أبحاث ودراساتبريكس بلس

أزمة البريكس..البحث عن نظام عالمي بديل


  • 10 يونيو 2024

شارك الموضوع

مقدمة

البنية العالمية كما بُنيت بعد عام 1945، محل صراع ممتد، ففي حين تعمل مجموعة البريكس على إضفاء الطابع المؤسسي على نفسها بوصفها أساسًا جديدًا لعالم متعدد الأقطاب، يقابل هذا الطرح تساؤلات كثيرة عمّا إذا كانت مجموعة البريكس أساسًا لعالم جديد يزخر بالقوى الإقليمية والدولية، فمتى كانت آخر مرة انخرطت فيها مجموعة البريكس في صراع عسكري؟ أو في حل نزاع دولي؟ أو في إنقاذ عضو من أزمة اقتصادية؟

تثار تلك التساؤلات في وقت تنتظر فيه المجموعة ثمار أول عملية توسع مدروسة، بدأت منذ يناير (كانون الثاني) 2024، حين دعت البريكس ست دول لتصبح أعضاء؛ وهي: الأرجنتين، والسعودية، ومصر، وإيران، وإثيوبيا، والإمارات، لكن الأرجنتين رفضت الانضمام بعد تولي خافيير مايلي حكم البلاد.

ومع هذا التوسع يوجب على التكتل إضفاء الطابع المؤسسي، لا سيما أن البريكس حتى الآن ليس لديه مقر أو أمانة عامة، بل يقتصر على اجتماع سنوي لرؤساء الدول، بدون هيكل رسمي دائم، ومن الصعب تخيل أن مجموعة من تسع دول وربما أكثر في المستقبل تعقد مؤتمرات قمة دون شكل مؤسسي دائم وواضح؛ لذا تجادل تلك الورقة بشأن الوزن الفعلي لمجموعة البريكس، ومستقبل تلك المجموعة بعد ما يقرب من ستة أشهر من إضافة أعضاء جدد ذوي ثقل سياسي واقتصادي إلى المعادلة لتنفيذ الجهود الرامية إلى تحويل الكتلة إلى منتدى جيوسياسي يدعم مصالح مؤسسيه.

دعائم القوة

إن اختصار “بريك” كان مدفوعًا في البداية برؤية للتعاون الاقتصادي، فوجهات النظر المشتركة والمتوافقة بين الأسواق الناشئة الأربع فيما يتصل بقضايا إصلاح الإدارة العالمية، كانت سببًا في وجودها، ولكن مخاوفها المشتركة بشأن اتجاه التنمية العالمية وقوة المؤسسات التي يهيمن عليها الغرب، كانت تعني أن أجندة المجموعة كانت سياسية أيضًا، حيث بدأت مجموعة البريكس تبرز باعتبارها المنصة الرئيسة للجنوب العالمي، التي تعبر عن معارضة البلدان النامية لما يسمى إجماع واشنطن، وهو التوجه الذي تأكد من خلال إضافة جنوب إفريقيا؛ الاقتصاد الإفريقي الوحيد في مجموعة العشرين.

وبعد توسع البريكس لتشمل دولًا إضافية، مثل مصر، وإثيوبيا، وإيران، والإمارات، والسعودية بداية هذا العام، تفتخر مجموعة البريكس الآن بأن عدد سكانها مجتمعين يبلغ نحو 3.5 مليار نسمة، أي ما يقرب من نصف إجمالي سكان العالم، وبهذا تمثل مجموعة البريكس 36 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و25 % من التجارة العالمية، وهو ما يمكن أن يؤثر كثيرًا في العلاقات الدولية إذا أصبحت البريكس نظيرًا شرعيًّا لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى.

ينعكس الاهتمام المتزايد بعضوية مجموعة البريكس في تطلعات العضوية لدى كثير من الدول، حيث تُقيَّم حاليًا أكثر من اثنتي عشرة دولة للجولة التالية من القبول، ومع نمو دول البريكس، تطمح المجموعة في تحقيق الحوكمة الاقتصادية العالمية، ونظام سياسي قائم على التعددية القطبية، مما يحقق المساواة للدول النامية، لقد طورت البريكس آلية تعاون شاملة أثبتت نجاحها في مختلف المجالات، منها الاقتصاد، والثقافة، والتعليم، والتكنولوجيا، والرعاية الصحية.

فمنذ أيام وافق مجلس الوزراء التايلاندي في 28 مايو (أيار) المنصرم على تحركه الإستراتيجي ليصبح عضوًا في مجموعة البريكس، إذ يعد سعي تايلاند إلى الانضمام إلى مجموعة البريكس دليلًا على النفوذ المتزايد للكتلة، والصوت المتزايد للدول النامية على الساحة الدولية؛ لأن تايلاند مشارك نشط في الشؤون العالمية، فضلًا عن هيكلها الاقتصادي المتنوع الذي يتمتع بقدرة قوية على مقاومة المخاطر؛ ومن ثم فإن انضمام تايلاند إلى عضوية مجموعة البريكس سيعزز دورها على الساحة الدولية، ويزيد فرصتها في المشاركة في صنع السياسات الاقتصادية الدولية، وإنشاء نظام عالمي جديد، حيث تمنح البريكس منصة لتوسيع السوق التايلاندية، وتعزيز التجارة مع الدول الأعضاء الأخرى، وسيوسع الانضمام إلى عضوية البريكس من مشاركة تايلاند الاقتصادية والإستراتيجية مع الصين؛ ومن ثم ضمان زيادة العائدات الاقتصادية لكلا الجانبين، وتعزيز علاقتهما الطويلة الأمد.

ولعل رغبة تايلاند في الانضمام إلى التكتل لا تمثل خطوة مهمة للمملكة نفسها فحسب؛ بل ستفيد أيضًا دول آسيان الأخرى، ففور أن تصبح تايلاند عضوًا في البريكس، فإن مشاركة المملكة ستمهد الطريق لمزيد من التعاون بين دول الآسيان الأخرى والدول الأعضاء في البريكس، خاصة أن تايلاند أولت أهمية كبيرة للتعددية، وزيادة تمثيل الدول النامية في النظام الدولي، وهو ما يتماشى مع مبادئ البريكس.

وعلى غرار تايلاند، أعلن وزير الخارجية التركية، هاكان فيدان، في الخامس من يونيو (حزيران) الجاري رغبة أنقرة في الانضمام إلى بريكس، التي ستُناقَش في اجتماع وزراء خارجية المجموعة في روسيا يومي 10 و11 يونيو (حزيران) الجاري، وأشار فيدان إلى أن بعض الدول الأوروبية تعارض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؛ لذلك ترى أنقرة في البريكس منصة بديلة للتكامل، حيث تعكس رغبتها في الانضمام إلى مجموعة بريكس الاتجاه العام للسياسة الخارجية التركية المتعددة الاتجاهات في العقود الأخيرة، حيث يرى أردوغان أن الغرب يضعف؛ لذا ينوّع علاقاته وتحالفاته في المنطقة.

مبررات الضعف

تواجه المجموعة التي ظهرت في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي تتكون من البرازيل، وروسيا، والهند، وجمهورية الصين الشعبية، وجنوب إفريقيا لاحقًا، تحديات متزايدة مع استمرارها في التوسع، فمع أن التوسع يمكن أن يعزز مكانة المجموعة، فإن وجود عدد كبير من الأعضاء الجدد يخاطر بإضعاف مجموعة البريكس، مما يجعلها غير فعالة إذا استمرت في العمل على أساس الإجماع.

يدلل على هذا الضعف اختلاف الدول الأعضاء بشأن كيفية المضي قدمًا في المنظمة، ففي حين تتصور الهند أن المجموعة تدشن نظام حكم عالميًّا متعدد الأقطاب، تسعى الصين إلى إنشاء آلية لمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، ومن هنا إذا اتبعت مجموعة البريكس نهج الهند، فيمكنها تعزيز التعاون بين البلدان النامية، وعلى هذا الأساس، ستشارك مع مجموعة السبع لمناقشة سبل إصلاح النظام الاقتصادي والمالي الدولي والتعامل مع المشكلات العالمية، مثل آثار تغير المناخ، وهو النهج الذي يجذب كثيرًا من الدول النامية التي ترغب في إصلاح النظام الاقتصادي والمالي الدولي الحالي، دون أن تنحاز صراحةً إلى جانب الولايات المتحدة والصين.

لكن إذا فاز توجه الصين، فمن المرجح أن تصبح مجموعة البريكس منصة للنشاط السياسي المناهض للولايات المتحدة؛ ما يهدد قدرة البريكس على تقديم فوائد ملموسة لكثير من البلدان النامية، فضلًا عن التخوف من أن تصبح البريكس دمية في يد الصين لتعزيز طموحات بكين الجيوسياسية، مثل مخطط البنية التحتية لحزام واحد، وطريق واحد، ومبادرة الأمن العالمي، التي ستعمل في نهاية المطاف على تعزيز مصالح جمهورية الصين الشعبية على حساب مصالح كثير من الاقتصادات الناشئة.

وفي الوقت نفسه، تواصل الهند والصين الصدام ليس فقط إزاء مستقبل مجموعة البريكس، ولكن أيضًا إزاء قضايا الحدود السياسية والاقتصادية، وتواصل بكين إحباط نيودلهي من خلال دعم باكستان باستمرار على حساب الهند في القضايا الإقليمية، وبالإضافة إلى دفع المشروعات الاقتصادية، ومشروعات البنية التحتية مع باكستان، تعمل جمهورية الصين الشعبية على تعزيز التعاون العسكري، وتزود باكستان بالأسلحة.

 ففي أواخر أبريل (نيسان) 2024- على سبيل المثال- أطلقت الصين أول غواصة من أصل ثماني غواصات من طراز هانجور تعمل على تطويرها لباكستان، وعلى نحو مماثل، تواصل روسيا، التي تفضل النهج الذي تتبناه الصين في التعامل مع مجموعة البريكس، من خلال تزويد باكستان بأسلحة تتراوح بين الأسلحة الصغيرة وطائرات الهليكوبتر الهجومية من طراز Mi-35M، والأنظمة المضادة للدبابات، وأسلحة الدفاع الجوي.

ومن جانب آخر، يضاف إلى سلسلة المهددات لكيان البريكس أنه ليس تحالفًا عسكريًّا؛ لأن أعضاءه لا تربط بينهم ضمانات متبادلة، وليس لديه أي شكل من أشكال القوات المشتركة، ولا يعمل على نحو مشترك في أي عمليات دفاعية، ولا يجري حتى تدريبات مشتركة. بالإضافة إلى أنه ليس اتحادًا اقتصاديًّا؛ لأنه لا يوجد اتفاق تجاري محدد يربط بين دول البريكس، ما يجعل المجموعة تعاني أزمة هوية عميقة بشأن تحديد أهدافها الإستراتيجية.

ولعل التحدي الأبرز لقوة المجموعة هو أن يؤدي توسعها الأخير إلى جعل البريكس أكثر شبهًا بمنظمة الأمم المتحدة، فكلما زاد عدد الدول التي انضمت؛ قل اتحاد البريكس حول أهداف جيوسياسية مشتركة، وتثبت اللغة الخطابية في قمم مجموعة البريكس هذا من خلال تبني نهج دبلوماسية نموذجية تتضمن قليلًا من الاقتراحات الملموسة، وتكشف عن ذلك الخلل؛ الحرب بين حماس وإسرائيل، حين دعت جنوب إفريقيا- لأول مرة في تاريخ المجموعة- إلى اجتماع طارئ افتراضي لمجموعة البريكس، لكن تم تخطيه من جانب ممثلي الهند، حيث أرادت نيودلهي تجنب الانضمام إلى أعداء إسرائيل؛ ومن ثم فإن المجموعة في شكلها الحالي لا يمكن أن تُفهم أيضًا على أنها جبهة مناهضة للغرب، أو جبهة مناهضة للولايات المتحدة، حتى مع أن عضوين على الأقل من أعضائها (روسيا والصين) سيكونان متحمسين لقيادة هذا التحالف.

مستقبل البريكس

انضمت السعودية، ومصر، والإمارات، وإيران، وإثيوبيا إلى البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا لبدء فصل جديد للبريكس. إن مضاعفة عضويتها هي شهادة على الجاذبية العالمية القوية للمجموعة مع بلوغها عامها الثامن عشر، وكذلك على تماسك البلدان النامية، على الرغم من اختلاف أحجامها، ومراحل تطورها، وأنظمتها السياسية، وإلى جانب الأعضاء الخمسة الجدد، سجلت عشرات الدول للانضمام إلى البريكس، منها الكويت، وبيلاروس، وكازاخستان، وبوليفيا.

وفي ظل البيئة الدولية المتزايدة التعقيد، والتدهور الاقتصادي العالمي، وبيئة الصراعات المتلاحقة في أوكرانيا وغزة والسودان، تواجه كثير من البلدان النامية مشكلات مثل ضغوط الديون، وارتفاع التضخم، وتباطؤ النمو؛ لذا من المنتظر أن يساعد الأعضاء الخمسة الجدد، بصفتهم ممثلين لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، على توسيع النطاق العالمي للكتلة ونفوذها؛ مما يمنحها وزنًا أكبر كعامل استقرار اقتصادي عالمي، ويُنتظر من مجموعة البريكس الموسعة حديثًا تنسيق الجهود لتعزيز النمو المشترك، وحماية التعددية، وتقديم مساهمات أكبر لتحقيق حوكمة عالمية أكثر عدلًا وإنصافًا.

في إطار هذا النهج، توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتصف مايو (أيار) الماضي إلى الصين في أول زيارة خارجية يقوم بها بعد توليه مهام ولايته الرئاسية الخامسة؛ ما عكس درجة اهتمام الكرملين بتنسيق المواقف مع بكين في المرحلة المقبلة، حيث كشفت الزيارة عن دعم الصين روسيا بصفتها رئيسة مجموعة بريكس هذا العام، وضرورة إنجاح انعقاد القمة السادسة عشرة للمجموعة المزمع عقدها في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وتعزيز آليات عملها، وستواصل روسيا والصين توطيد الدور المتزايد للمجموعة في الشؤون الدولية، وتطوير التعاون على نحو ديناميكي في صيغة “بريكس بلس”، ودعم تكامل الدول الأعضاء الجديدة.

وانطلاقًا من هذا، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن المشاركين في اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجموعة بريكس سيركزون على وضع توصيات لتشكيل آليات مالية مستقلة عن الغرب، خلال المجلس الوزاري لدول بريكس المزمع انعقاده يومي 10 و11 يونيو (حزيران) الجاري في مدينة نيجني نوفغورود الروسية، حيث سيشكل هذا الاجتماع منصة حاسمة لتعزيز الأهداف الجماعية لمجموعة البريكس.

فعلى مدى الأعوام السبعة عشر الماضية، كانت البريكس منصة لدول البريكس الخمس لتعزيز تعاونها بهدف تعزيز صعود الجنوب العالمي، ويجسد بنك التنمية الجديد- الذي يتخذ من شنغهاي مقرًا له- واتفاق احتياطي الطوارئ، الطبيعة المثمرة والعملية لتعاون الكتلة؛ ومن ثم فإن المستقبل الأبرز لمجموعة البريكس، بعيدًا عن الخطاب الدبلوماسي، هو تشكيل تعاون اقتصادي بحت ومحايد سياسيًّا، ارتكازًا على ما تمتلكه المجموعة، وهو البنك الخاص بها؛ بنك التنمية الجديد، الذي يعد إنجازًا في ذاته؛ لأنه من النادر أن ينشئ كيان غير رسمي- مثل البريكس- كيانًا رسميًّا؛ لذا فإن هناك مجالًا واسعًا للتعاون الاقتصادي داخل المجموعة؛ نظرًا إلى أنها تجمع بين البلدان التي لديها رؤوس أموال ضخمة لتقديمها قروضًا، مثل الصين، والإمارات، مع البلدان النامية التي هي في أمس الحاجة إلى الأموال لمشروعات التنمية المنشودة.

الخاتمة

يكمن وراء قضية توسعة البريكس سؤالان معقدان جدًّا؛ أولًا: هل هي منظمة اقتصادية أم منظمة جيوسياسية؟ ثانيًا: إذا كانت مجموعة البريكس كتلة جيوسياسية- في المقام الأول- فهل تصبح الأداة الرئيسة لظهور محور عالمي بقيادة الصين وروسيا؟ وهو الهدف الذي يبدو أن الصين تدعمه، وأن التوسع المقترح والدول المرشحة المفترضة اختيرت لخدمة هذا الهدف، ليبقي الرد الهندي هو المعيار المحدد لمستقبل تلك المجموعة.

وفي العام المقبل، سوف تحتاج إستراتيجية البريكس التي قُدِّمَت عام 2020 إلى التجديد، وربما تنذر الكيفية التي قد تنتهي بها عملية تدشين تلك الإستراتيجية إلى ما إذا كانت الهند قادرة على قيادة الطريق نحو رؤيتها لنظام حكم عالمي متعدد الأقطاب يعمل على تعزيز الاقتصادات الناشئة، ويمنحها صوتًا وتمثيلًا أكبر، خاصةً بعد أن تغيرت البيئة العالمية كثيرًا في السنوات الأخيرة، وتفاقمت ردود الفعل العنيفة ضد العولمة والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، فضلًا عن الشكوك المتزايدة لدى الولايات المتحدة الأمريكية بشأن نيّات الصين الجيوسياسية، بسبب الأعمال العدائية العسكرية المستمرة بينها وبين الهند.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع