة العسكرية التقليدية للهند.

يمكن تفسير إظهار إسلام آباد غير المتوقع لضبط النفس بعد ضربات بالاكوت بطريقة أخرى؛ فعلى سبيل المثال، نظرت إسلام آباد إلى العمل المحدود للقوات الجوية الهندية على أنه عُوِّض -على نحو متناسب- من خلال التحرك المضاد التقليدي لباكستان، ولم ترَ أن الضربة تتجاوز الحد الأدنى المحدد لأشكال الردع العسكري الأخرى. ومن الملاحظ أن النخب العسكرية الباكستانية لم تتخلَّ عن تفكيرها المعتاد الذي يربط الدفاع بترسانتها النووية، ويُعدُّ سعي إسلام آباد الدؤوب إلى تطوير أسلحة نووية تكتيكية دليلًا قاطعًا على ذلك. أما من جانب الهند، فلا تزال كيفية تفعيل مبدأ “البداية الباردة” المُبالغ فيه موضع تساؤل؛ مما يُفاقم الغموض الذي يكتنف احتمالات أي صراع هندي باكستاني؛ ومن ثم يبدو من غير المُقنع أن أي حالة طوارئ مستقبلية من نوع بولواما سابقًا، أو ما يحدث الآن بعد هجوم باهالغام يُمكن حلها ببساطة باستخدام غارة جوية (أو “ضربة جراحية” برية) دون دوامة من التصعيد والخطر النووي.

بين الدول المجاورة المسلحة نوويًّا، يجب أن تُعطى الدبلوماسية الأولوية على الردود العسكرية في جنوب آسيا، حتى لو كانت الخيارات الأخرى -مثل استعراض القوة العسكرية، أو اتباع نهج الضغط الأقصى، أو تحقيق مكاسب سياسية محلية- مربحة في آثارها الفورية. كان لدى الهند أسباب لطلب التعاطف والدعم في أعقاب كُل هجوم، لكن هدف دبلوماسيتها في الأزمات بدا وكأنه مُصمم لتبرير ضربة لاحقة مُخالفة، بدلًا من استكشاف بدائل تُزيل شعورها بانعدام الأمن. كما أن عدم اهتمام نيودلهي بالخروج الدبلوماسي من إسلام آباد، وقرارها تنفيذ عملية “استباقية” جريئة عبر الحدود، قد أثمرا تلبية الاحتياجات السياسية المحلية لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم. وبالنظر إلى الماضي، كان من الممكن أن يكون هناك وقت كافٍ للتواصل بين الطرفين قبل التصعيد، ففي خضم المخاوف الدولية التي أعقبت الهجوم المسلح -على سبيل المثال- كان بإمكان الهند الاستفادة من وضع أفضل للدفع في الوقت المناسب برغبة إسلام آباد المُعلنة في التعاون والضغط من أجل اتخاذ إجراءات مُشددة ضد الجماعات المسلحة المُناهضة للهند داخل حدودها.

عام 2019، هدأت الأزمة في نهاية المطاف بعد تبادل متباين للمواقف العدائية والمبادرات التصالحية بين نيودلهي وإسلام آباد؛ مما يشير إلى أن الخصمين النوويين لم يرغبا قط في خوض حرب شاملة، لكن -مع الأسف- لم يُنظر إلى نهاية الأزمة على أنها نتيجة أي دبلوماسية ثنائية مقصودة وفعالة. والأهم أنه في غياب التعزيزات الدبلوماسية لما بعد الأزمة، ظلت المشكلات الأساسية قائمة؛ مما يعني أن أي أزمة محتملة -مثلما حدث الآن- تعيد إشعال المخاوف من تصاعد الصراع المسلح. وقد تكون الأزمة الحالية أكثر تهديدًا وتداعيات من بالاكوت، بالنظر إلى جذور الصراع: شبح الإرهاب الذي يطارد الهند منذ سنوات، والمشاعر القومية المتصاعدة في كلا البلدين، وحالة الجمود في كشمير كأسباب كامنة. كما أن الميل إلى الصراع بين الدول، وغياب منصات موثوق بها لإدارة الأزمات، سواء أكانت شاملة أم مؤقتة، واقع مروع في جنوب آسيا؛ لذا أصبحت الضرورة الجديرة باهتمام الدولتين المتنافستين في جنوب آسيا تتمثل في إدخال مجموعة من البروتوكولات المؤسسية وطويلة الأمد لمعالجة حساسية كل منهما، واستقرار علاقاتهما على أساس روتيني.

كما هي الحال في الأزمات الهندية الباكستانية السابقة، أبرزت قضية بالاكوت أهمية وساطة الأطراف الثالثة في إدارة الأزمات المتفاقمة، ففي ظل تنافس دائم بين الجارتين النوويتين، يبدو أن الدور البناء للجهات الفاعلة الدولية لا غنى عنه في منع نشوب صراع شامل محتمل. قد لا يكون حذر نيودلهي من أي نفوذ خارجي في أزمتها مع باكستان، تمامًا كما هي الحال مع اهتمام إسلام آباد بالوساطة الخارجية -ويرجع ذلك أساسًا إلى نية حتمية لجذب تدخل خارجي في قضية كشمير المتنازع عليها- أمرًا يصعب فهمه من جانبها، ولكن يجب أن يستند هذا الموقف إلى فعالية متوقعة لإدارة الأزمات الثنائية.

 الآن، قد تمثل وساطة خارجية مناسبة، بدلًا من أن تكون عامل تغيير في معادلة القوة القائمة، معززًا لتهدئة الصراع، والعودة إلى المسار الدبلوماسي. على سبيل المثال، أثبتت المساعي الحميدة لأطراف ثالثة، منها الصين، فعاليتها الكبيرة في نزع فتيل صراع كارجيل عام 1999، وهو صراع خطير اندلع بعد فترة وجيزة من تسليح شبه القارة الهندية بالسلاح النووي. في ذلك الوقت، دفعت الصين -إلى جانب الولايات المتحدة- إسلام آباد إلى سحب قواتها من كارجيل، والتحرك نحو حل دبلوماسي، وهي الخطوة الأساسية لتخفيف التوترات المتصاعدة، وتجنب الحرب. وقد اعتُبر ذلك تراجعًا من جانب الصين عن موقفها السابق الداعم لأزمة إقليمية.

حددت الصين دورها في أزمات جنوب آسيا بوصفها وسيطًا للسلام والمصالحة، معربةً عن قلقها إزاء التوترات الهندية الباكستانية المطولة، واحتمال تصعيد الصراع. في الواقع، قد يؤثر انخراط بكين غير المتكافئ مع نيودلهي وإسلام آباد في تصورها لأزمة جنوب آسيا. ومن الصحيح أيضًا أن الشراكة الإستراتيجية بين الصين وباكستان نجحت، وأن علاقات الصين مع الهند ازدادت توترًا في السنوات الأخيرة، ويُعزى ذلك أساسًا إلى المواجهة الشديدة على طول حدودهما غير المرسومة. ومع ذلك، فإن التحالفات الجيوسياسية في المنطقة ليست هي العدسة الوحيدة التي ترى بكين من خلالها التوترات الهندية الباكستانية. وهذا يعني أن الصين تنوي أيضًا تقييم ما يحدث بين الطرفين بالفعل بناءً على مزاياها الخاصة قبل اتخاذ خيار سياسي مناسب.

في ضوء التوترات الحالية، لا تزال كشمير بؤرة توتر في العلاقات الهندية الباكستانية، وستواصل تعزيز المشهد الأمني ​​الإقليمي غير المستقر. وفي ضوء هذا الأساس المنطقي، كانت هناك مخاوف مبررة بشأن تداعيات تغيير الهند للوضع القانوني لكشمير الخاضعة للإدارة الهندية. وقد أشار هذا -إلى جانب تدابير أخرى، مثل قانون تعديل المواطن المثير للجدل في عام 2019، والذي من شأنه أن يزيد من تعقيد العلاقات المتوترة بين الهند وباكستان- إلى نهج نيودلهي المتشدد في السياسة الداخلية والخارجية، وفي الوقت نفسه، دفع إسلام آباد إلى رد فعلٍ حادٍّ وتشككٍ في أماكن أخرى. وبهذا المعنى، فإن جوهر المسألة لتجنب أزمةٍ حرجةٍ أخرى من التحول إلى مواجهةٍ عسكريةٍ بين الهند وباكستان -بالإضافة إلى معالجة خطر الإرهاب والقضاء عليه- لا يزال يكمن في تحسينٍ كبيرٍ لعلاقاتهما الثنائية القائمة على جهودٍ موثوق بها لبناء الثقة.

وفي سياق أوسع، سيتأثر السيناريو الإقليمي المتغير بمدخلات خارجية متعددة، بدءًا من التقارب الإستراتيجي بين الهند والولايات المتحدة، والقطيعة بين باكستان والولايات المتحدة، وصولًا إلى الشراكة الصينية الباكستانية المستدامة، إلى جانب مسار غير مؤكد في علاقات بكين مع نيودلهي. وحاليًا، هناك شك بشأن أي فرص للتنسيق الصيني الأمريكي في إدارة أزمات جنوب آسيا، على غرار أزمة كارجيل السابقة؛ بسبب العلاقات الثنائية المتوترة بين بكين وواشنطن.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع